Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشدد أميركي وفرنسي وسعودي في رفض رئيس "إيراني" للبنان

مراهنة حلفاء "حزب الله" على تساهل واشنطن تقابلها وقائع التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودول الخليج

يراهن "حزب الله" على تباينات بين الولايات المتحدة ودول الخليج (رويترز)

تحتل الأزمة اللبنانية حيزاً مهماً من الاهتمام في العلاقات بين الدول بسبب الاستحقاق الرئاسي وقرب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي باعتبار انتخاب رئيس جديد فرصة كبيرة لاستعادة التوازن إلى علاقة البلد الصغير بمحيطه العربي وبدول العالم التي لها مصالح في الشرق الأوسط، ولإخراجه من العزلة بسبب نفوذ "حزب الله" وإيران من ورائه على السلطة فيه الذي تعزز في الأعوام الستة الماضية من عهد الرئيس عون إلى مستوى غير مسبوق.

يراهن حلفاء طهران والحزب على أن تغض واشنطن النظر عن مجيء رئيس قريب من المحور الإيراني ويتوقعون ضمناً من الإدارة الديمقراطية أن تتساهل مثل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما حيال استحواذ إيران على القرار في لبنان مرة جديدة مستندين إلى ميل الرئيس جو بايدن نحو تجديد الاتفاق على النووي على رغم تعثره في الأشهر الماضية.

التعاون الأميركي - الفرنسي - السعودي

ليس عن عبث أن تولي الدول الغربية والعربية، لا سيما الخليجية أهمية للاستحقاق الرئاسي اللبناني، إذ بات الاهتمام بهذا الاستحقاق يختزل بتعاون أميركي - فرنسي - سعودي، إضافة إلى تنسيق هذا الثلاثي مع سائر الدول الغربية والعربية. فالنفوذ الإيراني الذي ترسخ بعمل دؤوب على مدى ثلاثة عقود خطف الميدان اللبناني من غلبة خليط النفوذ الأميركي والفرنسي والسعودي والخليجي (الإماراتي والكويتي) الذي كان راسخاً منذ ما قبل منتصف القرن الماضي.

الاقتصاد اللبناني الذي بدأ انهياره منذ عام 2019 بسبب الفساد وهدر موارد الدولة الذي أسهم فيه "حزب الله" عبر التهريب وحماية منافع حلفائه، كان يعتمد على استثمارات دول الخليج والغرب التي انسحب مستثمروها تدريجاً في العقد الأخير بفعل اللااستقرار الذي سببه دور الحزب وتوريطه لبنان في صراعات المنطقة والمشروع الإيراني للتوسع الإقليمي.

الدور الغربي الخليجي التاريخي والنفوذ الإيراني

هوية الرئيس الجديد ستحدد الوجهة التي يفترض أن يسلكها لبنان في موقعه الجيوسياسي، بالتالي في صراعات المنطقة. فهو على حدود سوريا شرقاً وشمالاً وعلى حدود إسرائيل الحليفة الأولى لأميركا في المنطقة من جنوبه حيث تتمركز بينه وإسرائيل قوات دولية وسط نفوذ أمني لـ"حزب الله"، فيما تمتد حدوده الغربية على شاطئ شرق البحر الأبيض المتوسط الذي يستقطب الاهتمام الدولي، لا سيما الغربي لاختزانه كميات من الغاز تتوزع بين مياهه والمياه الإسرائيلية والقبرصية والسورية... وهذا سبب إضافي لإبقاء العين على لبنان من باب الصراع الدولي على الطاقة بعد الحرب الروسية في أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الدافع البارز لاهتمام الدول أن إيران باتت تتحكم مباشرة بالقرار في سوريا فتنافس الدور الروسي وامتداداً في لبنان، مما أخل بالتوازن السياسي فيه، خصوصاً خلال ولاية الرئيس عون الحليف الموثوق لـ"حزب الله"، الأداة الرئيسة لطهران في المنطقة الذي يرتكز على نفوذ راجح داخل الطائفة الشيعية وعلى امتلاكه السلاح في شكل مستقل عن الدولة، فحوّل البلد إلى إحدى منصات انطلاق التدخلات الإيرانية في الإقليم، أي اليمن والعراق ودول الخليج العربي وسوريا وللمشاركة في حروبها. فالحزب متهم رسمياً من دول الخليج بإرسال مقاتلين إلى اليمن وخبراء ومقاتلين إلى العراق وبإنشاء خلايا أمنية وتهريب السلاح في الكويت والبحرين وبمحاولة إنشاء خلايا في الإمارات ومصر... وتتهمه هذه الدول برعاية إرسال المخدرات إليها (الكبتاغون)، مما أدى إلى انفجار الأزمة بين لبنان ودول الخليج أواخر عام 2021 ما زالت تداعياتها مستمرة.

هل الفرصة المتاحة للإتيان برئيس لا يخضع للنفوذ الإيراني ويعيد التوازن إلى المعادلة الداخلية وإلى علاقات لبنان العربية والخليجية، قابلة للتحقيق؟

لا مساعدات للبنان بمجيء رئيس "إيراني"

لم يعد اهتمام الدول الثلاث بالاستحقاق الرئاسي مدعاة للاستغراب، على رغم إعلان المسؤولين فيها ودبلوماسييها في بيروت أنها لا تتدخل باسم من سيأتي رئيساً لأنه شأن اللبنانيين. لكن وزراء الخارجية الأميركي والفرنسي والسعودي أصدروا بيانات عدة في شأن الأزمة اللبنانية، آخرها في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي بعد اجتماعهم في نيويورك، شدد على "أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد وفق الدستور وانتخاب رئيس يمكنه توحيد الشعب اللبناني ويعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة الحالية"، ودعا البيان إلى "تطبيق الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي"، وبات معروفاً في الأوساط السياسية اللبنانية أن واشنطن وباريس والرياض أبلغت من يلزم من القادة اللبنانيين أن ترجمة ما صدر في بيانها تعني أنها لن تقدم أي مساعدة مالية تحتاج إليها البلاد إذا ما انتخب رئيس موال لإيران.

مراهنة مؤيدي طهران على تراخي واشنطن

مع ذلك ما زال "حزب الله" وحلفاؤه يأملون أن تتحول التباينات بين دول الخليج العربي وواشنطن وبعض دول الغرب في بعض الملفات وآخرها ملف الطاقة، إلى خلافات تستفيد منها طهران في المنطقة ومنها لبنان، بحيث يتساكن دورها مع الدور الغربي في البلد، كما حصل في العراق من دون أخذ المصالح الخليجية والعربية في الاعتبار، وتستدل أوساط حلفاء الحزب من بعض المؤشرات لتبرير هذه المراهنة، منها الأنباء عن الإفراج عن 7 مليارات دولار لإيران محتجزة في كوريا الجنوبية بفعل العقوبات الأميركية مقابل إطلاق سراح الأميركي من أصل إيراني سيماك نمازي من قبل السلطات الإيرانية وفشل تمديد الهدنة في اليمن التي كانت تحرص السعودية على إنجاحها بسبب تصلب الحوثيين ومن دون ضغوط أميركية لإلزامهم بها وخفض "أوبك+" إنتاج النفط ورفع أسعاره فيما كانت إدارة بايدن تأمل زيادة الإنتاج لخفض الأسعار والموقف الوسطي لدول الخليج، خصوصاً الإمارات العربية المتحدة العضو غير الدائم في مجلس الأمن حيال الحرب الروسية على أوكرانيا، ويستدل أصحاب وجهة النظر هذه من محاكمة رجل الأعمال الأميركي اللبناني الأصل توماس باراك الذي كان مقرباً من الرئيس السابق دونالد ترمب بتهمة العمل لمصلحة أبو ظبي، حيث تعاطى الادعاء الأميركي مع الأخيرة على أنها دولة غير صديقة، ويرى هؤلاء أن هذه الوقائع وغيرها تفتح الباب على تعاون من وراء الستار بين طهران وواشنطن من أجل الإتيان برئيس لبناني غير معاد لـ"حزب الله"، خصوصاً أن  القوى السياسية الرافضة للتركيبة الحاكمة الحليفة لإيران تعارض أي مرشح يساير نفوذ الأخيرة في البلد، وشاعت مقولة التسوية الأميركية - الإيرانية على الرئاسة في لبنان وسط افتراض بعض الأوساط أنها قد تكون ثمناً مقابلاً لتسهيل "حزب الله" المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل التي تمكنت الوساطة الأميركية من إيصالها إلى الأمتار الأخيرة.

وقائع إقليمية تعاكس رغبات فريق "الممانعة"

في المقابل يعتبر الساعون إلى إعادة تكوين السلطة في لبنان بعيداً من نفوذ طهران أن الظروف تغيرت عما كانت في عهد أوباما وأن التحالف الاستراتيجي الأميركي - العربي - الخليجي يتقدم على التباينات الحالية، بحيث ينعكس على المنطقة كلها ومنها لبنان، ويعدد هؤلاء المؤشرات المعاكسة بالإشارة بداية إلى قمة جدة الأميركية - الخليجية  "للأمن والتنمية أثناء زيارة بايدن إلى السعودية منتصف يوليو (تموز) الماضي التي كان عنوانها "تعميق الشراكة الاستراتيجية" بين أميركا ودول الخليج العربي، وقال بايدن في خطابه أثناء القمة "لن نتخلى (عن الشرق الأوسط) ولن نترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران"، مما يعني مراجعة إدارته لسياسة الانسحاب من المنطقة لمصلحة إعطاء أولوية الاهتمام بالوجود في المحيطين الهندي والهادئ التي دفعت إلى تقليص الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، كما حصل إبان إدارة أوباما وحتى ترمب والعودة إلى تفعيله نظراً إلى البنية التحتية العسكرية التي بنتها بلاده فيه، لا سيما في الخليج على مدى عقود.

فالانقسام الدولي بعد حرب أوكرانيا فرض منافسة أميركية - روسية على النفوذ في المنطقة وتمسك واشنطن بحلفائها التقليديين وهذا يشمل الخليج، بالتالي لبنان، فيما انحازت إيران إلى روسيا التي باتت تستخدم الطائرات المسيّرة الإيرانية ضد أوكرانيا، في خطوة عدائية إضافية بنظر المسؤولين الأميركيين.

 وترى القيادات اللبنانية المعارضة للنفوذ الإيراني التي تسعى إلى انتخاب رئيس لا يخضع لمنطق غلبة دور طهران في البلد أن وقائع كثيرة تعاكس قراءة  فريق "الممانعة" وحججه بشأن العلاقات بين أميركا ودول الخليج والترويج لتسوية مع طهران على انتخاب الرئيس اللبناني، منها أن الجانب الأميركي اتهم الحوثيين بإحباط تجديد الهدنة في اليمن ويصادر الأسلحة الإيرانية التي تهرب إليهم في البحر، وأن واشنطن تستمر في مسار فرض العقوبات على كيانات وشخصيات إيرانية، آخرها قبل أيام، بسبب قمع تظاهرات الاحتجاج التي تعم المدن الإيرانية، وهي نفت الأنباء عن الإفراج عن أرصدة إيرانية محتجزة في سيول مقابل إطلاق سراح الأميركي نمازي. أما في ما يخص الموقف من الإمارات، فإن الجانب الأميركي يعتبر دخول الأخيرة في "اتفاقات أبراهام" مع إسرائيل مكسباً للسياسة الخارجية الأميركية، وينظر الأميركيون بإيجابية عالية إلى نهج التسامح الديني الذي تتبعه أبو ظبي وانفتاحها الذي كان من أهم مظاهره استضافتها توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية" بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر في فبراير (شباط) 2022، فضلاً عن النمو المطرد للتبادل التجاري بين البلدين إلى 25 مليار دولار وتقدير الاستثمارات الإماراتية في أميركا بـ65 مليار دولار، كما أن بايدن دعا رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال اجتماعه معه إلى زيارة واشنطن وجدد التزامه دعم دفاع الإمارات ضد الأعمال الإرهابية، معتبراً أنها "الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي نشرت قواتها العسكرية إلى جانب الجيش الأميركي في كل تحالف أمني دولي شاركت فيه الولايات المتحدة منذ درع الصحراء في 1990-1991.

تخلص الأوساط التي تعدد هذه الوقائع، مضافاً إليها حرص واشنطن على استراتيجية دعم الجيش اللبناني في مواجهة توسع النفوذ الأمني لـ"حزب الله"، إلى أن مظاهر العلاقات الاستراتيجية الأميركية - الخليجية وموجبات التحالف في مواجهة التمدد الإيراني الذي يقلق الدول الخليجية باتت من الأولويات الأميركية أيضاً، مما يفسر المتابعة المشتركة بين أميركا وفرنسا والسعودية لتفاصيل الأزمة في لبنان وللاستحقاق الرئاسي فيه.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير