Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقتدى الصدر... رمز يقود آلاف الأنصار

مرجعيته تستند إلى الإرث الشيعي القديم والظرف السياسي للعراق منذ 2003

يحظى مقتدى الصدر بقاعدة شعبية واسعة في العراق  (أ ف ب)

لم يحصل رجل دين شيعي عراقي في العصر الحديث على حظوة ونفاذ في الطائفة بالبلاد كالتي حصل عليها مقتدى الصدر ساعده على ذلك عاملان رئيسان، الأول يتمثل في الظرف السياسي الذي عاشه العراق بعيد 2003 إبان الغزو والاحتلال الأميركي، والأخير انتقال العاصمة المعنوية لشيعة العراق إلى النجف التي صارت مسرى عيون وتطلعات المكون الشيعي على أمل الحصول على الحل لأزمة البلاد وسقوط بغداد للمرة الأولى بعد 82 عاماً على إعلان الدولة العراقية في 1921، إضافة إلى الفراغ الكبير الذي ولده الاحتلال ومرأى الدبابات والجنود الغربيين في عموم مناطق البلاد واستباحته. 

 


أسرة الصدر مرجعية عراقية 

وجد الناس في أسرة الصدر ذات الإرث العربي فناراً يقتدون به في ظل مرجعية نجفية يقودها وقتها علي السيستاني الذي ظل مرجعاً روحياً شرعياً لا سياسياً لشيعة العالم، وهو من مدينة سيستان غرب إيران ويحظى بتقدير شيعة العراق وتقديسهم لشخصه. 

وكان نفوذ أسرة الصدر يتوزع ليس على العراق وحده، بل نافذة أيضاً في لبنان وسوريا وبلاد أخرى، لكنها في الغالب أسرة عراقية انحدرت من الحجاز، ولديها مرجعان كبيران في التاريخ العراقي المعاصر هما محمد باقر الصدر، مؤسس حزب الدعوة الإسلامية، ومحمد صادق الصدر والد مقتدى. أعدم الأول وشقيقته بنت الهدى عام 1979 جراء اتهامه بالتخابر مع الخميني الذي يحرضه على الثورة، واغتيل الأخير عام 1989 مع ثلاثة من أشقائه.

طفولة معذبة ووحشة اليتم 

ترك اغتيال والده محمد صادق الصدر وأشقائه أبلغ الأثر في نفس مقتدى، وهو في عمر 15 سنة وترك وحيداً إلا من بعض مريدي والده في أسرة يلفها السواد ويحيطها خطر السلطات المتعاقبة والمرجعيات الدينية التي لا تحبذ مرجعاً عربياً، وتجد في أسرة الصدر عرقاً مرجعياً عربياً  يتهدد الساسة ومراجع الدين غير العرب في آن، كما يؤكد خبراء كثر إذ كان جل المراجع أمثال بشير النجفي وإسحاق الفياض البروجردي من أصول أعجمية، تحول دون إسباغ المرجع الأعلى للصدر العربي، لا سيما الذي حظي بقبول مجتمعي غير مسبوق كمرجع عربي.

 تمنت السلطات العراقية خلال حرب الثمانينيات مرجعاً عربياً ودعمت هذا التوجه علها تخرج المرجعية الدينية في العاصمة الدينية النجف من عباءة الأعاجم إلى العباءة العراقية، كي يقود المرجعية الدينية في النجف.

مرجع عربي أمام مراجع أعجمية 

فمنذ حياة أبي القاسم الخوئي الذي يعد أحد أفضل المراجع علماً واعتدالاً، أرادت القيادة العراقية في التسعينيات محمد صادق الصدر مرجعاً لشيعة العراق وفتحت له في البدء يد المساعدة وتغليب موقفه.

يقول مصدر أمني عراقي سابق لـ"اندبندنت عربية"، طلب حجب اسمه، "كنا نعول على أن يكون هناك مرجع عربي في النجف، وجاءتنا توجيهات مشددة بفتح كل سبل التعاون مع مرجعية محمد الصدر العربية، عندما أعلن قيام صلاة الجمعة التي لا تقام في ظل حاكم جائر عام 1997 وعمت جميع المساجد والحسينيات العراقية، بخاصة في المناطق الوسطى والجنوبية، إضافة إلى العاصمة بغداد وكانت خطوة مهمة للنظام السياسي استبشرنا بها خيراً، وكانت الأجهزة المتخصصة تتخطى روتين قبول من يرشحهم الصدر للدراسة في الحوزة العلمية الشيعية حتى بلغت أعداد طلاب الحوز في عهد الصدر للمرة الأولى ألف دارس وضمت طلاباً عرباً وعراقيين وقليلاً من الأعاجم".

 يضيف المصدر، "لكني أجزم أن قيام صلاة الجمعة جماعة أثار حفيظة مرجعية إيران والاستخبارات الإيرانية وقتها بحيث وجدت في خطوة الصدر إقامة صلاة الجمعة اعترافاً من الحوزة بأن الحاكم عادل، فقرروا اغتيال الصدر، حتى إن الرئيس صدام أمر حاكمية جهاز الاستخبارات بعدم إجراء أي تحقيق مع المتهمين بقتل الصدر، إلا بحضور ممثل عن آل الصدر مع القائم بالأعمال الإيراني 1989، وقد حضرت اعتراف شخصين بقيامهما بالجريمة، وهما طالبان عراقيان من أصول إيرانية مجندان من الاستخبارات الإيرانية ونشرت اعترافاتهما في أجهزة الإعلام العراقية وقتها عن الجهة التي جندتهما. وبعد مقتل والده فإن الأمر بات يدار من المرجع السيستاني، ولكن الدولة كانت تنظر بأسف إلى ما حدث للمرجع العربي الذي لا تعوض خسارته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ظل مقتدى المفجوع بمقتل أسرته متوارياً في بيته بالحنانة في النجف لا تفكر السلطة وقتها بأي دور محتمل له، يعيش في كنف أتباع ومريدي والده، القريبين من الحوزة الشيعية، لكن لاسمه سحراً خاصاً على الرغم من صغر سنه، كونه الوريث الأهم لبيت الصدر، هو وابن عمه جعفر المعتكف في الكاظمية ببغداد.

الاحتلال والتيار 

عند سقوط النظام العراقي والاحتلال الأميركي لبغداد التف حول مقتدى الصدر كثير من أتباع والده، بخاصة من مدينة الصدر والكوفة والمحافظات الجنوبية قاطبة لأسباب منها تمجيد دور والده المرجع الكبير والاحتماء به كي لا تطالهم الملاحقة من الأحزاب الآتية من إيران، خصوصاً أنهم كانوا نواة لتيار سياسي قديم وجديد باسم التيار الصدري الذي شكل أول قوة عسكرية باسم "جيش الإمام المهدي" الذي أعلن مقاومته للاحتلال، وتمركزوا في مدينة الصدر وغرب بغداد في حي الشعلة العمالي والمناطق والأحياء ذات الغالبية الشيعية في بغداد والمناطق الجنوبية، لا سيما البصرة والناصرية وبقية المحافظات في الفرات الأوسط، حتى إعلان الدستور عام 2005 والانتخابات العامة، فدخل الصدريون مع الائتلاف الشيعي بقائمة "سائرون"، وجاء عهد حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي ليدخلوا عالم المحاصصة السياسية ويتمكنوا من الانخراط بوزارات الدولة، لكن الصدر بين حين وآخر يسحب وزراء كلما عرف أن الفساد عم في حكومة من الحكومات الخمس التي مرت.

انتهج الصدر سياسة التعبئة المستمرة لأتباعه والتحكم المطلق بقرارات التيار الصدري الذي هو تيار ديني سياسي، له ممثلون في مجلس النواب العراقي وهيئات متخصصة تسير أمور التيار وتشكيلاته، تمثل ثلاثة تشكيلات مسلحة أبرزها "جيش المهدي" وأقواها سرايا السلام التي لديها ثلاثة ألوية قتالية مرتبطة إدارياً ومالياً بالحشد الشعبي تأسست بعد ظهور "داعش"، وهي قوة وجدت للدفاع عن المساجد والمراقد الدينية، وقوة خاصة اسمها "اليوم الموعود" لم تعلن طبيعة مهماتها، وكلها تشكيلات تديم زخم قوته ووجوده أمام تشكيلات منافسة أسستها إيران بعدما خرجت من "جيش المهدي" كـ"العصائب" و"كتائب الإمام علي" و"النجباء" وغيرها من الميليشيات بعضها مرتبط بالحشد الشعبي وأخرى غير مرتبطة به. الغريب أن كل الميليشيات الولائية خرجت من "جيش المهدي" منذ عام 2003 ثم استقلت عنه ودخلت كمنافسة عسكرية وسياسية ومالية.

أتباع مخلصون وطاعة مطلقة 

كبرت حظوة الصدر بمئات آلاف الأتباع المخلصين له الذين عرفوا بالطاعة التامة والولاء منقطع النظير والحب له ولأسرة الصدر والخضوع لقراراته وتوجيهاته من دون مناقشة أو مجادلة أو رأي مخالف، وهذه ظاهرة غير موجودة في أي تشكيل سياسي عراقي منذ تأسيس الدولة، فمراجعة قرارات الصدر التي تصدر بما يسميها "كصكوصة" وهي وريقة صغيرة بحجم الكف يكتبها الصدر، تقيم الدنيا في العراق ولا تقعدها إلا بكصكوصة لاحقة تغير تعليمات سلوك الصدريين وتمدد مواقفهم.

وأغرب ما اتخذه الصدر من قرارات بحسب تقييمات السياسيين والبرلمانيين الحلفاء منهم والخصوم قرار سحب نواب كتلته من البرلمان البالغ عددهم 72 يمثلون الغالبية في دورته الأخيرة، لكنه لم يكتف، بل أوعز إلى جمهور التيار بالتظاهر واقتحام المنطقة الخضراء ودخول البرلمان والحيلولة دون عقد جلساته وتفويت الفرصة على "الإطار التنسيقي" بقيادة خصمه المالكي من اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ثم بعد ذلك السيطرة على مبنى القضاء الأعلى وتعطيل القضاء في العراق، لتختتم الخطوات باستقالته النهائية وخروجه من الحياة السياسة تماماً كما صرح، مما جعل أتباعه يخرجون بمئات الآلاف ليقتحموا القصر الجمهوري وغرفه ويعطلوا عمل الحكومة، ويحدث صدام دموي بين المتظاهرين والقوة التي تحرس بيت المالكي في المنطقة الخضراء، والمؤلفة من لواء مسلح وأمن "الحشد الشعبي" وقوات مكافحة الشغب، لترد "سرايا السلام" جناح التيار الصدري المسلح باقتحام المنطقة الخضراء وإسقاط ست محافظات بدعوى الدفاع عن المتظاهرين.

خطاب الانسحاب 

لكن الصدر الذي يراقب بحذر وباهتمام ما يحدث أدرك أن الأمور قطعاً ستؤدي إلى صدام شيعي - شيعي، فاضطر إلى قطع اعتكافه عبر خطاب متلفز اعتذر فيه للشعب، وأوقف أنصاره خلال ساعة واحدة فقط وطالبهم بالانسحاب ووصف ذلك بـ"حقن دماء العراقيين وهو تمهيد ذكي لحل البرلمان العراقي من قبل المحكمة الاتحادية".

وأشاد بموقفه هذا نجرفان بارزاني، رئيس وزراء إقليم كردستان الذي قال "نطالب الصدر بإنهاء كل التوترات وسحب أنصاره من المنطقة الخضراء"، في وقت أشار الكاتب ناجي الزهيري إلى أنها "المرة الأولى التي يحظى فيها خطاب الصدر بالترحيب الوطني والدولي الشامل". 

السؤال الذي يطرحه كثير من المراقبين يرجح بأن الصدر لن يترك السياسة إلى التصوف الديني كما يذكر مرات، فهو لاعب سياسة باحترافية عالية، تمكن من خلخلة البنية الهشة للقوى المنافسة التي تسعى إلى حكم العراق، وأحرجها حين طلب تشكيل حكومة من دون كل السياسيين والوزراء والرئاسات والدرجات الخاصة والبرلمانيين، بما في ذلك تياره الصدري وتشكيل حكومة وطنية من مستقلين، لها كل الحق في إجراء انتخابات عادلة.

الصدر المعمم تمكن من لعب دور أكثر خطورة على بقية القوى السياسية وسبق قادتهم بخطوة واحدة على الدوام وقض مضاجعهم في المنطقة الخضراء التي ما عادت خضراء ومقفلة على جمهوره الذي يتمكن من دخولها متى شاء ويخرج منها متى قرر.

 

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل