Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوزباكستان تتراجع قبل أن يجف حبر "قمة سمرقند"

قررت تعليق العمل بالبطاقات الائتمانية الروسية "مير" وحديث عن استئناف واشنطن نشاطاتها في فناء موسكو الخلفي

بوتين والرئيس الأوزباكستاني (الرئاسة الروسية)

لكم كان من الغريب والمثير للدهشة معاً أن تعلن أوزباكستان عن قرارها حول تعليق العمل بالبطاقات الائتمانية الروسية "مير"، ولم يكن مضى على "قمة سمرقند" التي استضافتها أكثر من أيام معدودات. وكانت أوزباكستان التي استضافت قمة رؤساء بلدان منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند أسهبت في تأكيد عمق وأهمية علاقاتها الوثيقة مع روسيا، التي كان رئيسها فلاديمير بوتين منح الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضيايف بوسام ألكسندر نيفسكي، أحد أعلى أوسمة الدولة الروسية، في احتفال مهيب عقد على هامش أعمال "قمة سمرقند"، وفي أعقاب توقيع البلدين "إعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين أوزباكستان وروسيا"، فضلاً عن توقيع "حزمة من اتفاقات الاستثمار بقيمة تقدر بـ4.6 مليار دولار في مجالات الهندسة الميكانيكية والكيمياء والبتروكيماويات والجيولوجيا".

العقوبات الأميركية

وعلى الرغم من أن أحداً في روسيا لم يكشف بعد عن احتمالات أن يكون القرار الأوزبكي حول تعليق العمل ببطاقات "مير" نزولاً على تهديدات وزارة الخزانة الأميركية بضرورة مراعاة ما فرضته الإدارة الأميركية وبريطانيا من عقوبات ضد روسيا، فإن مراقبين كثيرين ومنهم عدد من المعلقين السياسيين في روسيا عزوا ذلك إلى ما تمارسه الولايات المتحدة من ضغوط على بلدان آسيا الوسطي.

وكان قاسم توكايف رئيس كازاخستان أول من اعترف بقسوة هذه العقوبات وما تفرضه الإدارة الأميركية حول ضرورة الالتزام بها، وكشف عما يساوره وبلاده من مخاوف في شأن تبعات انتهاك هذا النظام، وفي هذا الصدد توقف مراقبون كثيرون عند ما تقوم به الإدارة الأميركية من تكثيف لنشاطها المضاد لروسيا في هذه البلدان.

وأشار هؤلاء إلى نجاح واشنطن في تأجيج الخلافات بين اثنتين من جمهوريات آسيا الوسطى وهما طاجيكستان وقيرغيزستان، بل واختيارها موعد افتتاح "قمة سمرقند" لاندلاع المواجهة العسكرية بين البلدين، في محاولة لإفساد أجواء هذه القمة.

وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها منظمو القمة ومعهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد استأنف الجانبان مواجهتهما العسكرية من دون اعتبار لنتائج ما توصل إليه الرئيسان الطاجيكي إمام علي رحمون، والقيرغيزي صدير جباروف من نتائج في مباحثاتهما الثنائية على هامش أعمال قمة رؤساء بلدان منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند الأوزبكية.

ولعل ذلك يمكن أن يكون تفسيراً لما أولته "قمة سمرقند" لمحاولات تصفية الخلافات الداخلية من اهتمام بدا أكثر وضوحاً من جانب كل من روسيا والصين، من أجل احتواء أبعاد وتبعات التدخلات الأميركية، الأمر الذي تطلب في أعقاب القمة إيفاد روسيا أمين مجلسها القومي نيكولاي باتروشيف إلى بكين، سعياً وراء مزيد من التنسيق مع عدد من كبار القيادات السياسية والأمنية والعسكرية هناك.

وكانت "اندبندنت عربية" في تقرير سابق لها من موسكو، أشارت إلى النزاع الذي اندلع بين أرمينيا وأذربيجان في وقت مواكب لافتتاح "قمة سمرقند"، ما اتخذه رئيس الحكومة الأرمنية نيكولا باشينيان "ذريعة" للاعتذار عن عدم المشاركة في هذه القمة، في الوقت الذي كان يستعد لاستقبال نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي في يريفان.

وكشفت المصادر عما دار خلال هذه الزيارة من مباحثات تناولت في بعض جوانبها الموقف من العلاقات الأرمنية والإيرانية، وما ترومه واشنطن من أدوار مضادة يجب أن يقوم بها الجانب الأرمني.

وقد وصف مراقبون روس هذه الزيارة بأنها "تدخل سافر في الشؤون الداخلية الأرمنية"، وإن قال بعضهم إنه يجب أن يكون نموذجاً لسياسات روسيا في المنطقة، وأيضاً في آسيا الوسطى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رسالة أميركية إلى أرمينيا

ولتأكيد مشروعية ذلك، أشار سيميون باجدوساروف العقيد السابق والمحلل المتميز في شؤون الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من خلال مشاركته في برنامج "أمسية مع سولوفيوف" على شاشة القناة الإخبارية الروسية الرسمية "روسيا-2" إلى أن بيلوسي التقت في معرض زيارتها يريفان ممثلي المعارضة الأرمنية، وأضاف أن ذلك "شيء محمود" يستهدف إبلاغ الرسالة إلى السلطة الشرعية حول أنها "منتبهة" إلى ما يدور بين جنبات الساحة السياسية الأرمنية الداخلية، بما يمكن أن يكون محاولة للتأثير المباشر في السلطة الرسمية من جانب، والاستعداد مستقبلاً للتعامل مع عناصر المعارضة في حال احتمالات توليها مقاليد الحكم في وقت لاحق من جانب آخر.

وقال بوجداساروف إن ذلك هو ما يجب أن تقوم به روسيا في آسيا الوسطى، شأن ما تفعل القيادات الأميركية أيضاً خلال زياراتها للعاصمة الروسية. ولتأكيد مثل هذه التوجهات ضرب مثالاً بما تقوم به الصين في طاجيكستان، وما تنعم به من امتيازات لقاء ما تقدمه لهذه الجمهورية، على عكس روسيا التي طالما "اكتفت" بكلمات الشكر والثناء فارغة المضمون "خالية الدسم" إذا جاز هذا القول.

وفي ذلك إشارة غير مباشرة إلى ما جرى من اتصالات وما تم توقيعه من اتفاقات على هامش "قمة سمرقند"، ومنها مع أوزباكستان حول التعاون في "إنشاء مجمعات صناعية مشتركة في مناطق أوزباكستان، لعقد المنتدى المقبل لمنطقتي أوزباكستان وروسيا في أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام.

وتقول المصادر الرسمية إن الرئيسين الروسي والأوزبكي أعربا عن تقديرهما العالي للتعاون الثقافي والإنساني الغني والمتنوع على نحو بدا فيه ارتياح الجانب الروسي أكثر وضوحاً، وأشارت المصادر الروسية إلى "أن أوزباكستان اليوم هي الرائدة من حيث عدد الفروع الأجنبية للجامعات الروسية" على مدى السنوات الأربع الماضية، بعد افتتاح فروع لـ12 جامعة روسية بما يصل مجموعها إلى 15 جامعة.

وأضافت أن الرئيسين تبادلا وجهات النظر حول قضايا الأجندة الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك"، فضلاً عن توقيع الإعلان المشترك حول الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين أوزباكستان وروسيا، ينص على تطوير التعاون في عدد من المجالات المحددة في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والطاقة النووية والنقل والثقافة والإنسانية وغيرها، ما يمثل مرحلة جديدة في تطوير التعاون الأوزبكي- الروسي متعدد الأوجه.

مقدمة لقرارات أخرى

وكان من الغريب في مثل هذه الحال أن يعقب ذلك قرار تعليق العمل بالبطاقات الائتمانية الروسية، بما قد يكون مقدمة لقرارات أخرى تأتي في سياق الاستجابة للضغوط الأميركية. ومن الملاحظ أيضاً وجود بعض المؤشرات التي تقول بنجاح الإدارة الأميركية في إملاء إرادتها على بلدان أخرى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر كازاخستان وتركيا، في قائمة تضم البلدان التي كانت سارعت وأعلنت العمل بالبطاقة الائتمانية "مير"، ومنها فيتنام وأرمينيا وأوزباكستان وبيلاروس وقرغيزستان وطاجيكستان، وكذلك أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا المعترف بهما فقط من جانب روسيا وعدد محدود من أصدقائها.

وحول نظام البطاقة الائتمانية "مير" تقول المصادر الروسية إنه "نظام دفع يعمل بشكل مستقل عن النظام المالي الغربي، ويسمح للدول بالتعامل مع البنوك الروسية خارج نظام الدفع "سويفت"، كما يسمح للمواطنين بإجراء معاملات رقمية".

وأكدت هذا المصادر أن دوراً حيوياً أضحى لهذا النظام بعد خروج "فيزا" و"ماستر كارد" من البلاد، وكانت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية أشارت إلى أن البنوك التركية ومنها "Bankası Is " و"Deniz Bank" توقفت عن خدمة بطاقات "مير" الروسية، أشارت مصادر بنك "Bankasi İş " إلى أن القرار اتخذ نزولاً عند ما تفرضه العقوبات الأميركية والبريطانية ضد روسيا.

ومن اللافت أن بعض الدول العربية مثل مصر والإمارات العربية والبحرين كانت قد استجابت لعرض قبول التعامل بالبطاقة الائتمانية الروسية "مير"، التي وجدت فيها القاهرة فرصة لاحتمالات التخلي عن الدولار في التعاملات الثنائية، واعتماد عملتها المحلية في التعاملات بين البلدين.

ونقلت المصادر عن فخري الفقي رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري ما قاله حول أن مصر ستربط شبكة "ميزة"، وهي عبارة عن بطاقة دفع مصرية تحمل شعار الشبكة المحلية للمدفوعات من طريق شركة "بنوك مصر"، مع نظام "مير" الروسي للدفع بالروبل نهاية 2022.  

وقال الفقي إن "هذه الخطوة تأتي ضمن خطة للبنك المركزي وبتوجيهات رئاسية للحكومة، من أجل تعزيز المعاملات التجارية وتقليص العجز وتعزيز الصادرات".

وأضاف أن ربط شبكة "ميزة" مع نظام "مير" الروسي يساعد في دعم سداد فواتير القمح لموسكو، ويدعم تنشيط السياحة الروسية في مصر".

"مناورات" أميركية

وعودة إلى نشاط الولايات المتحدة الأميركية في آسيا الوسطي، أعاد كثير من المراقبين استعراض ما جرى من مناورات مشتركة بين بلدان آسيا الوسطى مع الولايات المتحدة، وهي المناورات التي جرت تحت اسم "التعاون الإقليمي - 2022" في طاجيكستان، وسارعت موسكو إلى إعلان رفض إجرائها على مقربة مباشرة من الحدود الروسية، وكذلك الصينية في أغسطس (آب) الماضي.

وكان نيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي أعلن صراحة عن احتجاجه على إجراء هذه المناورات، مشيراً، في تحذير مباشر له إلى بلدان آسيا الوسطي، إلى أن مثل هذه المناورات تستهدف بالدرجة الأولى دراسة أبعاد وقدرات مسرح العمليات العسكرية، وتحديد الأهداف المحتملة للأسلحة فائقة الدقة.

وأضاف باتروشيف في تحذيراته لبلدان المنطقة ومنظمة شنغهاي للتعاون، أنه يأمل في أن تستوعب هذه البلدان المخاطر التي تعنيها مثل هذه المبادرات الأميركية على الأمن القومي.

 وأعاد المسؤول الأمني الروسي الكبير إلى الأذهان أن الولايات المتحدة طالما حاولت في السابق التغلغل إلى المنطقة بما يسمح بنشر وبناء البنية التحتية الموقتة اللازمة لعملياتها المضادة لروسيا، ولعل ذلك يمكن أن يكون إشارة غير مباشرة لما سبق وشهدته هذه المنطقة من جولات لعدد من الوفود الدبلوماسية الأميركية التي قامت بزيارة كل من كازاخستان وأوزباكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان في نهاية مايو (أيار) الماضي، في توقيت مواكب للحملة الضارية التي شنها الرئيس الأميركي جو بايدن ضد الصين الخصم الجيوسياسي الرئيس للولايات المتحدة، خلال جولته في عدد من بلدان منطقة المحيطين الهندى والهادئ.

ذلك كله ما تدركه موسكو ومعها بكين على اعتبار أنهما المستهدفتان بالدرجة الأولى من كل ما تقوم به الولايات المتحدة من نشاط يهدف في المرحلة الراهنة إلى الحيلولة دون التفاف بلدان المنطقة على العقوبات الغربية ضد روسيا، على خلفية الصراع والمواجهات المسلحة مع أوكرانيا والقوى التي تقف وراءها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير