Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرياض تطرح مواصفات لا أسماء للرئاسة اللبنانية

تعمل لتفادي سيناريو رئاسة عون في 2016 وتتمسك بالطائف بالتنسيق مع باريس وواشنطن

السفير السعودي في لبنان وليد البخاري أثناء لقائه مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع (فيسبوك سمير جعجع- تصوير ألدو أيوب)

يتكثف الاهتمام الدولي والعربي في الشأن اللبناني على الرغم من انشغال العواصم كافة بأزمات أكثر خطورة وأهمية على المسرحين الدولي والإقليمي في وقت لا يخفى على أحد أن لبنان يقف أمام استحقاقات مفصلية بدءاً من الإصلاحات الاقتصادية الضرورية المطلوبة من الدول كافة ومن صندوق النقد الدولي، مروراً بتشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان لضمان توليها صلاحيات الرئاسة الأولى وسط ترجيح الشغور الرئاسي بعد 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، تاريخ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، فضلاً عن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، انتهاء بانتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل الغموض حول تأمين أكثرية واضحة ترجح هذا المرشح أو ذاك.

الاستحقاق الرئاسي يستنفر الاهتمام الخارجي

لكن الاستحقاق الرئاسي هو الأهم مقارنة بغيره، لأن هوية الرئيس الجديد سترسم طريقة تعاطي الخارج مع لبنان لستة أعوام مقبلة، في وقت يشكل البلد الصغير أحد ميادين الصراع على النفوذ بين الدول في المنطقة التي بناء عليها ستحدد العواصم سياستها حيال الوضع اللبناني المأزوم.
ومع تدافع الخارج نحو لبنان، سواء من قبل دول الاتحاد الأوروبي التي اجتمع سفراؤها مع الرئيس عون لحثه على تسريع إقرار القوانين الإصلاحية التي اشترطها صندوق النقد الدولي، أو حضور وفد إداري رفيع من الصندوق إلى بيروت للغرض ذاته ولعرض مشاريع أبرزها وضع رؤية لمستقبل المرافئ اللبنانية وإعادة إعمار مرفأ بيروت، لفت قيام السفير السعودي في بيروت وليد بخاري بزيارات لعدد من القيادات السياسية منها رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، ثم رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع والنائب عن بيروت فؤاد مخزومي وقيادات أخرى.

التحرك السعودي امتداد لاجتماع باريس

 ولتحرك السفير السعودي في بيروت دلالة رئيسة بالنسبة إلى القوى المهتمة بموقف الرياض وهي أن السعودية لن تتخلى عن لبنان والشعب اللبناني.
كما أن تحرك بخاري في بيروت ليس معزولاً عن الاجتماع الفرنسي- السعودي الذي شارك فيه بباريس إلى جانب المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا المكلف بالمتابعة السياسية للوضع اللبناني ومدير الاستخبارات في المملكة عن الجانب السعودي، ومستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط السفير باتريك دوريل ومدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية السفير برنار إيمييه والسفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو وآخرين لبحث الوضع في لبنان ومحطة الاستحقاق الرئاسي، بحسب المعطيات التي تسربت من العاصمة الفرنسية. فالتنسيق الفرنسي- السعودي حول لبنان لم يتوقف منذ الاجتماع الشهير بين الرئيس إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في جدة في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) 2021، ثم خلال زيارة ولي العهد إلى باريس في أواخر شهر يوليو (تموز) الماضي. بالتالي فإن ما خلصت إليه محادثات العاصمة الفرنسية في التاسع من سبتمبر (أيلول) الحالي التي تشمل تنسيقاً مع الجانب الأميركي، لا بد من أن تنعكس على مداولات السفير بخاري خلال لقاءاته في بيروت. كما أن الأوساط الفرنسية الرسمية تحدثت عن اجتماع تنسيقي حول لبنان سيحصل قريباً في نيويورك بين مسؤولين في وزارات الخارجية الأميركية والفرنسية والسعودية على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


المواصفات وهوية لبنان تتقدمان على الأسماء

وفي وقت أفادت تسريبات بأن اجتماع باريس الثنائي تطرق إلى بعض أسماء المرشحين للرئاسة من زاوية الاستفسار الفرنسي عن الموقف السعودي من كل منهم، فإن الجانب الفرنسي عاد فنفى أن يكون اقترح أي أسماء، وفي بيروت نفى القياديون الذين التقاهم السفير السعودي أن يكون طرح أسماء مرشحين للرئاسة خلال اللقاءات التي يجريها. فمقاربة الرياض تنطلق من المواصفات السياسية للرئيس العتيد وهي تأمل بوصول شخصية تتمتع باستقلالية عن المحور الإيراني قادرة على استعادة العلاقات السوية مع دول الخليج انسجاماً مع عروبة لبنان وتبعد مؤسساته عن التأثر بالسياسات العدائية التي مارسها "حزب الله" ضدها طوال الأعوام الماضية مستظلاً بتحالفه مع الرئيس ميشال عون والتغطية التي أمنها له الأخير مع فريقه لتدخل "حزب الله" في الأوضاع الداخلية في عدد من الدول العربية، لا سيما اليمن، مما أدى إلى تراجع تلك العلاقات في شكل تدريجي حتى انفجار أزمة غير مسبوقة بين السعودية ودول الخليج العربي من جهة ولبنان من جهة أخرى بنهاية عام 2021. ويردد بعض من يلتقون السفير بخاري ما سبق أن صرح به قبل أشهر من أن المملكة أنجزت التحضير لـ23 اتفاق تعاون واستثمار بين البلدين عام 2019 لكن الحكومة اللبنانية كانت غير قادرة على السير بها. ويشير العارفون بالموقف السعودي إلى أن السلطة اللبنانية لم تتمكن من وقف السلوك العدائي حيالها انطلاقاً من الأراضي اللبنانية وأن لبنان لمناسبة انتخابات الرئاسة أمام خيار تحديد هوية البلد العربية وفي أي اتجاه سيسير في الأعوام المقبلة.   

المقاربة السعودية: "الطائف غير قابل للتجزئة"

كما بات معروفاً أن هذه المقاربة تؤكد التمسك لا السعودي فقط، بل العربي باتفاق الطائف الذي تحول إلى دستور منذ عام 1990 كناظم للعلاقات بين المكونات اللبنانية إزاء ميل بعض الفرقاء نحو تعديله وتدعو إلى تطبيق ما لم يتم تطبيقه منه. وفي هذا المجال جزمت مصادر واسعة الاطلاع على لقاءات باريس أن الجانب الفرنسي حسم الموقف من مبدأ عدم المس باتفاق الطائف في مواجهة محاولات إدخال تعديلات عليه. ولاحظ الوسط السياسي أن السفير بخاري أطلق مساء 21 سبتمبر غداة بدء لقاءاته في بيروت تغريدة عبر حسابه على "تويتر" اقتصرت على الجملة الآتية: "اتِّفاقُ الطائفِ غيرُ صالحٍ للانتقاءِ وغيرُ قابلٍ للتجزِئة".
وجاءت هذه التغريدة أيضاً غداة كلام قاله الرئيس عون أثناء اجتماعه مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي إن "لبنان يحتاج إلى إصلاح سياسي وسيادي إضافة إلى تغييرات بنيوية في النظام الذي لا بد من تعزيزه وإصلاحه" معتبراً أنه ثبت أن لا يمكن للحكم أن يستقيم "بثلاثة رؤوس" وهو بذلك يشير إلى توزيع اتفاق الطائف الصلاحيات الرئاسية.

لا رئيس من "8 آذار"

انعكست المقاربة السعودية في تصريح جنبلاط المقتضب الذي قال فيه بعد اجتماعه مع السفير بخاري إن الأخير "أكد حرص المملكة التاريخي على الاستقرار اللبناني واتفاق الطائف والدستور وعلينا نحن اللبنانيين أن نحترم المواعيد الدستورية وننتخب رئيساً"، ونفت مصادر جنبلاط أن يكون بخاري اقترح أي أسماء، لكنها تبنت ما سبق أن تسرب عن لقاءات باريس بأنها تتفق مع الرياض على عدم تحبيذ مجيء رئيس من قوى "8 آذار"، نظراً إلى أن الفرقاء السياسيين الذين ينضوون في هذا التحالف يخضعون لموقف "حزب الله". وفسرت مصادر سياسية هذا الموقف بأنه يتطابق مع ما سبق لجنبلاط أن أبلغه إلى "حزب الله" خلال لقائه بوفد قيادي منه، بأنه لا يوافق على انتخاب المرشح سليمان فرنجية، انطلاقاً من المواصفات التي طرحها بأن يكون الرئيس المقبل "قادراً على التعاطي مع كل الفرقاء وغير استفزازي".  

لا تختلف الصورة كثيراً عن نتائج لقاء السفير السعودي مع جعجع، فالأخير أعلن بعد الاجتماع معه أن التركيز كان "على جوهر الأزمة اللبنانية وتحدثنا عن الانتخابات الرئاسية. ولا خلاص للبنان إلا بعمقه العربي" ونفى أن يكون البحث تطرق الى أي أسماء لرئاسة الجمهورية "إنما تحدثنا عن المواصفات. لن يقبلوا (السعوديون) بالتعاطي مع رئيس يميل إلى الفساد أو يقوم بتعزيز اللادولة على حساب الدولة". وأكد جعجع أن "الخلاص الوحيد للبنان هو تمسك أهله فيه وبدستوره وباتفاق الطائف" وقال "لم ألمس إلا اهتماماً سعودياً بلبنان، لكن المطلوب دولة للتعاطي معها. باتت المسؤولية علينا لتقديم صورة لبنان الجميلة، لا صورة الفساد والنفايات وتصدير الثورات إلى سوريا والعراق واليمن".
وشددت مصادر النائب مخزومي على أن الجانب السعودي لن يترك الساحة اللبنانية أو يتخلى عن دوره في لبنان بحيث يحصل كما جرى عام 2016 حين جاء "حزب الله" برئيس أخذ الدولة إلى موقف عدائي من الدول العربية، وإذ أكدت المصادر أن السعودية لن تتدخل بالأسماء، توقعت أن تحتفظ لنفسها بالقدرة على اتخاذ موقف حيال أي شخصية ترتبط بجهات معادية للمملكة ومرتبطة بالفساد وغير مؤهلة لاستعادة سيادة الدولة.

المزيد من متابعات