Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التغير المناخي يقود الحياة البرية في المملكة المتحدة إلى المجهول

الحياة البرية في خطر: فيما تسلط "اندبندنت" الضوء على التحديات التي تواجه المملكة المتحدة، تحدثنا مع دعاة الحفاظ على البيئة لتقييم أثر موجة الحر في الحيوانات والنباتات

قرقف الصفصاف هو الطائر المحلي الأكثر عرضة للتهديد في المملكة المتحدة، وقد تأثر بشدة بحرائق الغابات هذا العام (غيتي)

يتسبب "الخريف الكاذب" الناجم عن موجة الحر والجفاف الطويل في فقدان الأشجار لأوراقها وسقوط الثمار عن الأشجار ونضوج التوت في وقت مبكر الأمر الذي من شأنه أن يترك القليل من الطعام للحيوانات فيما تستعد لدخول فصل الشتاء.

في هذا السياق، قال خبراء الحياة البرية بأن الحر الشديد الذي سُجل هذا الصيف سيزيد الضغط بشكل ملحوظ على الأصناف المعرضة للخطر، هذا بالإضافة غلى ما سبق وتركه من أثرٍ مدمر على بعض الأنظمة البيئية وخصوصاً في المناطق التي جفت فيها موائل المياه العذبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 تأثيرات هذا الطقس المتطرف، الذي زادت احتمالية حدوثه 10 مرات بفعل أزمة المناخ التي يتسبب بها الإنسان، ظهرت في السلسلة الغذائية وأصبحت معه مجموعة كبيرة من أصناف الحيوانات معرضة للخطر.

وفي سياق متصل، قالت بيكا سميث من الجمعية الملكية لحماية الطيور ( RSPB ) لـ"اندبندنت" أنه "فيما قد يستغرق الأمر بضعة أشهر أو سنوات لفهم تأثير الجفاف بشكل فعلي"، يشكل الخريف الكاذب أو الزائف "الطريقة المثلى التي تمكن الناس من رؤية ما يحدث فعلاً". وقالت، "إنه رد ناجم عن الضغط الذي تتعرض له النباتات، حيث يقوم الحر بجعلها تفقد أوراقها وتتساقط ثمار أشجار البلوط وتنضج ثمار التوت مبكراً. عادةً ما تشكل المكسرات والتوت على الأشجار طعاماً للطيور في الخريف، ولكنها متوفرة الآن ولهذا تتهافت عليها الطيور، ما يعني أنه في وقت لاحق من الخريف والشتاء سيكون الغذاء المتوفر شحيحاً".

وفيما لا يزال من الصعب تحديد مدى التأثير الكامل للحرارة والجفاف القياسيين في الحياة البرية البريطانية، يعتبر الخبراء بأن حدة الطقس المتطرف الذي شهدته البلاد هذا العام يعني بأننا دخلنا في "المجهول"، ويبدو الأثر واضحاً في بعض المناطق بالفعل.

وفي هذا الصدد، صرحت كاثرين براون، مديرة تغير المناخ في منظمة "وايلد لايف تراست" (Wildlife Trust) لـ"اندبندنت" بأن ما رصدته أفرع منظمتها البالغ عددها 46 في أنحاء البلاد كان "مقلقاً بشكل لا يصدق".

وأضافت "أبرز التأثيرات الخطيرة التي نراها كانت على المياه العذبة، فقد جفت الأحواض بالكامل في أماكن عدة وعلى امتداد البلاد كافة وامتدت شمالاً حتى وصلت إلى نورثامبرلاند. بطبيعة الحال، فإن الكائنات اللافقارية في تلك البرك تموت ما لم تتمكن من المغادرة، كما ستموت معها كل الحيوانات البرية التي لا تستطيع الطيران أو الزحف بعيداً".

 

كما أشارت براون إلى "معاناة الخنافس والأسماك مثل الترويت البني والضفادع واليعسوب التي تعيش في المياه العذبة، وكما هي الحال بالنسبة إلى الحياة في المياه العذبة يمتد ذلك على كل الحيوانات التي تتغذى عليها، ورأينا طيور السنونو (martins) والخطاف (swifts) التي تتغذى من الحشرات الطائرة تتأثر بشكل كبير جراء ذلك".

وأضافت بأنهم شهدوا "تدفقاً كبيراً" للقنافذ التي أحضرت إلى مراكز الإنقاذ ويبلغ عددها "بالمئات" لأنها كانت غير قادرة على الوصول إلى المياه بسبب الأرض الصخرية الصلبة.

وعن تأثير ذلك في الأشجار أشارت السيدة براون إلى أن أصناف بما فيها البتولا تتساقط أوراقها بسبب الضغط الناجم عن نقص المياه، وهذا ما تسبب بقيام بعض الأشجار بإنماء أوراقها مجدداً وبالتالي حدوث ما يسمى بـ"الربيع المزيف". مضيفةً "التوقيت فوضوي للغاية، سيرخي هذا بظلاله على قدرة الحياة البرية على العثور على الطعام، ولكن هل ستتمكن تلك الأشجار من النجاة وتخطي الشتاء، بالتالي إراحة نفسها استعداداً للربيع المقبل؟ الأمر مقلق للغاية لأننا لا نعرف الآثار المترتبة عن ذلك، لقد دخلنا في المجهول".

تجدر الإشارة إلى أن الجفاف سلط الضوء على كيفية استخدام البشر للموارد الطبيعية وكم نحن معرضون للخطر عندما تنضب موارد المياه التي كنا نعتبر وجودها من المسلمات.

وأبعد من الحظر المفروض على استخدام خراطيم المياه، تسبب الجفاف في رداءة نوعية المياه في المسطحات المائية غير الصالحة للشرب في المملكة المتحدة، مما أدى إلى أرقام قياسية في نفوق الأسماك، وفيما يبلغ المزارعون عن خسائر فادحة في المحاصيل، يحذر خبراء المناخ من أن الطلب الزراعي يضع ضغطاً كبيراً على توفر المياه.

وصرح بول دي أورنيلاس كبير مستشاري الحياة البرية في الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) لـ"اندبندنت" بأن الظروف الحالية التي تشهدها البلاد "تترك آثاراً خطيرة على الحياة البرية وتضع عديداً من الأصناف تحت ضغط هائل". وتابع قائلاً "مع تراجع منسوب عديد من أنهارنا وجداولنا أو حتى جفافها، تتضخم الضغوط الحالية الناجمة عن سحب المياه والتلوث وتفقد معها الحياة البحرية كالأسماك واللافقاريات والبرمائيات، كما ترزح الأصناف الملقحة كالنحل تحت التهديد جراء فقدان موائل الغذاء نتيجة تكثيف الزراعة، التي تعاني أيضاً للتأقلم مع درجات الحرارة المرتفعة".

ومن المحتمل أيضاً أن تتسبب درجات الحرارة المرتفعة أواخر الصيف في دفع بعض أصناف الطيور إلى تعشيش مجموعات جديدة من صغار الطيور، بيد أن الشح في الطعام قبيل فصل الشتاء بوسعه أن يترك تداعيات قاتلة بحسب ما قالته السيدة سميث من  الجمعية الملكية لحماية الطيور.

وأردفت قائلةً بأن أناساً اتصلوا بالجمعية خلال الصيف وأبلغوا عن جفاف أعشاش السنونو المصنوعة من الطين خلال موجة الحر مما تسبب في تداعيها، ومع وجود تلك الأصناف على لائحة الأصناف المهددة بالانقراض، "يسهم الطقس في مفاقمة مشكلة موجودة أصلاً لأن أعدادها تتراجع بالفعل".

وأوضحت سميث بأن حرائق الغابات تسببت بفقدان "مدمر بشكل خاص" لمساكن الحيوانات وتؤثر خصوصاً في قرقف الصفصاف (willow tit) وهي الطيور المحلية الأكثر تهديداً في المملكة المتحدة. وقالت "هذه الطيور انتقائية جداً عندما يتعلق الأمر باختيار مساكنها، ولهذا تحتاج إلى استصلاح متخصص لأنها فقدت أكثر من نصف ما كانت تشكل مساكنها في السبعينيات".

وأدى حريق واحد هذا الصيف إلى تدمير 16 هكتاراً من مساكن الطيور المعاد تأهيلها في غرب يوركشاير مما "أعادنا 30 عاماً إلى الوراء في ما يتعلق بعمل التأهيل" لهذه الاصناف. وأضافت "الأمر فعلاً مروع".

ومن الأسباب التي تجعل الحياة البرية في المملكة المتحدة شديدة التأثر بالطقس المتطرف هو حجم الخسائر طويلة الأجل التي تلحق بالبيئة في كل جزء من البلاد تقريباً.

وفيما شهدت عديد من البلدان الأخرى موجات حر أكثر حدة من المملكة المتحدة خلال الأعوام الأخيرة، لكن الحملة الشعواء التي يشنها الإنسان هنا بسوء معاملته للطبيعة تعني أن الحياة البرية تشهد بالفعل أزمة منذ قرون، وما هي درجات الحرارة القياسية سوى قمة الجبل الجليدي [الجزء الظاهر من المشكلة] إذا ما قارناها بالضغوط التي يتعرض لها العالم الطبيعي.

لقد تم دفع الطيور والحشرات والثدييات والحياة المائية والنباتات والفطريات وجميع العلاقات العميقة والمعقدة التي تنسجها تلك الكائنات بين بعضها بعضاً وتركها على أطراف جزيرتنا، كما أدى التمدد الزراعي إلى تحويل الأراضي البكر (الأحراش) والغابات والأراضي الرطبة إلى مزارع أحادية الصنف لا حياة بها عملياً.

وتسبب تلوث الصناعة والزراعة إلى تسمم الهواء ومجاري مياهنا وأنظمتنا البيئية أيضاً. لقد أصبحت المرتفعات التي كانت غابات ذات يوم في مناطق كالمرتفعات الاسكتلندية ووسط وشمال ويلز والمنتزهات الوطنية على غرار ليك ديستريكت ويوركشاير ديلز ودارتمور وبيك ديستريكت خالية تقريباً من الأشجار (باستثناء المزارع الحرجية) وهي لا تزال تتعرض للرعي الجائر إلى حد كبير من قبل الأغنام والغزلان.

وفي القرون الأخيرة، قضت المستويات العالية من الصيد على حيواناتنا الأكبر حجماً، وحتى اليوم ، تتعرض أعداد كبيرة من الأنواع للاضطهاد بشكل روتيني باعتبارها "آفات" يجب التخلص منها.

وفي الآونة الأخيرة، كان من المفترض على السناجب الحمراء والقطط البرية والقنادس والذئاب والدببة أن تسكن برية كبيرة بما في ذلك مناطق الغابات الكبير، ولكن السير باتجاه الصناعة والمزارع التي تهيمن على المناظر الطبيعية، جلبت عديداً من الفوائد للبشر، لكن على حساب الأصناف الأخرى كلها.

وفي القرن الحادي والعشرين، مع الشعور بآثار الأزمة البيئية على الصعيد العالمي، يعيش العالم الطبيعي في بريطانيا وضعاً كئيباً للغاية كون البلاد واحدة من أكثر مناطق الأرض استنزافاً للطبيعة.

وخلص تحليل أجراه خبراء من متحف التاريخ الطبيعي عام 2020 إلى أن "المملكة المتحدة قادت العالم في تدمير البيئة الطبيعية"، مع قيام التأثيرات البشرية الناجمة بشكل خاص من المزارع والنقل بخفض الحياة البرية "لدرجة لم تشهدها مناطق أخرى".

وحذرت وكالة البيئة بأن هذه الظروف كنا نعيشها قبل "موجة الحر غير المسبوقة" التي شهدتها المملكة المتحدة هذا الصيف والتي بلغت فيها درجات الحرارة 40 درجة للمرة الأولى، وتبعتها فترة جفاف طويلة وشديدة لا تزال مستمرة وبوسعها الاستمرار حتى العام المقبل.

ويبدو أن الأمور لن تتحسن، فقد حذر الصندوق العالمي للطبيعة بأن "طريقة إنتاجنا للطعام هي السبب الأول لفقدان التنوع البيولوجي".

وفي غضون ذلك، ومع اتخاذ إجراءات محدودة لكبح استخدام الوقود الأحفوري في بريطانيا، والخطط في ظل حكومة ليز تراس لبدء مشاريع جديدة للتكسير الهيدروليكي والغاز والنفط في بحر الشمال، فإن أزمة المناخ ستعني أن مستقبل الحياة البرية المحفوف بالمخاطر في هذا البلد من المرجح أن يصبح أكثر خطورة.

وفي هذا الإطار، قال دي أورنيلاس من الصندوق العالمي للطبيعة، "حتى الأصناف البحرية تأثرت، إذ أدى ارتفاع درجة حرارة البحار إلى تفاقم آثار الصيد الجائر مما تسبب في تهديد الإمدادات الغذائية لعديد من طيورنا البحرية بما في ذلك البفن Puffins@. وأضاف " يُحدِث التغير المناخي في أنحاء العالم كافة ظروف طقس قاس ومتطرف كموجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات والجفاف، وهي مظاهر أصبحت متواترة وأكثر حدة. تصرخ الطبيعة مستنجدة، ومع ذلك بوسعها أن تكون حليفنا الأكبر في مكافحة التغير المناخي. بوسعنا استرجاع عالمنا شرط أن نتحرك بسرعة لحماية الطبيعة وإعادة ترميمها وخفض الانبعاثات وتعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة