Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا نعرف عن الحد الأدنى للأجور في مصر مع موجة الغلاء؟

فجوات بين القطاعين الخاص والعام والمتخصصون يرون أن الحل النهائي في تشريع قانون ملزم

تحت وطأة الغلاء يمنّي العاملون والموظفون في القطاع الخاص أنفسهم بالمساواة مع أقرانهم في الحكومة (أ ف ب)

لا يزال أكثر من 24 مليون عامل في القطاع الخاص، يمثلون السواد الأعظم من قوة العمل الرسمية المصرية، بنسبة تخطت حدود الـ80 في المئة، يبحثون عن درع واقية يطلق عليها الحد الأدنى للأجور، تحميهم من الغلاء الفاحش، الذي طال كل شيء منذ مارس (آذار) الماضي مع تفشي التداعيات الاقتصادية السلبية كمحصلة للحرب الروسية في أوكرانيا، وخفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي بأكثر من 18 في المئة منذ خمسة  أشهر وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات عالية.

منذ بداية العام الحالي، زحفت معدلات التضخم في مصر بنحو 7 في المئة، إذ ارتفعت مؤشرات التضخم من 8 في المئة خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، لتصل إلى 15.3 في المئة خلال مايو (أيار)، متأثرة بالتداعيات السلبية للحرب في أوكرانيا، قبل أن تتراجع بشكل طفيف في يونيو (حزيران) الماضي عند 14.7 في المئة.

تحت وطأة الغلاء والتضخم، يمنّي العاملون والموظفون في القطاع الخاص أنفسهم بالمساواة مع أقرانهم في القطاع العام الحكومي، بعد أن فرضت الدولة المصرية مظلة حماية تقيهم من حرارة الأسعار ونيران الغلاء بعد زيادة أجور ومرتبات العاملين في الجهاز الإداري للدولة وقطاع الأعمال العام والهيئات الاقتصادية في أبريل (نيسان) الماضي، إذ حركت القاهرة الحد الأدنى للأجور للعاملين لديها بنسبة 13 في المئة إلى 2700 جنيه (141 دولاراً)، من 2400 جنيه (125.28 دولار).

كما حركت الحد الأدنى للأجور للعاملين في الدولة بنسبة 125 في المئة على مدار الأعوام الثمانية الماضية، حينما زاد من 1200 جنيه (62.64 دولار أميركي) عام 2014 إلى 2700 جنيه (141 دولاراً أميركياً) في 2022، لتصل القيمة الإجمالية للزيادات حتى الآن إلى نحو 1500 جنيه (78 دولاراً أميركياً).

"لوغاريتم" ثلاثي الأبعاد

تطبيق حد أدنى للأجور للعاملين في القطاع الخاص بمثابة "لوغاريتم" كبير ومعادلة ذات ثلاثة حدود يصعب حلها بسهولة، إذ إن طرفي المعادلة الأساسيين بينهما تضارب في المصالح، بينما الطرف الثالث لا يملك الأدوات الكافية لحسم الصراع بين الطرفين، إذ يحاول المجلس القومي للأجور التابع لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ممثلاً للحكومة في المعادلة، تقريب وجهات النظر.

ففي الوقت الذي يبحث العمال والموظفون في القطاع الخاص عن الوصول بالأجور إلى الحد الأدنى، الذي يفي بحد الكفاف في مواجهة الغلاء والتضخم، أسوة بزملائهم العاملين في القطاع الحكومي، يرى طرف المعادلة الآخر أن رفع مستوى الأجور يمثل خسارة كبيرة لهم، في ظل تراجع في مبيعات شركاتهم وانخفاض إنتاج مصانعهم، نتيجة الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الجميع.

العام الماضي، وبعد قرار مجلس الوزراء الذي نص على زيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع الحكومي، عُقد المجلس القومي للأجور على الفور برئاسة وزيرة التخطيط هالة السعيد ليتخذ قراراً سريعاً بتحديد الحد الأدنى للأجور للعاملين في القطاع الخاص بواقع 2400 جنيه شهرياً، وأمهلت الشركات الخاصة حتى يناير الماضي كمهلة كافية للتطبيق مع مراعاة الظروف الاقتصادية للمنشآت التي يتعذر عليها حالياً الالتزام به واستثنائها من ذلك، إضافة إلى صرف العلاوة الدورية للعاملين بالقطاع الخاص بنسبة 3 في المئة وبما لا يقل عن 60 جنيهاً (ثلاثة دولارات)، وها قد مضت أكثر من ثمانية أشهر ولم يتحرك الحد الأدنى للأجور حتى بعد أن حركت الحكومة أجور موظفيها مرة أخرى في أبريل الماضي.

المجلس القومي للأجور ودوره

تشكل المجلس القومي للأجور بعد ثمانية أشهر من اندلاع ثورة يناير 2011، التي كانت العدالة الاجتماعية من بين شعاراتها، برئاسة وزير التخطيط ويضم في عضويته 16 عضواً، منهم ثمانية ممثلين للحكومة عن وزارات القوى العاملة والتضامن الاجتماعي والمالية والتنمية المحلية والتجارة والصناعة ووزارة قطاع الأعمال العام، علاوة على مسؤولي جهاز التنظيم والإدارة والتعبئة والإحصاء، إضافة إلى أربعة أعضاء ممثلين لأصحاب الأعمال تختارهم منظماتهم المنتخبة، إلى جانب أربعة أعضاء ممثلين عن العمال يختارهم الاتحاد العام المنتخب لنقابات عمال مصر.

ولحل المعادلة من الدرجة الثالثة ذات الأطراف المتشابكة، تواصلت "اندبندنت عربية" مع المسؤولين والمتخصصين وممثلي عمال القطاع الخاص، إذ قال عضو المجلس القومي للأجور مجدي البدوي "نترقب انعقاد المجلس بكامل هيئته في سبتمبر (أيلول) المقبل للتشاور حول آلية تطبيق الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص"، مضيفاً "وسنترقب في أكتوبر (تشرين الأول) طلبات الشركات التي لا تستطيع تطبيق القرار في الوقت الحالي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "سنخصص نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) لبت طلبات التأجيل من الشركات المتضررة، ثم يطبق الحد الأدنى للأجور مع مطلع يناير 2023".

وأكد أن "المجلس يحاول تحقيق التوازن بين حقوق العمال في الحصول على أجر يضمن مستوى معيشياً مناسباً، وفي الوقت ذاته مراعاة الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تمر بها قطاعات عدة، ولا تستطيع تحمل أعباء جديدة".

وأشار إلى أن "هناك آلية لتقدير وضع الشركات التي طلبت التأجيل لتحديد موقفها من الاستثناء، سواء بالموافقة أو الرفض، عبر بحث ودراسة أوضاع المنشآت وقدرتها المالية على الوفاء بمستحقات العمالة بداخلها بما لا يلحق بها أي خسائر مادية ولا يؤثر في الأرباح".

3028 شركة تطلب الاستثناء

من جانبها، قالت وزارة القوى العاملة إن "المديريات في سائر المحافظات التابعة للوزارة تلقت 3028 طلب استثناء من الشركات غير القادرة على تطبيق الحد الأدنى للأجور بواقع 2400 جنيه".

وأضافت في بيان رسمي الشهر الماضي، أن "مديريات القوى العاملة انتهت من فحص 1159 منشأة من إجمالي الطلبات، وسيتم إعلام المنشآت بنتيجة الفحص، سواء بقبول الاستثناء أو الرفض". وشددت على أنه "لن يتم قبول أي طلب استثناء من أي منشأة إلا بعد استيفاء المستندات الدالة على أحقية المنشأة في ذلك".

ولفت وزير القوى العاملة السابق محمد سعفان إلى أن "دراسة الحالات التي تقدمت بطلبات استثناء ستسهم في إنشاء قاعدة بيانات متكاملة ودراسة تحليلية يمكن من خلالهما استقراء المستقبل ورسم ملامحه بالنسبة إلى أحوال المنشآت وموقف العاملين بداخلها، مبدياً استعداد الوزارة لاستقبال أي طلبات استثناء لمنشآت وبحثها".

ودعا اتحادات العمال وأصحاب الأعمال إلى إجراء حوار مجتمعي في ما بينها حول أوضاع المنشآت والعمال لديها، في إطار تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإنتاجية لتحقيق مزيد من الإنتاج ودفع الاقتصاد القومي وزيادة النمو في ظل الظروف الحالية.

قوة العمل الرسمية

وفقاً للنشرة السنوية للجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء، بلغت قوة العمل في مصر حتى عام 2021 نحو 29 مليوناً و358 ألف فرد، مقابل 28 مليوناً و458 ألف فرد عام 2020، يتوزعون بين 24 مليوناً و296 ألفاً من الذكور وخمسة ملايين و62 فرداً من الإناث.

وبلغت قوة العمل في الحضر 13 مليوناً و109 آلاف فرد، بينما بلغت في الريف 16 مليوناً و249 ألف فرد، وسجل معدل البطالة نحو 7.4 في المئة خلال العام الماضي.

 

في المقابل، انتقد رئيس النقابة العامة للعاملين في القطاع الخاص شعبان خليفة تعامل المجلس القومي للأجور مع أزمة الحد الأدنى للعاملين، موضحاً أن "المجلس منح الفرصة للشركات وأصحاب الأعمال للتنصل من تنفيذ القرارات باستثناء الشركات المتضررة وغير القادرة على تطبيق الحد الأدنى للأجور".

وأضاف أن "هناك طرقاً وأساليب متعددة يلجأ إليها أصحاب الأعمال لتظهر قوائمه المالية وموازناته الخاصة محققة خسائر، بالتالي يصبح متضرراً وبناء على ذلك لا يطبق الحد الأدنى على العاملين لديه".

وقال خليفة الخاص إن "المجلس القومي للأجور أصدر في ديسمبر 2021 القرار رقم 57 الذي نشر في الجريدة الرسمية، مما يجعله ملزماً بالتطبيق في اليوم التالي مباشرة، ما لم يحدث حتى الآن". وعبر عن سخطه من "طريقة إدارة المجلس لمناقشات تطبيق الحد الأدنى"، وتساءل "كيف يجلس صاحب العمل ذات اليد الطولى والقوة والمال وجهاً لوجه أمام العامل لديه ليناقشه؟".

سيطرة أصحاب الأعمال على قرارات المجلس

وأشار خليفة إلى أن "هناك سيطرة واضحة من جانب أصحاب الأعمال والمنشآت على قرارات المجلس، بالمخالفة لما نصت عليه المادة 34 لقانون العمل 12 لعام 2003، التي تقضي بالتوازن بين عدد ممثلي العمال وأصحاب الأعمال أربعة أعضاء بالتساوي، والمخالف لقرار رئيس مجلس الوزراء بإنشاء المجلس القومي للأجور رقم 983 لعام 2003 في المادة الأولى بند ثانياً، الذي ينص على أربعة أعضاء يمثلون منظمات أصحاب الأعمال وأربعة أعضاء يمثلون العمال". وقال إن "المجلس بالمخالفة للقانون وقرار رئيس مجلس الوزراء، يحضر اجتماعات المجلس الأعضاء ممثلو منظمات أصحاب الأعمال أضعاف ممثلي العمال، وهذا ما يؤثر في التصويت على القرارات".

وأكد رئيس النقابة العامة للعاملين في القطاع الخاص أن "العمال بالقطاع في مصر يرغبون في حد أدنى للأجور عادل يكفل تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار ليحفظ كرامة العامل المصري، ويتفهم العمال دور الدولة بالحفاظ على التوازن بين حقوق العمال في الحصول على أجر مناسب يضمن مستوى معيشياً مناسباً وفي الوقت ذاته مراعاة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بعض المنشآت المتعثرة".

الحل في التشريع

من جانبه، أكد نائب رئيس اتحاد عمال مصر محمد جبران أن "تطبيق الحد الأدنى للأجور على العاملين في القطاع الخاص لن يحدث سوى بقوة التشريع والقانون"، وأوضح "يجب على الحكومة أن تقوم بدورها عبر دراسة مشروع قانون جديد عن طريق مجلس النواب، يفرض غرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه عن كل عامل في شركة أو مصنع لا يحصل على حد أدنى من الأجر يدفعها صاحب العمل".

وأضاف أن "أصحاب الأعمال والمصانع لن يطبقوا الحد الأدنى سوى بقوة القانون وليس المبادرات والحوارات المجتمعية بين العمال وأصحاب الأعمال، بسبب تضارب المصلحة بين الطرفين لن نجد حلولاً سوى بالقانون".

وفقاً لبيانات وزارة القوى العاملة المصرية، تصل قوة العمل المنتظمة (المؤمن عليها والمسجلة رسمياً) إلى نحو 29 مليون عامل، من بينهم خمسة ملايين يعملون تحت المظلة الرسمية للدولة في دواوين الحكومة والجهاز الإداري للدولة وشركات قطاع الأعمال العام. في المقابل، يعمل 24 مليون عامل في الشركات التجارية والصناعية والخدمية والسياحية بالقطاع الخاص، وبنسبة تتخطى حاجز الـ80 في المئة.

علاقة "مشيطنة" على غير الواقع

على الجانب الآخر، قال رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين علي عيسى إن "العلاقة بين العامل وصاحب العمل ليست كما يشيطنها البعض، فالعلاقة بين الطرفين مصالح مشتركة وليست متضاربة".

وأكد أن "الشركة أو المصنع ليست له قيمة من دون العامل، بالتالي رجال الأعمال وأصحاب الأعمال ليس لديهم مانع في رفع الحد الأدنى للأجور أكثر مما قدرته الدولة"، مستدركاً "لكن ما لا يعرفه كثيرون أن الأعباء أصبحت ثقيلة، والظروف الاقتصادية التي تمر بها الصناعة والتجارة أصعب، ولا يمكن لصاحب عمل يجد عامله يقاسي ويعاني بسبب الغلاء ويتركه، لكن الظروف صعبة على الجميع ويجب أن تكون هناك حلول وسط".

ومن جانبه، قال عضو جمعية رجال الأعمال وأحد أصحاب الشركات عمر فتوح إن "قضية الحد الأدنى للأجور شائكة، خصوصاً في القطاع الصناعي، وعلى الرغم من الظروف التي أثرت في الجميع في فترة الجائحة، لم يتخل أحد عن العمال ولم يتم تسريح عامل واحد".

وأضاف فتوح أن "الدولة عليها مساعدة أصحاب الأعمال في تخفيض الأعباء الضريبية المتعددة وتقليل كلفة الإنتاج حتى يتسنى لهم زيادة المرتبات أو تطبيق الحد الأدنى للأجور ليتساوى أبناء الوطن الواحد".