تحول طفل مصري لم يتخط الرابعة من العمر إلى حديث المصريين بعد قرار النيابة العامة بإيداعه أحد دور الرعاية بدلاً من البقاء مع أبويه بالتبني، بسبب خلاف حول ديانته.
بدأت قصة الطفل قبل أربع سنوات حين عثرت آمال ميخائيل على رضيع عمره يوم واحد في دورة مياه إحدى الكنائس بمحافظة الجيزة، فاعتبرته "هدية من السماء" وقررت رعايته بعد استئذان الكاهن المسؤول عن الكنيسة، خصوصاً أنها لم تنجب طوال 26 عاماً من زواجها.
وبالفعل تمت تسمية الرضيع باسم شنودة ونسبه إلى زوجها فاروق فوزي واستمرا في رعايته واعتبراه نجلهما إلى أن تقدمت إحدى أقارب الأب بالتبني ببلاغ للشرطة تتهمه بنسب الطفل له بما يمنحه حقاً في الميراث، مما دفع النيابة العامة إلى فتح تحقيق بحضور مسؤولي وزارة التضامن الاجتماعي، واستجوبت فاروق وآمال اللذين أقرا بأنهما لم ينجبا شنودة.
من شنودة ليوسف
قررت النيابة تسليم الطفل إلى دار رعاية باعتباره فاقداً للأهلية وتغيير ديانته إلى الإسلام وتحويل اسمه إلى يوسف، وذلك استناداً إلى المادة الثانية من الدستور التي تقر بأن الإسلام هو دين الدولة، وبالتالي فإن الطفل اللقيط طالما لم تتوصل التحقيقات إلى ديانة أبويه فهو مسلم طبقاً للدستور إلى أن يثبت المدعي العكس، ولم تتخذ النيابة أي إجراء ضد الزوجين، واعتبرت أنهما حسنا النية.
وأمام فقد الأبوين من اعتبراه طفلهما، عرضا قضيتهما على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، سعياً إلى لم شملهما من جديد مع شنودة أو يوسف، وحاز الأمر على اهتمام كثيرين وشاركوا بتعليقات ظهر في كثير منها نزعة طائفية، إذ اعتبر بعض المعلقين سواء من المسلمين أو المسيحيين الأمر مسألة دينية بتأييد قرار النيابة أو اعتباره ظالماً بحق الطفل وأبويه بالتبني، بينما كان تركزت بعض التعليقات على حال الطفل وضرورة حل الأمر سريعاً وإعادته لأسرته البديلة حفاظاً على نفسيته.
وظهرت آمال ميخائيل (51 سنة) في عدد من اللقاءات التلفزيونية في حال حزن شديد وأخذت تبكي من كانت تعتبره فرداً من العائلة، مؤكدة أنها كانت تجهل القوانين المتبعة في حال العثور على رضيع، كما أن وجوده داخل كنيسة يجزم بديانة أبويه الحقيقيين.
ومنذ سبعة أشهر يعيش فاروق وآمال حالاً نفسية سيئة بعد إيداع شنودة أحد دور الرعاية، وحاولا أكثر من مرة الذهاب لرؤيته لكن دائماً ما يتم منعهم.
وأوضح الأب بالتبني أنه سلم الطفل إلى دار الرعاية خوفاً من مساءلة الكنيسة قانونياً، لأنها سمحت له برعاية الطفل، على رغم أنه كان من المفترض أن يبلغ الشرطة فور عثور زوجته على الرضيع قبل سنوات.
اللجوء للقضاء
لجأ الزوجان إلى القضاء أملاً في إعادة الطفل إلى حضنهما، إذ تقدم المحامي نجيب جبرائيل بدعوى أمام محكمة القضاء الإداري للمطالبة بإلغاء قرار وزارة التضامن الاجتماعي بإيداعه إحدى دور الرعاية وتغيير ديانته.
وقال جبرائيل لـ "اندبندنت عربية" إن قرار وكيل النيابة بتغيير ديانة الطفل ليس مستنداً إلى نص قانوني، وإنما هو اجتهاد مبني على فهمه للمادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن تلك المادة موجهة إلى المشرع وليس القاضي، كما أنه لا يوجد نص قانوني يلزم باعتبار اللقيط أو مجهول النسب مسلم الديانة، ولم تصدر النيابة العامة المصرية تعليقاً على واقعة الطفل حتى الآن.
وأكد جبرائيل أن الطفل تم العثور عليه داخل دورة مياه إحدى الكنائس وليس في الشارع كما قال بعضهم وهذا مثبت في أوراق التحقيق القضائي، مضيفاً أن لديه شهوداً مسلمين سيتقدمون بشهادتهم لإثبات أن السيدة آمال وجدت الطفل داخل الكنيسة وأنها كانت ترعاه جيداً.
وأرجع المحامي عدم تقدم السيدة ببلاغ إلى الشرطة فور العثور على الرضيع لوجود ممارسات معتادة عند وقوع مثل تلك الوقائع، إذ يوضع الطفل اللقيط في دار رعاية ويعطى اسماً مسلماً وبالتالي كان سيكون من الصعب عليها كفالته في ما بعد، مشيراً إلى أن واقعة شنودة تؤكد أهمية إقرار قانون يحدد خطوات كفالة الأطفال للمسيحيين، بخاصة أن الديانة المسيحية تسمح بذلك.
وأشار إلى أنه تقدم من قبل بمشروع قانون لمجلس النواب في ذلك الشأن، بحيث لا يحدث أن يتبنى مسيحي طفلاً مسلماً، ويضع عقوبات مغلظة تصل إلى السجن خمس سنوات وغرامة 100 ألف جنيه (5147 دولاراً أميركياً)، لكن ذلك المشروع لم يتم تبنيه، مضيفاً أنه سيرسله مرة أخرى للمجلس قريباً.
مزاج ديني
من جانبه، أكد عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب إيهاب رمزي أن قضية الطفل شنودة هي خطوة نحو تشريع جديد للتبني، ووصف تغيير اسم وديانة الطفل بأنه لا يستند إلى أي نص قانوني أو سند تشريعي وإنما "يستند للمزاج الديني"، بحسب تعبيره في تصريحات صحافية.
وأوضح رمزي أنه عندما يكون الأب والأم معروفين يتبع الأطفال ديانة الأب بحسب نص القانون، لكن عندما لا يعرف الأب أو الأم فيتم اللجوء إلى نشأة الطفل، وبالتطبيق على حال شنودة فإنه وجد داخل الكنيسة وتعمد وتربى داخلها ومع أسرة مسيحية، مما يجعل من الواجب أن يظل الطفل على هذه النشأة حتى تكون له حرية الاختيار.
ويرى محامي والدي شنودة بالتبني أن مسألة الطفل ذي الأربع سنوات أخذت أبعاداً طائفية كان الجميع في غنى عنها، إذ نشأ الطفل في أسرة معينة ولن يضير أحداً أن يكون مسلماً أو مسيحياً، وكان من الأفضل ألا يتم تغيير ديانته وإنما يترك ليختار عندما يكبر ويكون لديه الإدراك الكافي.
ودعا إلى تدخل سياسي في تلك القضية كي لا تستمر أكثر من ذلك في إثارة النعرات الطائفية بين أبناء المجتمع المصري، بخاصة أن الطفل يعيش حالياً في حال نفسية سيئة داخل دار الرعاية بعد أن تم انتزاعه من الذين كان يعتبرهم أباه وأمه وممنوعة عنه الزيارة وكأنه في سجن، بحسب تعبير جبرائيل، على رغم أن الأم بالتبني آمال عرضت أن تعمل داخل الدار تمسح البلاط كي ترى شنودة، لكن الإدارة رفضت.
قضية إنسانية
وعلق المتحدث الرسمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية القمص موسى إبراهيم على قضية الطفل شنودة واصفاً إياها بأنها "قضية إنسانية في المقام الأول، ونأمل حلها في إطار القانون"، مضيفاً في تصريحات إلى صحف محلية أن ما يعني الكنيسة هو تطبيق القانون في المقام الأول، وأيضاً "الحفاظ على الاستقرار النفسي والأمان لهذا الطفل البريء".
وفي فبراير (شباط) الماضي تم الإعلان عن أول حال كفالة لطفل مسيحي بشكل رسمي وقانوني من جانب أسرة مسيحية، ووفقاً لوزارة التضامن الاجتماعي المصرية فإنه يجوز للأسر المسيحية كفالة طفل من إحدى دور الرعاية المسيحية، بشروط أهمها أن تكون الأسرة البديلة ديانتها ذات ديانة الطفل، وأن يكون أحد أفرادها مصرياً وأن تتكون الأسرة من زوجين صالحين تتوافر فيهما مقومات النضج الأخلاقي والاجتماعي بناء على بحث اجتماعي، وكذلك أن تتوافر في الأسرة الصلاحية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والصحية والمادية للرعاية، وإدراك حاجات الطفل محل الرعاية، وأن يكون دخل الأسرة كافياً لسد حاجاتها وأن تتعهد بأن توفر للطفل جميع حاجاته شأنه في ذلك شأن باقي أفرادها.