على رغم مرور أكثر من شهر على إعلان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، نيابة عن إيران، استعداد طهران لتوريد "الفيول" إلى لبنان على شكل "هبة"، وترحيب وزير الطاقة وليد فياض سريعاً بهذه الهبة معلناً جهوزيته لمتابعة العرض الإيراني، فإن المسألة لم تحسم بعد، إذ يقول مصدر حكومي لـ"اندبندنت عربية" إن الملف بات على الطاولة لكنه لم ينته بعد، فيما يعتبر كثيرون أنه لم يتم التأكد مما إذا كان "الفيول" سيأتي في إطار هبة من عدمه، خصوصاً بعد تضارب المواقف الإيرانية في هذا الخصوص، بين ما أعلنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، والبيان الذي صدر عن السفارة الإيرانية في بيروت.
ويشرح مصدر مطلع في وزارة الطاقة أن زيارة الوفد اللبناني طهران منذ ثلاثة أسابيع برئاسة المدير العام للنفط أورور فغالي ومدير الإنتاج في مؤسسة كهرباء لبنان بشارة عطية، في غياب الوزير فياض، تجنباً لتفاوض رسمي لبناني مع طهران في ظل العقوبات الأميركية المفروضة عليها، لم تحسم الموضوع خصوصاً بعد أن تبين أن "الفيول" الإيراني لا يتناسب مع النوعية المستخدمة في معامل الإنتاج اللبنانية، مما سيفرض على لبنان خيارين اثنين لا ثالث لهما، إما استبداله مع شركة أخرى كما حصل لدى استيراد "الفيول" العراقي، أو تكريره.
"هبة" بكلفة عالية
اقترح الإيرانيون، بحسب المعلومات المتوفرة حتى الآن، تزويد لبنان 600 ألف طن من الـ"Heavy sulfur fuel oil " وهي كمية كافية لتأمين الكهرباء لمدة ستة أشهر بمعدل خمس ساعات يومياً، لكن المشكلة تبقى في عدم تطابق نوعية "الفيول" الإيراني مع المستخدم في لبنان، ما قد يستتبع كلفة إضافية على الدولة اللبنانية تضاف إلى كلفة النقل، وهي كلفة التكرير.
ويشرح مصدر مطلع على الملف أن كلفة التكرير لن تكون المشكلة الوحيدة، فالمعلوم أنه بموجب عملية التكرير سيخسر لبنان من أصل الكمية، لأن التكرير يعني معالجة النفط الخام واستخلاص المادة المرغوبة منه وتحويلها إلى صالحة للاستهلاك في لبنان، بالتالي ستتراجع الكمية من 600 ألف طن إلى أقل من ذلك، وستنخفض معها المدة المتوقع أن توفرها الكمية الأصلية من الكهرباء لتصبح أقل من ستة أشهر، وتضاف إلى هذه المشكلة معضلة العقوبات الأميركية المفروضة على "الفيول" الإيراني، ومن هي شركة التكرير التي قد تغامر وتتجرأ على تعريض نفسها للعقوبات، ومن الشركة التي ستقبل باستبدال النفط الإيراني إذا قررت الحكومة اللبنانية الذهاب إلى هذا الخيار كما حصل مع النفط العراقي.
لكن مصدراً رسمياً لبنانياً قلل في حديث لـ"اندبندنت عربية" من أهمية هذه المشكلة، مشدداً على أن "الفيول" الذي يأتي على شكل هبة لا يخضع للعقوبات الأميركية عملاً بالأمر التنفيذي رقم 13846 الصادر عن الإدارة الأميركية، ومؤكداً أنه في حال عدم الحصول على الكمية في شكل هبة يمكن للبنان أن يطلب إعفاء من الإدارة الأميركية خصوصاً أن "الفيول" الإيراني إذا وصل لبنان فهو مخصص للاستخدام الحيوي ولحاجات إنسانية.
وشرح المصدر أن "الفيول" ما إن يصل إلى لبنان سيصبح تحت تصرف بلد الأرز، بالتالي الشركة التي ستشتريه لاستبداله أو لتكريره ستتعامل معه على أساس مصدره اللبناني غير الخاضع للعقوبات، وليس الإيراني.
خلفيات الحماس الإيراني
يتساءل كثيرون عن أسباب الحماس الإيراني لمنح لبنان كمية من "الفيول" قد لا تكفي سوى لأشهر قليلة، وما سر توقيت هذه الهبة. وهل من دوافع لدى طهران لعرض المساعدة في هذا التوقيت، فيما المعلوم أن طهران تعاني نقصاً حاداً من مادة البنزين والمحروقات المتعلقة بيوميات الشعب الإيراني. ويذهب بعضهم إلى التشكيك في أن أحد أهداف طهران المباشرة قد يكون خلق مخزون للنفط على البحر المتوسط، بحيث يمكن لإيران تحت ستار مساعدة لبنان، وبغطاء الهبات المعفية من العقوبات، أن تخرج نفطها وتوصله إلى أوروبا من خلال لبنان، وربما بغطاء أوروبي في ظل تعطل أنبوب "قزوين" الذي يوصل النفط الروسي والكازاخستاني إلى الدول الأوروبية، وفي غياب الحسيب والرقيب في الدولة اللبنانية غير القادرة، أو المتسترة في بعض مؤسساتها، على الكشف عن حقيقة كميات "الفيول" المستوردة، خصوصاً أنها ستكون مخيرة بين العتمة أو "الفيول" الإيراني.
وفي هذا الإطار يمكن وضع التأخير في حسم خيارات أخرى متوفرة أمام لبنان، بدءاً من "الفيول" العراقي مروراً بالغاز المصري وكهرباء الأردن، ووصولاً إلى إعلان فتح قنوات التفاوض مجدداً مع الجزائر لاستيراد "الفيول" الجزائري.
عقوبات جديدة وتداعيات
بانتظار حسم مصير هبة "الفيول" الإيراني واستكمال وزارة الطاقة اللبنانية، بحسب مصادرها، دراسة سبل استخدامه بأقل ضرر ممكن، برز قرار جديد صادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) لم تستبعد مصادر في لبنان أن يرخي بظلاله على ملف الهبة الإيرانية المخصصة للبنان، خصوصاً بعد إعلان وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية بريان نلسون مواصلة تسريع إنفاذ العقوبات على مبيعات النفط والبتروكيماويات الإيرانية مع استمرار إيران في تسريع برنامجها النووي في انتهاك لخطة العمل الشاملة المشتركة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال نلسون "ستستمر إجراءات الإنفاذ هذه على أساس منتظم، بهدف تقييد صادرات إيران من النفط والبتروكيماويات بشدة"، معتبراً أنه "يجب على أي شخص يشارك في تسهيل هذه المبيعات والمعاملات غير القانونية التوقف والكف على الفور إذا رغب في تجنب العقوبات الأميركية".
القرار الجديد نص على فرض عقوبات ضد شبكة دولية من الشركات الضالعة في بيع ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من البتروكيماويات والمنتجات البترولية الإيرانية لمستخدمين في جنوب وشرق آسيا. وبحسب البيان الصادر عن الخزانة الأميركية، فإن العقوبات تستهدف الوسطاء الإيرانيين وعديد من الشركات "الواجهة" في الإمارات العربية المتحدة وهونغ كونغ والهند التي سهلت التحويلات المالية وشحن المنتجات البترولية والبتروكيماوية الإيرانية.
ونجحت هذه الشركات، وفق الخزانة الأميركية، في إخفاء مصدر الشحنات الإيرانية وتمكين وسيطين إيرانيين خاضعين للعقوبات، هما شركة "تريليانس" للبتروكيماويات المحدودة (Triliance) وشركة "الخليج الفارسي" لصناعة البتروكيماويات التجارية (PGPICC)، من تحويل الأموال وشحن البترول الإيراني والبتروكيماويات للمشترين في آسيا.
من الهند إلى الصين مروراً بالإمارات
وكشفت الخزانة الأميركية أن شركة "Triliance" هي الأولى في قطاعي البترول والبتروكيماويات في إيران، وتتوسط في بيع المنتجات الإيرانية للمشترين الأجانب، وقد قامت بشراء منتجات بتروكيماوية وبترولية إيرانية بقيمة ملايين الدولارات من وسطاء بتروكيماويات مقرهم إيران، وتم شحنها في النهاية إلى الهند.
والمعلوم أن "Triliance" سبق أن أدرجت على لائحة العقوبات وفقاً للأمر التنفيذي 13846 عام 2018، بعد أن قدمت المساعدة المادية أو رعت أو قدمت دعماً مالياً أو مادياً أو تكنولوجياً أو سلعاً أو خدمات لدعم شركة النفط الإيرانية الوطنية، علماً أن شركة النفط الوطنية الإيرانية نفسها خاضعة للعقوبات بموجب E.O. 13599، وكذلك E.O. 13224، سلطة عقوبات مكافحة الإرهاب.
ويشير البيان الصادر عن الخزانة الأميركية أن شركة البتروكيماويات "Tibalaji Petrochem Private Limited" ومقرها الهند، اشترت ما قيمته ملايين الدولارات من منتجات بتروكيماوية بوساطة "تريليانس"، بما في ذلك الميثانول والزيوت الأساسية، لشحنها إلى الصين.
وتعتمد "تريليانس" على شركات الواجهة الوسيطة لتنفيذ بيع المنتجات الإيرانية للمشترين في جنوب وشرق آسيا. وقد تم استخدام شركة "Sierra Vista Trading Limited" التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها لإخفاء مشتريات بتروكيماويات بقيمة ملايين الدولارات من المنتجين الإيرانيين لشحنها إلى الصين.
ومن الشركات التي تتخذ مقراً لها في الإمارات، تعاملت "تريليانس" مع شركة "Clara Shipping LLC" لشحن المنتجات البتروكيماوية والبترولية الإيرانية إلى شرق آسيا. كما تلقت شركة "Virgo Marine" ومقرها الإمارات ما يعادل ملايين الدولارات من شركة "Triliance" منذ أوائل عام 2022 لترتيب سفن لتخزين ونقل البتروكيماويات الإيرانية.