Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طاجيكستان بعد كازاخستان تتمرد على روسيا فمن التالي؟

قال رحمون لبوتين "عاملونا باحترام" وتوقايف يتراجع بشكل غير مباشر عما أفصح عنه من مشاعر وانتقادات لموسكو

عزا بوتين كثيراً من المشكلات إلى "محاولات خارجية لمنع تطور اندماج روسيا مع بلدان آسيا الوسطي" (أ ب)

بعد كازاخستان عادت طاجيكستان ولم تكن قد توقفت بعد عن سابق توجهاتها إلى رفع راية التمرد على موسكو، فبعدما أفصح عنه رئيس كازاخستان قاسم توقايف خلال منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي في يونيو (حزيران) الماضي من تذمر وغضب جراء عدد من مشاهد علاقات روسيا مع بلاده، لا سيما على صعيد سياساتها الإعلامية، فجّر رئيس طاجيكستان إمام على رحمون ما يشبه القنبلة السياسية الإعلامية خلال القمة الأولى لتجمع رؤساء روسيا وبلدان آسيا الوسطى التي جرت قبل أيام في الأستانة، بعد تراجع أوزبكستان المجاورة عن اتفاق التعامل عبر بطاقات الائتمان الروسية (مير) تحت ضغوط ثمة من يقول إنها من وزارة المالية الأميركية.

ومن اللافت في هذا الصدد أن ذلك جرى بالتزامن مع اندلاع الخلافات الحدودية بين طاجيكستان وقرغيزستان وفي أعقاب مناورات عسكرية مشتركة بعنوان "التعاون الإقليمي 22" شاركت فيها معظم بلدان آسيا الوسطى تحت إشراف مباشر من القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، وكان موقع قناة "روسيا اليوم" الناطقة بالعربية نقل عن السفارة الأميركية في العاصمة الطاجيكية دوشنبه بياناً كشفت فيه عن "وجود مكون ثنائي لطاجيكستان والولايات المتحدة" خلال هذه المناورات، مدته خمسة أيام ويتضمن تدريبات ميدانية في مركز فخر آباد، وثمة من رأى فيها تجاوزاً ومساساً بمقتضيات وجود القاعدة العسكرية الروسية الأكبر في طاجيكستان.

انتفاضة رحمون

تلك كانت المقدمات التي استبقت القمة الأولى "غير المسبوقة" لرؤساء روسيا وبلدان آسيا الوسطى التي استضافتها أستانة في الذكرى الـ 30 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وهذه البلدان في وقت لاحق لقمة ثلاثية جرت في إطار وساطة روسية لوضع حد للاشتباكات العسكرية المتلاحقة بين طاجيكستان وقرغيزستان، حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلالها تهدئة الأجواء بين البلدين الشقيقين.

وعلى رغم أن إمام علي رحمون كان أفرط في الترحيب ببوتين الذي اختار طاجيكستان مقدمة لرحلته الخارجية  الأولى في الـ 27 من يونيو (حزيران) الماضي إلى آسيا الوسطى منذ بداية "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، فقد كان الزعيم الطاجيكي رحمون أول من رفع نبرة التحدى والمواجهة في واقعة غير مسبوقة في تاريخ علاقات البلدين منذ نحو 30 عاماً، وكانت وكالات الأنباء المحلية والعالمية توقفت عند الكلمة "المرتجلة" التي ألقاها رحمون بلغة روسية "تحتاج إلى كثير من المراجعة اللغوية"، وأعرب فيها عن غضب وسخط دفينين من جانب بلاده تجاه مستوى تعامل روسيا والمسؤولين فيها معها.

وإذا كانت وسائل الإعلام الروسية الرسمية أسهبت في نقل ما قاله رحمون حول "الموقف الراهن على صعيد الأوضاع الأمنية ومواجهة التحديلات الراهنة أمام بلدان المنطقة"، فإن العالم كله توقف أكثر عند ما أوجزه رحمون في شأن "رغبة بلاده في تعامل أكثر احتراماً" من جانب روسيا، وكان رحمون أفرغ ما يعتمل في صدره من مشاعر حول مستوى تعامل روسيا مع بلاده.

طالب رحمون بمعاملة أكثر احتراماً وليس على غرار ما كان يفعل الاتحاد السوفياتي السابق مع بلدان آسيا الوسطى، على حد تعبيره، وأعاد رئيس طاجيكستان إلى الأذهان أن الاتحاد السوفياتي السابق "لم يكن يولي اهتماماً للجمهوريات الصغيرة والشعوب الصغيرة"، مشيراً إلى أنه "لم يكن يأخذ التقاليد والعادات في الاعتبار"، وأشار إلى عدم استجابة موسكو لما تطرحه بلاده من مبادرات وعدم المشاركة في التمثيل المناسب في بعض الفعاليات التي كانت طاجيكستان وراء فكرة القيام بها.

كيف تلقى بوتين كلام رحمون؟

إذا كان بوتين علق على ما قاله الرئيس الطاجيكي بقوله إن "إمام شاريبوفيتش (رحمون) محق في ما قاله إلى حد كبير"، إلا أنه توقف عند كثير مما كانت السلطات السوفياية تبذله من جهود في آسيا الوسطى، مؤكداً أن العلاقات بين روسيا وطاجيكستان "تبنى على أسس مختلفة للغاية وبأشكال مختلفة"، وإذ أشار بوتين إلى أنه "في الاتحاد السوفياتي تم نشر الكتب وافتتحت المسارح باللغات الوطنية إلى جانب تطوير ثقافة شعوب جمهوريات الاتحاد واقتصادها"، قال إن "روسيا منفتحة على تعزيز التعاون متعدد الأطراف مع أصدقائنا في آسيا الوسطى بخاصة للمشاركة في إنشاء سلاسل إنتاج وتوريد جديدة، وضمان التشغيل السلس للمشاريع المشتركة وبناء خطط لوجستية بديلة".

وأضاف أن "روسيا على اتصال دائم ومباشر من خلال القنوات الثنائية وفي إطار رابطة بلدان الكومنولث المستقلة والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، وعدد من الهياكل الأخرى"، وقال إنه "يمكننا دائماً التشاور وتعديل بعض المشكلات التي تنشأ، ومع ذلك فأنا متأكد من أن الشكل الجديد لاتصالاتنا سيكون مفيداً وسيحقق، إذا ما جاز التعبير، قيمة مضافة".

وإذ عزا بوتين كثيراً من المشكلات القائمة إلى تعقد الأوضاع في العالم "بشكل متزايد" وإلى ما يبذل من "محاولات خارجية لمنع تطور اندماج روسيا مع طاجيكستان وبلدان آسيا الوسطي لتعطيل الروابط الوثيقة التي تطورت عبر التاريخ والتفاعل الوثيق في السياسة والاقتصاد والمجال الإنساني"، فقد توقف بكثير من التفاصيل عند ما تقوم به روسيا من أجل توطيد علاقاتها مع هذه البلدان، وفي هذا الصدد أشار الرئيس الروسي إلى "تفاعل بلاده مع بلدان آسيا الوسطى الخمسة"، مؤكداً أن ذلك يسبب الارتياح.

وقال إن تجارة روسيا مع دول المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية تضاعفت لتصل إلى 37.1 مليار دولار مع إشارته إلى أن روسيا هي "المستثمر الرئيس في اقتصادات دول آسيا الوسطى وأن إجمال استثماراتها المباشرة يبلغ قرابة خمسة مليارات دولار".

وتحول بوتين إلى الحديث عن تعميق التعاون بين روسيا والدول الخمس في مجال أمن الطاقة وما يتعلق منها بالشراكة في خلق قدرات التوليد وبناء محطات الطاقة النووية وإدخال التقنيات الرقمية والمساعدة في استعادة نظام الطاقة الموحد لآسيا الوسطى"، إلى جانب التطوير المشترك لموارد الطاقة في بحر قزوين وتوفير وقود محركات الغاز الطبيعي النظيف وبأسعار معقولة وبناء أو توسيع خطوط الأنابيب وزيادة حجم تجارة الفحم ونقله إلى الأسواق الآسيوية.

وأعاد بوتين إلى الأذهان مأساة انهيار الاتحاد السوفياتي على غير إرادة الشعب وتحولها إلى كارثة وطنية، مشيراً إلى وقوف الغرب وراء ما وصفه بـ "زرع فكرة انهيار الاتحاد السوفياتي وروسيا التاريخية منذ عقود".

تراجع توقايف

وكان رئيس كازاخستان توقايف انضم إلى بوتين في تقديره لما تبذله روسيا من إنجازات على نحو بدا وكأنه تراجع غير مباشر عما سبق وأفصح عنه من مشاعر وانتقادات بسبب ما يصدر عن بعض المعلقين والسياسيين في روسيا من تعليقات حول مواقف وسياسات بلاده تجاه الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك إعلانها عدم استعدادها للاعتراف بضم القرم ومناطق الدونباس وجنوحها نحو التنفيذ الصارم لمقررات العقوبات الغربية ضد روسيا.

وعلى رغم ما أشار إليه من سلبيات ومنها "تندره" بالنطق غير الصحيح لاسمه، فقد عاد توقايف إلى الإشادة بما تحقق من إنجازات إبان سنوات الاتحاد السوفياتي السابق وقال إنه في الاتحاد السوفياتي "تم إيلاء كثير من الاهتمام لتنمية الجمهوريات الاتحادية والجمهوريات المستقلة والأراضي الوطنية"، وأكد أن ذلك "كان واضحاً بشكل خاص في التعليم والرعاية الصحية".

وأشار توقايف الذي تخرج في معهد العلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية في موسكو إبان سنوات الاتحاد السوفياتي السابق إلى أنه "عملياً حصلنا جميعاً على تعليمنا خلال الفترة السوفياتية، بما في ذلك أولئك الذين قاموا برحلات إلى موسكو ولينينغراد (سان بطرسبرغ حالياً) ومدن روسية أخرى، وكان مستوى التعليم في جمهوريات الاتحاد مرتفعاً للغاية".

وختم رئيس كازاخستان مداخلته بقوله "مهما كان الأمر فإننا نسترشد في تعاوننا الاقتصادي والسياسي من قبل الاتحاد الروسي، وأعتقد أن هذا الشكل (روسيا - آسيا الوسطى) مفيد وسيتطور في المستقبل"، في إشارة إلى قمة "روسيا - بلدان آسيا الوسطي" التي عقدت للمرة الأولى في تاريخ علاقات روسيا مع بلدان هذه المنطقة.

بؤرة التوتر

على أن ذلك لم يمنع المشاركين في قمة "روسيا - بلدان آسيا الوسطي" من التركيز على القضايا الملحة التي تواجهها المنطقة في إطار ما أشار إليه بوتين خلال كلمته حول الأوضاع في أفغانستان المجاورة، وسبق وجرى تناولها بالتفصيل في القمم الماضية لمؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا ورابطة الدول المستقلة، بحسب ما قاله الرئيس الروسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا الصدد أشار بوتين إلى أن "بؤرة التوتر تتصاعد على حدودنا الجنوبية محفوفة بتدفقات اللاجئين والتهديدات الإرهابية وانتشار الأيديولوجية المتطرفة، وفي الوقت نفسه تعمل أجهزة الاستخبارات البريطانية والغربية والأميركية بالدرجة الأولى على تأجيج التشكيلات المناهضة لحركة طالبان بهدف قصف حدود بعض بلداننا".

وفي إطار تفسيره ما يجرى من اتصالات مع حركة طالبان، أعلن بوتين إدراك بلاده ما يدهم المنطقة من أخطار وتهديدات مرتبطة بذلك، مما يدفع موسكو إلى "المحافظة على المستوى اللازم من الاتصالات مع قيادة طالبان"، مؤكداً أن مصلحة بلدان المنطقة تقتضي منها مزيداً من العمل وبذل ما يلزم من جهود للحيلولة دون اندلاع الحرب الأهلية في أفغانستان.

وكشف الرئيس الروسي عن تفهم بلاده ما تشهده أفغانستان من سلبيات ومنها "اضطرار حكومة طالبان في ظل ظروف التدهور الاقتصادي إلى التغاضي عن بعض أنواع كسب المال في أفغانستان، بما في ذلك تهريب المخدرات، والجميع يعرف هذا، فتحت ضغط من أجهزة المخابرات الأجنبية تغض طالبان الطرف عن ظهور معاقل الإرهابيين في الشمال، فيما تشكل العلاقات الجهادية عبر الحدود تهديداً لنا جميعاً".

وأضاف بوتين "نحن بحاجة إلى العمل مع السلطات الحالية في أفغانستان كما تعلمون موقفي، لكن هذا هو موضوع تحليلنا الدقيق وتنسيقنا عملنا في هذا المجال".

مصالح جيوسياسية

وخلص بوتين إلى تأكيد "ضرورة تفعيل آليات التنسيق والتفاعل بين بلدان المنطقة في وقت يشهد إقبالاً واسعاً من جانب مختلف الأطراف المعنية للانضمام إلى ما تقوم به بلداننا لبناء تحالف وشراكة استراتيجية ولزيادة استقرار اقتصاداتنا"، وهو ما تسعى روسيا في كل خطواتها واتصالاتها إلى تحقيقه بما يتسق مع متطلبات الوضع الجيوسياسي الحالي وقضايا الأمن الإقليمي.

غير أن كل ما تقدم ذكره من جهود بذلتها وتبذلها روسيا من أجل استعادة سابق علاقاتها مع بلدان آسيا الوسطى والحفاظ عليها في إطار يتناسب مع مصالحها الجيوسياسية يظل إلى حد كبير في حاجة إلى سياسة إعلامية رشيدة تتناسب مع حجم الأخطار الخارجية التي لا تتوقف ليس من جانب الولايات المتحدة وحسب، بل من جانب عدد من أصدقاء روسيا وحلفائها الذين يشاركونها كثيراً من المنظمات والتنظيمات الإقليمية والدولية.

وفي هذا الصدد يشير مراقبون في روسيا وخارجها إلى الصين التي تغدق العطاء إلى جمهوريات آسيا الوسطى المجاورة في إطار سياسات بعيدة المدى عميقة المضمون ومتعددة الدلالات، وهو ما صارت تتناوله وسائل الإعلام الروسية الرسمية وشبه الرسمية على نحو يحتمل مختلف التاويلات.

المزيد من تقارير