Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موسكو تتوعد بلدان البلطيق بمصير ربما مشابه لأوكرانيا

منصات إعلامية روسية تشن حملة تهديد ووعيد ضد إستونيا ولاتفيا وليتوانيا فهل تعبر عن الكرملين؟

عادت إستونيا لتتبعها لاتفيا وليتوانيا إلى صدارة البلدان التي ترفع لواء العداء لروسيا (أ ف ب)

مثلما تزعمت دول البلطيق حملات الدعوة إلى الانفصال عن الاتحاد السوفياتي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، عادت إستونيا لتتبعها لاتفيا وليتوانيا إلى صدارة البلدان التي ترفع لواء العداء لروسيا ولبسطاء مواطنيها ممن يرومون مجرد السياحة وحرية التنقل، عقاباً لهم لكونهم مجرد مواطنين روس يحملون الجنسية الروسية. وها هو غابريليوس لاندسبيرجيس، ابن نجم المعارضة الليتوانية -السوفياتية السابقة، فيتاوتاس لاندسبيرجيس، أول رئيس لجمهورية لاتفيا بعد انفصالها عن الاتحاد السوفياتي السابق في خريف عام 1991، يطرح اقتراحه الذي وصفه معارضوه داخل ليتوانيا وخارجها بـ"العبثية" و"المرض الخطير"، حول عدم السماح للروس بدخول ليتوانيا، إلا بعد الإجابة عن سؤال حول مدى "حقيقة" ملكية روسيا لشبه جزيرة القرم، وكانت مصادر ليتوانية سبق ونقلت عن لاندسبيرجيس ما قاله حول "أحقية حرس الحدود وضباط الجوازات في الموانئ والمطارات، في "سؤال المواطنين الروس عن موقفهم من تصرفات روسيا في أوكرانيا، وتوضيح مدى حقيقة انتماء شبه جزيرة القرم ومشروعية ضمها إلى روسيا الاتحادية". وقال لاندسبيرجيس أيضاً، بضرورة "أن يعلن كل روسي راغب في دخول ليتوانيا عن رفضه للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وعن اعترافه بأوكرانية شبه جزيرة القرم".

وكانت بلدان البلطيق أول بلدان الاتحاد السوفياتي السابق التي حظيت بحق "الاستقلال" عن الاتحاد السوفياتي السابق في سبتمبر (أيلول) 1991، قبل الإعلان رسمياً عن "انهيار" الدولة السوفياتية في نهاية ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه. والتزاماً بثأر قديم تبنت هذه الجمهوريات الثلاث نهجاً معادياً لروسياً بلغ حد ملاحقة كل من يحمل الجنسية الروسية، إلى جانب حظر استخدام اللغة الروسية وإغلاق المدارس ورياض الأطفال لأبناء الروس. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، إذ تجاوزته السلطات الرسمية باستصدار القوانين والتعليمات التي تقضي بإزالة كل التماثيل والنصب التذكارية السوفياتية في شوارع وميادين كبريات المدن والعواصم الثلاث، وملاحقة كل من يثبت ولاؤه أكثر إلى روسيا ويتبنى رأياً أو وجهة نظر تقترب في جوهرها من سياسات الدولة الروسية، ما يبدو دعوة سافرة إلى استعادة "محاكم التفتيش"، وممارسات القرون الوسطى.

شعارات حول الحرية

وما إن اندلعت الأزمة الأوكرانية وأعلنت روسيا عن "عمليتها العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، حتى كشفت بلدان البلطيق عن موجة جديدة من الكراهية لكل ما هو روسي، بدأتها بملاحقة كل الناطقين بالروسية والإعلان عن دعمها العسكري والمادي لأوكرانيا الرسمية، والسماح بمرور عتاد وأسلحة "الناتو" والبلدان الغربية إلى أوكرانيا عبر أراضيها، قبل اتخاذ قرارها بشأن حظر دخول حاملي جوازات السفر الروسية إلى أراضيها، ومنع صرف التأشيرات السياحية، بل وعدم الاعتراف بتأشيرة "شينغن" التي صرفتها بلدان أوروبية أخرى، وهو موقف أعلنت عنه بلدان أخرى في "الاتحاد الأوروبي"، ومنها تشيكيا التي طالبت كثير من المواطنين الروس المقيمين فيها بالتخلي عن الجنسية الروسية شرطاً لمد فترة تصاريح العمل لديها، فضلاً عن أوكرانيا التي سبق وتبنى رئيسها فولوديمير زيلينسكي إصدار قانون ينص على حظر استخدام اللغة الروسية، ليس فقط في المؤسسات الحكومية والهيئات الحكومية، بل وأيضاً في المتاجر والمطاعم ووسائل النقل العام.

ولم تكن روسيا وأجهزتها الرسمية والإعلامية لتلتزم الصمت وتقف بمعزل عما يجري في هذا الشأن، وكانت البرامج الإعلامية "شبه الرسمية" المعروفة بعلاقاتها الوثيقة بالكرملين أول من بادر بإعلان موقفها من هذه الظاهرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا الصدد، نشير على سبيل المثال لا الحصر، إلى ما يبثه الإعلامي فلاديمير سولوفيوف من برامج يومية وأسبوعية تلفزيونية وإذاعية، فضلاً عن التي تصدر عبر قنوات التواصل الاجتماعي، ويستضيف فيها جنرالات استخبارات إسرائيلية وغير إسرائيلية، ودبلوماسيين، من مواطني روسيا السابقين والحاليين، إلى جانب العسكريين وأعضاء مجلس الدوما، وغيرهم من كبار المفكرين وصغارهم، وقد رد في برنامجه "بث مباشر"  على "عبثية" ما فرضته بلدان أوروبية وسوفياتية سابقة كثيرة من قيود على منح التأشيرات للمواطنين الروس ومنعهم من استخدام اللغة الروسية في محال إقامتهم، فضلاً عن تهديدهم بمصادرة عقاراتهم وممتلكاتهم. انتقد سولوفيوف تصرفات وقرارات المسؤولين في هذه البلدان، وهددهم وبلدانهم وحلف "الناتو" الذي ينتمون إليه بحرب نووية، بل ومضى في تهديداته ليقول بنبرة شديدة الحدة، "من أنتم؟ أنتم بقايا النازية البلطيقية! هل تريدون منعنا نحن الشعب الروسي من التحدث بلغتنا، على الرغم من أن 40 في المئة ممن يعيشون في لاتفيا هم من المتحدثين بالروسية؟ هل تريدون حظر استخدامها من قبل نسبة كبيرة من أولئك الذين يعيشون في ليتوانيا، وممن يعيشون في إستونيا؟ هل تريدون انتهاك حقوق الأقليات العرقية؟". واستطرد الإعلامي اليهودي الروسي ليشير إلى ما قيل إن تركيا أعلنته رداً على أي من تسول له نفسه التطاول على حقوق "التركمان"، قال ما نصه، "إذا انتهكت حقوق التركمان، فإنهم يرسلون قواتهم. لقد دفعوا بها إلى سوريا (على عمق 30 كيلومتراً) على ما يبدو لحماية حقوق التركمان، حسناً، نرسل الآن قوات لحماية التركمان لحماية السكان الناطقين بالروسية". 

دول البلطيق

ولم ينج الرئيس البولندي أندريه دودا من انتقادات سولوفيوف اللاذعة التي صبها على رؤوس كل خصوم روسيا داخل أوروبا وما وراء حدودها، وخلص الإعلامي اليهودي الروسي إلى تساؤله عما إذا كان "الناتو" مستعداً لخوض الحرب في روسيا، وليختتم جولاته وصولاته بتساؤل آخر: "من أنتم؟ دول البلطيق بأكملها مع فنلندا؟ أريد حقاً أن أفهم، عندما يطرح سؤال من جانب الناتو، هل يفكرون بما إذا كانوا مستعدين لخوض حرب نووية بسبب حماقة دول البلطيق؟".

وعلى الرغم من عدم تبني الأجهزة الرسمية للدولة لمثل هذه المواقف شديدة التطرف، فإن الإعلان عنها من جانب معلقين وإعلاميين معروفين بعلاقاتهم الوثيقة بالكرملين، يمكن أن يكون مثار تساؤلات حول من يقف وراء مثل هذا الإعلامي اليهودي الروسي الذي يبدو دائماً شديد الحرص على الإعلان عن يهوديته في كل حلقة من حلقات برامجه الكثيرة، بمناسبة ودون مناسبة. وهو ما يستدعي أيضاً ضرورة التوقف عند ما يتعمد إعلانه من "تسريبات" ينسبها إلى مصادر "مجهولة الهوية"، تبدو معظمها في حاجة إلى تفسيرات "رسمية"! ومن هنا يتساءل كثير من المراقبين داخل روسيا وخارجها، عن حقيقة مواقف الأجهزة الرسمية للدولة الروسية من هذه "التسريبات"، ومنها ما قيل ويقال حول مستقبل علاقات روسيا ليس فقط مع هذه الجمهوريات الثلاث وغيرها، بمن فيها من يحسبون أنفسهم ضمن "زمرة أصدقاء روسيا التاريخيين".

الشجب والتنديد

الجدير بالذكر أن مجلس الدوما (البرلمان الروسي) سبق وأعلن عن موقفه من بلدان البلطيق في أكثر من قرار وموقف رداً على كثير من مظاهر العداء لروسيا ولغتها ومواطنيها والناطقين باللغة الروسية في هذه البلدان، وتوقف أعضاء كثيرون بالشجب والتنديد والنقد عند عدد من قرارات إستونيا ومنها ما يتعلق بإعادة رسم الحدود، وإزالة التماثيل والنصب التذكارية الروسية والسوفياتية، فضلاً عما عادوا وأعلنوه رداً على قرار حظر ليتوانيا عبور أراضيها بالسكك الحديدية من وإلى كالينينغراد، لعدد من السلع المدرجة في الحزمة الرابعة من عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا الاتحادية، وكان عدد من أعضاء مجلس الدوما ومنهم النائب يفغيني فيدوروف، طرح اقتراحه حول إلغاء قرار مجلس دولة الاتحاد السوفياتي لعام 1991 حول الاعتراف باستقلال ليتوانيا، في الوقت الذي أشار فيه معلقون إلى احتمالات أن يجنح الكرملين صوب طريق إعلان الحرب أو حصار الميناء الليتواني الوحيد كلايبيدا، وهو ما سارع أرفيداس أنوسوسكاس وزير الدفاع الليتواني، إلى إعلان وجهة نظر معاكسة، داعياً إلى التخفيف من حدة الموقف بقوله "دعونا لا نفقد القدرة على فصل المعلومات المضللة والدعاية عن الفرص الحقيقية".

وعلى صعيد المجالس النيابية في جمهوريات ومقاطعات وأقاليم روسيا الاتحادية، ومنها جمهورية شبه جزيرة القرم، أعلن ألكسي تشيرنياك، أحد أبرز نواب مجلسها النيابي، عن اقتراحه يوم الأربعاء 24 أغسطس (آب) الحالي، بإلزام سكان بلدان البلطيق لدى دخولهم روسيا الإجابة كتابياً عن عديد من الأسئلة، ومنها حقيقة موقفهم من انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، والرأي في "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا. وعلى الصعيد الدبلوماسي، وإلى جانب ما أصدرته وزارة الخارجية الروسية من بيانات شجب وإدانة، ننقل ما قاله ميخائيل فانين، سفير روسيا الاتحادية في لاتفيا، حول إن السفارة أعدت مقترحات بشأن الإجراءات رداً على إزالة النصب التذكاري للمحاربين السوفيات من محرري العاصمة اللاتفية ريغا من النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية. قال السفير في حديث لقناة "روسيا 1" الإخبارية الرسمية، "نحن نوجه أفكارنا ومقترحاتنا إلى موسكو"، مضيفاً أن الإجراءات "تتسم بطابع دبلوماسي واقتصادي".

لكن ما يتردد من أفكار غير معلنة وتهديدات غير مباشرة يظل في إطار مشابه لما جرى في أوكرانيا، ثمة من قال ويقول إنه ينذر بضياع "وضعيتها كدولة مستقلة ذات سيادة"، وهو ما سبق وحذر منه الرئيس فلاديمير بوتين في أكثر من مناسبة منذ مطلع القرن الجاري، وصارح به في حينه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، فضلاً عما عاد وأعلنه في إطار تعليقاته على إصرار السلطات الأوكرانية على عدم تنفيذ ما جرى التوصل إليه من اتفاقات تحمل اسم "اتفاقيات مينسك-1"، واتفاقيات "مينسك-2"، في عامي 2014 و2015. ناهيك عما تردد خلال الأيام القليلة الماضية في إحدى حلقات "Soloviov Live" "بث مباشر"، بشأن ضرورة التفكير في العودة إلى حدود الاتحاد السوفياتي السابق، وتحديداً، ما يتعلق منها بحدود "حلف وارسو" في أجزائه التي تقع غرب بولندا والمجر ورومانيا وهي كلها بلدان تقع اليوم في "حوزة" حلف "الناتو"!

فهل تصدق التوقعات؟ تساؤل ثمة من يقول إن محاولة الإجابة عنه تفرض حتمية العودة إلى ما سبق وقاله الرئيس بوتين في احتفالات روسيا بالذكرى 350 لميلاد بطرس الأعظم مؤسس روسيا الحديثة، حول "إن روسيا تستعيد أراضيها، وتقوم بتدعيم أركانها"، الأمر الذي قد يميط اللثام عن كثير مما يتناثر من وثائق ومعلومات، بين ثنايا التاريخ القديم منه والحديث.

المزيد من تقارير