ما بين رغبتها في التوصل إلى اتفاق مع لبنان حول الحدود البحرية والسيادة على مواقع حقول الغاز وتقديرات المؤسسة العسكرية بتعرض حقول الغاز لهجمات من قبل "حزب الله" تسعى إسرائيل جاهدة للتوصل بأسرع وقت ممكن إلى تفاهمات أولية. واستبقت تل أبيب وصول الوسيط الأميركي آموس هوكستين إلى المنطقة لتعرض اقتراحاً جديداً يتضمن تنازلات في المنطقة المختلف عليها بين البلدين، بحسب ما نقل عن مسؤولين إسرائيليين، مؤكدين أن أية مفاوضات لن تشمل حقل "كاريش". ومما عرف من تفاصيل أولية حول العرض الإسرائيلي تتخلى تل أبيب عن منطقة معينة في أعماق البحر مقابل تنازل لبنان عن منطقة أقرب إلى الساحل.
غانتس يهدد ويدلين يحذر
وترافق الاقتراح الذي قدمته تل أبيب للولايات المتحدة مع تحذيرات عسكرية من هجوم يشنه "حزب الله" على حقول الغاز لعرقلة أي تقدم في المفاوضات. وأعلن الجيش رفع حالة التأهب والاستعداد إلى أقصى الدرجات، وتلقى سلاح البحرية تعليمات جديدة لضمان حماية المناطق البحرية القريبة من حقول الغاز إلى جانب ميناء حيفا والمنطقة المحيطة به، وفيها خزانات الأمونيا ومجمعات تكرير النفط.
ومستغلاً حملته الانتخابية استخدم وزير الأمن بيني غانتس ملف الغاز مع لبنان كأداة إعلامية لتعزيز مكانته كرجل أمن قادر على حماية إسرائيل. وصعد تهديداته للبنان معلناً في حديث مع الإذاعة الرسمية، بأنه يأمل في "ألا نضطر إلى خوض جولة قتال مع لبنان بسبب الخلاف حول الحدود البحرية، لأن ذلك سيكون مجرد مأساة على دولة لبنان ومواطنيها"، وفق غانتس الذي أضاف قائلاً، "تماماً كما هي عازمة ومستعدة ومصرة على حماية منشآتها الاستراتيجية، فإن إسرائيل مستعدة للتوصل إلى اتفاق مع لبنان، لكن حالة التوتر الحالية قد تؤدي إلى الدخول في جولة قتالية مع (حزب الله)"، وفق غانتس.
من جهته، قال الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يدلين، إن على إسرائيل أن تكون مستعدة لإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية واسعة مع لبنان، وعليها العمل في الوقت نفسه لمنع التصعيد".
وتعامل يدلين بمنتهى الحذر والجدية مع التهديدات التي أطلقها الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، وبرأيه فإن "هذه التهديدات لا تأتي من فراغ والتوقع أن تعقبها خطوات عملية تؤدي إلى تصعيد عسكري".
وفي تصريح يضع المنطقة على برميل من بارود، دعا يدلين متخذي القرار في إسرائيل إلى "استغلال أي خطأ لـ(حزب الله) واستهداف مشروع تطوير الصواريخ الدقيقة، وهو أمر يضمن تعزيز الردع الإسرائيلي لسنوات طوال قد تصل إلى 15 عاماً على الأقل". كما طالب يدلين بالقيام بخطوات عملية إلى جانب إرسال رسائل دبلوماسية لـ"حزب الله" توضح فيها تل أبيب أنها لن ترضخ للإملاءات، وأنها على أهبة الاستعداد لأي تطورات عسكرية، "كما يجب التوضيح أن المسار الذي اختاره (حزب الله) سيؤدي إلى خراب لبنان"، وفق يدلين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لبنان في انتظار الاقتراح
وفور الكشف عن اقتراح إسرائيلي تفاعل ملف المفاوضات مع لبنان، خصوصاً ما يتعلق بحقل "كاريش" من جديد. ورد مسؤول أمني إسرائيلي على ما نشر على لسان مسؤول لبناني بأن لبنان لم يبلغ بالاقتراح الذي قدمه المسؤولون الإسرائيليون للوسيط الأميركي، وأن الأمر لا يزال ضمن المحادثات بين واشنطن وتل أبيب، على أن يعرضه هوكستين خلال زيارته المرتقبة إلى لبنان. وأبدى المسؤول الأمني الإسرائيلي تفاؤلاً في احتمال التوصل إلى اتفاق بين الطرفين خلال فترة قصيرة، "لكن الأمر منوط بالوضع الأمني. فإذا حصل أي تصعيد في المنطقة، سيتم إلغاء جميع الخطوات المتوقعة قريباً، بعد زيارة هوكستين إلى لبنان".
خلافات إسرائيلية
عرض الاقتراح الإسرائيلي في ذروة الاستعداد لتشكيل قوائم الانتخابات التي ستخوض الاستحقاق البرلماني في إسرائيل مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) يتناولها كل جانب لصالح حملته الانتخابية. وفي حين اختصر رئيس الحكومة يائير لبيد أي حديث عن الموضوع خشية أن يظهر كمن يقدم "تنازلات كبيرة لدولة عدو"، كما تصف إسرائيل لبنان أثارت أحزاب من اليمين عبر مسؤولين أمنيين سابقين ومصادر سياسية هذا الملف كمعطيات للتحريض على المبادرين للاقتراح. واعتبرت جهات عدة أن العرض المقدم كمسودة اتفاق يشمل "تنازلات مؤلمة".
واعتبر مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى في مجالي الغاز والطاقة الاقتراح الذي عرضته إسرائيل "استسلاماً كاملاً من جانب إسرائيل".
يذكر أن المحكمة الإسرائيلية العليا لم تصدر قرارها بعد في الالتماس الذي قدمه منتدى "كهيليت"، وطالب فيه تحويل أي قرار في شأن الاتفاق مع لبنان إلى استفتاء شعبي، والكشف أمام الجمهور عن نتائج المفاوضات بين إسرائيل ولبنان.
من جهتها، ستبذل المؤسسة السياسية الإسرائيلية جهوداً حثيثة للتوصل إلى اتفاق مع لبنان خلال الشهر المقبل قبل المباشرة في عملية استخراج الغاز، فيما أعلنت المؤسسة العسكرية استمرار إبقاء المنطقة في حالة تأهب أمني قصوى إلى حين اتضاح الموقف اللبناني، أو كما قال مسؤول إسرائيلي متفائل، "إلى حين موعد التوقيع على الاتفاق مع لبنان".