Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحجم الإسكندرية "أسطورة" محمد رمضان؟

ما أسباب طرد "نمبر وان" من المحافظة؟ وهل هناك يد للتيار السلفي؟

هناك فريق من الرافضين والمناهضين والمطالبين بتحجيم محمد رمضان لأنه يسهم في تدني الأخلاق وإعلاء شأن البلطجة  (أ ف ب) 

استيقظ "النجم" محمد رمضان ذات صباح أو ربما ذات مساء ليجد نفسه و"فنه" وقاعدته الجماهيرية العريضة وحصيلة ما قدمه من "فن" يتراوح بين أفلام ومسلسلات وأغنيات وإعلانات توعوية وأخرى تجارية وثالثة تحفيزية في مواجهة عنيفة مع الإسكندرية.

كما استيقظت الإسكندرية لتجد نفسها وقد نصبها بعضهم "محافظة الصمود والتحدي" في مواجهة ما سموه بـ"الفن الهابط" و"الإيغو (الذات) المنتفخ" و"القدوة السيئة" المتجسدة في شخص محمد رمضان، كما فوجئت كذلك أنها المحافظة التي خرجت عن بكرة أبيها لتحتفي بـ"نمبر وان".

في الوقت ذاته استيقظ المصريون والعرب على هذه المواجهة المحتدمة الفجائية ليتحول قطاع من المتابعين إلى مهللين مصفقين لشعب الإسكندرية الأبي الذي ينتفض ضد الفن الهابط وليدافع قطاع آخر عن "الأسطورة" الذي لا يمكن التشكيك في "فنه" أو التآمر على شعبيته.

وبقي حزب الغالبية الذي تنتمي إليه الغالبية ممن يكتفون بمتابعة المفاجآت وامتصاص الصدمات من على كنباتهم ينتظر ما ستسفر عنه المواجهة الغريبة وتعكسه من عوامل سرية وأسباب تفضح نفسها بنفسها في الوقت المناسب.

مواجهة محتدمة

المناسبة الأصلية التي نجمت عنها المواجهة المحتدمة هي حفل غنائي تم الإعلان عن إقامته بمدينة الإسكندرية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وكغيرها من الحفلات تم الإعلان عن أسعار التذاكر ومنافذ بيعها، لكنها في الوقت ذاته ليست كغيرها من الحفلات، إذ تم تدشين حملات عنكبوتية مكثفة منظمة على منصات التواصل الاجتماعي اتخذت من "هاشتاغات" مثل "إسكندرية لا ترحب بك" عنواناً لها وانتشرت انتشاراً مدوياً خلال دقائق معدودة.

وكعادته خرج رمضان الملقب بـ"نمبر وان" و"الأسطورة" في سلسلة من الفيديوهات عبر "تيك توك" وغيرها يخاطب "جمهوره الحبيب" مرة مؤكداً أن جماهيريته غير قابلة للتشكيك وأخرى أنه متشوق لمقابلة أهل الإسكندرية، ثم تفجر الوضع بدخول محافظ سابق على الخط وتأييده لحملة "إسكندرية لا ترحب بك".

بعدها أطلق رمضان العنان لانفعالاته الغاضبة لتظهر في الفيديوهات الموجهة إلى جماهيره وأعلن أنه سيذهب إلى الإسكندرية فوراً من دون حراسة وفي لمح البصر ظهر رمضان بالإسكندرية، وهنا تفجرت موجة أخرى من الفيديوهات، بعضها يوثق طرده من مقهى شعبي وسط غضب من الحاضرين وتوجيه السباب والشتائم، وبعضها الآخر يوثق الترحيب به في الشارع من قبل أعداد غفيرة من الصبية.

قاعدة جماهيرية شعبية

معروف أن الصبية والمراهقين، لا سيما في الأحياء الشعبية، وكذلك أصحاب الحرف وسائقي الـ"توك توك" والميكروباص والعمالة اليومية وغيرهم من المنتمين إلى الطبقات القابعة في قاعدة الهرم الاجتماعي يشكلون الجانب الأكبر من جماهيرية رمضان، فمعظم أدواره الدرامية في السينما والمسلسلات لا تخرج عن إطار البطل الأوحد ذي العضلات المفتولة والمزود بالأسلحة البيضاء من "سنج ومطاوي وسيوف وسكاكين" وهو "الفتوة" الذي لا يقهر و"الحبيب" الذي لا تقاومه النساء والسلطة التشريعية في الحارة أو الشارع الذي لا ترد له كلمة أو يعصى له أمر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد فتحول محمد رمضان إلى رمز "ملابسه وقصة شعره وطريقة كلامه وحركات جسده وجمله في الأفلام وعباراته التي يستخدمها في فيديوهاته على سوشيال ميديا" وأصبحت طقوساً يمارسها ملايين الصبية والمراهقين والشباب.

في المقابل هناك فريق من الرافضين والممتعضين والمناهضين والمطالبين بتحجيم "الأسطورة"، لأنه بحسب ما يعتقدون يسهم في تدني الأخلاق وتدهور السلوكيات وإعلاء شأن البلطجة وتراجع قيمة القانون والثقافة الرفيعة، لكن هذا الفريق وبينه أدباء وكتاب وموسيقيون وفنانون ومواطنون عاديون، يجد نفسه أمام حائط صد منيع اسمه قاعدة جماهيرية غفيرة، هذا الحائط يدعمه العصر الرقمي ودمقرطة الإنترنت وهو العصر الذي ألغى احتكار منصات التعبير وساحات الغناء وفضاءات الحروب من قبل الدولة أو المؤسسات.

مؤسسات خاسرة

المؤسسات التي حاولت في بداية ظهور محمد رمضان أن تحاربه أو تحجمه أو حتى تضع له قواعد يعمل في إطارها توقفت عن ذلك تماماً بعدما أدركت طبيعة العصر وأدواته وإمكاناته، ليس هذا فقط بل إن وزارة التضامن الاجتماعي استعانت به ضمن حملتها "أنت أقوى من المخدرات" قبل أعوام قليلة والساعية إلى توعية الشباب بخطورة الإدمان وتناول المواد المخدرة ويبدو أن الوزارة عملت بمبدأ "داويها بالتي كانت هي الداء"، لا سيما أن رمضان متخصص أدوار بلطجة وخروج عن القانون.

ستة مليارات

قانون الأرقام لا يعرف إلا الأعداد وقبل أسابيع قليلة احتفل رمضان بتخطي "هاشتاغ" اسمه ستة مليارات مشاهدة على "تيك توك" وقال عن نفسه إنه بذلك يكون أعلى وأشهر فنان عربي على المنصة من حيث المشاهدات، مذيلاً ذلك بقوله "ولسه المشوار طويل، ثقة بالله نجاح".

عبارة "ثقة بالله نجاح" أصبحت ملاصقة للنجم المثير للجدل، لكن الثقة بنجاحه في الإسكندرية تعرضت لهزة جراء الحملات الفجائية المضادة له، رمضان الذي يجوب بـ"فنه" الذي يزعج كثيرين مشارق الأرض ومغاربها ويقدم أفلاماً تحطم الأرقام القياسية في شباك التذاكر ويلعب بطولة مسلسلات فتحولها قاعدته الجماهيري الغفيرة من الصبية والمراهقين إلى "الأعلى مشاهدة" في أيامها الأولى، لم يصدق حكاية مقاومة أهل الإسكندرية لـ"الفن الهابط"، لكن صدقها بعض من معارضي رمضان والمناهضين للمحتوى الذي يقدمه من المثقفين والكتاب والأدباء والفنانين والمواطنين العاديين الناقمين على ما يسمونه بـ"تلميع صورة البلطجي" و"الإعلاء من شأن الخروج عن القانون".

معظم هؤلاء لم يتوقفوا كثيراً للتفكر في أسباب مثل هذه الحملة الفجائية ولم يسألوا أنفسهم مرتين عن لغز الصحوة الفجائية في الإسكندرية، تحديداً ضد "الفن الهابط" و"السلوك المتدني" في الدراما.

معقل السلفية

بينما الأسباب لا تزال غامضة والألغاز لم تفك بعد لا يمكن إغفال حقيقة أن الإسكندرية هي المعقل الصامت الساكن للتيارات "السلفية" بالغة التشدد التي تسللت إلى مصر في منتصف سبعينيات القرن الماضي.

التاريخ الحديث يشير إلى أن مجموعات من الطلاب "المتدينين" وفي أقوال أخرى الذين وقعوا في براثن خطاب التطرف الديني أسسوا للدعوة السلفية في هذه المدينة التي كانت يوماً ما العاصمة الـ"كوزموبوليتانية" لمصر حيث الجنسيات والثقافات والفنون المختلفة تتعايش وتتجاور في مدينة جميلة واحدة.

أبرز هؤلاء هم محمد إسماعيل المقدم وأحمد فريد وسعيد عبدالعظيم ومحمد عبدالفتاح ولحق بهم ياسر برهامي وأحمد حطيبة والتقى الجميع في كلية الطب بجامعة الإسكندرية بين عامي 1972 و1977 وهي الفترة التي تسميها تيارات السلفية المختلفة بـ"الفترة الذهبية للعمل الطلابي" في مصر.

وعلى الرغم من التقلبات السياسية التي مرت بها البلاد وبزوغ نجم جماعة الإخوان في عقود مختلفة، تارة عبر العمل الدعوي وأخرى من خلال الجمعيات الخيرية وتمدد شعبيتهم، لا سيما في القرى والأحياء الشعبية، فإن التيار السلفي وتفريعاته المختلفة ظل محتفظاً بقوته في الإسكندرية.

التمدد الساكن عبر خطاب ديني غارق في التشدد، لكنه ظل لأعوام بعيداً من السياسة في الأقل لدى مخاطبته العامة وهو ما جذب أعداداً إضافية من سكان المدينة ونسبة غير قليلة منهم نزحت في العقود الخمسة الماضية من قرى شمال مصر بحثاً عن فرص عمل أفضل في المدينة التي كانت حتى ستينيات القرن الماضي "عروس البحر المتوسط" بتعدديتها وجمال معمارها ومظهرها.

التيارات السلفية التي نأى بعضها بنفسه عن جماعة الإخوان المسلمين ما إن استشعرت انقلاب الإرادة الشعبية عليهم عام 2013، ما زالت على قيد الحياة وتعمل بكل جد وكد، لكن في صمت، ويكفي أن أحد الأحزاب السياسية الشرعية المصرية هو "حزب النور" السلفي على الرغم من أن نصوص الدستور المصري تنص على حظر الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية.

في هذا السياق تحوم شبهات مكتومة حول دور الأيادي السلفية في شن حملة رفض الإسكندرية لمحمد رمضان، لكنها تظل شبهات من دون أدلة ملموسة، فقط مشاعر شبه يقينية تعتري بعض السكان الأصليين للإسكندرية الذين شهدوها في مجدها ويتابعون حاضرها بكثير من الأسى.

السكان الأصليون لمدينة الإسكندرية الذين نجوا من براثن السلفية يسردون قصصاً وحكايات عن مدينتهم "العروس المبهجة" التي تحولت بفعل ما يسميه بعضهم "النحر السلفي" إلى "أرملة تعيسة"، لكن يبقى هناك من يرى في هذا التحول رجوعاً إلى الله وعوداً أحمد إلى الدين.

زفة مضادة

يحمل "الأسطورة" محمد رمضان ديناً في رقبته لجموع الصبية والشباب الذين هرعوا لإقامة "زفة" له في شوارع الإسكندرية عقب تداول فيديو "طرده" من مقهى شعبي كبير فأصلحوا ما أفسده الطرد خلال دقائق معدودة عقب انتشاره عنكبوتياً أيضاً.

وبينما حرب فيديوهات الترحيب والطرد تدور رحاها يظل الصمت التام سمة التيارات الدينية في الإسكندرية، سواء من جانب القيادات أو المواطنين العاديين الذين نموا وترعرعوا في كنف هذه الأفكار.

يشار إلى أن جميع هذه التيارات يحرم الموسيقى والغناء وبالطبع الرقص والاختلاط بين الجنسين ويشار كذلك إلى أن "أنشودة" حزب النور تخلو من الموسيقى وبالطبع من الأصوات النسائية.

"تنطيط وبلالين"

وإذا كانت أنشودة الحزب حققت وقت صدورها عام 2012 بضعة آلاف من الـ"لايك" والـ"شير" فإن أنشودة محمد رمضان "تنطيط" حققت ملايين المشاهدات خلال أيام معدودة وقبلها "بلالين" التي حققت أرقاماً مليونية قياسية في المشاهدة. كلمات "بلالين" تعكس توجه محمد رمضان الذي لا يفوت فرصة من دون أن يؤكد للجميع أنه "نمبر وان" وأن أي انتقادات لا تعنيه وأن كل المنتقدين ما هم إلا حفنة من المتآمرين أو الكارهين أو الحاقدين.

تقول كلماتها "دخولنا مرعب خلى الكل يركن، أنا متحكم، جامد أنا كده من يومي، نسخة واحدة وهم قلدوني، بالأسطورة لقبوني، إسأل كل اللي قبلك هيقولوا لك أنا مين، أنا اللي روحت بعت المياه في حارة السقايين".

المثل الشعبي يقول "المياه تكذب الغطاس" والأيام القليلة المقبلة، تحديداً 7 أكتوبر المقبل يوم حفل رمضان سيحدد موقف الإسكندرية ومصير الغطاس.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات