Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فن الشارع في المغرب... استجداء أم "مواهب متمردة"؟

يتطلب بعض الجرأة لأنه بلا قوانين تحكمه ونقاد: ليس احتجاجاً ولا تسولاً مقنعاً

يقدم شباب مغاربة هذه العروض الفنية المتنوعة في الشوارع أمام جمهور في ما يشبه مسرحاً حراً متحركاً (اندبندنت عربية)

تضج ليالي الصيف في شوارع المدن السياحية في المغرب بكثير من الحياة وغير قليل من الحركة والدينامية، بفضل ما يمكن تسميته بعروض أو فنون الشارع، حيث يعرض شباب مواهبهم الموسيقية الراقصة أو الرياضية أمام جمهور مكون في الغالب من سياح الداخل أو الأجانب.

وتضفي عروض الشباب في مجال العزف والرقص بمختلف ألوانه، أو الحركات الرياضية البهلوانية، رونقاً جميلاً وخاصاً على شوارع المدن السياحية في المغرب في ليالي الصيف القائظ، حيث يقضي الجمهور وقتاً ممتعاً في مشاهدة العروض والفنون الشبابية المختلفة.

ويتحول عديد من الشوارع الرئيسة، خصوصاً التي تحاذي "الكورنيش" على الساحل، إلى محج للعروض الفنية التي يقدمها شباب صغار السن مجتمعين أو متفرقين، أمام جمهور يستهويه الرقص الشبابي، والحركات "الأكروباتية" المثيرة، وغيرها من العروض التي عادة لا يشاهدها الناس في الشوارع إلا في مثل هذه المناسبات.

طلب أموال الجمهور

يقدم شباب مغاربة هذه العروض الفنية المتنوعة في الشوارع أمام جمهور في ما يشبه مسرحاً حراً متحركاً، حيث يتنقل هؤلاء الشباب بين مكان وآخر في المدينة نفسها من أجل تقديم عروضهم أمام أكبر عدد ممكن من الناس بهدف نيل تصفيقات أكثر، لكن بالخصوص نقود وأموال أكثر.

وفي الوقت الذي يكتفي فيه عدد من الشباب المستعرضين لمواهبهم في الرقص والحركات البهلوانية بتقديم ما في جعبتهم من "شو"، من دون طلب مباشر للنقود من الجمهور المتحلق حولهم، لكن بوضع "قبعة" وسط الساحة لجمع إسهامات الناس، يفضل آخرون التوجه مباشرة إلى الجمهور الحاضر لجمع المال.

في هذا الصدد قال حمزة، وهو شاب في بداية عقده الثاني، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إنه اتفق مع عدد من أصدقائه الذين يحسنون "رقص الشارع" على إقامة عروضهم في ليالي الصيف متنقلين بين مدن شمال المملكة، خصوصاً طنجة والمضيق ومارتيل وحتى تطوان.

وأشار حمزة إلى أنه في البداية واجه نوعاً من الارتباك والحاجز النفسي في مواجهة جمهور الشارع عند تقديم عروضه الراقصة رفقة أصحابه"، مضيفاً "الارتباك كان مرده أنه لم يسبق له أن واجه جمهوراً أو قدم عرضاً أمام أحد، بالتالي كان يخشى من رد فعل الناس هل سيقبلونه ويشجعونه أم أنهم سيرفضون ما يقوم به بمعية أصدقائه".

ولفت إلى أن تقديم فنون أو عروض الشارع يتطلب بعض الجرأة، لأن الشاب يقف أولاً في الشارع وليس على المسرح، والشارع ليس له قوانين تحكمه وجمهوره مختلف تماماً، فقد يحدث أن يهاجمك شخص أو متشرد أو تسمع كلاماً جارحاً، أو حتى يطاردك أعوان السلطة بدعوى عدم الحصول على رخصة مثلاً لإقامة هذه التجمهرات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويلتقط شاب آخر يدعى "السيمو" خيط الحديث من سابقه ليقول في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن العروض الفنية في الشارع تتأرجح بين ميزات وسلبيات، فالإيجابيات تتمثل في إبراز الشباب مواهبهم بشكل حر، وإقامة العروض من دون تكاليف مالية، لكن المشكلات تتمثل في شح العائد المالي من هذه العروض، وأيضاً احتجاج بعض السكان من استخدام الشباب لمكبرات الصوت، ما يؤدي أحياناً إلى اصطدامات مع رجال السلطة.

وسبق لشرطة الدار البيضاء أن اعتقلت قبل أشهر شابين بسبب شكاوى السكان من استخدام مكبرات الصوت في عروضهما الفنية في الشارع، فحصل شجار بينهما وبين عناصر الشرطة التي حاولت مصادرة آلاتهما الموسيقية، كما سبق منع أحد العروض الموسيقية لأشهر فناني الشارع في المغرب "حفيظ وسلمى" بمدينة شفشاون عام 2018.

وشكلت هذه التضييقات على بعض فناني الشارع مادة دسمة في مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت جدلاً واسعاً حينها بخصوص مدى اعتبار السلطات فن الشارع نوعاً من الاحتجاج الفني والاجتماعي على بعض الظواهر والقرارات.

انحسار فن الشارع

الناقد الكاتب الفني فؤاد زويريق قال إن فن الشارع لم يكن مصطلحاً غريباً ولا ظاهرة استثنائية في المغرب، فقد عرفناه منذ نشأته في القرن الـ19 الميلادي حتى إنه صنف من طرف منظمة "اليونسكو" كتراث إنساني مشترك.

وأضاف زويريق، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، أن هذا دليل على أن فن الشارع متجذر في ذاكرتنا المغربية الجمعية الشعبية"، لافتاً إلى أنه "فن اعتدنا عليه تحت عنوان فن الحلقة بكل ألوانها من موسيقى وغناء ورقص وحكي".

واسترسل الناقد بأن "كل من لديه مهارات معينة أو موهبة باستطاعته عرضها في الشارع والساحات والأحياء والأسواق وأمام المقاهي ويمتع بها رواد هذه الأماكن وفي الوقت نفسه يكسب بها قوت يومه، بل أكثر من هذا كان في وقت مضى في ساحة جامع الفناء بمراكش، نجوم مشهورون بهذا النوع من الفنون، أسماؤهم متداولة ومعروفة ومنتشرة بشكل كبير.

وأبدى المتحدث أسفه من كون هذه العادة الفنية الجميلة والممتعة انحسرت وانحصرت في أماكن بعينها وخفت إشعاعها، وصارت أكثر انتشاراً في الدول الغربية، إذ لا تخلو ساحة عامة فيها من عروض الشارع بشكل قانوني منظم، فأعاد استنساخها الشباب المغربي بشكلها الحداثي وحاول نشرها في شوارع وساحات المملكة".

واستدرك زويريق بأن هذا الشباب الممارس لفنون الشارع اصطدم بتعقيدات أمنية وقانونية منعته من مزاولتها بشكل سلس وأكثر أريحية، فتقوقعت هذه العروض بالتالي في أماكن محدودة جداً، مما أصاب الشباب المغربي بخيبة أمل كبيرة".

ليست احتجاجاً

قال النقد الفني "ما بين فن الحلقة في المغرب، الذي صنع نجومه ونسج ذاكرته داخل المخيال الشعبي المغربي، وفنون الشارع بصيغتها الحديثة بشوارع أوروبا، توقف الزمن بشبابنا المغربي الموهوب الذي يفتقر إلى قنوات ووسائل يعرض من خلالها مواهبه، وأغلق حتى الشارع في وجهه".

وأشار إلى أن "أغلب المدن المغربية لا تعرف فن الشارع إطلاقاً، على الرغم من أنه يحتفى به في الغرب وتنظم له مهرجانات وتظاهرات كبرى ويروج لنجومه"، مضيفاً أن هذا النوع من الفن والعروض في الشارع يعد ظاهرة صحية، ويتعين على الدولة تشجيعها".

وبخصوص ما يثار بشأن توجه فنون الشارع إلى خلق نوع من الاحتجاج على الدولة، شدد زويريق على أن "هذا النوع من الفنون ليس تمرداً على السلطات، ولا على النظام العام بقدر ما هو وسيلة لفتح المجال للشباب الموهوب ونشر الفرحة والمتعة بين الناس، وتقريب الفن من المواطن وجعله أكثر احتكاكاً به".

وأما عن ظاهرة طلب الشباب الممارس لفنون الشارع أموالاً من الجمهور، فأفاد زويريق بأن الأمر لا يتعلق أبداً بتسول مقنع كما يدعي البعض، فمن حق أي فنان ومبدع كسب قوت يومه بموهبته، لأن هكذا كانت الحلقة وما زالت في المغرب، وهكذا الأمر أيضاً في الدول الغربية".

وخلص الناقد الفني إلى أن "فنان الشارع مثله مثل الفنان يعرض فنه في المسرح وفي التلفزيون وفي وسائل أخرى، هو فنان في الأخير يستحق أن يعيش من فنه"، وفق تعبيره.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة