Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وطأة الدولار تواصل الضغط على الجنيه المصري

انخفض إلى مستوى تاريخي مقابل الدولار ومحللون: ضغوط "صندوق النقد" دفعته للتراجع

اقتنص الدولار الأميركي من العملة المصرية أكثر من 26 في المئة من قيمتها في نحو 180 يوماً (مواقع التواصل)

يبحث الجنيه المصري عن اتزانه واستقراره في مواجهة الدولار الأميركي منذ ستة أشهر خسر فيهم أكثر من 25 في المئة من قيمته في ظل تراجع قدرة أبرز مصادر قوته ودعمه اللوجيستي في مواجهة العملة الخضراء.

واقتنص الدولار الأميركي من العملة المصرية أكثر من 26 في المئة من قيمتها في نحو 180 يوماً بعد تراجع قيمة الأخيرة من 15.50 جنيه مقابل كل دولار في 20 مارس (آذار) 2022 إلى نحو 19.52 جنيه مقابل كل دولار، مفرطة في أربعة جنيهات (0.20 دولار) دفعة واحدة في نصف عام تقريباً منذ قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في جلستها الاستثنائية، صباح الإثنين 21 مارس 2022، والتي قررت فيها رفع أسعار الفائدة بنحو 100 نقطة أساس، ما يعادل الواحد في المئة، ثم عالجته برفع آخر بنسبة اثنين في المئة في جلسة أخرى مساء الخميس 19 مايو (أيار) الماضي.

نحو مستوى تاريخي

سجل سعر صرف الدولار الأميركي مساء الأربعاء الماضي على الشاشة الرئيسة بالبنك المركزي المصري 19.5181 جنيه للبيع، مقابل 19.44 جنيه للشراء، بينما وصل السعر في البنوك الوطنية وعلى رأسها "الأهلي" إلى 19.51 جنيه للبيع، و19.44 جنيه للشراء في الوقت الذي سجل فيه سعر الصرف في "بنك مصر" مستويات الأسعار نفسها.

أما في البنوك العاملة بالقطاع المصرفي الخاص، ومنها "البنك التجاري الدولي" (أكبر ذراع مصرفية من القطاع الخاص) فسجل سعر العملة الأميركية نحو 19.52 جنيه للبيع، ليصل الدولار الأميركي إلى أعلى مستوى في التاريخ مقابل الجنيه المصري بينما سجل سعر الشراء 19.46 جنيه.

وفي "بنك الإسكندرية" وصل سعر الدولار إلى 19.52 جنيه للبيع، في حين بلغ سعر الشراء 19.44 جنيه.

وكان الهبوط التاريخي الأكبر للجنيه المصري مقابل العملة الخضراء، 20 ديسمبر (كانون الأول) 2016، عندما سجل الدولار 19.51 جنيه، بعد قرار تحرير سعر صرف العملة المحلية (التعويم) في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.

حرب غير متكافئة

ويخوض الجنيه المصري حرباً غير متكافئة ضد العملة الأميركية التي تعيش أزهى أوقاتها ليس مقابل المصرية فقط بل مقابل أعتى العملات العالمية، إذ سجل مؤشر الدولار في مواجهة سلة من العملات العالمية وأبرزها العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، أعلى مستوى له أمام حفنة العملات منذ أكثر من 20 عاماً، الأسبوع الماضي، عقب قرار "الفيدرالي الأميركي" رفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس، مساء الأربعاء. فوفقاً لـ"رويترز"، سجل المؤشر ارتفاعاً بنسبة 1.05 في المئة عند 111.372 نقطة، وهو أعلى مستوى منذ 2002.

قوة العملة الخضراء تأتي في الوقت الذي تعاني فيه العملة المصرية الأمرين بين ندرة العملات الأجنبية وتآكل رصيد الاحتياطي النقدي وتراجع إيرادات القاهرة من السياحة بفعل الحرب الروسية - الأوكرانية بعد تراجع أكثر 30 في المئة من الحصيلة التي كانت يتكفل بها السائحون الروس والأوكران.

في غضون ذلك، واصل رصيد الاحتياطي الأجنبي من العملات الأجنبية النزيف، إذ أعلن البنك المركزي في الأسبوع الأول من سبتمبر (أيلول) الحالي، عن تراجع جديد في رصيد الاحتياطي الأجنبي من العملات الأجنبية الذي سجل في نهاية أغسطس نحو 33.141 مليار دولار متراجعاً 0.07 في المئة عن رصيده في نهاية يوليو (تموز) عندما وصل إلى 33.143 مليار دولار.

مفاوضات صندوق النقد

في هذه الأثناء، تواصل الحكومة المصرية مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تسهيل ائتماني جديد لا يقل عن خمسة مليارات دولار أميركي لدعم رصيدها من الاحتياطي في وقت يضغط فيه المقرض بقوة للحصول على وعود وتأكيدات واتفاق ملزم على القاهرة بخفض قيمة عملتها المحلية مقابل الدولار الأميركي حتى تصل إلى قيمتها الحقيقة العادلة في أسواق الصرف العالمية، علاوة على إعادة هيكلة الدعم الحكومي للسلع الأساسية ليتحول من دعم عيني غير مباشر (بيع السلع الأساسية للمواطنين بأسعار تقل عن قيمتها الحقيقية لتخفيف أعباء المعيشة) إلى دعم نقدي مباشر (يحصل عليه المواطنون نقداً).

المفاوضات المتعثرة مع "صندوق النقد" تظهر جلياً في تضارب التصريحات الرسمية حول موعد الحصول على القرض وقيمته، إذ أعرب وزير المالية المصري الأسبوع الماضي عن أمله في التوصل إلى اتفاق مع الصندوق في شأن قرض جديد خلال شهر أو شهرين على أقصى تقدير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف الوزير المصري في تصريحات لـ"بلومبيرغ"، الخميس الماضي، أنه "سيتم التوصل إلى اتفاق في شأن تمويل جديد من صندق النقد الدولي خلال 60 يوماً على الأكثر"، مشيراً إلى أن "المفاوضات أوشكت على الانتهاء". ولمح الوزير المصري إلى خيارات أخرى تبحث عنها الحكومة للتمويل قائلاً إنها "تتضمن الحصول على قروض ميسرة من الصين واليابان".

قبل ذلك، أكد رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي في تصريحات صحافية في أغسطس (آب) الماضي، أن "المفاوضات مع صندوق النقد الدولي مستمرة"، مضيفاً "لا يجبرنا الصندوق على اتخاذ أية إجراءات من الممكن أن تمس المواطن المصري، بل على العكس فقد رحب بحزمة الحماية الاجتماعية الاستثنائية التي أعلنا عنها ونقوم بتنفيذها".

وأوضح مدبولي أنه "لا يوجد برنامج إصلاح اقتصادي يمكن أن يتم بنجاح من دون أن يصاحبه برنامج حماية اجتماعية، بالتالي فالصندوق ليس لديه أي اعتراض أو تحفظ، بل يرحب بكل برامج الحماية الاجتماعية التي تنفذها الدولة المصرية في الوقت الحالي".

وحول تفاصيل المفاوضات قال رئيس الوزراء المصري إن "مسألة المفاوضات الجارية بين الحكومة المصرية والصندوق يثار حولها كثير من النقاشات، فالبعض يتحدث من دون معرفة عن تفاصيل المفاوضات، وهنا قد يسأل أحدهم، لماذا لا تخبرونا بهذه التفاصيل؟ ذلك لأن هذه التفاصيل تحمل صفة الخصوصية والسرية للدولة إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق مع الصندوق".

وأوضح "نأمل أن ننهي الاتفاق في أقرب وقت في ما يخص كل مكونات البرنامج الجديد، وسيتم الإعلان عن كل التفاصيل بمجرد التوصل إليه".

موقف لا يحسد عليه

استناداً إلى ما سبق، تحدثت "اندبندنت عربية" إلى محللين ومتخصصين حول أزمة الجنيه المصري في الوقت الحالي، إذ قال المحاضر بالجامعة الأميركية هاني جنينة، إن "الجنيه المصري في موقف لا يحسد عليه في مواجهة العملات الأجنبية، وخصوصاً الدولار الأميركي"، موضحاً أن "النزيف المستمر للجنيه يرجع إلى النقص في العملة الخضراء كنتيجة أساسية لتراجع أبرز المصادر الرئيسة للعملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار قطعاً".

وأضاف أن "إيرادات السياحة المصرية قد تكون في أسوأ حالتها منذ عامي 2012 و2013 في ظل عدم قدرة السائحين الروس والأوكران على الوصول إلى القاهرة وشرم الشيخ بسبب الحرب، أو بسبب عدم قدرتهم على دفع الأموال مع العقوبات الأميركية والغربية التي أخرجت موسكو من نظام (سويفت) العالمي".

وتابع جنينة أن "تراجع السياحة جاء في وقت صعب مع خروج أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة منذ بداية 2022، علاوة على عدم قدرة الحكومة المصرية على جذب استثمارات أجنبية مباشرة بشكل مكثف لتعويض هذا الفارق".

وأشار إلى أن "تلك الأحداث جاءت وسط ضغط كبير من المستوردين المصريين لجلب سلع مستوردة من الخارج في ظل تقييد البنك المركزي المصري لحركة الاستيراد، وهو ما دفع الطلب للزيادة في مواجهة المعروض الأقل من العملة الأجنبية، مما دعم موقف الدولار مقابل الجنيه".

هل خفض الجنيه أمر جيد؟

من جانبه اعتبر المتخصص في شؤون الاقتصاد الكلي هاني توفيق، ما يحدث من خفض للجنيه المصري مقابل الدولار أمر طبيعي وجيد للاقتصاد المصري على المدى البعيد"، موضحاً أن "المستثمر الأجنبي يتعامل مع العملة المصرية بغير قيمتها الحقيقية (نتيجة تحكم البنك المركزي في سعر الصرف)، ويعزف عن ضخ استثمارات نتيجة التشوهات في سعر الصرف في مصر".

وقال توفيق إن "الوصول بقيمة الجنيه المصري لتكون قيمته حقيقية وعادلة في أسواق الصرف العالمية هو الملاذ الآمن لخروج الاقتصاد والجنيه المصري من عثرته".

وتابع "عندما يرى المستثمر الأجنبي سعر الصرف الحقيقي للجنيه سيسارع بضخ أمواله إلى القاهرة، خصوصاً أن الاستثمار الأجنبي في مصر مربح للغاية والجميع يعرف ذلك لانخفاض أعباء وتكلفة الإنتاج".

في شهر أبريل (نيسان) الماضي، أظهرت بيانات البنك المركزي المصري أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر حقق أدنى مستوى له في آخر خمس سنوات خلال عام 2021.

وأوضحت البيانات الرسمية أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام الماضي بلغ نحو 5.1 مليار دولار مقابل تسعة مليارات دولار عام 2019 بنسبة تراجع تقترب من الـ45 في المئة، بينما سجلت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في 2020 نحو 5.9 مليار دولار.

مزيد من التراجع

من جانبه قال المتخصص في شؤون المصارف محمد بدرة، إن "تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار جاء نتيجة ارتفاع الفجوة بين الصادرات والواردات المصرية لتتراوح بين 40 و50 مليار دولار"، متوقعاً في تصريحات صحافية مزيداً من التراجع خلال الفترة المقبلة.

وأشار إلى أن "صندوق النقد الدولي يشترط التحرير الكامل لسعر العملة أو مزيداً من المرونة حتى يحفظ التوازن بين العرض والطلب على الدولار في مصر"، لافتاً إلى أن "من الصعب تحديد قيمة عادلة لسعر صرف الجنيه أمام الدولار في ظل وجود موارد أخرى للنقد الأجنبي مثل إيرادات السياحة، وتحويلات العاملين بالخارج".

وتابع أن "تحديد سعر عادل يتطلب التوازن بين العرض والطلب للدولار، لكن ما زالت هناك فجوة بين الطرفين".

اقرأ المزيد