Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد مرور 44 عاما على الرحيل... كوكب الشرق تضيء ليالي الشرق والغرب

أم كلثوم ملأت وجدان العاشقين... وشيعها 4 ملايين مصري عام 1975

رغم مرور كل هذه السنوات فإن أم كلثوم لاتزال النجمة رقم واحد في قلوب جمهورها ومحبيها (غيتي)

اقتربت الأعوام من نصف قرن، ومرت 44 سنة علي رحيل كوكب الشرق أم كلثوم، ولم يفلح كل هذا الوقت أن يفرز موهبة بقدرها وجلالها، نضبت الكواكب ولم يتجرأ الزمن علي أن يقدم كوكبا آخر للشرق بعد رحيلها في 3 فبراير 1975. رغم مرور كل هذه السنوات الطوال فإنها لاتزال النجمة رقم واحد في قلوب جمهورها ومحبيها، فهي الأسطورة التي تتوارثها الأجيال، وصاحبات الأغنيات الخالدة التي لم ولن تتكرر.

الميلاد

ولدت فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي في قرية طماي الزهايرة بمركز السنبلاوين محافظة الدقهلية، واختلفت الآراء على تحديد يوم مولدها على وجه الدقة، فمنها قائل بميلادها في يوم 30 ديسمبر عام 1898، بينما ترى وثائق أخرى إنها ولدت يوم 4 مايو من عام  1902.

لم يكن يعلم والدها الشيخ إبراهيم، إمام ومؤذن مسجد القرية، ووالدتها فاطمة المليجي ربة المنزل والفلاحة البسيطة أنهما سينجبا للعالم العربي كوكبه، وسيدة الشرق، وشمس الأصيل، وسيدة الغناء العربي،  وكل ما إلى ذلك من ألقاب منحها إياها الجمهور والمحبون والعشاق في كل العالم العربي والشرق، وكل من يعي كلمات أغانيها أو حتى لا يعيه، من يفهم بالموسيقي والأصوات، ومن لا يفهم. الجميع يعرف قيمتها وخلود ما تشدو به، بعدما تسرب إلى وجدان الصغير والكبير، المثقف والأمي.

المعجزة

أحدثت ثومة المعجزة بصوتها الذي احتار في تصنيفه خبراء الموسيقى بالعالم، فما هذا الصوت الذي يجمع عليه العالم؟، وما تلك الطبقات التي تشدو بأبسط الألحان وأكثرها تعقيدا في نفس الوقت؟، من هذه المرأة التي جعلت من العمال والفلاحين حافظين للقصائد الشعرية لأعتى الشعراء؟، كيف تمكنت بصوتها من جذب الفقراء والأغنياء والمحبين والعازفين عن الغرام علي حب أغانيها العاطفية والوطنية وقصائدها التي يحمل كل بيت فيها مجهودا مضنيا؟

المسيرة

عاشت فاطمة البلتاجي مع عائلتها البسيطة القروية في مسكن من الطوب الطيني. وعمل والدها بالإضافة إلى إمامة المسجد في الإنشاد في حفلات الزواج بالقرية،  التحقت فاطمة أو ثومة بكتاب القرية لتتعلم تلاوة القرآن الكريم وحفظته عن ظهر قلب كما ردد المقربون منها.

 

رغم بساطة الحياة القروية والتشدد علي الفتيات تحديدا، انبهر أبوها بصوتها بمجرد أن سمع نبرتها القوية، وسارع إلى تنمية موهبة ابنته، وجعلها تدرس أصول الغناء بقدر المستطاع وتحضر دروس الغناء.

بدأت أم كلثوم  الغناء وهي في سن الثانية عشرة من عمرها، وكان والدها يسمح لها بالغناء في بعض الحفلات بالقرية وهي تلبس ملابس "أولاد"، وعقال على رأسها من شدة التحفظ في القرية على الفتيات، وأبهرت منذ ذلك السن كل من سمعها، وكانوا ينصحون والدها بأن يعتني بحنجرتها التي تعتبر كنزا. مع الوقت تحولت فاطمة إلى المصدر الرئيسي لدخل العائلة، وأصبح أبوها المعني بشئونها وادارة فنها.

الشيخان

في عام 1916 كانت الخطوة الأولى الحقيقية في مشوار أم كلثوم حيث  حضر الشيخان زكريا أحمد وأبو العلا محمد إلى السنبلاوين لإحياء ليالي رمضان، وهناك تعرفا علي أم كلثوم ووالدها، وأقنعا الأب بالانتقال إلى القاهرة، وتم الانتقال  في عام 1922م، وبعد استقرارها بالقاهرة أحيت ليلة الإسراء والمعراج بقصر عز الدين يكن باشا مقابل ثلاثة جنيهات وكان هذا مبلغا كبيرا وقتها، وأعطتها سيدة القصر خاتما ذهبيا هدية لها كنوع من التقدير لصوتها الجميل.

تعلمت أم كلثوم أصول الموسيقى وعزف العود من أمين المهدي  ومحمود رحمي ومحمد القصبحي، غنت في البداية في مسرح البوسفور في ميدان رمسيس  ثم على مسرح حديقة الأزيكية، وأصدرت أول أسطوانة لها وكانت قصيدة بعنوان "وحقك أنت المنى والطلب".

 أما حفلاتها الكبيرة فكانت في بداية عام 1923، وفي هذا الوقت تعرفت علي  الموسيقار محمد عبدالوهاب، ثم تعرفت علي  الشاعر  أحمد رامي  والموسيقار محمد القصبجي في عام 1924، واهتم بها القصبجي كثيرا، وبدأ في إعدادها موسيقيا وفنيا، و في عام 1928 غنت  مونولوج  بعنوان (إن كنت أسامح وأنسى الآسية)، وحققت الأسطوانة أعلى مبيعات.

 

وأهم ما قامت به ام كلثوم لتنتقل من لقب "البدوية" التي لقبها بها مستمعيها في القاهرة نظرا لنمط ملابسها ونوعية الأغاني التي تغنيها تغييرها نوعية أغانيها من التقليدية والدينية إلى الأغاني والألحان الحديثة.

وتنافس كبار الشعراء والملحنين في منحها أهم إنتاجاتهم مما جعلها تصدح منفردة بالقمة، وتصعد بعيدا عن الجميع لتحتل مكانة خاصة.

تمتعت أم كلثوم بذكاء نادر في اختيار فريق عملها والأشخاص والأغاني والموضوعات، وكذلك كان لديها رؤية ثاقبة وبعد نظر، لذلك عندما أصبحت من أشهر المطربات، وجدت السينما أصبحت حديث الشارع المصري وكان ذلك في عام 1930، فاخترقت هذا المجال، وشاركت ببطولة عدد من الأفلام الجماهيرية والرومانسية ومنها "وداد"، و"نشيد الأمل" و"دنانير"، ورغم أنها كانت ممثلة حديثة الخبرة فإنها نجحت بقوة، وحققت لها السينما دعما وشهرة في كل الأوساط وساهمت في ارتفاع أسهمها الغنائية خاصة أنها غنت في كل أفلامها أغنيات سطرت في التاريخ الغنائي والسينمائي في ذات الوقت.

 وكان أبرز أفلامها على الإطلاق في فترة الأربعينيات "سلامة" و"فاطمة"، ومثلت مع أكثر نجوم السينما وسامة بينهم يحيي شاهين وأنور وجدي وحسين صدقي

ساعدت الظروف أم كلثوم كثيرا بالإضافة لموهبتها الفريدة حيث افتتحت الإذاعة المصرية عام 1936، وكانت أم كلثوم أول مطربة تغني بها، وكانت تغني حفلة كاملة  كل يوم خميس تُبث إذاعياً إلى كل أنحاء الشرق الأوسط، مما جعل الست أم كلثوم أهم حدث ينتظره ملايين عشاق الطرب عبر الوطن العربي والشرق الأوسط.

في عام 1943 أسست أم كلثوم أول نقابة للموسيقيين برئاستها وظلت بمنصبها حوالي عشر سنوات.

 بعد ثورة 1952، منعت الإذاعة أغاني أم كلثوم نهائيا وطردت من منصب (نقيبة الموسيقيين) لأنها كانت علي علاقة طيبة بالعهد البائد، وتم منحها قلادة صاحبة العصمة، ولم يكن هذا القرار من مجلس قيادة الثورة  من قبل الضابط المشرف على الإذاعة.

مرت أم كلثوم بحالة نفسية سيئة جدا حتى تدخل مصطفي أمين وأبلغ الرئيس جمال عبد الناصر بالأمر، فألغى جمال القرارات المتخذة ضد أم كلثوم.

مرت أم كلثوم بأزمة أخرى في نفس العام أدت إلى قرارها بالاعتزال، حيث حدث نزاع على منصب نقيب الموسيقيين وعلى إثره تم إلغاء انتخابات النقابة، وتعيين محمد عبد الوهاب نقيبا للموسيقيين، فشعرت أم كلثوم أن هذا موقف ضدها كما ترددت على مسامعها أقاويل تؤكد مساندة بعض الضباط الأحرار لعبدالوهاب، فقررت أم  كلثوم الاعتزال، وأبلغت به الصاغ أحمد شفيق، وأزعج هذا القرار الرئيس جمال عبد الناصر  فذهب إليها ومعه عبد الحكيم عامر وصلاح سالم لإقناعها بالتراجع عن الاعتزال، وقلب موقف عبد الناصر الموازين حيث تأثرت أم كلثوم كثيرا بهذه اللفتة، وظهر ذلك التأثر في شكل أغاني ومواقف تجاه عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة.

ودعمت الثورة ومجلس قيادتها كثيرا بعد ذلك لدرجة أنهم منحوها رئاسة  اللجنة التي أشرفت على اختيار السلام الوطني الجديد للجمهورية، وأيدت النشيد الوطني الذي أعده عبد الوهاب.

في أواخر الخمسينيات تعرضت أم كلثوم  لأزمات صحية وبدأت صحتها في التراجع، ورأي الأطباء أنها تعاني من مشكلة كبيرة في الكلى، عام 1954 خفضت أم كلثوم جدول حفلاتها الموسيقية بسبب المشاكل الصحية التي تعاني منها.

 

وأصابها أيضا مرض الغدة الدرقية مما أجبرها على ارتداء  النظارة السوداء التي كانت ترتديها بشكل مستمر بسبب مضاعفات المرض والتي أدت إلى جحوظ عينيها، وبسبب تغير شكل عينيها اضطرت للتوقف عن نشاطها التمثيلي الذي اقتصر على 6 أفلام.

 ورغم تحذيرات الأطباء بضرورة التوقف عن الغناء  فإنها لم تتوقف عن حفلاتها والسفر لكل العالم للغناء لصالح المجهود الحربي وغنت علي أهم مسارح العالم، خاصة أيام نكسة 1967 لدعم صورة مصر بعد النكسة، وحملت جواز سفر دبلوماسيا، وكانت تقدم الحفلات وترسل إيراداتها إلى الخزانة المصرية.

وفي 13 و15 نوفمبرعام 1967 غنت أم كلثوم  في باريس على مسرح الأولمبيا  وهما الحفلتان الوحيدتان التي تحييهما  خارج العالم العربي.

تزوجت أم كلثوم مرة واحدة، وكان ذلك في عام 1954 من الدكتور حسن الحفناوي  طبيبها وأحد مستمعيها ومعجبيها الكبار.

ازدادت صحة أم كلثوم سوءا في عام 1971، فانقطعت عن تقديم الحفلات، وكانت أغنية ليلة حب آخر ما غنته وذلك في 17 نوفمبر 1972.

 في 1975 تدهورت حالتها الصحية وتصدرت أخبار مرضها الصحف وكانت الإذاعة تستهل نشراتها بأخبار حالتها الصحية من شدة اهتمام الجمهور في كل العالم العربي بها، ومن شدة تفاعل وحزن الجمهور علي تدهور حالة ثومة الصحية عرض  بعض الناس التبرع بالدم من أجلها.

 وفي يوم 3 فبراير 1975 توفيت أم كلثوم  بسبب قصور القلب، وتم تشيع جنازتها في مسجد عمر مكرم، وبلغ عدد المشيعين ما بين مليونين إلى 4 ملايين مشيع.

المزيد من فنون