Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روائيون ونقاد عرب يلتقون حول "قضايا البشرة السوداء" في تونس

هل انتهى زمن العبودية أم عاد مقنّعاً؟

قد يكون العنوان الذي حملته الدورة الثانية لملتقى تونس للرواية العربية وهو "قضايا البشرة السوداء في الرواية"، من أطرف بل من أغرب العناوين التي يحملها مؤتمر يدور حول الرواية، سواء العربية أم العالمية. فما يعنيه عنوان "البشرة السوداء" لا يشمل فقط الأدب الأفريقي أو الزنوجي كما يُعبر عنه في الغرب، بل هو يطاول أيضاً ما كتب عن أفريقيا والشخصيات السوداء من أعمال روائية. وطرح الملتقى على طاولة النقاش قضايا العبودية في الرواية العربية من خلال محاور وعناوين عدة منها: التاريخ المنسيّ للعبودية، الذاكرة الجريحة، معاناة الإنسان الأسود، تجارب العبودية والانعتاق، الأسود في الزمن الاستعماري وما بعد الكولونيالي، العنف والإبادة، والواقعية السوداء بين الالتزام والإبداع... وأقيمت الدورة التي نظمها "بيت الرواية" في "مدينة الثقافة" في العاصمة التونسية، وقد اختير الكاتب إلياس خوري ضيف الشرف فيها. وشارك في الدورة ثلاثون روائياً وناقداً عربياً. وورد في بيان لجنة إدارة المهرجان "أن الرواية ظلت الفن الذي اتخذه الإنسان الأسود ليكتب ملحمته بنفسه، لمقاومة النسيان ومحاكمة الجرائم التي لا تغتفر، وصناعة تاريخ من لا مجد لهم". وأشار إلى نموذجين أساسييْن هما رواية "جذور" لألدوس هكسلي وأعمال وول سوينكا، باعتبارها "تجارب شديدة التنوّع كان فيها للروائيين العرب نصيب يدعو إلى التأمل في منحيين: منحى اتخذ من الإنسان الأسود موضوعاً للكتابة، ومنحى كانت فيه أقلام البشرة السوداء ذاتاً مبدعة".

كان الافتتاح مع كلمة لمدير "بيت الرواية" الروائي كمال الرياحي وقال فيها: "لم تكتمل السنة بعد لنحتفي بعيد ميلاد "بيت الرواية" الذي أطلقناه في (مايو - أيار 2018) وها نحن نجدد العهد مع الدورة الثانية لملتقى تونس للرواية العربية. اليوم نطلق جدلاً جديداً وأسئلة أكثر دقة تحت عنوان قضايا البشرة السوداء في الرواية، فهل انتهى الرق؟ هل انتهت العبودية؟ ربما في صورتها الكلاسيكية، غير أنها تعود كل يوم في أشكال أخرى ومسميات كثيرة".

عبّر الروائي المالي محمود إبراهيم تراوري بعمق عن معاناة السود في المنطقة من خلال أعماله السردية، ويقول في هذا الصدد: "في تجربتي الروائية، أزعم أنني سعيت إلى فعل إزاحة الصورة النمطية لذوي البشرة السوداء، ولكن في ذهنية الأسود أولاً وأخيراً. فالآخر يبدو مطمئناً للصورة في ذهنيته وذاكرته التاريخية، بينما الأسود عليه ألا يبقى مطمئناً، عليه أن يخلخل هذه الصورة، لينطلق واثقاً في رحابات الحياة، من دون أن يسمح لتلك الصور بأن تكبله بينما يتواطأ التاريخ والثقافة على إبقائه فيها، منبوذاً، مقصياً، مقهوراً". ويضيف الروائي المالي: "عجزنا كأمة عن تفكيك الخطابات التي تراكمت على مر التاريخ الطويل لمعاناة الإنسان الأسود في البقعة العربية، وثمة أسئلة تحاول أن تبحث في ما إذا كان الأسود وحده الذي يعاني، أم الإنسان العربي في شكل مطلق هو الذي يعاني من أمور كثيرة، متصلة بتاريخ القهر الاجتماعي، الذي تمثلته نماذج إبداعية عربية ذات بشرة سوداء تمتد إلى عصر ما قبل الإسلام، ممثلة في الفارس الشاعر عنترة بن شداد، مروراً بالشاعر سحيم، وصولاً إلى العصر الحديث الذي علا فيه صوت محمد الفيتوري وهو يرفع ربما حالماً أغاني أفريقياً".

لون البشرة في الثقافة السودانية

الروائي السوداني منصور الصويم قدّم مداخلة بعنوان "مأزق الأسود... ثيمة الرّق في الرواية السودانية"، ويقول في تصريح إلى "اندبندنت عربية": "لم أجد مدخلاً مناسباً لمقاربة الرق والعبودية في الرواية السودانية، أفضل من تناول إشكالية لون البشرة في الثقافة السودانية بعامة، والكيفية التي يتعامل بها السودانيون في المركز النيلي مع ألوان بشرتهم، وما تقود إليه من تصنيفات اجتماعية وثقافية وتحيزات عرقية – قبيلية، تصل إلى مربع العنصرية الصريح. والمفارقة المدهشة في هذه النقطة أن السوداني يأخذ مسماه التجنيسي هذا من صبغة اللون الأسود، التي يفترض بأنها إشارة إلى لون بشرته، إلا أنه لا يعترف بتاتاً بهذا اللون ويتعامل معه بعماء وكأنه لون شخص مختلف آخر، وليس لونه هو بالتحديد".

أما الروائية الأردنية سميحة خريس فتحدثت عن رواياتها التي طرحت قضية البشرة السوداء، وتقول خريس لـ "اندبندنت عربية": "في روايتي "بابنوس" و"فستق عبيد" اقتفيتُ تاريخَ الرقِّ الأسمر ومعاناة الإنسان الأفريقي على يد الأبيض، صاحبِ الحضارةِ المعاصرة، مالكِ الدنيا، الذي أباح لنفسه تملّكَ البشر. تفحصتُ تلك المعادلة المريرة في رغبة الإنسان في الحرية وتسببه بالعبودية، أردت من النصينِ المترابطين بوشيجةِ المكان وتتابعِ الزمان أن ينبشا في جرحٍ قديم جديد، قابلٍ للمثول بيننا في أية لحظة، متخذاً هيئةً مختلفة واسماً مغايراً، متقنعاً أو كاشفاً عن نفسه بوقاحةِ الغالب المنتصر. لكنّ خريس ترى أن هذه الحكاية تطول قائلة: "حكاية خبرتُها وعشتُها منذ إدراكي الأول للونِ وأطيافهِ ودلالاته، تلك أفريقيا التي التقيتُ بها على الورق فذبحتني من الوريدِ إلى الوريد".

وكان للروائي السوداني حمّور زيادة مداخلة بعنوان "عبيد في قيود السرد" وهي دارت حول رواية "شوق الدرويش" وقال زيادة: "إن الرقّ ليس عملية مادية فقط، تربط الضحية إلى وتدٍ خشبيٍ بالسلاسل، الرق قيود نفسية شديدة الخبث تشد ضحيتها إلى الأرض."

أمّا الروائي التونسي إبراهيم الدرغوثي فقدم مداخلة بعنوان "أشكال حضور السودان في أعمالي الروائيّة"، وشرح فيها دلالات حضور الشخصيات السوداء في بعض أعماله الروائية وعلاقاتها بالمجتمع الأبيض في مكان محدد هو واحات بلاد الجريد التونسي في الجنوب. ويقول الدرغوثي لـ "اندبندنت عربية": "منذ بداياتي الأولى في كتابة الرواية حضر ذوو البشرة السوداء في هذه الكتابة بأشكال متعددة، منها المقدس صاحب الكرامات وصاحب الجاه، والمدنس والعادي المُحقّر والعبد العامل في المنازل وخارجها وسائس هودج سيدته في مواسم الأعراس والأفراح."

أما الروائية المصرية سلوى بكر فعادت إلى روايتها "كوكو سودان كباشي" التي تمثل الوثائقيَّ الذي انبنت عليه، والمتعلق بالكتيبة، (الأورطة) المصرية السودانية التي شاركت في الحرب الأهلية في المكسيك وجوارها بين العامين (1863-1867). حينذاك كانت فرنسا تعدّ المكسيك من ممتلكاتها عبر البحار، وقد طلبت العون من مصر على عهد الخديوي سعيد ومن بعده الخديوي عباس، فجرى تشكيل "الأورطة" في الغالب من العبيد الذين اصطيدوا في مناطقهم في السودان والنيل التحتاني، أو بيعوا في أسواق الخرطوم، ومنهم من تعنونت الرواية باسمه (كوكو سودان كباشي) وهو نوبيّ الأصل اصطيد وانتزع من موطنه في جبال النوبة.

واختتمت الدورة الثانية لملتقى تونس للرواية العربية بلقاء خاص مع ضيف شرف الدورة، الروائي اللبناني الياس خوري الذي قدم مداخلة بعنوان "معنى الكتابة الروائية في زمن الألم العربي"، وفيها تطرّق بعمق وشمولية إلى أبعاد الكتابة الروائية اليوم.

المزيد من