Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليبيا ضحية عقد من المبادرات الدولية المتعثرة

مثل فشل تنظيم الانتخابات الرئاسية ضربة قوية لحل الأزمة في البلاد

تظاهرات عارمة شهدتها مدن ليبية عدة تنديداً بتردي الأوضاع المعيشية والمطالبة بإسقاط الأجسام السياسية وإجراء الانتخابات من دون تأجيل (أ ف ب)

تنهي ليبيا في ختام السنة الحالية عامها الـ11 تحت ما يشبه الوصاية الدولية، التي فرضت عليها بحكم القرار 1973 لعام 2011، والذي سيظل سارياً بعد تمديد ولاية البعثة الأممية في ليبيا ثلاثة أشهر جديدة، وعلى الرغم من كثرة المبادرات الدولية لحل الأزمة الليبية على مدى العقد الماضي، فما زالت الأوضاع السياسية معقدة والبلاد تقف على حافة انقسام جديد، وسط مشهد أمني هش، خصوصاً في طرابلس، التي تعيش تحت تهديد حرب أخرى بين رجلي المرحلة الجديدة من الصراع السياسي عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا.

وسط هذه الدائرة المفرغة من النزاعات السياسية وتوابعها المسلحة التي حشر فيها الليبيون طيلة عقد كامل، باتت تساؤلات كثيرة تطرح حول ما قدمته المبادرات الدولية لبلادهم ولماذا اختفت وتراجع اهتمام المجتمع الدولي بحل الأزمة الليبية بعد هذه السنوات في حوارات اتضح أخيراً أنه لا طائل منها؟

"الصخيرات" بداية الانقسام

ويرى جزء كبير من الليبيين أن الانقسام الذي تعيشه البلاد حالياً كان صنيعة المجتمع الدولي عبر مبادراته المتعثرة كلها، والتي بدأت باتفاق "الصخيرات" المغربية، الذي رعته البعثة الأممية عام 2014، وأدى إلى أول مرحلة من الانقسام الكامل للمؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية بين حكومتي الوفاق بقيادة فايز السراج، والحكومة المؤقتة بقيادة عبد الله الثني.

هذا الانقسام السياسي لعب دوراً بارزاً في إشعال فتيل حرب طرابلس بين عامي 2018 و2020، حيث سقط آلاف الضحايا من الطرفين، وما زالت البلاد تعاني تبعاتها حتى اليوم، مع استمرار الوجود العسكري لقوات أجنبية متنوعة، وتشظي المؤسسة العسكرية التي ما زال توحيدها عسيراً على الرغم من كل الجهود التي تبذلها اللجنة المشتركة المشكلة من بنغازي وطرابلس.

توصيات برلين

وبعد مرور ستة أعوام مضنية على اتفاق "الصخيرات" تمزقت فيها البلاد بالمعنى الحرفي وليس المجازي، جمعت الأمم المتحدة من جديد الأطراف الليبية وكل القوى الدولية التي لها علاقة بالملف الليبي في برلين، واتفق فرقاء الداخل والخارج على جملة من التوصيات والاتفاقات على وقف الحرب الداخلية ولجم التدخلات الخارجية التي بلغت مستويات غير مسبوقة، وكانت هذه التوصيات لبنة الاتفاق الليبي التاريخي في جنيف، لوقف إطلاق النار وبدء مفاوضات سياسية برعاية أممية لحل النزاع الليبي.

اتفاق جنيف

ومع بداية العام الماضي، بدا لليبيين أن المبادرات الدولية قد بدأت أخيراً تؤتي ثمارها، مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في جنيف وإطلاق حوارات ماراثونية في ثلاثة مسارات، أمني وسياسي واقتصادي، لتوحيد المؤسسات الليبية وتشكيل أول حكومة موحدة للبلاد بعد سنوات من انقسام السلطة التنفيذية والتمهيد للانتخابات العامة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لكن سرعان ما تبددت أحلام الشارع الليبي مع ظهور بوادر فشل الانتخابات الرئاسية، بسبب وجود خلافات قانونية وسياسية كبيرة بين كل المكونات السياسية، وتعثر جهود إخراج القوات الأجنبية وسط عجز كامل من المجتمع الدولي، الذي انقسمت قواه التقليدية في شأن الملف الليبي لتضارب مصالحها في البلاد، ما عقد المشهد أكثر.

ما بعد الانتخابات

ومثل فشل تنظيم الانتخابات الرئاسية ضربة قوية للمشروع الدولي لحل الأزمة الليبية، وكبل الصراع الروسي الغربي في مجلس الأمن البعثة الأممية وحجم دورها وصلاحياتها في سياق الأزمة الليبية، وهو ما يؤكده الفشل في تعيين مبعوث دولي جديد في ليبيا لخلافة الأميركية ستيفاني ويليامز التي غادرت منصبها بداية الشهر الحالي، وما زاد في مناكفات الروس وخصومهم في المعسكر الغربي في شأن الأزمة الليبية اندلاع الحرب في أوكرانيا، التي حولت الملف الليبي إلى ورقة تستخدم في الصراع الحالي المحتدم بمجلس الأمن.

البحث عن البدائل

وتكرر التجارب الفاشلة للمبادرات الدولية في شأن ليبيا، عمقت الأزمة الداخلية ووسعت دائرة الصراع من دون حل واضح، ما أدى إلى إحباط كبير لدى الليبيين وعدم ثقة في نيات الفاعلين الدوليين في تحديد مستقبل بلادهم، ما دفعهم إلى البحث الجدي عن بدائل أكثر واقعية ونجاعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وغضب الليبيين وشكوكهم في المبادرات الدولية التي رعتها الأمم المتحدة، عبر عنهما بوضوح مندوب ليبيا لدى المنظمة الدولية الطاهر السني في اجتماع لمجلس الأمن لمناقشة الملف الليبي، في مايو (أيار) الماضي، حيث قال إن "المواطن الليبي فقد الثقة في المبادرات الدولية التي شجعت المعرقلين في خدمة مصالح الدول الراعية لها، وسئم جلسات مجلس الأمن من دون نتائج فاعلة". أضاف، "نحن أمام تحديات صعبة، والتدخل الخارجي الذي حدث في 2011 لدعم التغيير تحول إلى كابوس خلال السنوات الماضية، لعجز المجلس الذي عليه مسؤولية أخلاقية، ونحن ننتظر تعاملاً جدياً من مجلس الأمن حيال التطورات المتلاحقة في ليبيا". وأشار إلى أن "ما يجمع قرارات مجلس الأمن في شأن ليبيا إنهاء الفترة الانتقالية لكنها فشلت، كما فشل المجلس في تنفيذ قراراته ولم يستطع محاسبة المعرقلين واكتفى بالإدانة". وأكد السني أن "عجز مجلس الأمن وانقسام أعضائه كان واضحاً، حتى إنه ما زال غير قادر على تعيين مبعوث جديد، الذي سيكون التاسع خلال 11 عاماً، ما يدعونا إلى التساؤل هل المشكلة في المبعوثين أم في آلية العمل لدى المجلس والأمم المتحدة؟".

مبادرات محلية

هذا اليأس من المبادرات الدولية الذي عبر عنه مندوب ليبيا في الأمم المتحدة دفع الأطراف المحلية إلى طرح مبادرات كثيرة لحل خلافاتها المزمنة، بدأت بطرح المجلس الرئاسي الليبي خطة لحل أزمة الانسداد السياسي في البلاد، في شكل خريطة طريق سيتم الإعلان عن تفاصيلها بعد التواصل مع الأطراف السياسية، وجاءت مبادرة "الرئاسي" بعد التظاهرات العارمة التي شهدتها مدن ليبية عدة في شهر يونيو (حزيران) الماضي، والتي خرجت لتندد بتردي الأوضاع المعيشية وتطالب بإسقاط جميع الأجسام السياسية وإجراء الانتخابات من دون تأجيل، في الموازاة، اقترح المرشح الرئاسي سيف الإسلام القذافي في التوقيت ذاته مبادرة لحل الأزمة السياسية في البلاد تشتمل على خيارين، الأول أن تقوم جهة محايدة بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية عاجلة يشارك فيها الجميع ومن دون إقصاء أحد وترك القرار للشعب الليبي، أما الخيار الثاني، وباعتبار أن الخلاف بين الليبيين على شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، فهو أن تقوم الشخصيات السياسية الليبية بشكل جماعي بالانسحاب من العملية الانتخابية، بما فيها سيف الإسلام نفسه، وإفساح المجال أمام شخصيات ووجوه جديدة يختارها الليبيون عبر انتخابات شفافة.

وفي مايو الماضي، أعلن رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا إطلاق حوار وطني بمبادرة من حكومته بغية التواصل المباشر مع الأطراف كافة، والوصول معاً إلى توافق وطني حقيقي. وقال باشاغا إن "المبادرة تهدف إلى ترسيخ مبدأ المشاركة الوطنية الواسعة في هذه المرحلة الحساسة التي تتطلب تضافر وتعاضد الجميع ".

وفي الشهر نفسه، طرح تكتل "إحياء ليبيا" برئاسة المرشح الرئاسي السابق عارف النايض مبادرة تهدف إلى تجديد الشرعية سلمياً ومعالجة الانسداد والاحتقان السياسي في البلاد. وقال التكتل إن "المبادرة تهدف إلى منع استخدام العنف في حل النزاعات الحالية، والرجوع إلى الاحتكام للإرادة الحرة للشعب الليبي من خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية مباشرة".

المزيد من تحلیل