Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معاشات البريطانيين التقاعدية في مهب متغيرات قاسية

لا نعرف مدى السوء الذي قد تصله لكن الأوقات المقبلة ستكون صعبة

بنك إنجلترا في المنطقة المالية ضمن وسط لندن بتاريخ الإثنين 17 أكتوبر 2022 (أسوشيتدبرس)

يشهد قطاع المعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة ورطة عميقة. وقد يشتبه المرء في أن القطاع يعاني ورطة بمجرد سماع أن جاكوب ريس- موغ، وزير الأعمال، مضطر إلى إنكار أن المعاشات التقاعدية في خطر. وكذلك يعلم المرء أن المعاشات التقاعدية في ورطة مؤكدة، لأن "بنك إنجلترا" اضطر إلى إنقاذها من خلال التدخل في الأسواق.

يتلخص ما حدث في أن تقلبات الأسواق في الأسابيع القليلة الماضية كشفت عن نقاط ضعف في الطريقة التي تستثمر بها صناديق التقاعد أموالها، وتضاف نقاط الضعف هذه إلى هبوط أوسع في أسعار الأصول [تشمل الأصول أشياء كالعقارات والمزارع والمناجم وغيرها]. ومن الممكن حل المشكلات، لكننا لا نعرف حتى الآن تكلفة الحل، مع ملاحظة أن الأموال التي ستمول الحل ستأتي في نهاية المطاف من أشخاص يدخرون لمعاشاتهم التقاعدية.

سأستعرض أولاً بعض الخلفية، ثم ما يحدث في الأسواق، ثم معنى ما يجري بالنسبة إلى المعاشات التقاعدية.

في القطاع الخاص، هناك نوعان مختلفان تماماً من المعاشات التقاعدية. هناك ما يسمى برامج "المزايا المحددة"، المعروفة أيضاً ببرامج "الرواتب النهائية"، حيث تحدد معاشات التقاعد وفق عوائد الشخص ومساهماته، وليس قيمة الصندوق التقاعدي. وهناك أيضاً برامج "المساهمات المحددة" أو برامج "الدفع التدريجي"، حيث يحدد حجم المعاش وفق مقدار المال الذي يضعه الموظف وصاحب العمل في الصندوق، وكذلك وفق مدى حسن استثمار المال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تشير أحدث الأرقام الحكومية إلى أن 28 في المئة من الأشخاص الذين توفر لهم أماكن عملهم معاشات تقاعدية، يختارون برامج للمزايا المحددة، و29 في المئة ينخرطون في برامج للمساهمات المحددة، والـ21 في المئة الباقون لديهم ما يمكن اعتباره نوعاً من المعاشات التقاعدية الشخصية. ويبقى أن 21 في المئة لا يوفر لهم مكان العمل معاشاً تقاعدياً على الإطلاق. وعلى مدى السنوات الـ30 الماضية، تحول أصحاب العمل من برامج المزايا المحددة إلى برامج المساهمات المحددة، بالتالي فمن المرجح في الممارسة العملية أن يكون الناس الأكبر سناً في المجموعة الأولى، بينما يكون الشباب في المجموعة الثانية.

إذا كان معاشكم التقاعدي وفق المساهمات المحددة أو إذا كان لديكم صندوق شخصي تدفعون إليه المال مباشرة، فإن ما يهمكم هو حجم ذلك الصندوق، ذلك أنكم أنتم من يتحمل المخاطر، وليس صاحب العمل. ومن المرجح أن تكون قيمة ذلك الصندوق قد هبطت هذا العام. لقد هبط مؤشر "فايننشال تايمز 100" للشركات البريطانية الكبرى نحو تسعة في المئة هذا العام، وإذا  كنتم تعتقدون أن هذا سيئ، فلتعلموا أن مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" للشركات الأميركية انخفض بـ25 في المئة.

لكن على مر السنين، إذا أعيد استثمار الأرباح السهمية والفوائد، فسينمو الصندوق. على مدى العقد المنتهي آخر عام 2021، أنتجت الأسهم البريطانية عائداً سنوياً بالقيمة الحقيقية (أي بعد احتساب التضخم) بلغت نسبته 4.7 في المئة. وكان أداء الأسهم الأميركية أفضل، إذ بلغ العائد السنوي 12.5 في المئة. ومثلاً، لقد تبين ذلك في دراسة أجراها مصرف "باركليز" عن عملائه على مدار مئة سنة خلت.

وبالنسبة إلى صناديق التقاعد ذات المزايا المحددة، حيث تتحمل المخاطر الجهة الموفرة لمعاشات التقاعد، تعد المشكلة أكثر سوءاً بكثير. تدرك هذه الجهات تماماً الحاجة إلى حماية نفسها من تقلبات أسواق الأسهم، إذ نقلت معظم استثماراتها إلى السندات، وأغلبها سندات صادرة عن الحكومة (تسمى في المملكة المتحدة "السندات الذهبية" لأن الشهادات الورقية لهذه السندات كانت قبل سنوات تحمل حواف ذهبية).

تاريخياً، كانت السندات أكثر استقراراً من الأوراق المالية، ولأنها تعتبر أقل خطورة، تصاغ تنظيمات معاشات التقاعد في شكل يشجع صناديق التقاعد على الاستثمار فيها. وتتمثل المشكلة في أن عوائدها أقل. فخلال السنوات الـ10 المنتهية آخر عام 2021، ولدت السندات البريطانية عائداً حقيقياً سنوياً لا يتجاوز واحداً في المئة. واستناداً إلى ذلك، شجعت صناديق التقاعد على إيجاد سبل أخرى في زيادة العائدات، وقد تمثل ذلك أساساً في الاقتراض بضمان حيازاتها من السندات البريطانية، بغرض شراء عقود مالية أخرى. وتسمى هذه الطريقة "استراتيجية الاستثمار المستند إلى مخاطر مالية"، وإذا  لم تفهموا ماذا يعني ذلك فأنتم لستم وحدكم. ومن المرجح أن أغلب أمناء صناديق التقاعد لم يفهموا الأمر أيضاً.

في الأوقات العادية، بدت "استراتيجية الاستثمار المستند إلى مخاطر مالية" هذه ناجحة تماماً، لكن الزيادات في معدلات الفائدة هذا العام، لا سيما ارتفاع عوائد السندات الحكومية، دمرت هذه الاستراتيجيات. في يناير (كانون الثاني)، بلغ العائد على السندات البريطانية التي تستحق بعد 10 سنوات أقل من واحد في المئة. وتجاوز هذا الأسبوع 4.6 في المئة، وإن كان انخفض يوم الخميس الماضي إلى نحو 4.3 في المئة. يصح القول إن هذا الارتفاع رجع في جزء منه إلى فقدان الثقة في الحكومة البريطانية الجديدة، وتتحمل ليز تراس وكواسي كوارتنغ قدراً كبيراً من المسؤولية عن ذلك. في المقابل، لا يقع الذنب عليهما بالكامل، ذلك أن عوائد السندات كلها سجلت ارتفاعاً حاداً. فالسندات الأميركية المقابلة [لنظيرتها البريطانية]، تلك التي تستحق بعد 10 سنوات، قفزت عوائدها من 1.5 في المئة في يناير إلى أكثر من أربعة في المئة الآن.

وبشكل عام، تتحرك أسعار السندات في شكل معاكس لتحرك عوائد السندات، شرط أن يبقى معدل الفائدة ثابتاً. فإذا انخفض سعر السند إلى النصف، ينال الحائز ضعفي معدل الفائدة. وبالنظر إلى السندات الحكومية في شكل عام، شكل هذا العام رابع أسوأ أعوامها منذ عام 1700. لقد أجرت وحدة البحوث في "بنك أوف أميركا" بعض الحسابات حول الأمر، بينت أن المحفظة النموذجية للسندات الحكومية انخفضت بأكثر من الربع مع حلول نهاية سبتمبر (أيلول) 2022، والتراجعات الكبرى الوحيدة حصلت بعد انفجار فقاعة "شركة بحر الجنوب" عام 1721، وبعد الحرب الأهلية في الولايات المتحدة عام 1865، وبعد الحرب العالمية الأولى عام 1920.

واستكمالاً، تمثل ما حدث في الأسابيع الثلاثة الماضية بأن الهبوط في أسعار السندات البريطانية أدى إلى فقدان صناديق التقاعد أموالاً في حيازاتها منها، إضافة إلى أنها اضطرت إلى بيع سندات لتغطية هامش هذه القروض لأنها كانت قد اقترضت في مقابل تلك السندات أيضاً. وكلما باعت سندات أكثر، انخفض السعر، ما أنشأ حلقة مفرغة اضطر "بنك إنجلترا" إلى كسرها بشراء سندات لتثبيت السوق. ووفق المحافظ أندرو بايلي، كان من المقرر وقف هذا الإجراء الطارئ الجمعة، لكن المصرف قد يضطر إلى مواصلة الإجراء في ضوء الاضطرابات. وبعبارة أكثر رفقاً، لم يعبر المحافظ عن نفسه بطريقة جيدة جداً، وفق تعليق لزميلي في "اندبندنت" شون أوغرايدي.

ماذا يحدث بعد ذلك إذاً؟

سيكون هناك لعبة لتبادل اللوم. ومن الصعب في هذه المرحلة توزيع اللوم بإنصاف. ويبدو من المحتم أيضاً أن بعض صناديق التقاعد الضخمة ستتطلب إنقاذاً. هناك هيئة تدعى "صندوق حماية المعاشات التقاعدية"، أنشئت لدفع "تعويضات إلى المشاركين في البرامج المؤهلة [لتلقي التعويض] التي تتبع خطة ’المعاشات التقاعدية ذات المنافع المحددة’، حينما تقع حالة مؤهلة كي تصنف إعساراً في ما يتعلق بصاحب العمل وحيث لا توجد أصول كافية في برنامج المعاشات التقاعدية كي تغطي مستويات التعويضات التي يحددها صندوق حماية المعاشات التقاعدية".

ويتعين على صناديق التقاعد كلها أن تشترك في الصندوق، وبعيداً تماماً عن المبدأ المشكوك فيه الذي يؤكد أن ليس من العدل معاقبة الفصل بالكامل حين يكون ثمة تلميذ شقي واحد فيه، قد لا يتوفر ما يكفي من المال لتغطية الخسائر، لكن في حين أننا لا نعرف بعد مدى السوء الذي قد يكون عليه الوضع في هذا الصدد، نعلم أن وقتاً صعباً ينتظرنا في المستقبل. لذلك، نعم، أيها السيد موغ، نحن بحاجة إلى القلق في شأن المعاشات التقاعدية.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 15 أكتوبر 2022

© The Independent