Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اتفاق تاريخي وإنجاز استراتيجي

ماذا يعني الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل وما دور إيران؟

على مدى سنوات صارت مهمة لبنان البقاء في حالة حرب مفتوحة مع إسرائيل لتوفير التغطية لسياسات إيران بالمنطقة (أ ف ب)

اتفق مسؤولون كثيرون في أميركا والعالم على وصف الاتفاق اللبناني- الإسرائيلي بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بـ"التاريخي".

في إسرائيل قال قادة ومحللون الكلام ذاته في وصف الاتفاق، فيما توجه الرئيس اللبناني بالشكر العميق للإدارة الأميركية ورئيسها وهو ما فعلته إسرائيل أيضاً، فالجانبان اللدودان يعرفان أنه من دون الولايات المتحدة ما كان للاتفاق أن يبصر النور بعد أكثر من 10 سنوات من الأخذ والرد كان خلالها "حزب الله" ومن ورائه إيران يمسكان بالتفاوض ومآلاته.

فور جهوز الصيغة النهائية لاتفاق الترسيم الذي تجدر تسميته "اتفاق هوكستين"، نسبة إلى المبعوث الأميركي آموس هوكستين الذي سعى إليه، وصفه الرئيس جو بايدن بـ"التاريخي".

بايدن الذي حرص على توجيه الشكر لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون على "دعمه المفاوضات"، قال إن الاتفاق "اختراق تاريخي" ومضى شارحاً معنى تاريخيته، فهو من جهة "يحمي المصالح الأمنية والاقتصادية لإسرائيل"، ومن جهة ثانية يسمح للبنان "ببدء استثمار موارد الطاقة لديه"، إنه نوع من الأمن زائد الغاز لإسرائيل مقابل النفط والغاز للبنان على غرار اتفاقات شهدتها المنطقة كالنفط مقابل الغذاء، لكنه يحمل أبعاداً أوسع جعلت معلقاً إسرائيلياً يجزم أنه "أحد أنجح الاتفاقات الاستراتيجية (التي عقدتها إسرائيل) على الإطلاق".

لا مبالغة في هذا التقويم إذا عدنا للظروف التي رسختها المعادلة الإيرانية في لبنان منذ بداية القرن الحالي، لقد جعلت السياسة الإيرانية المذهبية من لبنان قاعدة عسكرية أساسية في إمبراطوريتها الإقليمية وحولت هذا البلد إلى منصة صواريخ وتصدير للميليشيات التي تنفذ أوامرها في سوريا والعراق واليمن ومرتكزاً سياسياً وإعلامياً لأنشطتها وأنشطة أنصارها.

على مدى السنوات الطويلة الماضية لم يعد لبنان الذي يعرفه أبناؤه والعالم موجوداً، صارت مهمته البقاء في حال حرب مفتوحة مع إسرائيل لتوفير التغطية الضرورية لسياسات أخرى تمارسها إيران في طول المنطقة وعرضها، تتضمن شداً وجذباً في مفاوضات نووية متمادية، وفي تنظيم علاقات إيرانية- غربية يسودها توتر مستدام ورغبات دفينة في وئام مرتجى.

عندما كانت المفاوضات اللبنانية- الإسرائيلية متعثرة والوسيط هوكستين مبتعداً من الأضواء وزعيم "حزب الله" حسن نصرالله يوجه التهديدات إلى إسرائيل، أبلغني دبلوماسي أجنبي عمل طويلاً في طهران بأن الاتفاق لن يرى النور إلا إذا كانت إيران موافقة عليه.

وفي رأي الدبلوماسي أن إيران تعتبر لبنان جزءاً أساسياً من منطقة نفوذها الاستراتيجي وأي اتفاق مع إسرائيل سيتطلب قراراً وموافقة إيرانيين بالاستناد إلى تقييم المصلحة الإيرانية العليا فيه، بهذا المعنى يصبح ما تقوم به السلطات اللبنانية عملاً شكلياً، وصفته "هآرتس" بـ"نقل رسائل حسن نصرالله (إيران)" فيما يشغل "حزب الله" المسرح حتى الوصول إلى لحظة إنتاج الموقف الإيراني النهائي كحصيلة لمداولات الكواليس مع أميركا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهنا يفهم الدوران الفرنسي والقطري كانا إضافة في التواصل مع إيران ليستحقا شكر بايدن والرئيس اللبناني، عملياً تم الأمر، وفي لحظة الاتفاق الذي اعتبرته إسرائيل تاريخياً وإنجازاً استراتيجياً، كانت عقدة العراق حيث تتعايش أميركا وإيران على مضض تجد طريقها إلى الحل بسهولة فائقة، فينتخب رئيس للدولة ويعين رئيس للوزراء، وكان وزير النفط الإيراني يعلن مضاعفة واردات صادرات بلاده من النفط وبالعملات الصعبة أضعافاً عدة.

هل الاتفاق فاتحة تغيير؟ يمكن الإجابة بنعم مع التحفظ، قد يكون تغييراً في توازنات المنطقة واتجاهاتها، لكن انعكاساته في لبنان البلد المعني مباشرة ستنتظر وقتاً قبل تبلورها.

يكرر مسؤول كبير في الإدارة الأميركية ما يقوله رئيسه في أن "واشنطن تعتبر اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل انفراجة تاريخية".

ويواكبه رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد فيصف الاتفاق بأنه "تاريخي" قبل أن يتحداه منافسه نتنياهو مستعيناً بصفة "التاريخية" في اتجاه معاكس، أنه "استسلام تاريخي" يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق.

حديث نتنياهو ينسجم مع المعركة التي يخوضها للعودة إلى السلطة ومعارضته تفسرها المناسبات الانتخابية المعهودة، لكن القرار في النهاية لم يكن في إسرائيل بيد السياسيين مثلما لم يكن القرار في لبنان بيد الحكومة.

في إسرائيل كان الدور المركزي للجيش والاستخبارات في الإعداد للاتفاق ثم إجازته واعتبر هؤلاء أن مفاوضهم في الجانب اللبناني هو "حزب الله"، وفي اجتماع الحكومة الإسرائيلية المصغر الذي أقر الاتفاق كان رأي أجهزة الأمن موحداً في أن "الاتفاق يعزز أمن إسرائيل"، ولذلك تمت الموافقة عليه بشبه إجماع.

كانت "هآرتس" لاحظت قبل أيام أن "حزب الله" يحافظ على نبرة ملجومة نسبياً ولا يطلق تهديدات كثيرة ضد إسرائيل، ورأت أن "صمت إيران التي على رغم دعمها لحزب الله وتدخلها الكبير في ما يحدث بلبنان، امتنعت عن التطرق إلى المفاوضات" ورجحت أن هذا الصمت الإيراني "سببه الأوضاع الداخلية في إيران" وفي لبنان.

مع ذلك لن يطول الصمت الإيراني، فصحيفة "وطن امروز" الأصولية حسمت الأمر، وقالت إن الاتفاق "نصر كبير" لـ"حزب الله" الذي مرغ "أنف إسرائيل وأجبرها على القبول بهذا الاتفاق"، وانطلقت بعدها بيانات المنظمات التي تدعمها إيران ومنها "حماس" في دعم "حزب الله" وتغطية موقفه.

ولم يكن ذلك سوى دليل آخر على خوض إيران التفاوض وإجازتها الاتفاق الذي أرضى إسرائيل وسمح للبنان بالبحث عن غازه الموعود.

في المستوى الضيق نحن أمام اتفاق بين "حزب الله" وما يمثله وبين تل أبيب، خلاصته كما قال بايدن، ضمان أمن إسرائيل من جهة وإتاحة الفرصة للبنان بسياسييه وحكامه لاستثمار محتويات بحره من جهة ثانية.

إنه اتفاق تاريخي في مسار الصراع مع إسرائيل، فبالنسبة إلى هذه الدولة يعتبر ترسيم الحدود البحرية، بعد ترسيم البرية (الخط الأزرق)، إقفالاً رسمياً لباب تهديد دائم من جانب إيران وميليشياتها وهو ما ركز عليه قادة الأمن الإسرائيلي، وفي انتظار انكشاف الثمن الحقيقي الذي قبضته إيران سيمكننا تحديد المعنى الدقيق لتاريخية هذا "الإنجاز الاستراتيجي".

المزيد من آراء