Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستطيع أميركا مواجهة الصين وإيران وروسيا دفعة واحدة؟

تحليل من "بلومبيرغ" عن الخيارات الأميركية المتاحة في ظل تعدد جبهات القتال

الحرب بين الولايات المتحدة وخصومها ليست غير حتمية في أي من هذه الساحات (رويترز)

أشارت "بلومبيرغ" في تحليل إلى أن الصين وإيران وروسيا، وهي البلدان الرئيسة المناوئة للولايات المتحدة، ليست متحالفة بالمعنى التقليدي للكلمة، لكنها إن وحدت جهودها، تستطيع أن تضع القوة العظمى في وضع يتجاوز قدراتها العسكرية بكثير. وأضاف كاتب التحليل، هال براندز، إلى أن نشوب حرب تهز العالم من أوروبا إلى المحيط الهادئ خلال سنتين أو ثلاث سنوات من الآن ليس احتمالاً "عبثياً" ويشكل حالة لم تعرفها الولايات المتحدة منذ عقود تضطرها إلى القتال على جبهات متعددة.

ولفت الكاتب، وهو أستاذ في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز وعضو في مجلس السياسات التابع لوزارة الخارجية الأميركية، إلى أن غزواً على يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أشعل أكبر نزاع عرفته أوروبا منذ عقود، في حين تتزايد احتمالات الحرب في شرق آسيا كما بينت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركية نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس (آب)، أما في الشرق الأوسط، فعلى واشنطن الاختيار بين مقاتلة إيران أو تقبلها كدولة على وشك امتلاك أسلحة نووية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشبه تحليل "بلومبيرغ" ما يجري اليوم بالمرحلة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، "وإن كان تخبط بوتين الوحشي في أوكرانيا حالياً يجعله تكراراً لبينيتو موسوليني أكثر منه تكراراً لأدولف هتلر"، فألمانيا الهتلرية كانت تسعى إلى الهيمنة على أوروبا، وإيطاليا موسوليني إلى إقامة إمبراطورية في البحر المتوسط وأفريقيا، واليابان الإمبراطورية إلى السيطرة على الشرق الأقصى، والاتحاد السوفياتي إلى تقاسم أوروبا الشرقية مع ألمانيا قبل اندلاع الحرب بينهما.

ووفق براندز، كان التحالف الألماني الياباني الإيطالي غير متماسك على غرار التحالف الروسي الصيني الإيراني اليوم لأسباب أهمها التمايز في المنطلقات المصلحية، لكن التحالف الأول تمكن من إشعال الحرب العالمية الثانية بممارساته التوسعية. وعلى غرار الولايات المتحدة اليوم، ترددت بريطانيا، القوة العظمى آنذاك، قبل اندلاع الحرب في التصرف في شكل حاسم إزاء أي من الدول المعادية الثلاث في ضوء التهديدات التي مثلتها الدولتان الأخريان. ووقفت القوة العظمى الأخرى، الولايات المتحدة، موقفاً مماثلاً قال رئيسها فرانكلين روزفلت: "لا أملك ما يكفي من القوة البحرية للتصرف في كل مكان".

وأشار التحليل إلى أن أوروبا الشرقية تشتعل اليوم بسبب غزو بوتين لأوكرانيا، في عملية تمثل "ذروة حملة مستمرة منذ جيل لاستعادة السطوة الروسية بين آسيا الوسطى وبحر البلطيق. ولو نجح الهجوم الصاعق في فبراير (شباط) لكانت روسيا اليوم تملك موقعاً قوياً في أوروبا الشرقية وضغطت من جديد على الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي المكشوفة أمامها. ومكنت الإخفاقات الروسية والمقاومة الأوكرانية من تجنب هذا السيناريو".

وأضاف: "غير أن روسيا الأضعف لا تزال قادرة على إثارة المشكلات، علماً بأن النزاع الأوكراني لم ينته بعد. فللطرفين أهداف طموحة. تريد كييف تحرير كل الأرض المحتلة، بما في ذلك القرم، وتريد روسيا تحويل أوكرانيا إلى دولة تابعة فقيرة ومقسمة. كذلك أطلقت الحرب تنافساً وحشياً بين القوى العظمى. فواشنطن وحلفاؤها يعطون أوكرانيا سلاحاً ومالاً ومعلومات استخبارية لاستنزاف جيش بوتين ويضربون الاقتصاد الروسي بالعقوبات. وتستخدم موسكو الضغط في مجال الطاقة لجعل الحرب أكثر إيلاماً لأوروبا، وهي تهدد بتصعيد نووي على أمل الحد من خسائرها في الميدان من طريق تقليص الدعم الغربي لأوكرانيا".

في هذه الأثناء، ربما بدأ العد العكسي لنزاع في مضيق تايوان، وفق "بلومبيرغ"، التي ذكّرت بأن الصين استغلت زيارة بيلوسي إلى تايبيه كذريعة لإطلاق تدريبات عسكرية عدوانية. "من المؤكد أن المسؤولين الصينيين يفضلون تحقيق أهدافهم – التحكم بتايوان وإخراج الولايات المتحدة من غرب المحيط الهادئ – من دون حرب. وربما جعلت الفوضى الدموية التي غرق بها بوتين في أوكرانيا الرئيس الصيني شي جين بينغ أكثر حذراً في شأن استخدام القوة. لكن ما من شك في أن ثلاثة عقود من بناء الجيش تعطي شي وضعاً أفضل لإخضاع تايوان إذا اختار ذلك".

وهناك أيضاً، بحسب براندز، "الشرق الأوسط الملتهب باستمرار، وهو منطقة يفضل الأميركيون تجاهلها". وكادت واشنطن وطهران تدخلان في نزاع عنيف بين عامي 2019 و2020 بعد انسحاب الأولى من الاتفاقية النووية المبرمة مع الثانية وبعد اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في ضربة بمسيرة أميركية. ولم يستبعد المحلل صحة تقارير تفيد بأن إيران تقترب من صنع سلاح نووي. "وعلى الولايات المتحدة وإسرائيل إذاً التفكير في احتمال اللجوء إلى إجراءات أكثر إلزاماً لمنع إيران من عبور هذا الخط الأحمر. وقد تندلع أزمة بسرعة – خلال أشهر – في حال فشلت تماماً المفاوضات الجارية لإحياء الاتفاق النووي. أو قد تتطور أزمة بوتيرة أبطأ في حال تواصلت المفاوضات إلى ما لانهاية. غير أن التوصل إلى اتفاق سيظل يعني أن الولايات المتحدة تواجه إيران وقد باتت تملك بنية تحتية نووية أكثر تقدماً مما كانت عليه عام 2015، إلى جانب توفر مزيد من المال مع رفع لو جزئي للعقوبات، ما يشجع إيران على مزيد من العدوانية تجاه الخليج والمشرق".

واعتبرت "بلومبيرغ" "أن الحرب بين الولايات المتحدة وخصومها ليست غير حتمية في أي من هذه الساحات... وأن الأنظمة الإقليمية الصحية تدعم الأنظمة الدولية الصحية، فحين تنفجر مناطق عدة في الوقت نفسه، يمكن لذلك أن يعطل النظام العالمي. وتشكل أوروبا والخليج وشرق آسيا مجتمعة القلب الاستراتيجي للساحة الأوسع – أوراسيا – وهي محور تركيز المجال السياسي العالمي في العصر الحديث. ومن خلال بذر بذور الاضطرابات في هذه المناطق، يهز المنشقون عن النظام العالمي كثيراً من أسس النظام دفعة واحدة".

وأشار براندز إلى أن التوترات مع الصين وروسيا تجبر روسيا على الحذر مع إيران، وأن التوترات مع موسكو تجعل واشنطن تتجنب استفزاز بكين. وإذ فشل رهان بوتين على أن تركيز أميركا على الصين سيضعف استجابتها على غزوه أوكرانيا، لا يزال يراهن على تفاقم المنافسة الأميركية الصينية لينتصر إذا استطاع الصمود. ونبه إلى أن الدول الثلاث المعادية للولايات المتحدة أقرب إلى الأصدقاء الأعداء، فلو تمكنت من إخراج واشنطن من أوراسيا لخاضت نزاعات في ما بينها. "لا ينبغي أن نتوقع من روسيا وإيران والصين أن تنتحر من أجل بعضها بعضاً، لكن يجب ألا نفكر أنها لن تهتم بمصير بعضها بعضاً".

أما الولايات المتحدة، وفق تحليل "بلومبيرغ"، فلم تعد ترغب في خوض أكثر من نزاع واحد في المرة الواحدة، لا سيما بعد التخفيضات المهمة في الإنفاق الدفاعي خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. لكن إهمال المواجهة مع بلد من البلدان الثلاثة ليس مناسباً إذ سيشجع هذه البلدان على المضي قدماً في ممارساتها، وفق الكاتب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى زيادة الإنفاق العسكري، فسنوات كثيرة ستمر قبل أن يؤتي ثماره.

لذلك ينصح الكاتب واشنطن بسياسة تقوم على "ترتيب الأولويات"، فالتركيز الآن يجب أن يكون على الحرب في أوكرانيا إذ إنها داهمة أكثر من الخطر الصيني، "لكن ترتيب الأولويات يقتضي إنهاء الحرب التي تشارك فيها واشنطن بالفعل ولو في شكل غير مباشر. يمكن القول إن الغزو عزز الموقع العالمي للولايات المتحدة بأن أدى إلى توسيع حلف شمال الأطلسي واستنزاف الجيش الروسي. لكن استمرار النزاع قد يضر واشنطن إذ يحرف أنظارها عن الخطر الأكبر المتمثل في الصين ويستنزف الدولارات والأسلحة القليلة التي تحتاج إليها وزارة الدفاع الأميركية لمنع نزاعات أخرى وخوضها إذا دعت الحاجة".

بيد أن تحليل "بلومبيرغ" يقر بأن إنهاء حرب أوكرانيا يبدو صعباً مع عدم إبداء بوتين رغبة في التفاوض على تسوية. "لكن ثمة خطر غير قابل للتقدير في محاولة إخراج روسيا من أوكرانيا كلها – بما في ذلك القرم – فذلك قد يدفع بوتين إلى تنفيذ تهديداته النووية". لكن تهديد بوتين بالخيار النووي من دون تعبئة قواته النووية قد يعني أنه يريد الاستفادة من التهديد من دون دفع ثمن تنفيذ التهديد. وينصح الكاتب بمواصلة مساعدة أوكرانيا بالوسائل العسكرية وغيرها لتحرير ما يمكنها تحريره من أراضيها قبل إجبار بوتين أو خليفة له على التفاوض، لافتاً إلى إمكانية ربط المساعدة هذه، لا سيما ذات المصدر الفرنسي والألماني، بمرونة أوكرانية حيال احتمال خسارتها القرم.

ووفق براندز، على الولايات المتحدة وضع خطط مع أستراليا واليابان وسنغافورة وتعزيز قدراتها الخاصة استباقاً لنزاع مع الصين، بما في ذلك نشر مزيد من السفن الحربية في شرق آسيا. ونبه من تكرار الزيارات الرسمية إلى تايوان، وانتقد دعوة وزير الخارجية السابق مايك بومبيو إلى الاعتراف بتايوان دولة مستقلة. "إلى أن تصبح الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عن تايوان، عليها بالمواقف الهادئة في وقت تعزز فيه قدراتها". وفي الشرق الأوسط، اعتبر أن صفقة دبلوماسية "غير مثالية" مع إيران قد تؤخر المواجهة حتى "يصبح النظام الإيراني الذي يواجه تحديات داخلية متزايدة لحكمه جزءاً من التاريخ". لكن بانتظار ذلك على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تلجآ إلى الضغط الخلاق: العمل السري المعزز، والهجمات السيبرانية، والعقوبات الاقتصادية الأشد، وربما بيع إسرائيل قنابل مضادة للملاجئ تجعل تهديداتها بشن هجوم من طرف واحد أكثر قابلية للتصديق.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل