Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحمد رامي... حكاية شاعر اشتعل حبا فأضاءت "كوكب الشرق"

ذكرى ميلاده الـ130 هذا العام ويعد من أهم شعراء القرن الـ20 وتجربته مع أم كلثوم الأكثر تألقاً

الشاعر أحمد رامي في إحدى حفلات كوكب الشرق أم كلثوم (مواقع التواصل)

حينما يذكر اسم أحمد رامي لا يتبادر شيء إلى الأذهان سوى صوت أم كلثوم يشدو بكلمات في غاية العذوبة، تفيض بمشاعر الحب والهجر واللوعة، كتبها رامي على مدار سنين طويلة، عبر بها بصدق عن أحاسيسه تجاه "كوكب الشرق"، فكانت كل أغنية بمثابة توثيق لحال من العشق يعيشها الشاعر الذي عانى أقسى أنواع الحب مع أم كلثوم، إذ كان "حباً من طرف واحد".

ولد الشاعر أحمد رامي الذي تحل هذا العام ذكرى ميلاده الـ130 في عام 1892 بحي السيدة زينب بالقاهرة، ودرس في مدرسة المعلمين التي تخرج فيها عام 1914 ليسافر بعدها إلى باريس ببعثة لدراسة اللغات الشرقية ونظم الوثائق والمكتبات ويحصل على شهادة من جامعة السوربون.

إلى جانب نظمه الشعر عين أحمد رامي في مناصب عدة، من بينها أمين مكتبة دار الكتب المصرية، وأمين مكتبة بعصبة الأمم في جنيف بعد انضمام مصر إليها، كما عمل مستشاراً للإذاعة المصرية، ونائباً لرئيس دار الكتب المصرية، ومن أهم مؤلفاته "ديوان رامي"، بأجزائه الأربعة، و"أغاني رامي"، و"غرام الشعراء"، و"ترجمة رباعيات الخيام".

حصل أحمد رامي على عديد من التكريمات في حياته، حيث منح جائزة الدولة التقديرية عام 1967، وحصل على وسام العلوم والفنون، والدكتوراه الفخرية، كما حصل على وسام الكفاءة الفكرية من الطبقة الممتازة من الملك الحسن ملك المغرب، وحصل على وسام الاستحقاق اللبناني المرموق، ومنحته جمعية الملحنين، ومقرها باريس، درعاً تذكارية.

كان رامي من رموز عصره من الشعراء، وأهم من كتبوا الشعر الغنائي في القرن العشرين، وأطلق عليه شاعر الشباب، وشكلت أعماله وأغنياته التي كتبها لكبار النجوم علامات في تاريخ الغناء العربي، وكان من ضمن رواد عملوا على تطويره منذ بدايات القرن العشرين.

وعن بدايات رامي في عالم الكتابة يقول الشاعر علي عمران لـ"اندبندنت عربية"، "شهدت فترة نهاية القرن الـ19 ميلاد مجموعة من العظماء في مصر بشتى المجالات، ومن بينها الفن والأدب، مثل طه حسين، وعباس محمود العقاد، وسيد درويش، وبيرم التونسي، وأحمد رامي، وبدأ إنتاجهم الفني في الظهور مع بدايات القرن العشرين ليحدثوا نهضة ثقافية كبرى نعيش على أثرها حتى الآن، وفي مجال الشعر يمكن القول إن نهضة شعرية جديدة تأسست بعد نهضة الكلاسيكية الشعرية على يد محمود سامي البارودي الذي تتلمذ هو وأمير الشعراء أحمد شوقي على يد الشيخ حسن المرصفي، فجاء رامي والأرض ممهدة بجهود هؤلاء العظماء".

ويضيف، "ظهر إنتاج رامي الأول وهو في سن الـ20، وعرضه على حافظ إبراهيم الذي دفعه للتطوير من نفسه وإيجاد صور شعرية جديدة، ويمكن القول إن رامي كان أقرب لشعراء المدرسة الرومانسية التي لم تكن قد تأسست بعد عند بداياته في عالم الشعر وروادها هم علي محمود طه، وإبراهيم ناجي، ومحمود حسن إسماعيل، لكن المنطقة الأساسية التي برع فيها رامي، وكان رائداً وغير مقلد، هي الشعر الغنائي، أو القصيدة المغناة".

تجارب سينمائية

مع بدايات القرن العشرين بدأ ظهور السينما في مصر، إلا أنها ازدهرت مع مطلع فترة الثلاثينيات، وكان أحمد رامي من بين الرواد في الكتابة للسينما، سواء كتابة الأغاني أو كتابة قصص الأفلام والحوار، حيث شارك في نحو 30 فيلماً من كلاسيكيات السينما المصرية، ومن بين أشهر الأفلام التي كتب لها الأغنيات "الوردة البيضاء"، عام 1932، و"يحيا الحب" من إنتاج عام 1938 لمحمد عبدالوهاب، وبعض أفلام ليلى مراد التي حملت اسمها وحققت نجاحات كبيرة، وأفلام لفريد الأطرش، إضافة إلى أفلام أم كلثوم.

عن تجربة رامي السينمائية يشير عمران إلى أنه "كان من أوائل من تعاملوا مع السينما الوليدة في هذا الوقت، فكان كاتباً شاباً قادماً من فرنسا ومطلع على أحدث ما وصلت إليه الفنون، فكتب كثيراً من أفلام هذه الفترة مثل "عايدة"، و"وداد"، و"دنانير"، كما كتب أغنيات كثيرة لأفلام المرحلة لمطربي هذا العصر الذين اتجه كثير منهم للسينما".

ومن تجارب رامي المتميزة التي ينبغي الإشارة إليها أيضاً ترجمته لرباعيات الخيام التي نقلها من الفارسية مباشرةً، وتعتبر الترجمة الأفضل والأقرب إلى الشعر والشاعرية باعتبار أن رامي كان شاعراً ومتقناً للفارسية مما جعله متمكناً من أدواته واستطاع نقل المعاني والحفاظ عليها بدرجة كبيرة.

رامي ومطربو عصره

يا دنيا يا غرامي يا دمعي يا ابتسامي

مهما كانت آلامي قلبي يحبك يا دنيا

الكلمات السابقة من أشهر أغنيات محمد عبدالوهاب التي كتبها أحمد رامي، حيث كتب لمعظم كبار المطربين في النصف الأول من القرن العشرين، إلا أن جميعها وعلى الرغم من تميزها وكونها حالياً من أجمل كلاسيكيات هذه الفترة، فإنها لا تقارن بتجربته في الكتابة لأم كلثوم، فهي التجربة الأبرز والأشهر والأكثر تألقاً.

عن تجربة رامي مع فناني عصره، يقول عمران، "كتب رامي لمطربي عصره من أمثال ليلى مراد وأسمهان وفريد الأطرش، وكتب أيضاً لمحمد عبدالوهاب الذي كان له معه تجارب ناجحة، وكتب له مجموعة من أشهر أغنياته مثل (يا دنيا يا غرامي)، و(يا وابور قولي)، و(هان الود). إلا أنه في تلك الحقبة كان هناك قطبان للغناء في مصر هما أم كلثوم وعبدالوهاب، ولم ترض أم كلثوم عن كتابة رامي لعبدالوهاب الذي يعد منافسها الأقوى، وعندما ثار غضبها من هذا الأمر اتجه رامي إلى قطب أم كلثوم التي تألقت وأبدعت في غناء كلماته وقلل التعاون جداً مع غيرها، وعلى رأسهم عبدالوهاب الذي اعتمد بعدها بصورة كبيرة على الشاعر حسين السيد".

لقاء السحاب

كان دائماً هناك حالة من التنافر بين القطبين أم كلثوم وعبدالوهاب، إلى أن جمعهما الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في ما أطلق عليه "لقاء السحاب" بين "كوكب الشرق" وموسيقار الأجيال، حيث لحن لها الأخير أغنية "أنت عمري"، وكانت من كلمات أحمد شفيق كامل، لتتوالى لقاءات قطبي الفن من بعدها وتغني أم كلثوم من كلمات أحمد رامي وتلحين محمد عبدالوهاب أغنية "أنت الحب" في عام 1965 "وعمري ما أشكي من حبك مهما غرامك لوعني، لكن أغير من اللي يحبك ويصون هواك أكثر مني".

كان اللقاء الأول بين رامي وأم كلثوم في 24 يوليو (تموز) من عام 1924 بحديقة الأزبكية في القاهرة، ولم تكن وقتها هي "كوكب الشرق" التي يعرفها الناس، وإنما كانت فتاة ريفية بسيطة صغيرة في السن تغني وهي مرتدية العقال في زي أشبه بأزياء الرجال، وكان رامي عائداً لتوه من فرنسا وذاهباً بدعوة من الملحن الشيخ أبو العلا محمد لسماع الفتاة التي بدأ صيتها في الانتشار لترحب به أم كلثوم بلهجتها الريفية قائلة "ازيك يا سي رامي"، ومن ثم تشدو بقصيدة من كلماته ليستمع لأول مرة إلى صوتها الذي كان بالنسبة له وكأنه سحر أصابه حتى اليوم الأخير من حياته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول الشاعر علي عمران، "كان رامي صديقاً للشيخ أبو العلا محمد، وهو واحد من أهم الملحنين في الربع الأول من القرن العشرين، وهو أول من اكتشف صوت أم كلثوم، وخلال هذه الفترة كان رامي يدرس في فرنسا وكتب قصيدة بعنوان (الصب تفضحه عيونه)، وأعطاها للشيخ أبو العلا محمد، وعندما سمعتها أم كلثوم انبهرت برامي قبل أن تراه وغنت الأغنية ليتوجه رامي لسماعها من الفتاة التي ترتدي العقال في مسرح الأزبكية (مقر المسرح القومي حالياً) ليكون هذا اليوم هو بداية 50 عاماً من العلاقة الوطيدة التي شهدت عديداً من التحولات بينهما.

ويضيف، "كان لأحمد رامي تأثير كبير على أم كلثوم، ليس فقط في كتابته كثيراً من أغانيها، لكنه بالأساس كان معلماً لها، فعلمها اللغات والأدب والشعر والفن، ودفعها للقراءة في مجالات أدبية مختلفة، وطور شخصيتها، وأكسبها كثيراً من الثراء، وحولها من الفتاة الريفية القادمة من قرية بسيطة في دلتا النيل لأم كلثوم بالصورة التي عرفها الناس عليها كرمز للفن والثقافة والغناء".

مشاعر وأغنيات

ربما كانت قصة الحب التي استمرت لما يزيد على 50 عاماً والمشاعر المتدفقة التي احتفظ بها رامي لأم كلثوم هي واحداً من عوامل النجاح لكليهما، فكانت الجماهير العريضة، سواء التي تحضر الحفلات في المسارح أو التي تلتف حول جهاز الراديو في الخميس الأول من الشهر، تنتظر بشغف ماذا كتب رامي وكيف ستشدو "الست" بهذه الكلمات وتعبر عنها حينما يعلن أنها ستغني واحدة من أغنياته، فكتب رامي لأم كلثوم 137 أغنية، أي نحو نصف ما غنت ولم يتقاض أجراً عن أي منها، ويمكن اعتبار هذه الأغنيات سرداً لطبيعة العلاقة بينهما، مثل "رق الحبيب"، و"حيرت قلبي"، و"هجرتك"، و"جددت حبك ليه"، و"يا طول عذابي"، و"سهران لوحدي"، و"عودت عيني"، و"طالت ليالي البعاد"، و"أصون كرامتي"، و"غلبت أصالح"، و"يا ظالمني"، و"دليلي احتار".

يقول عمران، "على الرغم من غنائها لكثير من شعراء عصرها فإن النسبة الأكبر من أغنياتها كتبها أحمد رامي وتنوعت ما بين الفصحى والعامية والأدوار، فإلى جانب الأغنيات العامية كتب لها قصائد مثل (أغار من نسمة الجنوب)، و(أقبل الليل)، وكانت الأغنية الأخيرة التي غنتها من كلماته، واختتمت بها مشوارهما الطويل الممتد على مدار 5 عقود هي أغنية (يا مسهرني) التي غنتها عام 1972 قبل وفاتها".

ويضيف، "الشعر لا بد أن يكون خلفه عاطفة، وإلا يكون كلاماً مرصوصاً، وهو عندما يلمس الوجدان يكون صادقاً، وأم كلثوم أرادت رامي أن يكون دائماً متلهفاً ومشتاقاً، فظل يدور في فلكها ويكتب أحاسيسه التي ظهرت في مجموعة من أروع ما غنت أم كلثوم، لأنه كان كلاماً صادقاً من القلب، فالقصائد كانت منها وإليها، ولذلك أبدعت وتألقت في غنائها وشكلت مجموعة من الروائع في تاريخ الغناء كله، خاصة بألحان عمالقة الطرب من أمثال القصبجي ورياض السنباطي".

سيرة الحبايب

في كتابها "سيرة الحبايب" تحكي الكاتبة الصحافية سناء البيسي ذكرياتها عندما أجرت حواراً مع أحمد رامي، وسألته عن رؤيته للشعر، فقال، "الشعر تعبير عما يشعر به الإنسان، والإنسان يستجيب فقط لما تنفعل به النفس، ومن أجل ذلك سماه العرب شعراً لأنهم شعروا به".

وعندما سألته عن استعداداته ليوم حفل أم كلثوم أجاب، "إنني أحتشد لسماعها كما أستقبل عيداً من أعياد الدهر، أحب أن أقضي وقتاً قبل سماعها وأنا وحدي، لينمحي كل جرس من أذني عدا صوتها المنتظر، ثم أدخل قبل رفع الستار بقليل، حتى إذا رفع الستار ملأت عيني منها في لحظات، ثم تبدأ الآلات تعزف، فأزن مبلغ هشاشتها إلى استماع النغم، ولست أعرف أحداً ممن يغنون يطرب لسماع أول انبجاس الأوتار بالنغم مثل هذه الشادية، فإنها إذا سمعت رجع الأنغام أصابتها رعشة، ثم تدب بقدميها دباً خفيفاً كأنها تنقر بهما على أوتار خفية، ثم تبلغ جيدها وترمي بعينيها نظرة سابحة إلى آفاق بعيدة. حتى إذا خفت النغم، انساب صوتها ليناً رفيقاً، فكأن الأوتار الصادحة لم تكف عن العزف، ثم ينبثق صوتها ليناً كما تنبثق الزهرة تحت الندى، ويخرج من فمها كما ينبعث النور من الشرق".

رحيل أم كلثوم

يمكن القول إنه برحيل أم كلثوم أفل نجم رامي في الكتابة التي هجرها وانعزل عن الناس لما يقرب من عام ليعود بقصيدة رثاء في أم كلثوم ألقاها في مناسبة أقامها الرئيس السادات لتأبين "كوكب الشرق" يقول فيها:

ما جال في خاطري أني سأرثيها

بعد الذي صغت من أشجى أغانيها

قد كنت أسمعها تشدو فتطربني

واليوم أسمعني أبكي وأبكيها

اعتزل رامي الكتابة وساءت حالته الصحية لسنوات عدة ولزم بيته إلى أن وافته المنية في 5 يونيو (حزيران) 1981 تاركاً إرثاً كبيراً من الشعر الذي أصبح الآن ليس فقط كلمات أو أغنيات، وإنما جزءاً رئيساً من إرث مصر الثقافي الفني، وإحدى أدوات قوتها الناعمة.

المزيد من ثقافة