Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العنصرية في المجتمع العربي... الطاعن والمطعون واحد

تتفشى بطرق مختلفة وتنال من ضحاياها بسبب اللون أو العرق أو النسب العائلي أو الاختيار المهني من دون علم من يمارسها أنه "عنصري" والقوانين لم تكبح الظاهرة

من مشارق المنطقة العربية إلى مغاربها تتعدد أشكال وأنواع العنصرية (تصميم: اندبندنت عربية - نوف الحربي)

"هل أنت عنصري؟ بالطبع لا". سؤال صريح وإجابة نموذجية، لكن من قال إن الإجابات النموذجية تعبر حتماً عن الواقع وتعكس من دون شك الحقيقة؟ لسبب ما يرتبط نعت "العنصرية" بالجزء الغربي من العالم، فلطالما شاع الظن أن الغرب عنصرياً تجاه الآخر.

هكذا هي الصورة الذهنية والمرتبط جزء منها بوقائع بعضها تاريخي وبعضها الآخر نتاج خبرات وممارسات وتحليلات وأعمال درامية وجهود تصحيحية ذاتية، أو ربما محاولات تلميع وتحسين صورة خارجية.

قوانين واتفاقات

في القانون الدولي التمييز العنصري هو "أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل قائم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ويستهدف تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة".

في عام 1965 اعتمد المجتمع الدولي الاتفاق الدولي للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وبموجبه تلتزم الدول الموقعة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وعلى رغم أن التصديق كاد يصل حد الاكتمال فإن الهوة بين الاكتمال والتطبيق كبيرة في العالم.

عربياً هوة أخرى سحيقة وصعبة تفصل بين مفهوم العنصرية الحقيقي من جهة، وتعريفات العنصرية السائدة لدى جموع غفيرة من المواطنين من جهة أخرى، فالعنصرية لا تقتصر على التحيز ضد لون أو عرق فقط، لكن اعتبار معتقد أعلى من آخر أو عائلة أفضل من أخرى أو مهنة أرقى من غيرها أو جنسية أزكى من أخرى عنصرية، ناهيك عن إطلاق نكتة هنا على لون مختلف أو "طرفة" هناك على عقيدة مغايرة أو ثقافة معاكسة.

وعكس الشعور السائد عربياً أن العنصرية لا وجود لها في هذا الجزء من العالم، فإنها موجودة وتتم مارستها بطرق مختلفة لكن تحت تسميات مختلفة، وأحياناً من دون علم من يمارسها أنه عنصري، فيصبح إذاك الطاعن بخنجر العنصرية هو نفسه المطعون بها.

لدينا تمييز

المفاجأة هي أن نسبة كبيرة من العرب قالوا لدينا تمييز عنصري، فبحسب دراسة استقصائية أجراها "الباروميتر العربي" للأبحاث ومقره جامعة برينستون الأميركية عن العنصرية في عدد من الدول العربية (2022) لمصلحة "بي بي سي"، اعترف كثيرون أن التمييز العنصري مشكلة في بلدانهم، ففي تونس قال 80 في المئة إن العنصرية مشكلة وهي النسبة الأعلى، وبلغت نسبة المعلنين بوجود المشكلة 67 في المئة في العراق و63 في المئة في الأردن و59 في المئة في فلسطين و58 في المئة في السودان و49 في المئة في لبنان و48 في المئة في ليبيا و37 في المئة في المغرب وثمانية فقط في المئة في مصر.

"اندبندنت عربية" أجرت بحثها المتأني في مصر والسعودية وليبيا وتونس والجزائر والأردن ولبنان والعراق وموريتانيا لتخرج بصورة واضحة عن العنصرية في العالم العربي.

يقول المصريون لسنا عنصريين، "ليس في مصر". هكذا وصفت الدراسة النسبة المتدنية جداً للمصريين الذين قالوا إن العنصرية مشكلة في مصر، إذ يقول المصريون عن أنفسهم إنهم ليسوا عنصريين بل إن بينهم من لا يعرف معنى كلمة "عنصرية"، وإن عرفوا فيستنكرون ويشجبون مجرد طرح السؤال، فمصر ليست عنصرية والمصريون لا يفرقون بين أحد بسبب العرق أو الدين أو الثقافة أو اللون.

لكن "لون" العروس أثار تساؤلات "طنط سامية" و"مدام نادية"، فالعريس قريبهم "قشدة" في إشارة لونية إلى بشرته الفاتحة، أما العروس فـ "غامقة" جداً، ووالدة العريس حاولت تخفيف صدمة اللون بتبرير بدا منطقياً، "أصلها عادت من الساحل قبل يومين"، أي أنها اكتسبت لوناً داكناً بفعل الشمس والبحر.

 

الشمس والبحر والوجه الحسن للعروس والحب الواضح بين العروسين بغض النظر عن درجات الألوان لم تشفع لها. واتخذ الحديث الجانبي منعطفاً استنكارياً حيث كريمات تفتيح البشرة متوافرة في كل مكان. إعلانات كريمات وعلاجات تفتيح البشرة بالفعل تعد بدرجتين أفتح على الأقل. "فرحك قرب وبشترك داكنة؟ صديقاتك جميعهن يتمتعن ببشرة فاتحة عكس بشرتك الداكنة؟ جربتي كل كريمات التفتيح ولا يزال وجهك وذراعاك تعاني السواد؟ الحل عندنا".

عندنا بدل الكريم عشرة وبدل الحل مئة، فيديوهات "تيك توك" عامرة بنصائح لإنقاذ الفتيات والنساء اللاتي يحلمن ببشرة فاتحة، كما أن الأحاديث العادية مفعمة بكم هائل من الإشارة إلى "فلانة الشقراء القمر" وعلانة الجميلة على رغم "أنها سمراء" و"فلان شكله ابن بواب (حارس عقار)" و"البنت التي أصبحت هبابة (من الهباب) أو فحمة (من الفحم)" لكثرة الجلوس في الشمس.

العثور على عروس بيضاء البشرة تعد في الغالب ميزة إضافية، والتعليق على لون البشرة الداكن بكلمات مثل "سمارة" و"أسواني" (من أسوان) و"مرجانة" (اسم كان يطلق على الجواري صاحبات البشرة الداكنة). "مفاجأة" وصول المولود ببشرة بيضاء تختلف عن "صدمة" وصوله ببشرة داكنة، وعلى رغم أن العنصرية قد تمارس بناء على العرق أو الأصل أو القومية أو الإثنية أو اللون أو كل ما سبق، فإن كلمة عنصرية حين تطرح في مصر فهي غالباً ما تعني أنها مشكلة يعانيها أفراد في دول، لا سيما غربية، وإن جرى الاعتراف بها، فإنها لا تتعلق سوى باللون.

الاستطلاع الذي أجرته شبكة "باروميتر العربي" وجد أن نسبة كبيرة من المواطنين العرب ترى أن التمييز العنصري يمثل مشكلة في دولهم، والاستثناء الوحيد كان مصر، إذ قال ثمانية في المئة فقط إن العنصرية مشكلة في مصر، وقال 86 في المئة إنه لا يوجد أي نوع من أنواع التمييز العنصري على الإطلاق ضد أصحاب البشرة الداكنة، وربما هذا ما يفسر استنكار الغالبية لطرح افتراض وجود عنصرية في شأن اللون.

يعمل في السوبرماركت 10 صبية وشباب بينهم أربعة اسمهم محمد، وصاحب السوبرماركت صنفهم كالتالي، "محمد البرنس" لأنه يتعامل مع الجميع بفوقية و"محمد راديو" لأنه كثير الكلام و"محمد بلية" لأنه أصغرهم سناً وحجماً و"محمد سمارة" لأن بشرته داكنة، لكن لا صاحب السوبرماركت أو العاملين أو "محمد سمارة" نفسه يعتبرون ذلك عنصرية.

مداعبة عنصرية

لكن هذا لا يمنع وقوع حوادث تندرج تحت بند العنصرية، ففي عام 2019 انتشر مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي لمراهقين مصريين يعترضان طريق مراهق آخر من ذوي البشرة السمراء ويقلدان طريقة كلامه ويطالبانه بفتح حقيبته.

انتفض كثيرون غضباً وحتى بعد ظهور المراهقين في فيديو آخر ليؤكدا أن الفتى من جنوب السودان جارهما منذ سنوات وأنهما كانا يداعبانه، وتدخلت الشرطة المصرية ومسؤولون من سفارة جنوب السودان، لكن بعضهم أشار إلى أن ما جرى ليس عنصرية بل تنمراً، وإن ظل كلاهما مرفوضاً.

الرفض الأكبر كان من نصيب ما جرى في ميدان مصطفى محمود في محافظة الجيزة عام 2015 حين اعتصم نحو 3500 من طالبي اللجوء السودانيين أمام مقر للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين اعتراضاً على ما وصفوه بـ "سوء المعاملة" من قبل المفوضية، ورفضها طلبات اللجوء التي تقدموا بها لنقلهم إلى دول أجنبية مثل أميركا وكندا وأستراليا. حاولت الشرطة المصرية تفريق التجمع بعد أسابيع من إقامتهم في متنزه في وسط الميدان، لكن كارثة مروعة حدثت حيث قتل 25 شخصاً بينهم أطفال ونساء.

وعلى رغم استخدام بعضهم كلمة "عنصرية" في تغطية الحادثة، فإن وجهات نظر عدة على رغم اتفاقها على بشاعة ما جرى، واستخدام العنف المفرط غير المقبول، فإنها لم تر علاقة بين ما جرى ولون الضحايا.

وبحسب الأرقام الواردة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فإن مصر تستضيف 267734 ألف لاجئ وطالب لجوء من جنسيات عدة، أبرزها السودان وجنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، ويعتقد أن العدد أكبر من ذلك بكثير، إذ لا يسجل جميع القادمين بالضرورة بياناتهم لدى المفوضية.

يتعرض هؤلاء لتعليقات سخيفة يعتبرها المتفوهون بها خفيفة الظل؟ نعم. يرمقهم بعض المارة بكثير من النظرات الثاقبة؟ نعم. الأعمال الدرامية منذ عقود حافلة بالنوعية نفسها من خفة الظل التي تجعل من أصحاب اللون الداكن "بواب" (حارس عقار) و"سفرجي" (خادم مسؤول عن تقديم الطعام في البيت) و"دادة" (مربية أو خادمة)، كما أن عدداً من القفشات التي تضحك المشاهد تدق على وتر البشرة الداكنة، وهو الدق الذي لا يضايق أو يلفت انتباه أو نظر الرقابة على المصنفات الفنية.

حلقة الوعي بمعنى العنصرية متصلة، ومعظم المصريين لا يعتقدون أن التفوه بنكتة تسخر من صاحب بشرة داكنة على رغم أن أغلب المصريين ذوو بشرة داكنة أو بتعليق عن عينين "صينيتين" على رغم أنها قد تكون يابانية أو فيتنامية أو كورية أو غيرها، أو بدعابة مأخوذة من "إفيه" في فيلم عن هيئة "البواب" أو "لون" السفرجي وغيرها أمور تندرج تحت بند العنصرية أصلاً.

عنصريون بلا عنصرية في ليبيا

"عنصريون من دون عنصرية" توصيف يبدو مشابهاً للحال المصرية، لكن في ليبيا مع اختلاف كبير في المشهد، فمنذ انهيار نظام رئيس ليبيا السابق الراحل معمر القذافي ومراكز احتجاز المهاجرين غير الشرعيين في زيادة، وعدد من المنظمات الدولية تصدر تقارير عن "الانتهاكات العنصرية" التي ترتكب فيها ضد المهاجرين الأفارقة، وعلى رغم ذلك يعتقد متخصصون في علم الاجتماع أن مسألة العنصرية في ليبيا لم تظهر فجأة بسبب المهاجرين، لكنها عميقة ومتجذرة في المجتمع.

الباحثة في علم الاجتماع حنان الترهوني تؤكد أن "ظاهرة العنصرية في ليبيا ليست طارئة أو نتاج أعوام الفوضى، بل هي قديمة ويمكن ملاحظتها بسهولة في السلوك الاجتماعي للسكان".

 

وتسوق الترهوني الشواهد بالقول إنه "يمكن أن تسأل أي فتاة أمازيغية أو شاب حمري (أسمر) في الجنوب عن ذلك. لماذا لا يستطيع أن يتزوج فتاة حرة (بيضاء)؟ أو لماذا القبيلة الفلانية لا تتعامل مع قبيلة أخرى؟ أو لماذا يحقر سكان تلك المنطقة من قبل سكان منطقة أخرى؟"

وتضيف، "عبارات مثل تعال يا عبيد أو كيف حالك يا عبيد؟ منور يا عبيد وغيرها مجرد أمثلة. الليبي ذو البشرة السوداء عادة ما ينادى عليه بهذه الأسماء حتى من قبل أصدقائه. أحياناً تكون على سبيل المزاح لكنها أيضاً قد تتخذ شكلاً عدائياً وبدافع الشتم، وكلمة عبيد مشتقة من العبد والعبودية وهي مرتبطة تاريخياً بلون البشرة السوداء".

وتتابع الترهوني "أصعب ما يواجهه المواطنون ذوو البشرة السوداء هو التنميط من قبل بقية أفراد المجتمع، فصاحب البشرة الداكنة في العقل الجمعي الليبي يرتبط بالمكانة الاجتماعية المتدنية، وحتى مع وجود أطباء ومهندسين ومحامين وأصحاب مراكز إدارية مهمة من ذوي البشرة السوداء فإن العقلية الليبية لا تزال نمطية في هذا الشأن".

عنصرية منوعة الأشكال

ويقول الكاتب عبدالرحيم التومي إن "العنصرية في ليبيا ليست موجهة ضد المهاجرين ذوي البشرة السوداء وحسب بل لها أشكال عدة، فهناك العنصرية المرتبطة بلون البشرة في داخل المجتمع الليبي والذين لا يزالون يلقبون بالعبيد، على رغم الجرح الكبير الذي تحدثه الكلمة في نفسية متلقيها".

ويشير إلى أن "النوع الثاني من العنصرية المتفشية في البلاد هو العنصرية القبلية وتتمثل في النظرة الدونية إلى الآخر من قبائل أخرى، وتجد من يساعد قريبه في القبيلة بينما يعامل الآخر من قبائل أخرى أو مناطق أخرى باستعلاء".

ويضيف أن "النوع الثالث من العنصرية في ليبيا مرتبط بالتعامل مع العمالة الوافدة، وبينما يعامل العمال الوافدون من بلدان عربية أو أفريقية بشكل دوني، تكون معاملة الأجانب الآخرين جيدة جداً".

 

ويعتبر الكاتب الليبي عمر الككلي أن "العنصرية لدى الشعب الليبي ليست استثناء، فالعنصرية موجودة في معظم المجتمعات لكنها في المجتمعات المتقدمة تكون أقل حدة وثمة قوانين تجرمها، كما أنها في هذه المجتمعات عادة تكون موجهة إلى غير المواطنين، لكن الأمر يصل في المجتمع الليبي إلى درجة التعصب، وهذا التعصب يتجه إلى الذات أكثر مما يتجه إلى الآخر".

الشكوى الأغرب من العنصرية في ليبيا حدثت نهاية عام 2021 على خلفية اعتقال وزيرة الثقافة مبروكة توغي في حكومة عبدالحميد الدبيبة التي تنحدر من الجنوب وأصولها من "مكون التبو". (جماعة عرقية تعيش في عدد من الدول الأفريقية بينها جنوب ليبيا).

وقالت توغي حينئذ إن ظروف اعتقالها كانت عنصرية، لأن من كادوا لها، بحسب قولها، لم يتخيلوا امرأة سوداء من الجنوب في موقع قيادي في هذا البلد. ومارسوا ضغوطاً مماثلة على الوزير السابق المعين من العرق ذاته، وقالت إنها تعرضت إلى انتهاكات عنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام الرئيسة بعد اعتقالها، وأضافت أنه جرى وصفها بـ "العبدة" وعلى قناة تلفزيونية وطنية بأنها نيجيرية وتشادية "في محاولة لجعلي مواطنة من درجة أقل".

تجريم المختلف في تونس

وفي درجة أقل وفي الجارة تونس، تقبع أقليات وفئات عدة تقول عن حقوقها إنها "مهضومة". الدستور التونسي الجديد لا يتضمن أي إشارة إلى حقوق الأقليات، لكن ينص على شمولية الحقوق والحريات وحرية الضمير والمعتقد.

هذه النصوص تصطدم بواقع يجرم المختلف سواء في الميول الجنسية أو اللون أو القدرات الجسدية أو المعتقدات الدينية.

وفي تونس عدد من الأقليات، منها الدينية، وأيضاً العرقية مثل السود والأمازيغ (السكان الأصليون لتونس)، إضافة إلى الأقليات الجنسية كالمثليين.

وعلى رغم أن المجتمع يبدو متجانساً ومتصالحاً مع مختلف مكوناته، فإنه لا يخلو من الممارسات التي تمس فئة بعينها، مما يدفعها إلى اللجوء لمنظمات المجتمع المدني بحثاً عن الإنصاف.

 

منسقة "مرصد الدفاع عن حق الاختلاف في تونس" سلوى غريسة تقول إن المرصد الذي تأسس في أبريل (نيسان) 2018 ينشط مع نحو 90 جمعية لرصد حالات التمييز وعدم المساواة، والبحث في أسبابها ونتائجها للخروج ببحوث تسلط الضوء على أهمية الحق في الاختلاف من أجل مجتمع متنوع وثري.

وترى غريسة أن الفئة المعرضة أكثر للتمييز هي المثليين الجنسيين، بدءاً من العائلة ووصولاً إلى المجتمع والمؤسسات والقوانين التي تجرم ممارساتهم.

وخلصت إلى أن المجتمع التونسي عموماً يقبل ببعض الأمور المختلفة، فإنه يرفض كل ما هو مختلف عنه على صعيدي المعتقد والانتماء الجنسي.

وعلى رغم أن تونس ألغت العبودية عام 1846 فإن التمييز العنصري لا يزال قائماً.

وتقول غريسة إن "جزءاً كبيراً من التونسيين من ذوي البشرة السوداء يعانون الوصم والازدراء".

اللون والمناصب

ولمقاومة التمييز بمختلف أشكاله تأسست جمعيات مثل "الجمعية التونسية لمساندة الأقليات" التي أكدت رئيستها يمينة ثابت "غياب أي تسهيل لفاقدي الحركة كي يقضوا شؤونهم كمواطن كامل الحقوق"، كما تنعدم أدوات "برايل" التي تساعد فاقدي البصر في القراءة والكتابة.

وعلى رغم أن القانون رقم (50) يجرم العنصرية فإن الواقع مختلف، فالتمييز على أساس اللون موجود بكثافة، كما تقول ثابت "لذلك يغيب أصحاب البشرة السوداء عن مواقع القرار، وتحضر بكثافة تعابير العنصرية في الخطاب اليومي مثل "وصيف" أو "كحلوش" (أسود)".

أما العلاقات الجنسية المثلية وحقوق المثليين وذوي الميول الجنسية الثنائية والمتحولين جنسياً فمجرمة، ويتعرض معظمهم للرفض والتمييز والمضايقات والعنف من جانب عائلاتهم والمجتمع.

وتقول ثابت إن هناك عدم قبول عام للمختلف دينياً عن الغالبية، داعية إلى التخلي عن التعامل بمنطق "السخاء والكرم" تجاه اليهود التونسيين، "فهم تونسيون يتمتعون بالحقوق ذاتها وعليهم الواجبات ذاتها".

وعن التحول من دين إلى آخر تقول إن "كل من يختار ديناً آخر يفعل ذلك سراً عادة خوفاً من رد فعل العائلة والمجتمع، وهي تدعو إلى العمل على تغيير هذه العقلية عبر تربية النشء على ثقافة التعايش واحترام المختلف عن الغالبية".

وعلى رغم أن الدستور التونسي الجديد ينص في فصله الـ (27) على أن "الدولة تضمن حرية المعتقد وحرية الضمير"، فإن هذه الحرية محدودة.

وقد وقع ممثلون عن أطياف وجمعيات دينية في تونس ميثاقاً للتعايش المشترك ينص على حق الجميع في حرية المعتقد والممارسة الحرة للشعائر الدينية، وتأكيد قداسة الرموز الدينية وعدم المساس بها والدور التعليمي لفضاءات العبادة مع تحييدها عن التوظيف الحزبي والسياسي.

أما فئة الأمازيغ فهي ضمن الأقليات في التركيبة السكانية فعددهم يبلغ نحو 500 ألف شخص، أي خمسة في المئة من سكان تونس.

ولا يتحدث اللغة الأمازيغية سوى اثنين في المئة منهم، ولا يتم اعتماد لغتهم في المؤسسات الرسمية أو في وسائل الإعلام، ويقولون إن محاولاتهم إدراج اللغة الأمازيغية في البرامج الرسمية باء جميعها بفشل القدرة على رؤية الثراء الكامن التنوع الثقافي والعرقي واللغوي.

تتسلل إلى الجزائر

هذا الثراء لطالما كان مصدراً للفخر في الجزائر، لكن أمارات عدة تشير إلى أن فخر الأمس أصبح يثير نعرات اليوم. منصات التواصل الاجتماعي الكاشفة لما يدور في القلوب والعقول كشفت عن مفاجأة غير سارة، فكثير من التعليقات والتدوينات ينضح بكم هائل من السخرية تجاه أشخاص بأعينهم أو تنمر أو طعن في الماضي أو تشكيك في الحاضر، وجميعها يمكن تصنيفها تحت بند "عنصرية".

ولم يعد التنوع الثقافي والديني واللغوي والعرقي مصدر فخر للجزائريين، كما كانت عليه الحال وقت استقلال البلاد عام 1962، وأضحت سبيلاً لممارسة العنصرية وطريقاً لإثارة النعرات التي لم تعد تستهدف السلطة السياسية كما كان يحدث في الماضي، بل تستهدف جهة أو منطقة أو قبيلة أو جماعة.

هي إشارات خرجت من الشارع في لحظات انفعال، لكن تحمل بين طياتها نزعات إقصائية تعوق التقدم والوصول إلى الحل الذي يصبو إليه الجميع، ويقتضي باحترام كل الفئات لبعضها بعضاً واحترام الاختلافات.

 

الكاتب والباحث في التاريخ في جامعة الجزائر محمد أرزقي فراد كتب على صفحته عبر "فيسبوك" "الزوافي والقهوي والكشيري وبوصبع والبصماجي وغيرها مصطلحات تنمر وعنصرية، لم تخرج من المسجد أو من المدرسة أو من مخابر الجامعة، إنما هي مصطلحات جديدة فرضها الشارع الانفعالي بعد أن ضمرت عقول النخب وعجزت عن قيادة المجتمع بالعقل الناقد نحو حياة أفضل".

وقال فراد لـ "اندبندنت عربية"، "لخصت فيما كتبت أزمة المجتمع في الجزائر، وعندما تعجز النخب عن قيادة المجتمع نحو بر الأمان يتولى الشارع المهمة بالتي هي أسوأ، وهناك خلل في عقولنا يجب إصلاحه قبل استفحال المعضلة".

ويشدد على أن مفهوم "أقلية" هو معول هدم مرتبط بأنظمة سياسية غير ديمقراطية، وأن ثقافة الديمقراطية تستوجب تكريس مفهوم "المواطنة" الذي يتجاوز العرق والدين والجهوية وما إلى ذلك من ارتباطات تقليدية.

الأقليات والسياسة

لكن الباحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية سلمى تيوسارين تقول إن هناك أقليات في الجزائر، وذلك بتعريف الأقلية بأنها جماعة من الأفراد الذين يختلفون عن بقية المجتمع عرقياً أو قومياً أو دينياً أو لغوياً، ومنها الأقلية المزابية والأمازيغية والشاوية، وكذلك أقلية مسيحية ويهودية في ما يتعلق بالدين، أما الطوائف فهي قليلة ومنها الإباضية.

وتوضح تيوسارين أنه نتيجة لأسباب أغلبها سياسي تسللت العنصرية المبنية على الجهوية (المنطقة أو الإقليم) إلى المجتمع، إذ "نجد الشعب الواحد ينقسم إلى أبناء الجنوب وأبناء الشمال في إشارة للهوة بين الجماعتين في التهيئة والاستثمار والتحضر والتمدن، كما نجد أن المواطن البسيط يميل إلى بني منطقته ضد الآخر"، مشيرة إلى أن الفئة المستهدفة بهذه العنصرية هي غالباً مناطق الظل التي تعاني التهميش.

وتواصل تيوسارين أن السلطات تتعامل مع هذا الوضع بحذر، كما تحاول حل أي تمرد أو مطالبة بالانفصال وذلك حماية للأمن الوطني، بخاصة عندما يتعلق الأمر بالأقلية الأمازيغية، على اعتبار أن الأقليات سيكولوجياً تشعر دوماً بالخطر ومستعدة للتحرك العنيف بسهولة كونها تشعر أنها مستهدفة.

وأضافت أن السلطات لا تولي العنصرية اهتماماً كبيراً على رغم أنها ترافع دستورياً وقانونياً لمصلحة تساوي الشعب الواحد والمواطنين.

وتابعت أن "السبيل لمواجهة الظاهرة هو تقديم الدعم المتساوي والتعامل المتكافئ بين الجزائريين بغض النظر عن توجهاتهم وأعراقهم ومن أين قدموا واعتماد الشفافية والحوار، والابتعاد من الجهوية والبيروقراطية وتجريم اللفظ العنصري".

وكانت الحكومة الجزائرية اعترفت في وقت سابق بوجود أشكال عدة للانحرافات باتت تهدد اللحمة الوطنية والاجتماعية، وقالت إن محاربة خطاب التمييز لن ينال من حرية التعبير المضمونة في الدستور الجزائري، وعليه جرى وضع استراتيجية للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، لا سيما أن منصات التواصل الاجتماعية تسهم في الترويج له.

دعاة "التنويم الأيديولوجي"

في المقابل يعتبر الإعلامي المهتم بالشؤون السياسية والثقافية حكيم مسعودي أن قضية الأقليات موجودة في كل دول العالم، فالاختلاف الثقافي والفكري واللغوي والعرقي حال طبيعية، وأينما كانت هناك أكثرية كانت هناك أقلية.

ويقول إنه ليس خفياً على أحد وجود أقليات دينية مسيحية أو يهودية كون المجتمع الجزائري معظمه يدين بالإسلام، لكنها ليست معنية بالاستثناء كحالات خاصة ما دامت تشملها "المواطنة"، وبالتالي هذه الأخيرة تنصهر في كيان الدولة.

لكنه يرى أن العنصرية بدأت تتسلل إلى المجتمع الجزائري، "فبعض دعاة التنويم الأيديولوجي وأصحاب المصالح الضيقة، أصبحوا يرعون الفكر العنصري المرضي داخل المجتمع بشكل خطر وهو الفكر الذي يرفض الآخر، ويشيطنه إلى حد الدعوة إلى إبادته، وبدا ذلك بشكل واضح بخاصة عبر ما سمي بالذباب الإلكتروني، ومنابر تتبنى خطابات الكراهية".

تعايش وتنافر في الأردن

يبدو أن خطاب الكراهية بات يرتبط بالأقليات في عدد من الدول العربية ومنها على سبيل المثال لا الحصر الأردن، فبعضهم يتحدث في الأردن عن كونه نموذجاً للتعايش بين المكونات المختلفة أو يرون العنصرية مقتصرة على منصات التواصل الاجتماعي ومدرجات الملاعب فقط، لكن آخرين يرصدون ملامح عنصرية حولهم مع تنامي خطاب الكراهية، لا سيما خلال السنوات الأخيرة، بسبب قلة الموارد وفرص العمل وتزايد البطالة وموجات اللجوء المتتالية للبلاد.

ولا تخلو منصات التواصل الاجتماعي من تحريض متواصل ضد الأقليات، بخاصة على "تويتر"، وفي كثير من الأحيان من حسابات وهمية وسط اتهامات لإسرائيل بمحاولة إذكاء هذه العنصرية، تحديداً بين المكونات الشرق أردنية والأردنيين من أصول فلسطينية.

 

وعلى رغم أن الدستور الأردني وضع قانوناً يحمي من التمييز والتفرقة، لكن ذلك لا يمنع وجود بعض التصرفات العنصرية، فنحو 98 في المئة من الأردنيين هم من العرب والبقية من العرقيات الأخرى، ويشكل الشركس والشيشان نحو اثنين في المئة من السكان، إضافة إلى أقليات من الدروز والأرمن والتركمان.

ومعروف أن الأردن يضم أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين في العالم، ومعظمهم يتمتع بحق المواطنة الأردنية الكاملة ومجموعهم نحو أربعة ملايين شخص.

وفيما تبلغ نسبة المسلمين نحو 97 في المئة، لا تتجاوز نسبة المسيحيين اثنين في المئة فقط، وعدد سكان الأردن يبلغ نحو 11 مليون شخص، بينهم نحو ثلاثة ملايين وافد ومقيم من جنسيات عدة، أبرزها الجنسيتان السورية والمصرية.

ثنائية أردني - فلسطيني

العنصرية في الأردن لا تقتصر على رغم ندرتها على ثنائية الأردني والفلسطيني أو التصرفات الفردية، ويشار إلى أن الحكومة الأردنية رفضت عام 2016 تأسيس حزب أردني معظم منتسبيه ومؤسسيه من ذوي البشرة السوداء، وقوبل القرار بانتقادات شديدة، واعتبره بعضهم "تمييزاً عنصرياً" على رغم أن فكرة التأسيس ذاتها يراها بعضهم تمييزاً.

ووقتها قالت الحكومة إنها استندت إلى الفقرة (ب) من المادة (5) من قانون الأحزاب الأردني لسنة 2015، الذي لا يجيز تأسيس حزب على أسس دينية أو طائفية أو عرقية أو فئوية، ونفت وزارة التنمية السياسية أن يكون "لون البشرة" وراء قرارها رفض ترخيص التجمع.

وتشكل الحرب الأهلية في الأردن خلال السبعينيات من القرن الماضي بين الجيش الأردني والمنظمات الفدائية الفلسطينية نقطة سوداء في تاريخ التعايش والوحدة الوطنية.

قانون ضد العنصرية في الأردن

وكرس الدستور الأردني مبدأ المساواة وعدم التمييز على أساس العرق أو اللغة أو الدين، ونص على أن "الأردنيين أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين".

كما تنص المادة الـ (14) من الدستور على أن "الدولة تحمي حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية في المملكة ما لم تكن مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب".

ونص قانون الإعلام المرئي والمسموع على التزام وسائل الإعلام المختلفة بعدم نشر أو بث كل ما من شأنه إثارة النعرات الطائفية والعرقية، أو ما من شأنه الإخلال بالوحدة الوطنية أو الحض على التفرقة العنصرية أو الدينية.

لكن التلميحات العنصرية تنشط بين الحين والآخر، ولم يسلم منها حتى القصر الملكي، إذ كثيراً ما تتعرض الملكة رانيا زوجة الملك الأردني عبدالله الثاني إلى حملات افتراء وانتقادات عنصرية بسبب أصولها الفلسطينية.

حساسية ديموغرافية

ولا تقتصر الممارسات العنصرية في الأردن بين المكونين الأردني والفلسطيني، بل تطاول في بعض الأحيان اللاجئين السوريين والوافدين المصريين، كما تمتد لتصبح عنصرية طبقية ومناطقية أحياناً.

وفي عام 2011 قام العاهل الأردني بزيارة لافتة إلى "مخيم الوحدات"، وهو أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وقال إن الوحدة الوطنية مقدسة وخط أحمر ومن ثوابت الدولة، داعياً إلى التصدي لمن يحاولون الإساءة إليها، وجاء ذلك بعد أيام فقط من حملات "تحريض وتجييش" متبادلة شهدتها البلاد بين عنصريين من الطرفين.

 

ويرى الكاتب والمحلل السياسي بسام بدارين أن سياسة المحاصصة في الوظائف والمناصب خلقت بيئة خصبة للممارسات العنصرية محملاً الدولة المسؤولية، ويضيف أنه لا مفر من الاعتراف بوجود مشكلة في واقع المجتمع الأردني تتطلب معالجتها حوارات معمقة وصريحة ومسؤولة بعد العبث بملف الوحدة الوطنية.

ويرى بدارين أن البيروقراطية الأردنية تسببت بشكل غير إيجابي في تقسيم البلاد بشكل ديموغرافي ووفق تركيبة سكانية تعزز التفرقة.

ويثير وجود نحو 4 ملايين فلسطيني في الأردن وحصولهم على الجنسية الأردنية حساسية ديموغرافية ومخاوف لدى بعض من فرض إسرائيل حلاً للقضية الفلسطينية باعتباره وطناً بديلاً للفلسطينيين.

الكراهية بيئة خصبة

ويرى مراقبون أنه ومنذ عام 2016 شهد سلوك الأردنيين على وسائل التواصل الاجتماعي حضوراً مكثفاً لخطـاب الكراهية وتعبيراته الإقصائية التي تؤسس للاستقطاب والانقسام الاجتماعي، وأن خطاب الكراهية يشكل البيئة الخصبة لتفشي العنصرية.

عميد معهد الإعلام الأردني ووزير الثقافة السابق باسم الطويسي يتحدث عن معضلة على مستوى الدولة في تعريف خطاب الكراهية من ناحية قانونية وأكاديمية، مما أدى إلى خلط بين الكراهية وحرية التعبير.

ويستحضر الطويسي الحرب الطائفية والعرقية في رواندا مطلع تسعينيات القرن الماضي التي سقط ضحيتها نحو مليون إنسان، ودور خطاب الكراهية التحريضي الذي مارسته وسائل الإعلام.

ويرى الطويسي أن خطاب الكراهية تفاقم بعد مرحلة ما يسمى "الربيع العربي" عام 2011، إذ تحولت وسائل الإعلام إلى أدوات للاستقطاب السياسي. كما أن خطاب الكراهية ظهر بشكل واضح خلال سنوات العقد الثاني من القرن الـ 21 بعد انتشار تطبيقات الجيل الثاني من الإنترنت.

عنصرية فلسطينية خفيّة

وعلى الرغم من إنكار الفلسطينيين وجود عنصرية فيما بينهم، فإن متخصصين يشيرون إلى وجود "عنصرية خفيّة غير معلنة" في صفوفهم تتحكم بتصرفاتهم في مجتمع يصفه كثيرون بـ"المنسجم".

ومع أن المجتمع الفلسطيني يتكوّن من أغلبية مسلمة، وأقلية مسيحية لا تتجاوز واحداً في المئة، فإن العوامل الجغرافية، والعشائرية، وتفرّق الفلسطينيين على أساس جغرافي تُسهم في تنامي العنصرية.

وتأتي العوامل الجغرافية في مقدمة أسباب العنصرية في المجتمع الفلسطيني، حيث ينقسم الفلسطينيون إلى أهالي مدن وقرى، كما ينقسم أهالي المدن نفسها إلى مناطق وأحياء ينظر بعضهم إلى بعض بعين من التفوّق الاجتماعي.

ويتميز الفلسطينيون عن غيرهم من المجتمعات بوجود لاجئين بينهم، هجّرتهم إسرائيل من مدنهم وقراهم، ولجأوا إلى الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 75 سنة، ويعيش معظمهم في مخيمات خاصة بهم.

وفي تسعينيات القرن الماضي، عاد مئات آلاف الفلسطينيين إلى الضفة الغربية وقطاع غزة إثر توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ليشكلوا شريحة اجتماعية جديدة بعد اختلاطهم بالشعوب التي عاشوا بينها عقوداً عدة.

مع أن تلك العنصرية تبقى كامنة وخافتة، إلا أنها تظهر في حالات الزواج، وبيع العقارات، والانتخابات.

وفي انتخابات المجالس البلدية بالضفة الغربية في مارس (آذار) الماضي رفضت عائلات بلديتي رام الله والبيرة دعم القوائم الانتخابية إذا لم تُوضع أسماء أبناء المدينتين "الأصليين" في صدارة تلك القوائم.  

وخلال العقود الماضية، كان من شبه المستحيل زواج أبناء المدن من بنات القرى، أو العكس، لكن ذلك تراجع قليلاً خلال السنوات الماضية.

يقول الباحث في علم الاجتماع أحمد الحرباوي، "بعض العائلات المحسوبة ذات أصول كردية وتركية في مدينة الخليل تعاني شبه عزلة اجتماعية، فيما تتدنى نسبة الزواج بين الأحياء الشمالية والجنوبية في الخليل لأسباب اجتماعية عنصرية غير معلنة". موضحاً أن الانسجام بين المجتمع الفلسطيني "ظاهري، لكن عند الاحتكاك والتفاعل الفردي والشخصي تتضح مظاهر العنصرية بين أفراده".

وضرب الحرباوي مثلاً بأن أهالي مدينة بيت جالا من المسيحيين والمسلمين يسود التعايش والوئام بينهم، لكنهم لا يفضّلون بيع ممتكاتهم أوعقاراتهم لأبناء الديانة الأخرى.

ويتفق نادر سعيد، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت، مع الحرباوي بوجود إحساس بالتفوق على الآخرين عند شرائح من المجتمع الفلسطيني. مشيراً إلى أن ذلك يُلاحظ داخل المدينة الواحدة، وبين المدن والقرى والمدن والمخيمات. موضحاً أن "الإحساس بالتفوق على الآخرين موجود في التركيبة الاجتماعية الفلسطينية". لافتاً إلى أن فلسطين تعاني العنصرية السياسية بين حركتي فتح وحماس، نافياً وجود نظام يعمل على "ترسيخ مفاهيم العنصرية وينشرها في المجتمع".

وشدد سعيد على أن "السلطة الفلسطينية لا تشجّع على العنصرية، لكنها تعمل على احتواء الأقليات بشكل إيجابي عبر إشراك المسيحيين في الحكومة والمناصب العليا".

وفي شهر يوليو (تموز) الماضي وفّرت الحكومة الفلسطينية نتائج الثانوية العامة لليهود السامريين الموجودين في نابلس قبل صدورها بشكل رسمي، وذلك بسبب تزامن إعلان النتائج مع يوم السبت وحرّمته لديهم. وطالب سعيد "بضرورة التفريق بين الإحساس بالتميّز والعنصرية". مضيفاً أن "التمحور حول الذات والهوية يمنح الناس الأمان الاجتماعي".

تنوع موريتاني

تطبيقات الجيل الثاني من الإنترنت ربما أسهمت في توسيع رقعة العنصرية لكنها لم تخترعها من عدم، ففي موريتانيا حيث نسبة الأمية الأبجدية تزيد على 30 في المئة، وبحسب تقديرات أممية تشير إلى 47 في المئة، وشكل تعدد الأعراق واتساع مساحة البلد العربي الأفريقي الواقع في أقصى العالم العربي عائقاً أمام تقارب الأعراق المختلفة إلى أن جرى إعلان الدولة الحديثة بشكلها الحالي في مطلع ستينيات القرن الماضي.

نواة الانصهار كانت العاصمة نواكشوط حيث تقارب للمرة الأولى الموريتاني المنحدر من أصول عربية مع مواطنه من الأعراق الأفريقية الأخرى، ومنهم من يتحدث لغات أفريقية لا يفهمها غير أبناء جلدته من القوميات الأفريقية الثلاث الأخرى الـ "سنونكي" والـ "وولف" والـ "بولار" المشكلة للمجتمع الموريتاني.

الباحث في التاريخ السياسي المعاصر لموريتانيا السيد أحمد ولد عالي يقول إن "المرة الأولى التي يسمع فيها الموريتاني مصطلح العنصرية كانت في أثناء الحملات السياسية وفي أزمنة الشد والجذب السياسيين".

المصطلح ظهر حديثاً في أدبيات المجال العام الموريتاني، لا سيما مع بداية المسار الديمقراطي مطلع التسعينيات، ومع إرهاصات التعددية السياسية قفزت العنصرية على سطح الفعل السياسي، إذ ظلت تهمة يتقاذفها السياسيون ككرة نار قادرة على حرق نسيج الانسجام الاجتماعي الذي نعم به الموريتانيون قروناً في هذه البيداء مترامية الأطراف قبل أن يتعرفوا إلى الدولة".

ازدهار موسمي للعنصرية

ولا تخلو الساحة الموريتانية من سجالات لا تكاد تتوقف حتى تستعر مجدداً، وعاملها المشترك هو العنصرية، وتتردد هذه الكلمة على مستويات متفاوتة في المجال العام الموريتاني، وأحياناً يستخدمها العنصر العربي لتوصيف موقف الأقليات الأفريقية من المشروع الوطني، كما يستخدمها المكون الأفريقي لضرب مواقف رجالات السياسة من المعسكر الأول.

ويزدهر هذا الخطاب بشكل واضح خلال المواسم الانتخابية والمناسبات الوطنية.

وقبل عقود قليلة ظهر على السطح السياسي حراك جديد يقوده "الحراطين" (فئة العبيد السابقين)، وينعتون المكون العربي بـ "العنصري" بسبب الخلافات السياسية.

 

ويرى نشطاء سياسيون معارضون لهذا الطرح أن قادة حركات مثل "أفلام" (حركة تطالب بحقوق الموريتانيين السود) يمارسون العنصرية عبر إغراق خطاباتهم بالعنف الرمزي الموجه ضد الشرائح الموريتانية الأخرى.

كما تشهد التحولات الاجتماعية السريعة بروز حركات تعتمد في طرحها على حقها في العيش ومناهضة العنصرية التي تمارسها الفئات الاجتماعية الأخرى، فظهرت حركات تتبنى خطاب الدفاع عن فئة الصناع التقليديين والزوايا (أهل العلم)، والعرب (حملة السلاح) والفنانين التقليديين.

ومنذ ظهور هذا الطرح الذي شوش على الاندماج الاجتماعي، بحسب الناشط في مجال حقوق الإنسان المختار عالي، سارعت الحكومة إلى تقديم مشروع قانون يجرم خطاب الكراهية والعنصرية والتمييز على أساس اللون والعرق.

القانون هو الفيصل

وفي عام 2018 أقرت "الجمعية الوطنية الموريتانية" قانوناً يجرم التمييز وممارسة العنصرية والكراهية، ويتألف القانون من 28 مادة تتضمن التعريفات التي يمكن مناهضة ظاهرة التمييز، إضافة إلى العقوبات الخاصة بجرائم العنصرية والتمييز.

وقال النائب البرلماني العيد محمد لـ "اندبندنت عربية" إن "موريتانيا تملك ترسانة قانونية ممتازة، لا سيما فيما يتعلق بالمصادقة على الاتفاقات الدولية في مجال محاربة التمييز والعنصرية، وحتى ما يتعلق بالداخلي منها، لكن ما ينقصنا هو تطبيق هذه النصوص على أرض الواقع".

ويرى القيادي في "هيئة الساحل للدفاع عن حقوق الإنسان ودعم التعليم والسلم الاجتماعي" حمزة جعفر أن "قانون مناهضة العنصرية أسهم إلى حد ما في إسكات بعض الأصوات العنصرية الشعبية، غير أن القانون في موريتانيا بشكل عام لا يخضع له الجميع، بخاصة علية القوم".

مفهوم المواطنة

ولأن جانباً كبيراً من معضلة العنصرية اجتماعي وثقافي، فإن ارتفاع نسبة الأمية يسهم في غياب المفاهيم الحقوقية والاجتماعية عن فكر القاعدة العريضة من المواطنين، وأبرزها مفهوم المواطنة.

ويرى الباحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا عبدالله الزين أن الخطاب العنصري يؤسس لممارسة التمييز بشكل فعلي وملموس، وعليه فإن انعكاساته تكمن في تخدير الفرد وشحنه بكثير من الصور النمطية السلبية عن الآخر.

أما القيادي في "منتدى الأواصر للتحاور" إبراهيم اليماني فيقول إن "ظاهرة التمييز في موريتانيا على رغم تراجعها إلى حد ما في المدن الكبرى، فإنها تتجلى بشكل عام في الممارسات المجتمعية التي تكرسها الأدبيات والموروث الثقافي وتغذيها القبيلة ويعكسها خطاب الفئات الاجتماعية المتصاعد".

ويلعب المجتمع المدني أدواراً ملحوظة في ردم هوة التباين السحيق بين المكونات المجتمعية في موريتانيا. ويطرح رئيس المنظمة الموريتانية للتواصل مع الشعوب سندي عابدين فكرة خلق "فضاءات معرفية ومدنية بين الأعراق المختلفة في موريتانيا والمؤثرين في الرأي العام وبرعاية حكومية، وذلك لخلق بيئة صحية قوامها الانسجام الاجتماعي".

وعلى رغم زيادة المطالبات بإنفاذ قوانين مكافحة العنصرية فإن حمزة جعفر يرى أن السلطات القضائية تتغافل أحياناً عن الإساءات العنصرية حين تصدر من شخصيات لها ثقل سياسي أو اجتماعي، مثل الإساءة إلى شريحة الصناع التقليديين التي صدرت من طرف رجل دين أو ازدراء الحراطين (العبيد السابقين)".

ويعتبر حمزة "أنه ما لم يخضع الجميع للقانون من دون أية اعتبارات أخرى، فسيظل تطبيق القانون نفسه بهذه الطريقة ظلماً وعنصرية".

ممرضة ملونة في لبنان

الظلم والعنصرية وجهان لعملة واحدة، وفي لبنان يكثر الحديث عن كليهما في إطار الحديث عن فئات عدة مثل العاملات الأجنبيات والسوريين والأطفال من ذوي الإعاقة، إضافة إلى التمييز على أساس طبقي أو الذي يواجهه أصحاب البشرة الملونة.

"أن أكون ممرضة ذات بشرة ملونة في لبنان يعني أن يرفض المريض أن أقدم له الرعاية ويطلب ممرضة ذات بشرة بيضاء، وأن يقارن والداه بيني والعاملة المنزلية لديهم، وأن يظهر الاندهاش لكوني ممرضة من الأصل أو كيف أتكلم العربية؟ البشرة السوداء ليست مؤشراً خطراً، ونحن نسعى إلى النجاة في هذا العالم العنصري بامتياز".

بهذه العبارات تصف رانيا جمال، وهي من أب لبناني وأم أفريقية، تجربتها المريرة في لبنان بعد معاناة طويلة وصلت بها إلى حد اتخاذ القرار النهائي بالهجرة من بلاد لا مكان لها فيها كونها تتمتع ببشرة سوداء.

 

منذ طفولتها عاشت في عزلة تامة، لأنها لم تكن محبوبة ومقبولة من الأطفال والمحيطين في دار الأيتام حيث نشأت. وتتذكر أيضاً أن أصابع الاتهام كانت تتوجه نحوها أولاً عند حصول سرقة، إضافة إلى ما كانت تتعرض له من عنف جسدي ومعنوي حتى إن الأطفال أنفسهم كانوا يؤلفون الأغاني التي تهزأ من لون بشرتها.

وكان القائمون على الدار يحلقون شعرها بالكامل لصعوبة تسريحه مما يجعل الأطفال يسخرون منها أكثر.

"تمنيت مراراً الموت لأضع حداً لهذه المعاناة التي أعيشها. كان الوضع في غاية القسوة على طفلة عاجزة عن المواجهة إلى أن انتقلت إلى مدرسة للفتيات حيث تحسنت الأمور".

بدأت جمال تكتسب ثقة بالنفس مع قضية جورج فلويد نظراً إلى حملات الدعم الواسعة له، فشعرت عندها أن صوت ذوي البشرة الملونة مسموع، وكان لها بعد ذلك دور في تجربة مسرحية تتحدث خلاله عن العنصرية لتعكس تجربتها الخاصة، وبدا لها رد فعل الناس مؤثراً وأدركت أهمية من لهم بشرة سمراء.

شيئاً فشيئاً زادت ثقتها بنفسها وتبدلت شخصيتها حتى أصبحت أقوى وصارت قادرة على مواجهة التحديات، واستطاعت أن تثبت نفسها مراراً وهي تعمل حالياً كوجه إعلاني، لكن في لبنان ليس هناك قبول لمن هم مثلها بسبب ثقافة التمييز العنصري المترسخة، فعلى رغم تخصصها في مجال التمريض لم تستطع أن تكتسب ثقة من تعاملت معهم سواء كانوا مرضى لم يتقبلوا أن تقدم الرعاية لهم، أو قائمين على المستشفى عرضوا عليها العمل في قسم التنظيفات حتى قررت الهجرة إلى حيث لا تواجه هذه النظرة العنصرية القاتلة، وتعمل من دون عوائق.

ثقافة راسخة

تجربة جمال تتكرر يومياً مع كثيرين في ظروف التمييز العنصري الذي تتعدد أشكاله، ويقول رئيس قسم علم السكان والتنمية في معهد العلوم الاجتماعية الباحث شوقي عطية لـ "اندبندنت عربية" إن "العنصرية بشكل رئيس هي رفض الآخر على أساس لون البشرة إلا أن أشكالها تتعدد ولا يمكن حصرها في هذا الإطار الضيق، ويكون هذا الرفض عادة تجاه الجهة الأكثر ضعفاً إما من حيث القوة أو العدد كما يشير التاريخ، فالقوة هي التي تعطي الشخص العنصري هذه النظرة (الدونية) إلى الآخر، وكانت العنصرية موجودة في الأجيال السابقة بمعدلات أعلى، وترسخت في الثقافة الباطنية حتى أصبحت تعتبر في مرحلة ما معادية للإنسانية، فإذا كان العبد قديماً شخصاً فاقداً للحرية ويستقدم من الأفارقة الأقل قوة، وأصبحت العبارة في لبنان تشير إلى كل من له بشرة داكنة، وبالتالي مساواة العبد بمن له بشرة داكنة من أبرز أشكال العنصرية التي تترجم بهذا الشكل في اللغة العربية".

وفي بعض الأماكن تمنع العاملات الأجنبيات من الدخول إلى المسابح أو الأماكن العامة، والسبب الرئيس هو التمييز حيث معظم اللبنانيين أصحاب بشرة فاتحة.

ولا تتوقف العنصرية عند حدود اللون لكنها تمتد إلى الطائفة، والملاحظ أنه يجري وضع صفة نمطية لمن يختلف طائفياً وكأنه أقل أهمية أو تديناً.

كثيرون يتمسكون بنظرة تمييزية واضحة في التعاطي مع الآخر، وهناك التمييز على أساس طبقي والقدرة الاقتصادية والمركز الاجتماعي والسلطة، وهي ثقافة راسخة ترتكز على التمييز وعلى أفكار اجتماعية متوارثة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن أبشع أشكال التمييز، بحسب عطية، "النظرة التمييزية لأشخاص يشبهوننا إلى حد كبير في المواصفات الخارجية، وقد يعتبر اللبناني أنه أكثر أهمية ممن هم من جنسيات أخرى مثل السوريين والفلسطينيين، وقد يصل الأمر إلى حد الانتقام ممن تسبب بأذى محدد، وذلك بإيذاء كل من هم مماثلون له من حيث الانتماء إلى طائفة أو إلى بلد معين".

ومن الممارسات التي تظهر تمييزاً عنصرياً أيضاً في البلاد، قرار منع التجول للسوريين بعد الساعة الثامنة مساء في مناطق عدة، بحسب المحامية موهانا إسحاق التي تقول "بغض النظر عن المنحى الأمني لهذا التدبير فإنه غير قانوني، وثمة تدابير أخرى يمكن اتخاذها، فيما لا يمكن منع التجول بشكل دائم، لأن ذلك يمس حريات الأشخاص. كما أن ثمة نظرة عنصرية إلى السوريين، إذ يوضعون موضع الاتهام وكأنهم مشاريع مجرمين في مختلف المواقف والظروف، وحتى في أزمة الخبز جرى تصنيفهم لتوزيع الخبز بشكل مختلف عن اللبنانيين، ويبدو كأن ثمة معايير محددة من حيث الجمال والشكل وتفاصيل أخرى مما يولد نظرة فوقية خفتت ربما إلى حد ما في ظل الأزمة".

لكن الصورة ليست كلها قاتمة، ويقول عطية إن "الأجيال الأصغر سناً بدأت تتخطى هذه النزعة الطائفية حتى إن الأغاني والمسلسلات التي تسخر من ذوي البشرة الداكنة وتظهرهم وكأنهم أقل ذكاء أو قيمة لم تعد مقبولة اليوم، وليست مضحكة لكثيرين، ومن يقدم على ممارسات مماثلة من الممكن أن يتعرض إلى كثير من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك لم تعد النزعة العنصرية والجندرية موجودة كالسابق، وبدأنا نشهد تراجعاً في هذا المجال وإن لم تكن اختفت تماماً، فرفض الآخر بسبب اختلافه بدأ يخف والتوعية المدرسية تلعب دوراً في ذلك، إضافة إلى العولمة".

ويبدو أن الأزمة الاقتصادية على رغم مساوئها ساعدت في تخفيف حدة النظرة الفوقية التي كان اللبناني يتعامل من خلالها مع الآخر، خصوصاً أن اللبناني كان يعيش في ظروف تتخطى إمكاناته سابقاً وأتت الأزمة لتعيده إلى أرض الواقع.

العراق واللون والمعتقد

أرض الواقع في العراق تشير إلى وجود أشكال مختلفة من العنصرية والتمييز تختلف من منطقة إلى أخرى، بعضها يتعلق باللون وبعضها الآخر بالمنطقة أو الدين أو الموروث الفكري وغيرها.

ويقر مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في محافظة البصرة مهدي التميمي بوجود تمييز بحق أصحاب البشرة الداكنة، ويرجع الأمر إلى موروث ثقافي على رغم وجود مسودة قانون تفرض عقوبات بحق الذي يميز على أساس الدين والعرق والقومية.

وأضاف التميمي أن "أصحاب البشرة الداكنة غالباً تعود أصولهم لمدينة البصرة التي عاشوا وأجدادهم فيها منذ مئات السنوات، ورصدت المفوضية تمييزاً يمارس ضدهم سببه الموروث الاجتماعي تجاه اللون"، مؤكداً أن الحكومة العراقية "لا تمارس أي تمييز. كما لم تصل إليها أية اعتراضات تفيد بتعرضهم للاضطهاد مثل التعيين في الإدارات الحكومية"، لكنه يشير إلى وجود أعداد قليلة من القضاة وكبار الضباط والمسؤولين الحكوميين وأساتذة الجامعات من أصحاب البشرة الداكنة.

عبودية وسخرية

وأشار إلى وجود موروث اجتماعي تسبب في إطلاق تسمية "عبد" عليهم إضافة إلى التهكم عليهم، وقال إن وجود قانون لحماية التنوع الثقافي ووضع عقوبات ضد التمييز العرقي أو غيره من أنواع التمييز بات ضرورة، لافتاً إلى وجود مسودة قانون لدى مجلس النواب تضع عقوبات صارمة في هذا الشأن.

المتخصص في شؤون التنوع الديني والإثني سعد سلوم يقول إن التمييز على أساس ديني أو عرقي أو مناطقي أو لون البشرة موجود في كل بلدان العالم بدرجات متفاوتة، وأن ما يحتكم إليه هو سلطة القانون وسيادته، "فكلما تضعف الأخيرة يزيد الانفلات وتنتشر العنصرية والتمييز".

 

وأوضح سلوم أن "الدول المؤسسة على أساس قومي وعرقي تفرض هوية أحادية على التنوع الديني والإثني واللغوي، وترسخ للتمييز على أساس رسمي"، لافتاً إلى أن "العراق قبل عام 2003 كان مؤسساً على أساس من هذا القبيل، لذلك اضطرت أقليات عدة إلى أن تتخذ هوية تتطابق مع الرسمية المنتخبة من قبل الدولة لتتجنب أشكال التمييز على أساس قومي أو عنصري".

وتابع سلوم أن "العراق بعد 2003 جرى فيه تأسيس نموذج جديد يعالج الخطيئة الأصلية بتأسيس الدولة على أساس جديد هو نموذج دولة المكونات، وهذا النموذج بني على أساس هيمنة ثلاثية لمكونات أساس هي السنّة والشيعة والكرد سمحت بتمثيل رمزي لبقية الأقليات".

ويرى سلوم أن "النموذج المثالي القادر على مناهضة التمييز والعنصرية يقوم على المواطنة الحاضنة للتنوع بشكل يحترم الخصوصيات الثقافية المختلفة والمساواة بين الأفراد، كما أن ضخ مفاهيم المساواة والمواطنة في حملات التثقيف المجتمعي والمناهج الدراسية والتشريعات آليات بالغة الأهمية لإحداث التغيير الاجتماعي والثقافي".

وأشار إلى وجود أنواع كثيرة من التمييز والعنصرية لا يلتفت إليها كثيرون ومنها التمييز على أساس الجندر والجيل وغيرها، "والمطلوب إدارة رشيدة للتنوع يقبع التشريع في القلب منها".

تجريم في السعودية

ومن تشريع تجريم العنصرية في العراق إلى تشريع تجريم العنصرية في السعودية وأسئلة كثيرة مطروحة حول إذا ما كانت العنصرية في السعودية ستصبح من الماضي قريباً، ففي السعودية قوانين تجرم أفعالاً يمكن تعريفها بالعنصرية، لكنها تتناولها بشكل عام في ضوء تطور التشريع خلال السنوات القليلة الماضية.

ومع تصاعد العنصرية عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتداول "الوسوم" التي تعكس تمييزاً عنصرياً وتفرقة واضحة بين فئات المجتمع، أصبحت الحاجة إلى تشريع مناسب ملحة.

المستشار النفسي والأسري عطا الله العبار يقول إن التمييز العنصري يعني تصنيف فرد أو أفراد أو مجتمعات في تقسيمات معينة بناء على لون البشرة أو ملامح الوجه أو البلد أو القبيلة أو العادات المتبعة، بهدف الحط من قيمة هذا الفرد أو الجماعة أو البلد والتعالي عليه وجعله في منزلة أقل من حيث التقدير والاحترام، ويتبع ذلك سلب للمكتسبات البشرية وحرمان من العيش بسلام ومساواة.

ضوء على الظاهرة

وبحسب دراسة لـ "جمعية حقوق الإنسان" شملت 170 طالبة في جامعة سعودية، فإن 32.4 في المئة ‏‏من الطالبات تعرضن للتمييز العنصري، وأجابت 35.3 في المئة بـ "لا أعلم" إن كن قد تعرضن للعنصرية أم لا.

وعن مكان حدوث التمييز قالت 13.5 في المئة منهن إنهن تعرضهن للعنصرية في المدرسة، وقالت 67 في المئة إنهن تعرضن لها في أماكن أخرى.

وحول سؤال "هل ترى أن التمييز العنصري منتشر في المجتمع؟" أجاب 74.1 في المئة بـ‏ "نعم"، فيما عزا 60 في المئة ‏من العينة الأسباب إلى العادات والتقاليد.

ولدى السؤال عن نوع التمييز احتل الجانب القبلي 52.4 في المئة،‏ يليه الديني بنسبة 15.9 في المئة‏، أما المسؤول عن انتشار التمييز العنصري فقد قالت 70 في المئة من الطالبات إنه "المجتمع"، وقال نصفهن إن الحل يمكن في التوعية والتثقيف.

اضطرابات نفسية بسبب العنصرية

ويشير العبار إلى أن العنصرية تخلف آثاراً نفسية سلبية ضاغطة على الفرد والمجتمع، "فالفرد أو المجموعة أو العرق الذي يتعرض للتمييز العنصري اللفظي والسلوكي حتماً سيعاني القلق واضطرابات الأكل والنوم والانحرافات السلوكية، وأحياناً الإصابة بعدد من الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والحزن وفقدان الثقة بالنفس وتدني تقدير الذات وإدمان الكحول والمخدرات، هرباً من القلق الذي تسببه العنصرية لهؤلاء المختلفين عرقياً عن المجموعة أو المجتمع الذي يعيشون فيه".

وأضاف، "ربما يصل الأمر إلى التفكير في الانتحار أو تنفيذه فعلاً، وقد يلجأ الفرد المضطهد إلى التمرد والتخريب متى سنحت له الفرصة كسلوك مضاد للمجتمع المهيمن".

ويرى العبار أن محاربة العنصرية تبدأ من الأسرة والتربية السليمة لينشأ الصغير، ولديه رادع تربوي يحول دون ممارسته العنصرية ضد آخرين، كما يحصنه من قبولها أو الرضوخ لها. وأضاف أن القوانين تجرم العنصرية لكن "لم يتبق سوى الرفض المجتمعي لها".

 

وقانوناً تقف النصوص والتشريعات للأفعال العنصرية بالمرصاد، ويقول المحامي نايف آل منسي إن العنصرية كفعل مجرمة في البلاد منذ نشأتها على رغم عدم وجود نظام أو قانون يعاقب مرتكبي تلك الأفعال، "فمع غياب قانون خاص بها إلا أن النظام الأساس للحكم يجرم ممارساتها، وتنص المادة (12) على أن "تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام".

وأضاف، "هناك مشروع نظام للعقوبات تحت الدراسة يتوقع صدوره قريباً، وقد يحتوي على عقوبات محددة لمرتكب أي فعل عنصري"، مشيراً إلى أن وجود عقوبات محددة للتصرفات العنصرية ستساعد في تقليص التعليقات العنصرية على منصات التواصل الاجتماعي.

ويشار إلى أن السعوديين يترقبون صدور النظام الخاص بمكافحة جميع أشكال التمييز العنصري، وهو يهدف إلى تعزيز قيم الدين في التقارب والتعاون واحترام الآخر ومناهضة الكراهية والحفاظ على الأمن الوطني ومواجهة جميع أنواع التطرف والإرهاب التي يمكن أن تهدد الأمن والسلم في المجتمع.

وكان 12 عضواً من مجلس الشورى السعودي تقدموا قبل ما يزيد على سبع سنوات بمقترح للحد من هذه الظاهرة، من خلال نظام يكافح التمييز وبث الكراهية بين أفراد المجتمع، وأبرز بنود القانون المقترح تنص على تجريم التمييز بجميع أشكاله ضد الأفراد والجماعات، ومنع الانتقاص منهم بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو الطائفة أو الدين أو المعتقد أو المذهب أو المنطقة أو المهنة، والحيلولة دون نشر النعرات القبلية والمناطقية والمذهبية والطائفية أو القائمة على التصنيفات الفكرية أو السياسية، وحماية أماكن أداء الشعائر الدينية ومنع الاعتداء عليها بكل الأنواع أو الإساءة إلى المقدسات أو النيل من الرموز التاريخية المشكلة الهوية، إضافة إلى حماية أماكن دفن الموتى والمقابر.

ترسانات معطلة

من مشارق المنطقة العربية إلى مغاربها أشكال وأنواع من العنصرية، ونسبة كبيرة ممن يقترفون تصرفات أو يتفوهون بعبارات عنصرية يعتقدون أنهم ليسوا عنصريين، لكن نسبة كبيرة أيضاً تعرف إنها تمارس العنصرية لأن المجتمع "يستسيغ" التصرفات أو "يتقبل" التعليقات فيمضي قدماً بلا هوادة.

أداة رئيسة من أدوات الهوادة القادرة على تطويق العنصرية متوافرة عربياً، لكنها أيضاً غائبة أو مغيبة، وهي ترسانات القوانين سواء المنصوص عليها منذ عقود أو التي يجري العمل على سنها، لكنها تبقى حبراً سرياً على ورق لا يقرؤه أحد، وإن قرأه لا يمتثل له إلا قليلون.

لكن كثيرين يؤمنون في قرارة أنفسهم أن نكتة عن اللون أو الشكل أو العرق لا تضر، والأمر لا يعدو كونه "خفة ظل" و"ابتسامة"، لكن هؤلاء كثيرين إن تعرضوا هم أنفسهم للنكتة، لكن في خانة المفعول به وليس الفاعل يعتبرون أنفسهم ضحايا للعنصرية.

ضحايا العنصرية والمتضررون منها يتابعون بسعادة ويشاهدون بشغف أعمالاً درامية هنا تسخر من اللون الداكن والعرق المختلف والمعتقد الذي لا تنتمي إليه الأغلبية التي لا تعتبر نفسها عنصرية حتى لو دلت تصرفاتها أو أفكارها أو توجهاتها على غير ذلك، فجزء من المشكلة يكمن في الوعي والثقافة والتنشئة على مفاهيم فوقية، وجزء آخر مرده ضعف القوانين أو اعتبار العنصرية أموراً هامشية تافهة، لكن الجانب المضيء يشير إلى أن الأجيال العربية الأصغر سناً بدأت تنفض عن نفسها غبار العنصرية، وبحسب استطلاع "الباروميتر العربي" عن العنصرية  فإن أكثر من نصف المشاركين في الدول العربية التي شملها الاستطلاع يرغبون في رؤية مزيد من الأفراد ذوي البشرة السوداء على شاشة التلفزيون، أما العنصرية ضد المعتقد الآخر أو الفكر الآخر أو الشكل الآخر أو أي آخر، فتبقى قيد التوعية المجتمعية والتنشئة التربوية والحساسية الثقافية والفعالية القانونية.

مع أن المجتمع السوداني نشأ من مزيج إثنيات وقبائل متعدّدة، فإن هذه التركيبة المعقدة لم تزوده بروافد ثقافية تجعل القبول بالآخر هو السمة السائدة، إنما غذت التقاليد العشائرية شعور البعض بالتفوق مقابل شعور بالدونية من آخرين. وأسهمت في ذلك النظم الحاكمة في السودان التي تفننت في استغلال هذه المجموعات لأغراضها السياسية، حتى لو أدى الأمر إلى دخولها في صراعات طويلة حال كل الصراعات في السودان، وأبرزها حرب دارفور.

وظل النقاش الدائر حول محاربة العنصرية ومفهومي التنوع والهوية حديث نخبوي لا يغادر الأروقة الثقافية والكتب والمحاضرات، بينما على المستوى الشعبي لا تزال تسيطر التحديات ما بإمكانها تهديد السلم الاجتماعي، ونُذره تتبدى الآن في مؤشرات التعصّب والتمييز والعنف.

ومع المبادئ العامة التي حملتها ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، بضرورة المساواة بين كل المواطنين بمعالجة آثار ممارسات النظام السابق التي وصفت معظمها بالعنصرية، أُثيرت هذه القضية أخيراً بسبب بعض الأحداث السياسية والاجتماعية. فخلال محاكمة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، التي بثها التلفزيون السوداني على الهواء مباشرة، تفوه أحد أعضاء فريق الدفاع عن البشير في حديث جانبي مع زميله بلفظ عنصري مسيء ضد مدير الإذاعة والتلفزيون المقال، لقمان أحمد، الذي ينحدر من إحدى قبائل دارفور.

وتصاعدت ردة فعل عنيفة بسبب تعليقات عنصرية في وسائل التواصل الاجتماعي تعرض لها لاعب كرة قدم سوداني شهير للفوارق بينه وبين زوجته في لون بشرتهما. وحادثة أخرى كانت بطلتها الرئيسة السابقة لجمعية "لا لقهر النساء" إحسان فقيري، إذ علقت على زواج أفريقي أسمر من أوروبية، بأنها "ربما كانت تبحث عن الكائن الذي يشكل السلسلة المفقودة في سلم النشوء بين البشر والقرود". ومن جهة أخرى لم تختفِ الممارسات العنصرية من الشارع العام وسط استهجان أحياناً وتبرير أحياناً أخرى.

امتياز قبلي

تاريخياً، تعود العنصرية إلى تأسيس مدينة الخرطوم كسوق للرقيق عام 1821، وشهدت البلاد في ذلك القرن وما بعده نشاط الحكم التركي المصري ومعاونيه من التجار الشماليين الذين يُطلق عليهم حتى الآن (الجلابة)، بالإغارة على قبائل جنوب السودان ومنطقة جبال النوبة والنيل الأزرق، وكانوا ينقلون الرقيق من هناك إلى الشمال، ثم إلى المناطق التي تسيطر عليها الإمبراطورية العثمانية.

تستند الهويات العرقية في السودان إلى لون البشرة، فتصنيف الشماليين من ذوي البشرة الحنطية (القمحية) عرباً بحكم اللون والدم على الرغم من اشتراكهم في اللغة مع قبائل أخرى تتحدث العربية، لكن لأن بشرتهم سمراء فتصنيفهم "زرقة". ولذلك راحت كثير من القبائل الشمالية تحاول إثبات نسبها إلى قبائل في الجزيرة العربية، عبر تتبع شجرة العائلة بغية الحصول على امتياز قبلي.

يقول عبد اللطيف البوني، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الوطنية، "يجب أن نفرق بين العنصرية والقبلية وكلاهما موجود في السودان، فالعنصرية تتعلق بلون البشرة وتقاطيع الجسم كالشفاه والأنف وتجعد الشعر. وفي السودان نحن نعاني من عنصرية عرب، وسود أو (زرقة)، ولكن بعد انفصال الجنوب بدأ التصنيف في التلاشي نوعاً ما".

ويرى البوني أن "أي عنصر في السودان يتكون من عدة قبليات قد تكون متحاربة، ففي دارفور مثلاً غير الصراع العنصري بين العرب والزرقة هناك الصراع القبلي داخل كل مكون، في المكون العربي صراع قبيلتي الرزيقات والمعاليا الذي استمر عشرات السنين، وصراع بين قبيلتي المساليت والزغاوة داخل مكون (الزرقة)، وكذلك في أحداث النيل الأزرق الأخيرة الصراع بين قبيلتي (البرتا) و(الهوسا)، وكلاهما عنصر غير عربي".

ويضيف أستاذ العلوم السياسية "الصراع القبلي، صراع مصطنع يقوم به نفر يتطلع للزعامة، لأن القبيلة وسط هذه المجتمعات لم تعد موئلاً للحقوق والواجبات، فالمواطن أصبح مرتبطاً بالدولة مباشرةً، وهذه الزعامات تحركها أسر تسعى إلى المناصب، لذلك تلجأ إلى استغلال اسم القبيلة لتحصل على سلطة على ولاية أو وزارة".

ويتابع البوني "من أكبر مؤججات العنصرية هي التنمية غير المتوازنة، فمنذ حكومات الاستعمار مروراً بكل الحكومات الوطنية، ظلت سياسة التركيز التنموي هي المتبعة وليس التنمية المتوازنة، فكل المشاريع التنموية كمشروع الجزيرة، والتصنيع والسكة الحديدية وغيرها كانت في وسط السودان وليس أطرافه. وهذا الوسط يسكنه عنصر معين، ومن هنا نشأ وضع الهامش والأطراف".

ويواصل، "اتبعت كل الحكومات منذ الاستعمار حتى اليوم سياسة الثقافة المهيمنة، فكانت ثقافة الوسط بلغتها ودينها وعاداتها وتقاليدها، فحدث تهميش ثقافي للأطراف التي يقطنها عنصر معين، فكان الإقصاء الثقافي". ويقترح أن "الحل يكمن في اتباع سياسة التنمية المتوازنة، وحكم فيدرالي رشيد يفكك هيمنة المركز، ويطلق وثاق الأطراف ثقافياً وإدارياً".

قصور قانوني

هناك عديد من الإشكاليات المتعلقة بالإطار القانوني لجرائم العنصرية. وفي ذلك عد المحامي حاتم إلياس أن "هناك قصوراً في القانون الجنائي السوداني عن غيره من القوانين العالمية التي تجرّم العنصرية، فالقانون الجنائي السوداني لم يفرد أبواباً بعينها لموضوع العنصرية، إنما  أدرجها ضمن جرائم السباب، والقذف والإهانة وإشانة السمعة، وبشكل عام ضمن الجرائم المتعلقة بالمجموعات الإثنية مثل جرائم إثارة الكراهية وغيرها".

ويضيف، "كان من المفترض إثبات قانون العنصرية في القانون الجنائي، بوصفها من الجرائم الكبيرة والمهددة للسلام الاجتماعي وللأمن، خصوصاً خلال الوضع الراهن في السودان".

ويرى إلياس أن "جريمة العنصرية تفرق دمها بين نصوص القانون الجنائي، وحتى العقوبات على هذه الجرائم فيما شهدته المحاكم من سوابق قضائية بهذا الخصوص، لم تكن رادعة وحاسمة، لكل من ارتكبها سواء بالنشر أو تلك التي توجه بشكل مباشر أو من خلال وسائط التواصل الاجتماعي التي أصبحت منابر لتسميم الجو العام".

أما الإخصائية التربوية، عالية مدني، فلفتت إلى أنه "بعد أن كان السودانيون يأنفون عن كل ما يجرهم إلى الممارسات العنصرية فعلاً وقولاً، مع اختلاف القبائل وتنوعها باعتبارها ممارسة غير حضارية وتخالف ما يسري في بقية الدول، أثارت نعرة العنصرية العالمية الأخيرة كوامن هذه الممارسة، إذ لا تزال موجودة، لكن بدرجات متفاوتة، وأضحت وكأنها مقبولة أو مباحة، لأن العالم المتحضر يقوم بها، فسقط القناع". وتشدد مدني على "ضرورة استغلال وسائل الإعلام بالتركيز على مكافحة العنصرية، والمُضي في عمليات التنمية والاستقرار".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات