معروف أن بين البدانة والسكري علاقة وثيقة جداً، ونجد أن غالبية حالات النوع الثاني من السكري تُشخَّص لدى مرضى يكابدون السمنة المفرطة، إذ تفاقم الأخيرة حتى ستة أضعاف خطر مواجهة اضطراب الأيض، أي العملية التي يحوّل فيها الجسد أي طعام أو شراب إلى طاقة، وتعرف كذلك بالتمثيل الغذائي أو الاستقلاب.
كذلك يرتبط اضطراب الأيض بما يُسمى "مقاومة الأنسولين". ففي الأحوال العادية، يُفتت الجهاز الهضمي الأطعمة التي نتناولها ويحولها إلى سكر. والأنسولين، علماً أنه هرمون يصنعه البنكرياس، يساعد السكر في دخول خلايانا من أجل استخدامه كمصدر للطاقة. ولكن للأسف، لا تستجيب الخلايا للأنسولين بشكل طبيعي، ولا يسع الغلوكوز أن يدخل إلى الخلايا على القدر نفسه من السهولة لدى المصابين بمقاومة الأنسولين. في النتيجة، يرتفع مستوى سكر الدم حتى مع الإفراز المتزايد للأنسولين كمحاولة لخفض نسبة السكر في الدم.
في مقابل ذلك كله، تبقى خسارة الكيلوغرامات الزائدة خطوة كافية كمحاولة لدرء خطر الإصابة بالنوع الثاني من السكري، وفق دراسات علمية عدة. وقد تبين أن العقار "سيماغلوتيد" semaglutide كما يسمى جاهز للمساعدة، إذ يسهم في السيطرة على الوزن من طريق الحد من الشعور بالجوع، فضلاً عن أنه يعزز قدرة الجسم على تنظيم مستويات السكر في الدم.
يعمل الدواء تماماً مثل هرمون طبيعي يُفرز داخل الجسم بعد تناول الطعام، يسمى "الببتيد الشبيه بالغلوكاغون- 1"glucagon-like peptide-1. والنبأ السار أنه نال الموافقة أخيراً في الولايات المتحدة، وبصورة مبدئية في إنجلترا- لاستخدامه كعلاج للسمنة، على ما كشف الموقع الإلكتروني البريطاني "إكسبرس".
في الحقيقة، "يبدو أن "سيماغلوتيد" أكثر الأدوية فاعلية حتى الآن لعلاج السمنة"، قال الباحث المسؤول عن الدراسة واختصاصي الغدد الصماء الدكتور دبليو تيموثي غارفي من "جامعة ألاباما" في برمنغهام، على ما نقل عنه موقع "إكسبرس".
وأضاف أن العقار "بدأ في ردم الفجوة مع الكيلوغرامات المفقودة عقب جراحة علاج البدانة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإجازة العقار بوصفه علاجاً للسمنة استندت، وفق الدكتور تيموثي، إلى نتائج تجربتين سريريتين أظهرتا أنه يخفض الوزن بأكثر من 15 في المئة في المتوسط، عند استخدامه مع الالتزام ببرنامج نمط حياة صحي".
"هذا القدر من فقدان الوزن كافٍ لعلاج أو درء مجموعة واسعة من مضاعفات السمنة التي تضر بالصحة ونوعية الحياة، فضلاً عن أنه يقلب الموازين ويقود إلى تغير جوهري في مجال طب السمنة"، في رأي الدكتور تيموثي.
ونشر "إكسبرس" في تقرير له تفاصيل مهمة عن الدراسة، فذكر أن الدكتور غارفي وزملاءه أجروا تجربتين منفصلتين تحت الاسمين "الخطوة 1" (STEP1) و"الخطوة 4" (STEP4) بغرض استكشاف الإمكانات التي ينطوي عليها "سيماغلوتيد" أيضاً في مكافحة خطر الإصابة بالنوع الثاني من السكري. أما لماذا اختاروا "الخطوة 4" وليس "الخطوة 2" فأمر يبعث على الحيرة والتساؤل.
في التجربة "خطوة 1"، أعطى الباحثون ألفاً و961 مشاركاً يعانون زيادة في الوزن أو سمنة حقنة أسبوعية تحتوي على 2.4 ملليغرام من "سيماغلوتيد" أو دواء وهمي ("بلاسيبو"placebo ) طوال 68 أسبوعاً.
في الوقت نفسه، تلقى 803 أشخاص في تجربة "الخطوة 4"، وكانوا أيضاً من أصحاب الوزن الزائد أو السمنة، جرعات أسبوعية بالحقن تحوي الواحدة منها 2.4 ملليغرام من "سيماغلوتيد" طوال 20 أسبوعاً.
في نهاية هذه الفترة، واظب الباحثون على إعطاء كل متطوع إما "سيماغلوتيد" على مدى الأسابيع الـ 48 التالية، أو انتقلوا إلى دواء وهمي.
وفي التجربتين، تلقى المشاركون نصائح تتعلق باتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية.
بغية تقييم مدى خطر إصابة كل مشارك بالنوع الثاني من السكري خلال السنوات العشر المقبلة، استخدم الفريق طريقة تُعرف باسم "مراحل أمراض القلب والأوعية الدموية"، والتي تقف عند عوامل من قبيل العمر، ومستويات الغلوكوز في الدم، وضغط الدم، ومؤشر كتلة الجسم، والكوليسترول الحميد HDL، والعرق، والجنس، ومستويات الدهون الثلاثية.
في "الخطوة 1"، لوحظ انخفاض مهول في درجات الخطر للسنوات العشر المقبلة لدى المتطوعين الذين أخذوا "سيماغلوتيد"، فقد بلغ 61 في المئة في المتوسط، في تراجع من 18.2 في المئة في بداية الدراسة إلى 7.1 في المئة في الأسبوع رقم 68.
في المقابل، انخفض متوسط درجة الخطر لدى من تناولوا الدواء الوهمي بنسبة 13 في المئة فقط، إذ بدأ عند 17.8 في المئة وانتهى عند 15.6 في المئة.
لاحظ الباحثون أن معدلات الخطر المتغيرة مثلت انعكاساً لخسارة الوزن، التي بلغت 17 في المئة في المتوسط لدى من حُقنوا بـ"سيماغلوتيد" و3 في المئة لدى مجموعة الدواء الوهمي.
وفق الدكتور غارفي وزملائه، كانت درجات الخطر المتصلة بمعدلات خطر "أمراض القلب والأوعية الدموية" أعلى بين المشاركين المصابين بمرحلة ما قبل السكري مقارنة مع من يحملون مستويات طبيعية من السكر في الدم.
ولكن الفريق وجد أن "سيماغلوتيد" قلص الخطر بمقدار مماثل في المجموعتين كلتيهما.
في الوقت نفسه، في تجربة "الخطوة 4"، لوحظ الانخفاض الأكبر في درجات الخطر في خلال الأسابيع العشرين الأولى من الدراسة، إذ تراجعت الدرجات من متوسط 20.6 في المئة في البداية إلى 11.4 في المئة في الأسبوع 20.
ولدى المشاركين الذين استمروا في تلقي "سيماغلوتيد"، انخفض متوسط درجة الخطر إلى 7.7 في المئة. أما لدى نظرائهم الذين تحولوا إلى العلاج الوهمي، فارتفع متوسط درجة الخطر إلى 15.4 في المئة.
في رأي فريق البحاثة، تشير هذه النتيجة إلى ضرورة الاستمرار في أخذ "سيماغلوتيد" من أجل الحفاظ على الحد من مخاطر الإصابة بالنوع الثاني من السكري.
وخلص الدكتور غارفي إلى أن "سيماغلوتيد" يقلص خطر الإصابة بالسكري في المستقبل بنسبة تزيد على 60 في المئة لدى مرضى السمنة.
"يبقى الرقم عينه سواء بالنسبة إلى مريض يعاني مرحلة ما قبل السكري أو لديه مستويات طبيعية من السكر في الدم. والعلاج المستمر مطلوب لدوام الفائدة. ونظراً إلى ارتفاع معدلات السمنة ومرض السكري، يسعنا الاستفادة من "سيماغلوتيد" للحد من عبء هذه الأمراض المزمنة"، أضاف الدكتور غارفي.
والجدير بالذكر أن الباحثين سيعرضون النتائج الكاملة للدراسة في "الاجتماع السنوي للجمعية الأوروبية لدراسة مرض السكري"، المقرر عقده بين 19 و23 سبتمبر (أيلول) في استوكهولم، السويد.