Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"استدعاء ولي أمر" مسرحية الابن الذي يقتل والديه عبثا

المخرج نجح في صياغة نص مأثور في رؤية تشكيلية درامية

من مسرحية "استدعاء ولي أمر" في هناجر القاهرة (خدمة المسرحية)

لا جديد على مستوى الفكرة تطرحه مسرحية "استدعاء ولي أمر" (مسرح الهناجر المصري)، وهي من تأليف محمد السوري، وإخراج زياد هاني كمال، وبطولة مجموعة من الممثلين الجدد، لكنها على رغم ذلك حققت نجاحاً جماهيرياً ونقدياً لافتاً.

تنتمي المسرحية إلى نوعية المسرح الاجتماعي، الذي يناقش قضايا اجتماعية نعيشها جميعاً، ولذا فإننا في مثل هذا النوع من المسرحيات نرى أنفسنا مجسدين على خشبة المسرح، ومتورطين في الأحداث. وهذا ما يجعل مثل هذه العروض المسرحية تعلق بالأذهان متى صيغت جمالياً، واكتفت بطرح القضية من دون أن تشغل نفسها بالبحث عن حل، باعتبار أن الحل ليس مهمة الفن.

أسرة مكونة من أب وأم وابنة وابن، الأب متسلط وقاس، نموذج ربما نراه كثيراً في مجتمعاتنا. هو لا يكره أولاده لكنه يعبر عن حبه لهم بالقسوة التي يراها ضرورة لاستقامتهم، والأم منسحقة أمام تسلطه وقسوته، والابنان ضحية العنف الأسري، والأوامر والنواهي التي لا تتوقف. تنحرف الابنة، وينتهي الأمر بالابن إلى قتل والديه بعد فشله في الدراسة، وفشله في علاقة الحب، وعدم قدرته على تفريغ طاقاته المكبوتة.

 

هذا كل ما في الأمر، وهذا ما يمكن تلمسه في عروض مسرحية وسينمائية شاهدناها من قبل، منها على سبيل المثال لا الحصر، "ليلة القتلة" لخوسيه ترييانا، وفيلم "45 يوماً" لأحمد الفيشاوي، وهشام سليم، وغادة عبدالرازق، وإن اختلفت المعالجة هنا، واختلفت كذلك بعض التفاصيل، وطريقة المعالجة.

بعد اجتماعي

وإذا كانت "ليلة القتلة" تحديداً ذات أبعاد سياسية لا تتعلق بالسلطة الأبوية فقط، بل تتعداها إلى السلطة على إطلاقها، فإن "استدعاء ولي أمر" تكتفي بتناول طبيعة هذه العلاقة غير السليمة بين الآباء والأبناء، وما تؤدي إليه من تداعيات سلبية وخطيرة، ولا تستخدم رموزاً أو دلالات غائمة. فهي لا تدعي أكثر مما تقدم، بمعنى أنه لا يمكن تأويلها إلا في هذا الإطار. وهو أمر لا يمثل طعناً في جودة النص بل قد يمثل ميزة، فالنص هدفه واضح ومحدد طرح قضية تتعلق بمجتمع لا يلتفت أفراده إلى تفاصيل بسيطة في مظهرها، لكنها عميقة في جوهرها، وشديدة الأثر في شخصية الأبناء، ويمكن أن يؤدي إغفالها إلى تداعيات مرعبة على المجتمع بأسره، والعبرة هنا في كيفية التعامل مع نص أحادي الدلالة كهذا، وكيفية صياغته على المستوى البصري، ليصبح ذا أثر أولاً، ويصبح ثانياً، وبالتبعية، جديراً بالمشاهدة والاحتفاء.

 

اللافت في نص العرض أيضاً هو إمعانه في القتامة، باستثناء بعض اللحظات الكوميدية العابرة التي وإن خففت قليلاً من وطأة الأحداث، فإنها لم تأت اعتباطاً، بل تم توظيفها لخدمة الرؤية الكلية للعرض. واللافت كذلك عدم إغلاق العرض على نهاية سعيدة وساذجة ليخرج المشاهد وقد اطمأن قلبه، بل إنه يظل قاتماً وجارحاً حتى مشهد النهاية، الذي يبدو فيه الشاب قاتل والديه، وقد حمل حقيبته ومضى إلى المجهول، غارقاً في الضباب، لا حل لديه ولا أمل.

رهافة إخراجية

المخرج زياد هاني كمال تعامل مع النص برهافة شديدة، وأدرك منذ البداية أنه بصدد عمل مسرحي يتم بناؤه بالصورة، لا بالثرثرات الفارغة. فاستعان بمصممة ديكور (هبة الكومي) استطاعت تجسيد رؤيته على المستوى البصري، وأسهمت تصميماتها في سريان المشاهد بانسيابية شديدة. ولجأت إلى الديكور المركب، الذي يعد من أصعب أنواع التصميمات، ويستلزم مهارات خاصة، بحيث جاء في منظر واحد ثابت، وعلى أكثر من مستوى، مازجاً بين الواقعي والتعبيري، ومجسداً أماكن عدة، كالبيت والمدرسة، والعيادة النفسية، والحديقة، ومحطة الباص، وغيرها. وشكل في مجمله ملمحاً جمالياً لافتاً، فضلاً عن وظيفته في تجسيد فضاءات العرض، معتمداً في الانتقال من مكان إلى آخر على إضاءة واعية ومتقنة (صممها إبراهيم الفرن). إضاءة تدرك التحولات التي يمر بها العرض، ولحظاته الدرامية المحتدمة، وتتعدد مساقطها وألوانها، بخاصة الأزرق والأحمر، وما يحملانه من دلالات بحسب طبيعة المشهد، ليشكل هذان العنصران معاً خطاباً جمالياً يتوجه إلى عين المشاهد، وخطاباً فكرياً إلى عقله.

 

لجأ المخرج كذلك إلى معادلات بصرية في مشاهد عدة، معتمداً على تحريك بعض قطع الديكور وبخاصة الأبواب، لينتج من ذلك معنى لا يغيب عن فطنة المشاهد ووعيه. هكذا يأتي العرض مشحوناً لا بالكلمة وحدها بل بالصورة أيضاً التي أسهمت في تشكيل البنية الدرامية للعرض، وأسهمت كذلك في تعميق أثره وضبط إيقاعه.

توظيف الممثل

اعتمد العرض على مجموعة من الممثلين الشباب غير المعروفين، لكن تدريبهم وتوظيفهم في أدوارهم بشكل صحيح، وهي مهمة المخرج، منح العرض مصداقيته وقدرته على الإقناع والتأثير. لعب مصطفى رأفت دور الابن قاتل والديه بقدر عال من الوعي إلى طبيعة شاب مقهور، واقع تحت سلطة أبوية ومجتمعية، عموماً، تنتهكه وتسحقه. وبدا في صمته وحركته كشخص ضائع مغترب لا يدري حتى إذا كان قتل أبويه أم هيئ له. وجاء أداؤه مقنعاً من دون افتعال أو مبالغة. وكذلك مصطفى سعيد في دور الأب القاهر والعنيف، واستخدم جسده وصوته في خدمة الشخصية بشكل واع. ونانسي نبيل في دور الطبيبة النفسانية المتعاطفة مع القاتل والباحثة عن ثغرة ينفذ منها. وبتول عماد في دور الشقيقة التي افتقدت حضن أبيها، فبحثت عنه لدى رجل آخر يكاد يشبهه، ولمياء الخولي الزوجة المنسحقة أمام تسلط زوجها، وأدهم هاني، الذي شكل عنصر الكوميديا في العرض بأدائه دور المتشرد الهارب أيضاً من العنف الأسري. وميسرة ناصر في دور الطبيب النفساني الذي لا يختلف قسوة وعنفاً عن الأب، ولؤي سامي المعلم الذي يضطهد تلميذه ويستدعي ولي أمره، ومونيكا هاني حبيبة الشاب القاتل، وعمر عبدالباري الطبيب المشغول في ملذاته بعيداً من عمله. فريق عمل متناغم قدم مباراة تمثيلية متقنة من دون ثغرات، بخاصة في التسليم والتسلم، مما يشير إلى مواهبهم أولاً، وثانياً إلى الجهد الذي بذله المخرج لخلق ذلك التناغم بينهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العرض يحمل عنوان "استدعاء ولي أمر"، منطلقاً من قيام المعلم باستدعاء ولي أمر تلميذه، بعد أن فشل في الإجابة عن أسئلة تعجيزية، لكن الأب يرفض هذا الاستدعاء، وينشغل أكثر بممارسة العنف مع الابن ومحاولة انتزاع إجابة منه عن سبب الاستدعاء، لكن التأمل العميق للعنوان يفضي إلى أن الاستدعاء هنا ليس لولي الأمر داخل العرض فقط، بل إنه موجه إلى كل ولي أمر خارجه.

عمل مسرحي يمثل صرخة تحذير شابة يطلقها الأبناء لعل أحداً يلتفت، عرض أدرك صناعه دورهم في إعادة صياغة وعي المجتمع بواسطة عمل فني، لا منشور دعائي على طريقة افعل ولا تفعل، وربما ذلك ما جعله ممتعاً بقدر الأوجاع التي حملها.

يحسب لمركز الهناجر للفنون، الذي يديره المخرج شادي سرور، تحمسه لتقديم هذه النوعية من العروض التي يصنعها الشباب، وتناقش قضاياهم الآنية، فهم خير من يعبر عما يعيشونه، بعيداً من وصاية الكبار وسلطاتهم الغاشمة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة