إنّ السقوط المفاجئ والسريع من موقع سياسي مرموق على غرار ما حصل مع بوريس جونسون ليس بالأمر الذي يتكرر كثيراً، بل لا يحدث سوى مرات قليلة [قلما يحدث]. وقد أُخرج جونسون من رئاسة الوزراء البريطانية بعد ما يزيد قليلاً على ثلاث سنوات من وصوله إليها.
في مستهل الأمر، حين انتخب جونسون في موجة من الحماسة اجتاحت أعضاء حزب المحافظين ونواب الحزب في البرلمان بدا كظاهرة لا يمكن وقفها، كان أحد السياسيين النادرين الذين لا تستطيع عامة الناس تمييزهم فوراً فحسب، بل المحبوبين أيضاً من قـبل مجموعات كبيرة من عامة الناس، ما أثار الحماسة في الدوائر الانتخابية التي لم يكن المحافظون قادرين في السابق على الوصول إليها.
وآنذاك وعد جونسون بأخذ المملكة المتحدة إلى "المرتفعات المشمسة" الأسطورية الخاصة ببريكست، وقدم نفسه بوصفه "بداية جديدة" وتقبله في ذلك عديد من الناخبين، إذ وعد ببداية مختلفة على نحو ما عن سنوات التقشف التي ميزت عهد ديفيد كاميرون وسنوات المصاعب التي وسمت عهد تيريزا ماي. [جاء كاميرون وماي من حزب المحافظين، وقد أدارا أيضاً رئاسة الوزراء البريطانية].
لقد رأى جونسون في نفسه شخصية تاريخية على غرار بطله ونستون تشرشل، معتبراً أن الناس سيتذكرون رئاسته للوزراء باعتبارها لحظة محورية لانبعاث بريطانيا كقوة عالمية. وفي العام الماضي سمح جونسون للجميع بأن يعرفوا أنه يتوقع أن يمضي عقداً أو أكثر في رئاسة الوزراء، والآن بعد عهد يفوق عهد السيدة ماي بأسابيع قليلة، ويساوي نصف عهد كاميرون صديقه الحميم السابق في "جامعة أوكسفورد"، يرحل بوصفه شخصية تضاءلت بعد أن رفضها أعضاء البرلمان وقسم كبير من الناخبين، ولا تملك إلا أقل القليل من الإنجازات مقارنة بالوعود الكبرى التي قدمها.
عرضت تلك الوعود في شكل كامل في أول خطاب له كرئيس للوزراء على أعتاب مقر رئيس الوزراء، بعد عودته من القصر الملكي في الـ24 من يوليو (تموز) 2019. إذ تعهد بإثبات خطأ "المشككين والمتشائمين والسلبيين"، وتباهى بأن حكومته ستسمح للمملكة المتحدة باسترداد "دورها الطبيعي والتاريخي" باعتبارها "بريطانيا عالمية حقاً" من خلال بلورة التصويت على "بريكست" [خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي] الذي بذل جهداً كبيراً لضمان حصوله قبل ثلاث سنوات. وفوق كل هذا وعد جونسون بتعزيز قوات الشرطة في الشوارع وزيادة المستشفيات وخطة للرعاية الاجتماعية، وتحقيق المساواة بين مختلف أجزاء المملكة المتحدة، وتمتين الاتحاد بين "الرباعي الرائع" إنجلترا وإسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية [هي المكونات الأربعة للملكة المتحدة].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم هذه النبرة الشاملة سرعان ما عدل جونسون مجلس الوزراء الذي ورثه عن ماي، فشكل حكومة جديدة تميل بشدة إلى اليمين المشكك في أوروبا، فقد جيء بالمسؤول الأول عن حملة "التصويت بالخروج [من الاتحاد الأوروبي]" دومينيك كامينغز إلى مركز السلطة بصفته كبير مستشاري رئيس الوزراء وسط كتيبة من قدامى المحاربين، أثناء معركة الاستفتاء التي وضعت في مقر رئاسة الوزراء. ورسم كامينغز المسار الخاص بحملة مواجهة صريحة مع بروكسل والبرلمان والأعضاء المعتدلين في حزب جونسون ذاته، مستخدماً التهديد المتمثل بإمكان تنفيذ بريكست من دون اتفاق [مع الاتحاد الأوروبي]، ضمن محاولة لفرض اتفاق بحلول الموعد النهائي الذي فرض رئيس الوزراء بصورة ذاتية أن يكون في الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول).
وفي غياب غالبية في مجلس العموم، ومع معارضة أكثر من نصف أعضاء البرلمان بشدة لبريكست من دون اتفاق، أثار جونسون غضباً حين طالب الملكة بتعليق عمل البرلمان، ما منع النواب من العودة إلى البرلمان لعرقلة خططه. وفي حكم لم يسبق له مثيل، رأت المحكمة العليا في الـ24 من سبتمبر (أيلول) 2019 أن التعليق لم يكن قانونياً، ما جعل جونسون أول رئيس وزراء تجد محكمة خلال ولايته أنه خرق القانون، بالتالي صار عرضة إلى اتهامات بالكذب على الملكة. وأقر أعضاء البرلمان قانوناً يمنع رئيس الوزراء من إخراج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي من دون التوصل إلى اتفاق، ما دفع جونسون إلى إطلاق محاولة فاشلة للدعوة إلى انتخابات.
وفي خطوة سعت إلى تطهير صفوف المحافظين من الأصوات المعجبة بأوروبا طرد جونسون 21 نائباً متمرداً بمن فيهم شخصيات بارزة ككينيث كلارك وفيليب هاموند وأمبر رود، وكذلك أعلن أن كل المرشحين الحزبيين للانتخابات في المستقبل يجب أن يوافقوا على بريكست، وعلى الرغم من تصريحه بأنه يفضل "الموت في خندق" بدلاً من تمديد المفاوضات [بشأن بريكست] وافق جونسون على تأخيرها في نهاية المطاف. وأخيراً نجح في تأمين اتفاقه بعد محادثات في اللحظة الأخيرة مع رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فارادكار في "فندق بويرال"، من خلال الخضوع إلى بروكسل في شأن الحدود الجمركية في البحر الإيرلندي، وهو أمر سبق لجونسون التصريح بأنه لن يقبله أبداً.
وفي سياق متصل، أتاح اعتماد بروتوكول إيرلندا الشمالية [ضمن الاتفاق مع الاتحاد الأوربي على طريقة تنفيذ بريكست] لجونسون الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في ديسمبر (كانون الأول) 2019 على أساس برنامج يتمحور حول "اتفاق جاهز" من أجل إنجاز بريكست. في المقابل، انقلب جونسون على البروتوكول في وقت لاحق، مهدداً بإصدار تشريع يبطله ما أثار خطر اندلاع حرب تجارية مع الاتحاد الأوروبي. كان مرتاحاً في حملة مثقلة بالحيل، وقد شملت تلك الحملة فيديو يصور جونسون يقود جرافة عبر جدار يرمز إلى "الجمود" في بريكست، لكنها كانت خفيفة في مواجهة التدقيق الإعلامي، فقد تهرب من المحاور البارز أندرو نيل، وفي مرحلة ما اختبأ جونسون في ثلاجة لتجنب أسئلة أحد المراسلين التلفزيونيين.
وبفضل انحسار شعبية جيريمي كوربين زعيم حزب العمال [بين عامي 2015 و2020]، حصل جونسون على غالبية ساحقة بلغت 80 مقعداً في أفضل نتيجة حصل عليها المحافظون منذ عام 1987، ويبدو أن شخصيته الكاريزمية نجحت في تبديل المشهد السياسي في المملكة المتحدة مع انحسار الولاء الذي دام عقوداً لحزب العمال في دوائر انتخابية موالية تقليدياً للحزب كـ"ردكار" و"بولسوفر" و"سدجفيلد". وسمح له ذلك النصر بتجاهل كل معارضة لبريكست الذي سرى رسمياً في الـ31 من يناير (كانون الثاني) 2020، ورحب به جونسون باعتباره "بداية عصر جديد" وإحكاماً لإرثه في كتب التاريخ في شكل إيجابي أو سلبي.
وأعقب ذلك بعد سنة إبرام اتفاق تجارة مع الاتحاد الأوروبي، جرى تأمينه مرة أخرى من خلال تنازل في اللحظة الأخيرة أمام مطالب بروكسل (هذه المرة، في شأن مصائد الأسماك). جاءت شروط ذلك الاتفاق سلبية للغاية للمملكة المتحدة إلى درجة أن الحكومة لم تتمكن حتى الآن من تنفيذها بالكامل، ما سمح للشركات الأوروبية بميزة تلقائية على شركات التصدير البريطانية في التجارة عبر القنال الإنجليزي.
ومن ناحية أخرى، جابت ليز تراس العالم فوقعت عشرات الصفقات التجارية التي لم تتضمن أكثر من نسخ للشروط التي كانت تتمتع بها المملكة المتحدة بالفعل كعضو في الاتحاد الأوروبي، والواقع مثلت الاتفاقات الجديدة القليلة التي أبرمت وفق تقديرات الحكومة ذاتها تعويضاً ضئيلاً عن خسارة أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب بريكست، وتسببت في انزعاج المزارعين القلقين من أن يقوض إنتاجهم الإنتاج الرخيص المستورد من أستراليا ونيوزيلندا.
ثم وصل رئيس الوزراء إلى الأوج مع مرحلة "ملك العالم" بعد ثلاثة أيام من تاريخ بريكست، عبر خطاب ألقاه في "غرينيتش" واستحضر فيه روح بناة الإمبراطورية الذين ارتادوا البحار في القرن الـ18، إذ أعلن بريطانيا "نصيراً قوي التحفيز" للتجارة الدولية. ومن منظور اليوم ومع غرق المصدرين البريطانيين في روتين إداري جديد وتجمع الطوابير في الموانئ وتباطؤ التجارة مع أوروبا يبدو ذلك الخطاب ناضحاً بالغطرسة، والأكثر من ذلك أن تاريخ بريكست تزامن تماماً مع وصول مسألة أخرى إلى المملكة المتحدة، حددت رئاسته للوزراء وتمثلت في جائحة "كوفيد-19".
في غرينيتش، أعلن جونسون بأريحية أن بلداناً أخرى قد تصاب بالذعر، لكن المملكة المتحدة "ستخلع نظارات كلارك كنت [الشخصية الأخرى لسوبرمان. ينزع نظارته ويخلع ملابسه العادية ليبرز كسوبرمان] وتقفز إلى كشك الهاتف وتخرج وعباءتها تتطاير" [إشارة أخرى إلى طريقة تحول كلارك إلى سوبرمان وانطلاقه للعمل]، كي تقاوم القيود المفروضة على حريتها رداً على فيروس كورونا المستجد، واستمرت هذه اللامبالاة حتى حين اتضح في شكل مقلق أن التهديد الذي مثلته جائحة فتاكة على نطاق العالم كان حقيقياً للغاية.
مع تدفق صور المرضى المصابين بـ"كوفيد" وهم يعانون كي يتنفسوا في ممرات المستشفيات الإيطالية، فاخر رئيس الوزراء بمصافحات في عنابر المستشفيات، ورفض وقف مناسبات "ناشرة بقوة للمرض" كـ"مهرجان شلتنهام" [أحد سباقات الخيل الرئيسة في بريطانيا]. ويزعم كامينغز أن تدخلاً من قبل مسؤولين أرعبتهم بيانات أشارت إلى أن هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" ستعاني قريباً من إرباك، كان ضرورياً لإقناع جونسون بالتخلي عن استراتيجية "مناعة القطيع".
ومع حلول تاريخ إعلان أول إغلاق وطني في الـ23 من مارس (آذار) 2020 بتأخر أسابيع عدة وفق ما يعتقده خبراء عديدون، كان "كوفيد" قد انتشر في أنحاء المملكة المتحدة كلها، وكان الناس يعزلون أنفسهم طوعاً ويبتعدون عن الأماكن المزدحمة ويخرجون الأطفال من المدارس. وطوال فترة الإغلاق بدا من الواضح أن رئيس الوزراء قد شعر بعدم الارتياح الشديد لكونه مسؤولاً عن أشد القيود صرامة على الحرية الشخصية التي فرضت على الإطلاق في المملكة المتحدة في غير أوقات الحرب، وإذ أحاط به الوجهان القاتمان والمصممان للمستشارين الطبي والعلمي كريس ويتي وباتريك فالانس في مؤتمرات صحافية متلفزة يومية، بدا من الواضح أنه يقمع حماسته الطبيعية التي انبثقت في توقعات [ربطت بجونسون] بأن بريطانيا من الممكن أن "تحول اتجاه" جائحة كورونا في غضون 12 أسبوعاً.
بعد ذلك جاء اقترابه الخاص من الموت، وبدا أن ذلك ما أفهمه مدى خطورة الموقف واقعياً، إذ أصابه "كوفيد" في الـ27 من مارس وأمضى ثلاثة أيام في العناية المركزة مع اجتهاد موظفي "الخدمات الصحية الوطنية" لإنقاذ حياته، وتبخر أي تعاطف مع رئيس الوزراء حينما علم أن كامينغز أيضاً أصابه المرض، لكنه استجاب لذلك بأن قاد سيارته بعائلته عبر البلاد إلى مقاطعة دورهام في تحد للقيود التي فرضت على المرضى التزام منازلهم. وقد شكل رفض جونسون إقالة مستشاره الذي واجه سخرية حينما زعم أنه زار "قلعة بارنارد" الشهيرة بمناظرها الجميلة "لاختبار بصره"، سبباً في تقويض ثقة عامة الناس في التعليمات الرسمية.
وخلال هذا كله، أنجبت شريكة جونسون كاري طفلها الأول ويلفريد الذي يعتقد بأنه سادس طفل يولد لرئيس الوزراء من سلسلة من العلاقات، أبرم الطرفان عقد زواجها في ما بعد في احتفال سري في "كاتدرائية وستمنستر" في مايو (أيار) 2021 وولدت الطفلة رومي في ديسمبر.
وحملت الاشتباكات الشخصية بين كاري وكامينغز مسؤولية الاستقالة الدرامية لليد اليمنى لرئيس الوزراء في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، ولم يهدئ رحيل كامينغز كثيراً مخاوف النواب المحافظين في شأن الإجراءات الفوضوية في رئاسة الوزراء. وتلا ذلك انتقال المستشار السابق إلى توبيخ جونسون بوصفه "العربة" في سلسلة من التصريحات المؤذية التي تصور رئيساً للوزراء مفتقراً إلى الاتجاه، بل إنه ينتقل من سياسة إلى سياسة أخرى متأثراً بمن تحدث إليه آخر مرة. وذكر كامينغز لأعضاء البرلمان أنه سمع رئيس الوزراء يقول إنه يفضل أن يرى "الجثث تتكدس" بدلاً من الدخول في إغلاق ثالث في أواخر عام 2020، وهو ما أنكره جونسون في شكل قاطع.
وتنفس الجميع الصعداء مع إطلاق اللقاحات ضد "كوفيد- 19" التي سرع نشرها بواسطة فريق عمل بقيادة كايت بينغهام، وتلقت أول لقاحات "فايزر" في العالم مارغريت كينان (90 سنة) في كوفنتري في الثامن من ديسمبر 2020، لكن الموجات المتعاقبة من كوفيد فرضت الإبقاء على القيود حتى الـ19 من يوليو 2021، وكان "يوم الحرية" مسألة مكبوتة إذ كانت أعداد الحالات لا تزال مرتفعة. ودارت مناقشات مريرة داخل مجلس الوزراء قبل أن يؤكد جونسون أن أي إغلاق لن يفرض خلال عيد الميلاد ذلك الشتاء.
حاول رئيس الوزراء ترسيخ مؤهلاته كرجل دولة عالمي، فاستضاف مجموعة الدول السبع في "كورنوال"، ثم ألقى بثقله وراء الأصوات المطالبة بانبعاثات كربونية صفرية صافية في "كوب 26" [أي أنها القمة الـ26 للأطراف الـ197 الموقعة على اتفاق إطاري عن المناخ أقرته الأمم المتحدة في 1992] التي استضافتها غلاسكو في نوفمبر 2021، لكن الآمال الكبيرة المعقودة على التجمع البيئي قوضها كمين نصبته في اللحظة الأخيرة الصين والهند بهدف التخفيف من التخلص التدريجي من الفحم، وجعل رئيس المؤتمر ألوك شارما يبكي.
كانت الأمة لا تزال تخرج من حالات الحرمان التي أفرزتها الجائحة ولا تزال تعمل على تحديد كيفية تسديد فاتورة 400 مليار جنيه إسترليني (461 مليار دولار) المترتبة على برنامج الإجازات المدفوعة وغيره من برامج الدعم، حين انفجرت أزمة أخرى على الساحة العالمية، إذ دفع فلاديمير بوتين بالجيش الروسي إلى أوكرانيا، وعلى رغم أن جونسون أشرف على مراجعة دفاعية وأمنية ركزت على الأمن السيبراني والإرهاب، وعلى رغم أنه أخبر البرلمانيين في نوفمبر أن "معارك الدبابات الكبرى على الكتلة الأرضية الأوروبية انتهت"، إلا أنه أدرك بسرعة الحاجة إلى تزويد كييف بالأسلحة الثقيلة لمقاومة جارتها الميالة إلى القتال، لكن حتى مع تلميع صورته الذاتية التشرشلية مع سلسلة من الزيارات إلى الرئيس فولوديمير زيلينسكي [في كييف]، كانت بذور سقوطه تنشر مع موجة من الكشف عن حفلات وتجمعات اجتماعية استضافها مقر رئاسة الوزراء أثناء الإغلاق.
وتفاقم الغضب الشعبي بسبب إصرار جونسون على التصريح بأن قواعد التباعد الاجتماعي لم تكسر، وتخضع هذه المزاعم الآن إلى تحقيق يشمل ما إذا كان قد ضلل البرلمان ويمكن أن يضع النهاية لسمعته المحطمة. كانت الشكوك حول نزاهته قد نشرها بالفعل خلاف عرف باسم "وولبيبر غيت"، حول التجديد السخي لشقته في "داوننغ ستريت"، ومحاولته إنقاذ صديقه أوين باترسون من العقاب بسبب الفساد، واستقالة مستشاره لشؤون الأخلاقيات بعدما رفض رئيس الوزراء النتيجة التي توصل إليها في شأن ممارسة بريتي باتل التنمر، ثم استقال مستشار ثان كان يتولى شؤون المعايير [المتعلقة بأداء العمل الحكومي]، هو اللورد جيدت في يونيو (حزيران) احتجاجاً على استعداد الحكومة لكسر القانون الدولي.
ومع تغريم جونسون من قبل الشرطة وإرغامه على الاعتذار، تحرك نوابه الذين أصابتهم بالذعر التمردات الانتخابية الزلزالية في "نورث شروبشاير" و"تيفرتون أند هونيتون" المحافظتين سابقاً، ورصوا صفوفهم بهدف تقديم رسائل تدعو إلى حجب الثقة عنه، ونجا من تصويت على حجب الثقة في يونيو، لكن 148 من أعضاء البرلمان (أكثر من 40 في المئة من الإجمالي) أيدوا الجهود الرامية إلى تنحيته.
وكتب ختام مصيره بعد شهر واحد من ذلك، حينما دفعت استقالة ساجد جاويد وريتشي سوناك عدداً كبيراً من الوزراء إلى الخروج. وتمثلت القشة التي قصمت ظهر البعير في إنكار جونسون الذي أمر الوزراء بتكراره علناً لكن عدم صحته ثبت في وقت لاحق، أنه كان على علم بمخاوف في شأن سلوك كريستوفر بينشر قبل أن يترك نائب المسؤول عن الانضباط الحزبي للنواب المحافظين منصبه.
وخلافاً للمخاوف من أنه قد يستخدم الأسابيع المتبقية له في المنصب لإحداث "مذبحة" [بمعنى اتخاذ قرارات بشأن أمور أساسية هي موضع خلاف واسع]، بدا الأمر كأن جونسون اعتبر إسقاطه ذريعة لوضع حكومته في "غيبوبة" ثم الذهاب في عطلة، وعلى رغم الجهود الرامية إلى تعزيز إرثه من خلال إعلانات تتعلق بالطاقة النووية والنطاق العريض والغواصات في الأسبوع الأخير من ولايته، إلا إنه من المرجح أن تبقى صورة رئيس الوزراء على الشاطئ أثناء أزمة تكاليف المعيشة في ذهن عامة الناس.
بالتالي يترك جونسون منصبه فيما بريطانيا تواجه ركوداً عميقاً، وتخشى عائلات الفقر المدقع، وتوشك آلاف الشركات على إغلاق أبوابها بسبب فواتير الطاقة المرتفعة جداً. وتبدو خططه حول تحقيق المساواة أكثر قليلاً من مجرد شعار بعد إلغاء وصلات رئيسة للسكك الحديد في الشمال، وعدم بناء معظم المستشفيات الجديدة الـ40 التي وعد بها، معظم المشاريع في الواقع عبارة عن تجديدات أو أجنحة جديدة، والتشكيك في مستقبل خططه الصفرية الصافية في ظل خليفته.
سيتذكره الناس لإنجازه بريكست، لكن قد يتبين على نحو متزايد أن هذا الأمر نفسه يشكل علامة سوداء في سجله، إذا فشلت المنافع الموعودة في التبلور. وإذا كان محظوظاً سيتذكره الناس لتلقيح الأمة ضد كورونا أكثر من تعريضه آلافاً إلى المرض بسبب تأخير القرارات، ويبدو هذا كله بعيداً كل البعد من الرؤى البطولية والخطابة الصاخبة المتفائلة التي رفعته إلى السلطة في المقام الأول.
© The Independent