Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مستقبل كازاخستان في ظل اقتراحات تعديلات الدستور والعودة للاسم القديم

مخاوف من احتمالات أن تواجه البلاد ما سبق وحدث مع شاه إيران

الرئيس الكازاخستاني قاسم توقايف أعلن عدداً من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في ضوء خلافات مع روسيا  (أ ف ب)

عادت الأنظار لتتعلق بكازاخستان وما يجرى بين جنباتها من أحداث، ثمة من يقول إنها ترسم ملامح طفرة جديدة من التغيرات والمتغيرات التي قد تترامي أصداؤها إلى الفضاء السوفياتي السابق.

إصلاح البيت من الداخل

ما إن عاد الرئيس الكازاخستاني قاسم توقايف من المنتدى الاقتصادي في سان بطرسبورغ الذي شهد أول إعلان صريح عن خلافات بلاده مع روسيا، حتى أعلن عدداً من التصريحات التي قال إنها تستهدف إعادة بناء البيت من الداخل بما يطرحه من إصلاحات اقتصادية واجتماعية في ضوء ما تفجر من خلافات واختلافات مباشرة وغيرها مع روسيا، وما يقولون إنها تضمره في شأن احتمالات ما ترى أنه حق تاريخي في مساحات هائلة من أراض سبق وتنازلت عنها لكازاخستان، على غرار ما سبق وأعلنت عنه في شأن حقوقها التاريخية في شبه جزيرة القرم ومنطقة الدونباس جنوب شرقي أوكرانيا.

وبعد أن استهل توقايف تصريحاته حول الإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية باكرة خريف هذا العام خصماً من فترة ولايته الرئاسية الأولى التي كان من المقرر أن تنتهي عام 2024، إلى جانب انتخابات برلمانية باكرة سيتحدد موعدها العام المقبل، أوعز إلى عدد من نواب البرلمان بالتقدم باقتراح حول إعادة الاسم القديم للعاصمة وهو "الأستانة" بدلاً من "نور سلطان" الذي كان اقترحه عام 2019 تكريماً للرئيس نور سلطان نزاربايف بعد إعلانه استقالته الباكرة مفسحاً الطريق أمامه لتولي رئاسة الدولة وكان آنذاك رئيساً لمجلس الشيوخ.

كان من الطريف والمثير للدهشة أن يستند النواب في مشروع القانون الدستوري الذي قدموه بموافقة الرئيس إلى ما أوردوه من مبررات تقول "نعتبر أنه من الخطأ تسمية مدينة على اسم شخص خلال حياته، كما أن المواطنين لم يقبلوا أيضاً الاسم الجديد للعاصمة، ولذلك سيكون من العدل تاريخياً إعادة الاسم السابق للعاصمة أستانا".

ومن المنطلق ذاته عاد قاسم توقايف ليقول إنه يستند في اقتراحه حول الانتخابات الرئاسية الباكرة إلى هدف الحفاظ على مصالح بلاده في المقام الأول، وهو ما يقترح معه تحديد فترة الرئاسة بسبع سنوات فقط ولمرة واحدة من دون النص على حقه في الانتخاب لفترة ولاية ثانية، قائلاً "إنها تكفي لتنفيذ أي برنامج طموح"، على حد تعبيره. ومضى توقايف ليؤكد أن "قصر الولاية الرئاسية على ولاية واحدة سيضمن أقصى تركيز لرئيس الدولة على حل المهمات الاستراتيجية للتنمية الوطنية". واستطرد أنه "بعد كثير من التفكير توصلت إلى استنتاج مفاده أن هناك حاجة إلى مراجعة عدد ومدة ولاية الرئيس، وأقترح وضع قيود على ولاية الرئيس لفترة واحدة مدتها سبع سنوات من دون الحق في إعادة انتخابه"، وأما عن الانتخابات البرلمانية الباكرة فقال توقايف انه يقترح إجراءها خلال النصف الأول من عام 2023 بدلاً من عام 2025".

مسار اقتصادي جديد

ولم يقتصر توقايف على هذه التصريحات، إذ سرعان ما ألحقها بعدد من الوعود التي قال إنها تستهدف الإصلاحات الأساس والشاملة على طريق بناء كازاخستان العادلة، مؤكداً الحاجة إلى تفويض جديد للفوز بثقة مواطنيه، ومن هنا كانت وعوده بما وصفه بـ "مسار اقتصادي جديد" في الدولة يتضمن "رفض تدخل الدولة في التسعير والتزام كيانات السوق ذات الصلة بالحصول على إذن للتركيز الاقتصادي، وقانون ضريبي جديد تتم صياغته عام 2023 يتضمن فرض الضرائب على الكماليات، بما لا يؤثر في الطبقة الوسطى، إلى جانب رفع مستوى الحد الأدنى للأجور بمقدار 10 آلاف تنغي (200 دولار)، ورفع الحد الأدنى لأعمار التقاعد بما سيتم معه تحديد سن التقاعد للمرأة حتى عام 2028 عند 61 عاماً.

ومن المقرر أيضاً تخصيص 50 في المئة من دخل الاستثمار السنوي للصندوق الوطني لحسابات التوفير الخاصة للأطفال حتى بلوغهم سن الـ 18 سنة.

وعلى نحو بدا أقرب إلى الغزل المباشر مع ممثلي الأوساط المعارضة، أعلن توقايف العفو العام عن المشاركين في احتجاجات يناير (كانون الثاني)، وإن سارع بإعلان استثناء منظمي أعمال الشغب والمتهمين بالخيانة واستخدام العنف من أجل تغيير السلطة إلى جانب الإعلان عن تغيير سياسات الهجرة والهجرة الداخلية، وتشديد العقوبة على كل من يتورط فيما يسمى العنف المنزلي.

ماذا وراء قرارات توقايف؟

وما إن فرغ توقايف من حديثه وما أعلنه من وعود وقرارات حتى انطلقت الأقلام والألسن في رحلة البحث عن الأسباب التي دفعت الرئيس الكازاخستاني إلى اتخاذ مثل هذه القرارات، وهو الذي لم يكمل مدته الرئاسية الأولى، وخلص بعضهم إلى اعتبار ذلك محاولة من جانب الرئيس توقايف للتخلص من احتمالات محاولات ما يصفونها بـ "عشيرة الرئيس السابق نور سلطان نزاربايف" لاستغلال الفترة المقبلة قبيل الموعد الذي كان مقرراً لإجراء الانتخابات الرئاسية عام 2024، لاتخاذ ما يلزم من استعدادات للعودة إلى الساحة السياسية، على حد توقعات مديرة مؤسسة آسيا الوسطى للتنمية الديمقراطية تولجاناي أومبيتالييفا.

وعزت أومبيتالييفا رغبة الرئيس الكازاخستاني في التعجيل بموعد الانتخابات الرئاسية إلى محاولة الاستفادة مما سبق واتخذه من قرارات لوأد الحركة الانقلابية التي واجهتها كازاخستان  مطلع يناير من العام الحالي، والحيلولة دون حشد المعارضة لما بقي لديها من قوى وجهود للثأر مما اتخذه توقايف من قرارات لمواجهة أحداث يناير، بما فيها دعوته إلى قوات حفظ السلام التابعة لبلدان معاهدة الأمن الجماعي للإسهام في إحباط تحركاتها التي استهدفت الإطاحة به مطلع العام الحالي، وذلك ما علق عليه عالم الاجتماع الكازاخستاني سيريك بيسيمبايف بقوله "إن المقاومة لإجراء انتخابات باكرة خطوة منطقية من جانب المعارضة"، وعاد ليستبعد أن تكون المعارضة قادرة في الوقت الحالي على قيادة الآلاف من الناس إلى الاحتجاجات، مؤكداً في الوقت نفسه أن ذلك لا يمكن أن يعني عدم جدوى القيام بذلك، وليخلص إلى القول إن الأمر دائماً في حاجة إلى ما وصفه بـ "النشاط المدني".

أما عن اتخاذ توقايف لقراره حول إجراء الانتخابات الرئاسية الباكرة فقد أرجعه بيسيمبايف إلى محاولة الاستفادة من عامل الوقت على النحو نفسه الذي سبق ولجأ إليه الرئيس السابق نور سلطان نزاربايف، مشيراً إلى أن ما وصفه بـ " النظام الاستبدادي" يحاول الحفاظ على نفسه في ظل ظروف التهديد المتزايد، على حد تعبيره.

ومضى ليبرر ذلك باعتقاده "أن السبب الأكثر منهجية هو أن الرئيس توقاييف يفتقد وجود "أجندة إيجابية" يمكن أن يقدمها للمجتمع، كما أن النظام السياسي الحالي يبدو عاجزاً حالياً عن بناء الإجراءات إلا على أساس "تصوراته الخاصة عن التهديدات والمخاوف"، ولعل ذلك قد يكون قريباً مما كشف عنه سيريك بيسيمبايف عالم الاجتماع بما قاله حول أن "تنامي النشاط المدني بقوة بعد أحداث يناير أسهم في تنشيط الحال المزاجية للاحتجاج، وما اكتسبه النشطاء السياسيون من خبرات إبان أحداث يناير الماضي"، مستطرداً أن "توقاييف يقلل بشكل كبير من قدرة مواطنينا على التعبئة"، في وقت يبدو توقايف أكثر ميلاً إلى الاعتماد على ما وصفه بـ "الأجهزة القمعية والسلطة وهياكل إنفاذ القانون".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما يتعلق بما أعلنه توقايف من وعود مادية تتعلق برفع الرواتب وغيرها من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، فقد وصفها عدد من المعلقين وخبراء الشأن الكازاخستاني بأنها أقرب إلى "الشعبوية" التي تستهدف الفوز بدعم مواطنيه في وقت سيتعذر معه تنفيذ كل ما وعد به، وأعرب هؤلاء عما يراودهم من شكوك تجاه قدرة الدولة على الوفاء بمثل هذه الوعود نظراً إلى ما تواجهه كازاخستان من "متاعب" مالية، وإن اعترفوا للرئيس توقايف بقدراته كسياسي يتمتع بكثير من القدرات والخبرات التي يمكن أن تسمح له بالوصول بالبلاد إلى بر الأمان.

ونقلت صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" الروسية عن العالم السياسي والخبير في شؤون بلدان آسيا الوسطى يوري سولوزوبوف ما قاله حول أن "توقايف كسياسي أظهر أفضل صفاته، ومنها أنه يجيد التصرف قبل المنحنيات"، على حد تعبيره.

وأضاف أنه "من المهم بالنسبة إليه أن يحتفظ بالسلطة الآن بسبب تفاقم السخط العام وتفاقم تدهور الأوضاع الاقتصادية، مما يشير إلى حاجة توقايف إلى تعجل إعادة انتخابه في توقيت يستطيع فيه تحقيق مثل هذا الهدف".

رد فعل موسكو

لكن ماذا عن ردود الأفعال من جانب الأوساط الخارجية لا سيما في العاصمة الروسية تجاه ما أعلنه قاسم توقايف من وعود وقرارات؟

أعلن المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف عن الأمل في تطوير العلاقات الثنائية والتوصل إلى مزيد من التكامل بين البلدين، ونقلت وكالة أنباء "تاس" ما قاله بيسكوف حول "أنه من الصعب المبالغة في تقدير أهمية الحوار الثنائي والتحالف والشراكة بين البلدين"، معرباً معه عن أمله في أن يتطور الأمر أكثر، وأكد بيسكوف أن موسكو تريد أن ترى كازاخستان "دولة مزدهرة تتمتع بالاستقرار وشديد الثقة بالنفس".

اليد العليا للرئيس

وفي ما يتعلق بمواقع المعارضة وما تملكه من آليات قد تسهم في الحيلولة دون تحقيق توقايف لما يبتغيه من أهداف، فإن استطلاعات الرأي تؤكد أن الرئيس فقط وليس أي من الأحزاب السياسية أو البرلمان هو الذي يملك اليوم اليد العليا في كازاخستان، وأكد مراقبون كثيرون أن الرئيس الذي دانت له السلطة في أعقاب أحداث يناير الماضي، "ليس لديه اليوم منافس حقيقي في المجال السياسي"، وإن أشاروا إلى احتمالات أن يشهد المستقبل القريب وقوع بعض المؤامرات من جانب ممثلي النخب السياسية في شأن موضوع الخلافة إلى جانب توقع ترشيح بعض ممثلي "الحرس القديم" في الانتخابات المرتقبة التي يبدو ما يشبه الإجماع حول أنها ستسفر عن نجاح توقايف بالأغلبية المناسبة التي تقيه شرور وأخطار المرحلة، بما قد يسمح له لاحقاً بتنفيذ ما أعلنه من إصلاحات اجتماعية واقتصادية.

ورغماً عن كل هذه التوقعات التي تبدو في بعض جوانبها مفرطة في التفاؤل، فقد أوردت صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" تعليقات تقول برأي مغاير، على غرار ما نقلته عن الخبير في شؤون بلدان آسيا الوسطى يوري سولوزوبوف الذي أشار إلى أن أحداث يناير الماضي كشفت عن انقسام في النخب، وما تواجهه كازاخستان من تدني جودة التعليم وتدهور اقتصادي أسهما في تفاقم سخط وغضب المواطنين إلى جانب النمو الديموغرافي غير المنضبط، لا سيما في الجنوب وما وصفه بالـ "أسلمة".

ومضى سولوزوبوف يقول إن المجتمع القديم قد لا يحتاج رئيساً ديمقراطياً ليبرالياً مثل توقايف، بقدر ما قد يتطلب من هو أبسط، ومن يمكن أن يجده الناخب في شخصية شعبوية وطنية أو حتى شخصية إسلامية، على حد تعبيره، وهو ما وصفه بالفخ نفسه الذي وقع فيه شاه إيران حين أجرى إصلاحات ليبرالية لم تجد مقابلاً لها سوى الثورة المحافظة وآيات الله.

ومن هنا خلص سولوزوبوف إلى "أن إيران تظل خير مثال على حقيقة أن التحديث السياسي لا ينبغي أن يسبق التحديث الاجتماعي والاقتصادي"، لكن ذلك ما يبدو في كثير من جوانبه قفزاً على الواقع الراهن الذي يقول إن توقايف يظل الشخصية الأوفر حظاً للفوز في أي انتخابات يمكن أن تشهدها كازاخستان خلال الأشهر القليلة المقبلة، وهو ما لا يمكن أن يحدد ملامح الاستقرار السياسي للسلطة فقط، بل وأيضاً ما يمكن أن تشهده البلاد من إصلاحات اقتصادية واجتماعية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل