Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليز تراس تسير نحو الفخ نفسه الذي وقعت فيه تيريزا ماي

مقاربتها السياسية ساذجة للغاية في عصر الإعلام الحاضر على مدار الساعة

ليز تراس تعرف جمهورها من أعضاء حزب المحافظين أكثر مما يعرفهم سوناك وتقول لهم ما يودون سماعه  (رويترز)

كوني مدمن الأخبار السياسية تابعت المناظرات العشرة كلها التي خاضها المرشحان المتسابقان على زعامة حزب المحافظين (ولم يبق سوى مناظرتين أخيرتين). وها أنا قد وصلت إلى مرحلة حيث يمكنني إكمال أي جملة يتلفظ بها أي من ليز تراس أو ريشي سوناك، لا بل يمكنني أيضاً التنبؤ بما سيتفوهان به.

حسناً، علي الاعتراف أنه في المناظرات الأخيرة، كنت أتابع على التلفاز، ولكن من دون تشغيل الصوت، أحداثاً وجدتها أكثر إثارة مما يقال في المناظرة - مباريات "دورة المئة" للعبة الكريكت – وعلى جهاز الكمبيوتر المحمول، بث المباريات بين المرشحين من حزب المحافظين. إذاً، إن الادعاء بأنني "شاهدت" المناظرة ربما فيه نوع من المبالغة، والحري أن أقول إنني "استمعت" إليها، من باب توخي الدقة.

لست الوحيد الذي يعتقد أن سباق حزب المحافظين [لانتخاب رئيس جديد له وللحكومة] قد استمر لفترة طويلة جداً، وأنه [في المستقبل] ربما يجب تقليص فترة الخملة الانتخابية إلى أربعة أسابيع، بدلاً من ستة أسابيع، لا سيما أن حكومة بوريس جونسون "الظل" المعدومة المسعى وسط أزمة اقتصادية خانقة، تعتبر مشهدية سيئة بالنسبة إلى الناخب البريطاني. فعندما سيراجع حزب المحافظين نظامه الانتخابي بعد انتهاء هذا السباق، عليه أن يسمح بتوسيع لائحة الخيارات على أوراق الاقتراع كي تضم ثلاثة أو أربعة مرشحين يختار منهم أعضاء الحزب من يفضلون. في تلك الحالة كان من الممكن لكل من كيمي بادينوك أو بيني موردونت أن تفوز في هذه المرة. وكان من شأن وجودهما في السباق أن يؤثر سلباً على ليز تراس وأن يجعلها تبدو أكثر سوءاً مما هي عليه حالياً.

ربما يتعلم حزب المحافظين الدرس الخاطئ ويصر على إجراء عدد أقل من المناظرات التلفزيونية الثنائية في المستقبل للحد من التجاذب بين أعضاء الفريق الواحد، والذي كان حاداً للغاية بشكل مفاجئ خلال جولة الانتخابات الحالية. أما تلك المناظرات التي نظمت بحضور أعضاء من الحزب فتلك لا يمكن اعتبارها مناقشات لأنه يتم طرح الأسئلة على المرشحين بشكل منفصل.

حتى إنني أعلم مسبقاً كيف كان ليعلو التصفيق لكل من تراس وسوناك فيما يطرحان أفكارهما. فمن المضمون أن تنال تراس تهليلاً كبيراً على قولها إنها تعرف "أن المرأة هي امرأة". فهنيئاً لها أن تردد ذلك في حانة "الكلب والبطة" Dog and Duck، في منطقة هارتليبول Hartlepool. فهي تعرف جمهورها من أعضاء حزب المحافظين أكثر مما يعرفهم سوناك، وهي تقول لهم ما يودون سماعه.

أما سوناك فهو عكف وبإصرار على أن يفعل العكس، وكي نكون منصفين بحقه، فهو يحاول أن يعترف بالحقائق القاسية المتعلقة بالاقتصاد. فالجمهور من أعضاء حزب المحافظين ينصتون إلى تحذيراته بإمعان حين يقول إنه على الحكومة [المقبلة] ألا تراكم الديون على كاهل الأجيال المقبلة، لكن أعضاء الحزب سيصوتون لصالح [وعود] تراس بخفض الضرائب. يبدو سوناك وكأنه رجل ما زال يعتقد في قرارة نفسه أنه وزير الخزانة البريطانية، وهو أحياناً يقول، "نحن [في وزارة الخزانة]" نفعل هذا أو ذاك. وهو ما يجعله مكشوفاً أمام هجمات تراس الموجهة ضد ما تعتبره الوضع الراهن السياسي وما يعرف بريطانيا "بعقيدة وزارة الخزانة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد جرته تراس إلى مناقشة أجندتها المعادية لمحاربة العنصرية والعدالة الاجتماعية في المجتمع، وهو حقيقة ليس ممن يؤمنون بتلك التوجهات. فهو يهاجم ثقافة اليسار المدافعة عن العدالة الاجتماعية ومحاربة العنصرية والتمييز على أشكاله، والتي [برأي سوناك] "تسعى لإلغاء تاريخنا وقيمنا ونسائنا" (أتساءل هنا كيف يمكنك إلغاء النساء؟ عبر إلغاء موعد غرامي مع إحداهن مثلاً؟ ربما). أصبحت هجمات سوناك على تراس أكثر سراسة، بما أنها تتمتع بموقع متقدم عليه في السباق بشكل واضح، ففي مدينة برمينغهام ليلة أمس، حذر سوناك من أنه وفق استراتيجية تراس "سيواجه الملايين من الناس خطر الفقر المدقع في الشتاء المقبل"، لكن تراس نالت أكبر نسبة من التصفيق خلال المناظرة. فهي تتفوق على سوناك في قدرتها على تفصيل رسائلها المتعلقة بالقضايا المحلية وتلك المرتبطة بالأقاليم البريطانية [بشكل أفضل].

لكن تراس تعتمد كثيراً على النطق بكلام مبتذل، وذلك الابتذال على ما يبدو مرغوب في أوساط أعضاء حزب المحافظين، وهو جمهور مؤيد لها ويسهل كسب رضاه، لكن كرئيسة للوزراء، سيترتب عليها أن تبذل مجهوداً أكبر من ذلك بكثير، فالشعارات الفارغة لن ترضي جمهور المقترعين البريطانيين الأوسع. فأن تذكر مثلاً في سياق كلامها أن "الأيام الأفضل آتية أمامنا لا محالة" لن يزيل أثر فاتورة الطاقة بقيمة ثلاثة آلاف وخمسمئة جنيه استرليني (أي نحو 4100 دولار أميركي سنوياً) التي على المواطن البريطاني أن يدفعها [بدءاً من الخريف المقبل].

تراس تتحدث عن نمو اقتصادي أكبر، وكما لو كان ذلك جرعة سحرية تنتظر أن يتلقفها أحدهم من على رفوف أحد المحلات التجارية (عظيم! هكذا تم حل مشكلة غلاء المعيشة) أعضاء حزب المحافظين يعشقون تفاؤلها وحماستها المبالغ فيها. فهي لا يمكنها وببساطة وضع حد لحالة الركود الاقتصادي عبر قولها، "إنها ليست أمراً محسوماً"، وإنه ليس علينا كبريطانيين "أن نتحدث عن الركود كما لو كنا نستدعي الوقوع فيه". فهي رهينة أمل زائف هنا.

تراس أيضاً تحاول إرضاء جمهور حزب المحافظين من خلال توجيهها الانتقادات لوسائل الإعلام. ليلة أمس، وبشكل غير معقول قامت حتى بتوجيه اللوم إلى الإعلام بسبب انتشار المقارنات بينها وبين رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر. وهو ما يمكن اعتباره تكراراً للعزف على الوتر نفسه وهو من فعلها هي، فنحن الصحافيين لا نقرر ماذا ترتدي تراس من ملابس [تشبه ملابس المرأة الحديدية]، أو إذا ما كان ضروري أن تركب تراس على ظهر مدرعة عسكرية [في إشارة إلى صورة تاتشر الشهيرة على ظهر دبابة تشالنجر بريطانية].

وجهت تراس اللوم لبعض وسائل الإعلام لمحاولتها "الحديث بشكل محبط عن المملكة المتحدة". وكانت قد اشتكت من أن بعض الأسئلة الموجهة إليها من قبل الصحافيين الذين أداروا جلسات المناظرات هي "أسئلة يسارية". حتى وصل بها الأمر إلى حد لوم وسائل الإعلام على خسارة رئيس الوزراء بوريس جونسون لمنصبه.

قريباً، قد نكون على موعد مع مزيد مما رأيناه خلال هذه الفترة. كرئيسة للوزراء، يعتقد حلفاء تراس أنها لن تكون كمن سبقها على الكرسي، أي إنها لن تكون مهووسة في استخدام الماكينة الإعلامية المتوحشة للترويج لموقعها وسياساتها، كما أنها تنوي إلغاء العمل بما يعرف ببرنامج داونينغ ستريت الإعلامي اليومي، الذي يشمل الإعلان عن القرارات الحكومية اليومية وتوزيعها على جميع مفاصل الدولة والمعمول به منذ أيام عهد توني بلير. صحيح، قد تكون الحكومات مدمنة على إدارة الأجندة الإعلامية بشكل يناسبها، ولكن لا بد من الاعتراف هنا أن أقطاب حزب العمال الجدد، كانوا قد اعترفوا باتباعهم ذلك النهج الإعلامي، كما اعترفوا أيضاً بأن الإعلان عن مشروع أو قرار سياسي لا يعني أنه قد تم تحقيقه.

مقاربة ليز تراس السياسية ساذجة للغاية في عصر الإعلام الحاضر على مدار الساعة. فعندما لا يجيب السياسي فوراً تفترسه الوحوش حياً. إن عدم التناغم مع الإعلام قد يكون ممكناً في إحدى الدوائر الحكومية، ولكنه غير نافع في مقر عشرة داونينغ ستريت، الذي يعتبر المقر المسؤول عن كل ما يجري في البلاد. أنا أذكر بأن [رئيسة الوزراء السابقة تيريزا] ماي كانت قد قالت بالتحديد ما تردده تراس حالياً، عندما تسلمت منصبها كرئيسة للوزراء في عام 2016.

إن تجاهل أجندات وسائل الإعلام غير مجد في بريطانيا، فأجنداتها غالباً ما تكون أجندات الناس. أعداء ماي بخصوص "بريكست" ملأوا الفراغ الإعلامي، وكلنا نعرف ماذا جرى بعد ذلك. فإذا عكفت تراس على سلوك المسار نفسه فإنها ستلقى مصير تيريزا ماي نفسه، ولكن بسبب أزمة غلاء المعيشة. 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء