Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طالب الرفاعي يطرق أبواب التطرف في "خطف الحبيب"

سيد العائلة الثرية يتوه بين علاقة زوجية فاترة وانجراف الابن في الحركات الظلامية

القاص والروائي الكويتي طالب الرفاعي (صفحة الكاتب على فيسبوك)

يقدم الروائي والقاص الكويتي طالب الرفاعي لقارئه العربي رواية جديدة بعنوان "خطف الحبيب". وتشكل هذه الرواية ظاهرة مثيرة للانتباه في الحقل الأدبي العربي على مستويات عدة، سواء من ناحية النشر أو المضمون، فقد اختار الرفاعي أن يضع روايته بين أيدي القراء في العالم العربي بأسره في اليوم نفسه. واعتمد الرفاعي من أجل تحقيق ذلك استراتيجية نشر فريدة من نوعها وهي إصدار الرواية نفسها لدى 14 ناشراً عربيا بـ 14 غلافاً في عدد من العواصم والمدن العربية، فهل تفضح هذه الاستراتيجية الفريدة من نوعها ضعف النشر العربي والتوزيع في مختلف الدول العربية؟ وهل سيعتمد كتاب آخرون الطريقة نفسها في المستقبل لإيصال كتاباتهم إلى أكبر عدد من القراء العرب؟

ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن الرواية تتطرق إلى قضية الإرهاب والأصولية والتطرف وما تشكله هذه الظاهرة من قوة جذب مؤذية ومضرة بالشباب العربي، يختار الرفاعي إطاراً اجتماعيا جديداً وغير متوقع، فعلى عكس السائد وما يرد مثلاً في كتابات الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا، وبخاصة روايته "خليل"، وعلى عكس كذلك نموذج الإرهابي الذي ورد في رواية "الحي الأميركاني" للكاتب اللبناني جبور الدويهي، لا تتوافق شخصية الإرهابي لدى طالب الرفاعي مع نموذج الإرهابي القادم من بيئة فقيرة جاهلة مهمشة، أجبرته على الالتحاق بالجهاديين ليجد مكانه في المجتمع، فأحمد في رواية الرفاعي شاب مليونير متعلم متحدر من إحدى أبرز عائلات الكويت وأثراها وأعرقها، فلماذا هذا التوجه نحو الجماعات المتطرفة والمسلحة؟ لماذا ترك حياة العز والجاه والرخاء والتحول إلى حياة الجهاد المتطرف الوحشي؟

يقول الرفاعي عن روايته وعن سبب اختيار موضوع التطرف الديني محوراً لفضائه السردي، "التطرف الديني ظاهرة عالمية، وظاهرة مؤثرة ترمي بظلالها الداكنة والمؤلمة على المجتمعات العربية كلها، ولا أظن أن هناك مجتمعاً عربياً واحداً نجا منها، كما أن نتائجها وخيمة على كل الأطراف، الفرد والأسرة والمجتمع. إن المجتمع الكويتي ينعم والحمد لله بالأمن والأمان، لكن هذه الظاهرة تمس عدداً من الأسر الكويتية، ولها آثارها ظاهراً وباطناً، وتحاول هذه الرواية طرح الموضوع من باب المحافظة على بنية الأسرة الكويتية، وعدم تقديم أبنائها وقوداً لتنور الإرهاب المستعر".

ويضيف الرفاعي عن سبب كتابته رواية هو المعروف عنه ميله الواضح إلى القصة القصيرة، "أنا عاشق متيم للقصة القصيرة، ولا أكاد أفارق ساحتها قراءة وكتابة ونشراً، لكنني ومنذ العقود الثلاثة الماضية أذهب للرواية بمعدل مرة كل سنتين، إضافة إلى أن موضوع العمل هو الذي يحدد القالب الذي سيأخذه إن كان قصة قصيرة أو رواية، وعوالم "خطف الحبيب" سارت باتجاه الرواية، بالنظر إلى تعدد أبطالها وأحداثها وأماكنها، ولقد استغرقت مني كتابة هذه الرواية قرابة العامين، بين تحضير للكتابة ودراسة ظاهرة الإرهاب والوضع السوري تحديداً، وغيرها من التفاصيل".

رائحة دماء وموت وخسارة

يفتتح طالب الرفاعي سرده بكابوس ورائحة دماء ومشهد عنيف يحضر القارئ إلى ما ينتظره من تشويق وأحداث سريعة الوتيرة والنبرة، فمنذ الصفحة الأولى يوظف الكاتب الحواس الخمس ليضع قارئه في حال تأهب وترقب وتوتر سردي، فيقول الراوي المليونير الستيني يعقوب، "هز قلبي فزع غريب، لحظتها ثار الموج واختلط لونه، وما لبث أن صار دماً قانياً، وتعالت أمواجه الهادرة وتطاير رذاذها، فطال وجهي وثيابي، وملأت روحي رائحة دم نافر!" (ص: 8)

حقل معجمي خاص بالموت والدماء والخوف يملأ الصفحات الأولى من السرد ولا ينفك يتكرر في الفصول كلها، "أشعر برذاذ رطب يلوث وجهي، ورائحة دم كريهة تمسك بي." (ص: 11) ؛ "أف! من أين انبعثت رائحة الدم بأنفاسي؟!" (ص: 41)

ومع تقدم السرد يتضح السبب خلف توظيف هذا الحقل المعجمي وهذا الوصف الحسي المغرق في السوداوية والعنف، فأحمد الشاب الثري الهادئ المتعلم والابن المفضل لوالده يعقوب المليونير أصبح أميراً في جماعة إسلامية في سوريا، وأصبح مجاهداً أصولياً متطرفاً يثير الرعب في النفوس وحتى في نفوس أفراد عائلته. تقول أمه في مونولوغ حزين يتناول طفولة ابنها ومراحل تحوله إلى رجل عنيف متزمت، "حين تدين تغير. أطلت نظرة مخيفة من عينيه. أخذ يلاحقني وأختيه والخدم بصراخه وزجره وتعنيفه. صرتُ أخشاه وأتحاشى لقائي به." (ص: 28).

وعلى الرغم من قسوة الموضوع وقسوة انتقال الابن المدلل من ضفة الجاه والثراء إلى ضفة الإرهاب والإجرام، يتمكن طالب الرفاعي من تخفيف وطأة الضغط السردي عبر اعتماده تقنية الرجعات إلى الوراء (فلاش باك)، وكذلك عبر اعتماده تقنية تعدد الأصوات الروائية، فتمسك بزمام السرد كل من الزوجة شيخة (ثلاثة فصول) والفتاة الإيرانية الشابة (ستة فصول) والخال عثمان (فصل واحد)، فيما يسيطر الأب بوضوح على السرد ويروي بضمير المتكلم 25 فصلاً. أما أحمد الابن الضال نفسه فيروي الأمور من وجهة نظره في فصلين اثنين محوريين أحدهما في وسط السرد (الفصل 14) وثانيهما في النهاية (الفصل 35).

ويلاحظ القارئ أن وتيرة السرد ترافق وتيرة الأحداث، فمع احتدام المشكلات وتضاعف مستوى التشويق والاقتراب من النهاية تصبح الفصول أقصر والحوارات أكثر إيجازاً وكمية الوصف والإطالة أقل، لتكون الأحداث هي المحرك والهم الأول للكتابة.

قصة حب مخادعة

يخطئ من يجد في رواية "خطف الحبيب" قصة حب، فقد وظف طالب الرفاعي وجود شخصية الفتاة الإيرانية لأسباب سردية فائقة الحنكة، فقد طرق من خلال هذه الشخصية قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية مهمة كعلاقة الكويت بإيران وأحوال المواطنين الإيرانيين في الكويت من صعوبة نيلهم وظائف وفرص عمل مروراً بعدم تقبلهم في المجتمع، فتقول الفتاة الإيرانية فرناز، "ظلت جنسيتي حجر عثرة في طريق توظيفي على الرغم من شهادة ميلادي الكويتية." (ص: 54).

أدرك الرفاعي أن الصدفة الروائية ستكون تهمة سردية واقعة لا محالة على نصه إن لم يبرر وجود الفتاة فرناز في حياة المليونير، فاستعمل احتمال وقوع المليونير الستيني بالحب غطاء لصدفة روائية كانت لتشكل ضعفاً سردياً هائلاً لديه، ومن يتابع شخصية المليونير يعقوب المصقولة بتمكن، يدرك أنها ليست نموذجاً معقولاً لرجل يغرم ويركض خلف أهوائه، ويختار فتاة عشرينية ليخوض معها مغامرة عاطفية. إن يعقوب رجل رصين جدي لا وقت لديه لعائلته أو لزوجته، يعيش لتحقيق المشاريع والمناقصات والأرباح لدرجة أنه رفض نساء كثيرات ارتمين على أبواب غرفه في الفنادق ليركز على أعماله، فجاءت قصة الحب هذه حيلة سردية لتغطية الصدفة الروائية، فهي ليست قصة حب تماماً إنما وسيلة إنقاذ اعتمدها الرفاعي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويحضر الرفاعي لحضور دور فرناز منذ البداية ويترك شخصيتها محورية إنما من دون تحديد واضح لها، فالمليونير الستيني لا يقع في حبها تماماً ولا يحاول لمسها، حتى على الرغم من أن الفرصة تكون سانحة، فيتمكن الرفاعي بذلك من توظيف هذه الشخصية ليخلص نصه ويسير به نحو النهاية التي كانت لتكون ضعيفة لولا حرصه وتحضيره لما سيجري من السطر الأول.

"خطف الحبيب" رواية طالب الرفاعي التي تربو على الـ 300 صفحة هي رواية تشرح العلاقات الاجتماعية والأسرية في الكويت، وهي باختصار رواية الأسرة الكويتية التي تخسر ابنها المدلل لمصلحة الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تحارب في سوريا، رواية العلاقة الزوجية الرتيبة الباردة التي يسودها الفتور والملل والفراغ، رواية العلاقات بين الكويت وإيران، والكويت والعراق، والكويت وسوريا، رواية الفروقات الطبقية والعلاقة التي تنشأ بين فتاة فقيرة ورجل مليونير، وبينهما رحلة بحث عن ابن ترأس جماعة إرهابية تقاتل في بلاد الشام. والجدير بالذكر أن صدور هذه الرواية الغنية بقضاياها وأساليبها، يتزامن مع اختيار طالب الرفاعي شخصية العام الثقافية في الدورة الـ 40 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب (2021)، وهو خيار يتبين موفقاً ومصيباً.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة