ترى ناتاشا بنسل وعائشة غيد، وهما تاجرتان، أن "العنصرية والطبقية وعدم الشعور بالأمان داخل بيئات الطبقة المتوسطة ذات الأغلبية البيضاء، كانت الأسباب إلى حد كبير وراء عجز المزارعين السود عن بيع منتجاتهم في عديد من الأسواق التقليدية".
لذلك تعد "سوق المزارعين السود" التي تنظمها التاجرتان بوصفها أول سوق رئيسة تقام في بريطانيا، محاولة لتحقيق التوازن ومنح المزارعين من أصول أفريقية منصة لممارسة تجارتهم.
أثناء عملهما في طريق بركستون ستيشن جنوب لندن، تقول عائشة وناتاشا إنهما غالباً ما تعترضهما شكاوى من زملائهما رواد الأعمال من أصول أفريقية حول غياب الاستثمار والفرص المجدية والدعاية لأعمالهم.
قررت ناتاشا، بعد أن أصابها الإحباط من الوضع الراهن، أن تأخذ زمام الأمور في يديها وتطلق فعالية تعزز من ترويج منتجات المزارعين والمنتجين السود خلال شهر التاريخ الأفريقي. فقامت بالتواصل مع المجلس وعدد من الجهات المختلفة للحصول على منح، وما عدا ذلك من أحداث فإنها، كما يقال، أصبحت تاريخاً لم يخل من التحديات.
ستقام الفعالية الأحد القادم بين طريق بوب بركستون وطريق بركستون ستيشن وستكون بمثابة منصة تقدم للعملاء فرصاً لشراء المنتجات الطازجة والوجبات الشعبية والمشروبات أثناء الاستمتاع بالأنشطة العائلية وعلى خلفية الموسيقى التي يؤديها فنان دي جي على الهواء مباشرة.
قالت ناتاشا، مديرة الفعالية، لصحيفة "اندبندنت"، "هناك عدد غير قليل من أسواق المزارعين السود في الولايات المتحدة، ولكن الأفريقيين هنا لا يتمتعون بالمساحات الزراعية نفسها في المملكة المتحدة، ولذا فإن إقامة سوق للمزارعين السود هنا أمر مستحدث جداً".
وأضافت "يوجد مزارعون من أصول أفريقية في هذا البلد، ولكن لا تتاح لهم أية منصة لبيع منتجاتهم، وليس من السهل الحصول على ذلك، بل من الصعب جداً على عديد من الأشخاص الذين يزرعون المنتجات إنشاء شركة والمضي قدماً فيها، لأن بيع ما تزرعه من محصول أمر، لكن تسويقه وبيعه تجارياً أمر آخر تماماً، إذ لا تتوفر بالفعل الموارد التي تساعد في ذلك".
وأوضحت التاجرتان أن الفعالية تهدف إلى إحياء جزء من بركستون غالباً ما يتم إغفاله والذهاب إلى "وجهات سوق أكثر فخامة"، وسوف تساهم أيضاً في استقطاب عدد كبير من المواهب المحلية.
توجد أسواق للمزارعين في جميع أنحاء البلاد التي تتميز عن الأسواق العامة التي توجد عموماً في مواقع دائمة وتتميز ببيع السلع التجارية، إضافة إلى الفواكه والخضروات. سيخبرك الخبراء أن أسواق المزارعين مفيدة للاقتصاد المحلي والمستهلكين والبيئة.
ومع ذلك غالباً ما يكون من الصعب اقتحام هذه الأسواق. وأوضحت ناتاشا وعائشة إن عديداً منها يدار من قبل شركات خاصة تفرض نسباً عالية ورسوماً باهظة لاستئجار أكشاك ومعدات رئيسة، إضافة إلى وجود قوائم انتظار للأسواق في المناطق الشعبية.
وأضف إلى ذلك أن رواد الأعمال يقولون إن كثيراً من المعلومات حول المستندات والمعدات والتدريب المطلوب لبدء ممارسة التجارة غير متاحة بسهولة.
ومن جانبها قالت عائشة التي أسست مجموعة المشروبات الصحية Carisips، "إذا تمكنت من المشاركة في السوق فلن تجد غالباً كثيراً من التنوع أو التمثيل، وفي كثير من الأحيان لا يشعر المزارعون من أصول أفريقية بأية صلة ارتباط بينهم وبين المساحة التي قد تكون متاحة لهم للمتاجرة بمنتجاتهم"، مضيفة أن العملاء كذلك لن يكون لديهم رغبة بشراء أي منتج من السوق.
مولت ناتاشا، صاحبة فكرة "سوق المزارعين السود"، المشروع من أموالها الخاصة ومن خلال بعض المنح التي حصلت عليها من صندوق "بيبودي كوميونيتيز" (Peabody Communities) وجهات أخرى مثل "غيف بلاك- أوجاما" (Give Black - Ujama) و"بركستون بيد" (Brixton Bid) و"أوك فاونديشن" (Oak Foundation) ومساهمة بسيطة من فريق تجديد الأحياء التابع لمجلس لامبيث Lambeth.
وأوضحت أن "إحدى فوائد هذه الفعالية هي أن المزارعين سيتم تسجيلهم في فريق أسواق لامبيث، لذلك عندما يعود الموسم مرة أخرى، ولديهم منتجات الفاكهة والخضروات، يمكنهم العودة وعرض منتجاتهم للبيع على طريق بركستون ستيشن".
وأردفت "ما أقوم به حرفياً الآن هو تعريف التجار ورواد الأعمال المحتملين على هذا الموقع الذي لا تتم الاستفادة منه بشكل كاف في الوقت الحالي".
ومع ذلك، لم يكن فريق التجديد في مجلس لامبيث، وفق ما ذكرته التاجرتان، داعماً تماماً لمبادرة سوق المزارعين السود، إذ أشار بعض أفراد الفريق إلى أنهم لا يستطيعون رؤية كيف سيساعد ذلك، على المدى الطويل، في تجديد المنطقة وتحديثها.
حظيت الفعالية بدعم من مستشارة العمل الدكتورة جاكلين داير، التي قالت "أرحب بفرصة عرض الأعمال / رواد الأعمال الخاصة بذوي الأصول الأفريقية في لامبيث".
عندما جرى التواصل مع متحدث باسم المجلس للتعليق على الحجوزات المزعومة لفريق التجديد التابع لمجلس لامبيث، أفاد المتحدث بأن المجلس يستثمر في السوق وقطاع الأعمال للتجار.
وأضاف أن "مجلس لامبيث سعيد بقدرته على دعم سوق المزارعين السود التي ستعقد يوم الأحد التاسع من أكتوبر، من خلال توفير التمويل والدعم العيني".
"هذه فرصة مثيرة لعرض منتجات التجار من أصول أفريقية واستقطاب مزيد من التجار ورفع مكانة الحي الشهير في طريق بركستون ستيشن. سيعمل المجلس مع المنظمين والتجار لاستكشاف كيفية دعم التجار لممارسة التجارة بانتظام على طريق بركستون ستيشن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الوصول والتمكين
سيبيع The Roots Farmer، وهو أحد المزارعين السود القلائل الناجحين تجارياً في بريطانيا، منتجاته في السوق الذي سيقام يوم الأحد.
وقال المزارع الذي أطلق صندوق اشتراك المنتجات الطازجة لصحيفة "اندبندنت"، "العلاقة بين الغذاء والأرض والعدالة الاجتماعية والثقافة جزء مهم من المحادثة التي يمكن أن تقود المجتمعات التي سكانها من أصول أفريقية نحو قدر أكبر من المساواة في المجتمع الغربي". وأضاف "نعتقد أنه يجب أن يحصل الجميع على طعام مغذي عالي الجودة، لذلك أنا متحمس حقاً لرؤية إطلاق سوق المزارعين السود، التي ستسلط الضوء على هذه القضايا".
وأشارت عائشة إلى أن عادات عدم تناول الغذاء الطبيعي والصحي منتشرة للغاية داخل المجتمعات المهمشة التي تكافح الفقر، ويتضح بشكل أكبر من خلال النتائج المتفاوتة في مستوى الصحة العامة.
وأكدت "نحن نعلم أن السود يتمتعون بالصحة وأن النظام الغذائي النباتي، على سبيل المثال، ليس جديداً على مجتمعاتنا. كان أباؤنا وأجدادنا من أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي يعتمدون على ما يزرعونه من نباتات في فناء منزلهم الخلفي. لكن عدم إتاحة ذلك يمثل مشكلة، وهي حقيقة أن عديداً من السود لا يشعرون بأنهم قد يذهبون إلى مكان آمن لشرائه".
العقبات
العقبات التي تواجه المزارعين والمنتجين السود في بريطانيا ليست بجديدة. ومع ذلك، تعرف الزراعة بأنها واحدة من أقل الصناعات تنوعاً في البلاد، وتعاني نقصاً مزمناً في الإدماج داخل بلد يمنع فيه رواد الأعمال السود من مضاهاة الأداء المالي لنظرائهم البيض.
الوصول إلى الأراضي مشكلة خطيرة. وتبين الإحصاءات الرسمية أن نحو 98.6 في المئة من مديري ومالكي المزارع بريطانيين بيض؛ وأن اثنين في المئة فقط من البريطانيين السود يعيشون في الريف، وفقاً لدراسة أجريت عام 2017.
يمكن لعدد من السود أن يشهدوا كيف كان يحدق الناس بهم في إحدى الحانات الريفية، أوكيف كانوا يبرزون بشكل واضح (بصفتهم الوحيدين من ذوي البشرة السوداء) عند زيارة الريف، ناهيك عن امتلاك العقارات هناك.
وأوضحت ناتاشا، التي كانت تبيع تاينو، وهي عبارة عن توابل صغيرة مستوحاة من منطقة البحر الكاريبي ومتوفرة في الأسواق منذ عام 2018، "لا تزال الزراعة في بريطانيا إقطاعية للغاية، وذلك الوضع لم يتغير". وأضافت "لا يزال لدينا أغلبية من الطبقة العليا والأغنياء وملاك الأراضي البيض في هذا البلد. عندما يتعلق الأمر بالمزارع التجارية، فإن السود ليس لديهم هذا الحضور".
في ما يتعلق بالخيار الآخر لتأجير الأراضي، هناك أيضاً مشكلات تتعلق بعدم منح السود قروضاً لائقة من البنوك أو منحهم عقود إيجار معقولة حتى يتمكنوا من تشغيل مزرعة والحفاظ على مشروع زراعي، الدخول في هذا المشروع مكلف.
تعرض ملاك الأراضي المؤسسين مثل الصندوق الوطني National Trust وكنيسة إنجلترا Church of England لانتقادات شديدة لإخفاقهم في بذل مزيد من الجهد في معالجة هذه القضية.
وقال ويلفريد إيمانويل جونز، أحد المزارعين ومؤسس العلامة التجارية للأغذية The Black Farmer، "يجب أن يخجلوا... ويمكن أن يقودوا الطريق، بخاصة في ظل الحوافز الضريبية من الحكومة لملاك الأراضي الذين يبتكرون مخططات لاستقطاب الوافدين الجدد".
ساهم قطاع الزراعة في المملكة المتحدة بدخل إجمالي يبلغ حوالى أربعة مليارات جنيه استرليني للاقتصاد العام الماضي، وفقاً لأحدث البيانات الحكومية، التي تظهر أن إمكانات الكسب موجودة على رغم صعوبة الاستفادة من الصناعة.
كانت بركستون التي كانت تعرف سابقاً باسم "العاصمة السوداء للمملكة المتحدة"، موطناً لواحدة من أولى مجتمعات الويندرش Windrush (المقصود بذلك المهاجرين من الدول الكاريبية الذين وصلوا بريطانيا خلال الفترة 1948-1971) وهي متنوعة تاريخياً.
ومع ذلك تم تجديد الأحياء القديمة في المنطقة منذ ذلك الحين، مما أدى إلى تجريد أجزاء منها بشكل لا يمكن التعرف عليه ودفع السكان المحليين إلى الخروج من منازلهم وترك أعمالهم لإفساح المجال للوافدين الجدد من ميسوري الحال والأثرياء. وعلى رغم المحاولات المحلية للتمسك بالأهمية الثقافية للمنطقة، يخشى كثيرون أن الأمر بدأ يفلت من أيديهم.
وقالت ناتاشا "جزء من سبب شغفي الشديد بهذه الفكرة هو أنها جعلتني أشعر وكأنها وسيلة لنا لاستعادة بركستون"، وأضافت "يجب أن تكون الأسواق والفعاليات أول محطة للتوقف عندما تجرب مشروعك وتتعرف على نوعية عملائك. كان سوق ستيشن رود في يوم من الأيام أحد الأماكن التي منحت الناس فرصة، في حين أن الأسواق الأخرى تديرها شركات خاصة تنتقي وتختار التجار بالطريقة التي تناسبها".
وقالت "نأمل ألا يكون هذا مجرد حدث لمرة واحدة، وأن يكون فرصة لإجراء حوار أوسع حول المساواة بين الأعراق في الزراعة، ولماذا يوجد مثل هذا الحاجز الكبير للأشخاص الملونين في هذا القطاع".
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 9 أكتوبر 2022.
© The Independent