من المتوقع جداً أن أحد السهام التي سيطلقها "حزب العمال" ضد الحكومة البريطانية "الجديدة" هو أنها "لا تختلف عن حكومة المحافظين السابقة".
في الحقيقة، يحمل هذا الموقف قدراً كبيراً من الحقيقة، على الرغم من أن ليز تراس في مقدورها أن ترد، شأن ما فعلت في مواجهتها الأولى لأسئلة مجلس العموم، بالسخرية بأن حماسة كير ستارمر لفرض ضريبة على الأرباح غير المتوقعة تثبت أن حزبه هو أيضاً "حزب العمال القديم نفسه". نقطة نقاش جيدة وتساعد في إعادة ترسيم خط الانقسام السياسي القديم ولكنه ليس ذلك الانقسام الذي سيهتم به الجمهور.
ثمة مجال واحد في السياسة ويبعث على القلق تمثل فيه حكومة تراس فعلاً خروجاً عن أسلافها المحافظين، البيئة وإعطاء الأولوية لهدف تصفير الانبعاثات. مر عقد من الزمن الآن منذ أن وصف رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون حكومته بأنها "الأكثر مراعاة للبيئة في التاريخ"، وثلاثة أعوام منذ أن وعد بوريس جونسون بأن تكون بريطانيا "أنظف وأكثر دولة تسعى إلى خير البيئة والمناخ على وجه المعمورة". في الواقع، تيريزا ماي في الأيام الأخيرة من رئاستها مجلس الوزراء، جعلت من هدف صفر الانبعاثات في 2050 قانوناً.
من باب الإنصاف، نتذكر أيضاً خطاب رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر التاريخي أمام "الأمم المتحدة" في 1989 عندما أعلنت أن "التهديد الرئيس لبيئتنا هو الأعداد الكبيرة من الناس وأنشطتهم، الأرض التي يزرعونها بشكل مكثف أكثر من أي وقت مضى، الغابات التي يقطعون أشجارها ويحرقونها، سفوح الجبال التي يتركونها عارية، الوقود الأحفوري الذي يحرقونه، الأنهار والبحار التي يلوثونها… تشكل هذه النظرة المحتملة عاملاً جديداً في الشؤون الإنسانية. في ما يتصل بالآثار المترتبة عليها، إنها أشبه باكتشاف الانشطار الذري. وفي الحقيقة، ربما تكون نتائجها أبعد أثراً".
صحيح أن الأمور كافة نسبية ولكن وفق المعايير التاريخية المعتادة للمحافظين، كان هؤلاء القادة يدلون ببيانات جريئة ويؤطرون سياسات طموحة، بلغت ذروتها في قمة الأمم المتحدة للمناخ "كوب 26" Cop26 التي عقدت في غلاسكو في اسكتلندا العام الماضي. والغريب أن جونسون في سلسلة إنجازاته، لم يأت على ذكر النجاح (النسبي) الذي حققه المؤتمر ولكن لا بد من الإشادة بموقفه من الصفر الصافي من الانبعاثات ومقاومته صناعة التكسير الهيدروليكي.
أما تراس، فمختلفة. تراها تتظاهر بتأييد أزمة المناخ ولكن على حد قولها، علينا أن نحكم عليها بناء على أفعالها وليس أقوالها. في ما يتعلق بالسياسة والمواقف والشخصيات، هناك كثير يثير الخوف مما سبق أن تفوهت به وأقدمت عليه رئيسة الوزراء، لا سيما الأشخاص الذين ارتأت تعيينهم في مناصب رئيسة. لا عجب في أن الرئيس المستقل لـ"لجنة تغير المناخ المستقلة" التابعة للحكومة البريطانية لورد ديبن قد حذر تراس من العدول عن التزام المملكة المتحدة توليد الطاقة من مصادر متجددة. لورد ديبن، جون سيلوين غومر، وزير بيئة سابقاً من حزب المحافظين، ولا يعتبر راديكالياً عنيفاً. تستحق مخاوفه أن تلقى آذاناً صاغية من تراس ووزرائها.
من بين الرافضين المعاصرين للحقائق بشأن المناخ، جيكوب ريس موغ الذي ارتقى على نحو غير مسؤول إلى منصب وزير الدولة للأعمال والطاقة والاستراتيجيات الصناعية. بصرف النظر عن الشك في أنه ربما لا يعتقد بأن وزارته ينبغي أن تكون موجودة، إنه أشبه بـ"أرشدرويد" archdruid [قائد مجموعة] في دوائر السوق الحرة الأصولية المحافظة، إنه المسؤول الآن عن سياسة الطاقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ليس ريس موغ الشخص المناسب لهذا الدور. لقد أثار الشكوك في شأن تغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان ويعتقد بأن مشروع تصفير الانبعاثات باهظ الكلفة، وقال إنه يريد أن يعصر "كل بوصة مكعبة من الغاز" من بحر الشمال وإعادة تشغيل صناعة التكسير الهيدروليكي. بناء عليه، من المستبعد أن يضع ريس موغ أزمة المناخ في محور جدول أعماله الشخصي.
ويثير القلق في هذا الصدد أنه ليس بعيداً من رئيسة الوزراء نفسها. لقد حصنت رهاناتها سياسياً عن طريق دعم التكسير الهيدروليكي على اعتبار أن "المجتمعات المحلية تريده" ولكنها ستعلق الضريبة الخضراء على فواتير الطاقة (وهي ضريبة صغيرة وحيوية لتمويل العزل المنزلي) وتخفض ضريبة القيمة المضافة على الوقود، ولم يضم السقف الذي تقره لأسعار الطاقة الخام على أي بند لآلية السعر لخفض الإسراف في استهلاك الطاقة.
لما كان حضور ريس موغ سيكون مشؤوماً، انضم إليه وزير البيئة الجديد رانيل جاياواردينا وهو مشكك آخر في أزمة المناخ، ترقى لمجرد ولائه لتراس وحملتها القيادية. كما ذكرت "اندبندنت"، صوت جاياواردينا "باستمرار" ضد سياسات التصدي لأزمة المناخ.
يظهر سجل تصويت جاياواردينا أنه أيضاً "أعطى صوته باستمرار ضد الحوافز المالية لأساليب توليد الكهرباء المنخفضة الانبعاثات الكربونية". شأن كثيرين من نواب "حزب المحافظين" الذين لا يبالون بقضايا البيئة، صوت لمصلحة تدابير رمزية من قبيل إنشاء مرافق أفضل لإعادة التدوير وحظر القشات البلاستيكية، لكنه يلجم أي شيء أكثر ثورية.
وكان من بين الزملاء الذين صوتوا العام الماضي ضد المبادئ البيئية الخاصة بـ"وزارة الشؤون البيئية والغذائية والريفية" الموضوعة من أجل "توجيه الوزراء وواضعي السياسات نحو السبل التي تحول دون الضرر البيئي وتدعم البيئة وتنهض بها، متى كان ذلك مناسباً وعند الاقتضاء". على غرار ريس موغ، من غير المرجح أن يدافع عن البيئة حول طاولة مجلس الوزراء. وبغض النظر عن أي أمر آخر، فإن أي وجود لداعمي البيئة لن يلقى ترحيباً بين صحبة وزراء الحكومة. جاياواردينا وريس موغ هما الثنائي الملوث في هذه الحكومة في ما يتصل بالتكسير الهيدروليكي والحفر والتلويث، ولكنهما ليسا الوحيدين.
في الوقت الحاضر، تقع مهمة حماية أجندة "كوب 26" وما تبقى من "الحكومة الأكثر مراعاة للبيئة في التاريخ" على عاتق ألوك شارما، رئيس مؤتمر الأطراف للمناخ "كوب 26" الذي يبقى في منصبه الوزاري أقله حتى مؤتمر "كوب 27" الذي تستضيفه مصر في نوفمبر (تشرين الثاني)، ووزير المناخ غراهام ستيوارت. خلافاً لرئيسته، يقر ستيوارت بحقيقة أزمة المناخ. ربما وضع في منصبه الجديد بوصفه ثقلاً موازناً لريس موغ. إذا صح ذلك، سيجد نفسه في صراع غير متكافئ في ظل رئيسة وزراء استهانت بوضوح بأهمية القضايا الخضراء التي تهتم بخير البيئة.
عليه، فإننا لسنا إزاء "نفس المحافظين القدامى"، إلا بمعنى أنهم يعودون إلى نظرة أقدم وأكثر أنانية وقصيرة المدى تجاه الأرض وهو ما رفضته حتى السيدة تاتشر في النهاية. من المؤكد أنها تحظى باهتمام أقل من أزمة كلفة المعيشة ولكن على المدى الطويل ستسبب أزمة المناخ ضرراً أكثر ديمومة بالنسبة إلى مستويات المعيشة.
© The Independent