Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دول البلطيق هل تكون هدف روسيا الثاني بعد أوكرانيا؟

يشعر أهل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا بالخوف من أن يكونوا في خطر

  قد تبدو الأحداث التي تتكشف فصولها في أوكرانيا عند النظر إليها من باريس أو لندن أو واشنطن وكأنها حرب باردة جديدة ترتسم معالمها في أوروبا.

  إلا أنها تبدو أسوأ من ذلك بكثير من منظار دول البلطيق.

  وبالنسبة إلى أبناء إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، لا سيما أولئك الذين عاشوا في ظل الاتحاد السوفياتي، فقد أثارت عدوانية روسيا حيال أوكرانيا شيئاً من القلق في نفوس بعضهم، إذ يخشون أن يكونوا هدفها التالي. وقد أعادت التوترات إلى البال ذكريات الترحيل الجماعي والقمع.

 قال جونيوس كازلاوسكاس، البالغ من العمر 50 سنة، وهو أستاذ في فيلينوس، عاصمة ليتوانيا، "لقد أُرسل جدّاي إلى سيبيريا. وتعرض والدي للاضطهاد من قبل الـ ’كي جي بي‘ (جهاز الاستخبارات السوفياتية). وأنا أعيش اليوم في بلد حرّ ديمقراطي، ولكن، يبدو أن ما من أمر مفروغ منه [مضمون]".

وتجدر الإشارة إلى أن ستالين كان استولى على دول البلطيق الثلاث وضمّها إلى بلاده خلال الحرب العالمية الثانية، قبل أن تنال الاستقلال مجدداً نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. وانضمت هذه الدول إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 2004، ووضعت نفسها بذلك في عهدة [مظلة] الحماية العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. أما أوكرانيا، فليست بين الدول الأعضاء في حلف "ناتو".

 وأصدر وزراء خارجية دول البلطيق الثلاث في 24 فبراير (شباط) [تاريخ بدء الحملة العسكرية] بياناً مشتركاً شجبوا فيه "العدوان" الروسي ضد أوكرانيا.

 وجاء في البيان أن "هذا العمل العدواني ليس مقبولاً، وهو انتهاك صارخ للقانون الدولي، ولكل الأعراف الدولية. إننا ندين بشدّة هذه الجريمة التي تُرتكب بحق الشعب الأوكراني".

إن دول البلطيق وبولندا، وهي أيضاً عضو في "ناتو"، كانت بين البلدان الأشدّ تأييداً لفرض عقوبات قاسية ضد موسكو و[لإرسال] حلف شمال الأطلسي تعزيزات عسكرية إلى الدول شرق الحلف. وقام قادة حكومات دول البلطيق في الأسابيع الأخيرة برحلات مكوكية إلى العواصم الأوروبية، محذرين من أن الغرب يجب أن يجعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدفع ثمن هجومه على أوكرانيا، وإلا فإن دباباته ستواصل تقدمها نحو أجزاء أخرى من الإمبراطورية السوفياتية السابقة.

في الأسبوع الماضي، نبّه غابريليوس لاندسبيرجيس، وزير خارجية ليتوانيا، خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع لويد أوستن، وزير الدفاع الأميركي، من أن "المعركة من أجل أوكرانيا هي معركة من أجل أوروبا. وإذا لم يجرِ وقف بوتين عند حدّه، فإنه سيمضي إلى أبعد من ذلك".

وقبل يومين من شنّ روسيا هجومها المتوقع على أوكرانيا، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه سيجري نقل بعض القوات الأميركية المتمركزة في أوروبا، بما في ذلك 800 جندي مشاة ومقاتلات "أف-35" وطائرات "أباتشي" المروحية، إلى دول البلطيق الثلاث، واصفاً الخطوة بأنها دفاعية محض.

وقوبلت تلك الأنباء بحماسة في عواصم دول البلطيق. وفي الوقت الذي تُلزم معاهدة "ناتو" الحلفاء جميعاً الدفاع عن أي دولة عضو تتعرّض للهجوم، تقول دول البلطيق إن من الضروري أن يُظهر الحلف استعداده ليس بالكلام فحسب، بل بالأفعال أيضاً من خلال مرابطة قواته على الأرض.

واعتبر جانيس غاريسونز، وهو وزير الدولة في وزارة الدفاع في لاتفيا أن "روسيا تقيس على الدوام القوة العسكرية وأيضاً الإرادة لدى الدول لخوض حرب... وبمجرد أن ترى ضعفاً، فإنها ستعمد إلى استغلال ذلك الضعف".

وفي وقت لم يعرب بوتين علناً عن أي طموح بإعادة فرض سيطرة روسيا على دول البلطيق، فإن عدداً من أبناء إستونيا ولاتفيا وليتوانيا يشعرون بالقلق من أن يستعيد النفوذ في أنحاء جمهوريات الاتحاد السابق كلها، لا سيما أنه وصف [بوتين] مرة سقوطه بأنه كان صنو مأساة حلّت بالشعب الروسي.

وقال بوتين في خطاب ألقاه في وقت سابق من هذا الأسبوع ممهّداً الطريق للتدخل العسكري الروسي، إن أوكرانيا "ليست مجرد دولة مجاورة بالنسبة إلينا. إنها جزء لا يتجزأ من تاريخنا وثقافتنا وفضائنا الروحي".

وتعتبر دول البلطيق مختلفة ثقافياً ولغوياً وليست لديها العلاقة نفسها بالتاريخ والهوية الروسيين. لكنها خضعت لحكم موسكو خلال الشطر الأكبر من القرنين الماضيين. فقد حكمتها أولاً الإمبراطورية الروسية، ومن ثم الاتحاد السوفياتي لنصف قرن من الزمن في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وهناك أقليات إثنية، روسية في الدول الثلاث، وهي تشكل في كل من لاتفيا وإستونيا حوالى ربع العدد الإجمالي للسكان.

ومع أن عدداً من هؤلاء مندمجون بشكل جيد في تلك المجتمعات، فقد سادت التوترات عام 2007 عندما قام مئات الأشخاص من أصول إثنية روسية بأعمال شغب احتجاجاً على خطط الحكومة لنقل نصب تذكاري للحرب السوفياتية في تالين، عاصمة إستونيا. وأعربت إستونيا حينها عن شكّها في أن روسيا هي التي أجّجت تلك الاضطرابات وكانت تنسق أيضاً الهجمات السيبرانية التي شلّت شبكات حواسيب الحكومة.

ورأى نيريجيوس ماليوكيفيسيوس، وهو محلل سياسي في جامعة فيلينوس أنه "عندما تسمع بوتين وهو يهين أوكرانيا، معتبراً إياها دولة مصطنعة، فهو يذكّرنا ببعض الأشياء التي كانوا ينشرونها بخصوص كل جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق لأعوام عدة". وأضاف، "تعمل آلة الدعاية الحكومية حالياً على مستويات غير مسبوقة من حيث حدّتها، والرسالة [التي توجهها] ليست موجّهة فقط إلى أوكرانيا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحدّ ليتوانيا كالينينغراد، وهي منطقة روسية يتخذ منها أسطول البلاد على بحر البلطيق قاعدة له، وبيلاروس، وهي الجمهورية السوفياتية السابقة التي نُشر فيها عشرات الآلاف من الجنود الروس لإجراء تدريبات مشتركة. وأعلنت بيلاروس أخيراً أن التدريبات ستتواصل بسبب التوترات في شرق أوكرانيا.

وقال أرفيداس أنوساوسكاس، وزير الدفاع في ليتوانيا، قبل أن تشنّ روسيا هجومها على أوكرانيا "يبدو أنهم سيرحلون". وأضاف "غير أننا يجب أن ندرك أن الأعداد ليست العنصر الأهم. هناك قوات متقدمة للغاية من النواحي التقنية على جهتنا من الحدود. ومهمتها الرئيسة هي الردع، والدفاع إذا لزم الأمر".

أعلنت دول البلطيق دعمها القوي لأوكرانيا. وسافر قادة دول البلطيق إلى كييف لإظهار تضامنهم، وأرسلوا السلاح والمساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا. وعرضت إستونيا، التي حافظت على علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع أوكرانيا، مساعدة كييف على تعزيز أمنها السيبراني.

أما إستونيا قبيل عيد الاستقلال، فاتخذ موقفاً قوياً حيال الصراع، ليس نتيجة قلقها على أمنها الخاص فحسب، كما قالت كيرستي كاليولايد، وهي الرئيسة السابقة وأول امرأة تتولّى ذلك المنصب.

وتابعت، "نحن نقدم على ما نفعله [هذا الموقف] لأننا نعتبره واجبنا الأخلاقي". وأضافت، "نحن نشعر بقوة أن... كل دولة ينبغي أن يكون لها الحق في تقرير مستقبلها".

وأوضحت الرئيسة السابقة أنه في الوقت الذي تجاور دول البلطيق روسيا بصورة مباشرة، فإن الدول الأوروبية الأخرى يجب أن تكون قلقة بالقدر ذاته حيال الأزمة في أوكرانيا.

وقالت، "بصراحة، لا أعتقد أن الأزمة تخصّ دول البلطيق أكثر من غيرها... إذا نظرت من كييف، فإن المسافة إلى برلين هي صنو المسافة الى تالين".

المزيد من دوليات