Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بدأت معركة رفع الحد الأدنى للأجور في لبنان؟

انخفض إلى 36 دولارا بعدما كان 450

يشهد قطاع التعليم في لبنان حركة هجرة بسبب الأزمة الاقتصادية وتراجع قيمة الرواتب (رويترز) 

ما الحاجات الأساسية التي يمكنك الحصول عليها إن كنت تتقاضى الحد الأدنى للأجور في لبنان؟

السؤال بسيط، والجواب أكثر بساطة: "لا شيء!".

هذا هو لسان حال اللبناني الذي يعاني من جراء الانهيار المالي في بلاده. فالمبلغ الذي حدده القانون حداً أدنى للأجور، أي 675 ألف ليرة لبنانية، كان يساوي 450 دولاراً أميركياً قبل الأزمة، أما الآن مع بلوغ سعر صرف الدولار في السوق الموازية (السوداء) 18600 ليرة، فقد انخفض ليصبح 36 دولاراً أميركياً. قد تبدو المعادلة صاعقة، وصعبة الاحتمال على شعب أصبحت غالبيته دون خط الفقر، وتحتاج إلى الإعانات لتستمر على قيد الحياة.

عناصر الحد الأدنى

يفصل النقابي محمد قاسم العناصر المكونة للحد الأدنى للأجور، إذ يتم احتسابه بناء على سلة أساسية، اعتمدت في عام 1972، عندما كان الحد الأدنى للأجور 205 ليرات لبنانية، وارتفع في 1975 إلى 310 ليرات، وأصبح 925 ليرة في 1982، وصولاً إلى 675 ألف ليرة في نهاية العقد الأول من الألفية الثانية، وأخيراً إقرار القانون 46/2017 أو ما يعرف بسلسلة الرتب والرواتب.

خلال هذا المسار التصاعدي، كان هناك ما يسمى "لجنة المؤشر" التي أهمل دورها في العقد الأخير. ويوضح قاسم توزيع السلة الاستهلاكية الأساسية على أربعة أبواب: الباب الأول تشمل استهلاك المواد الغذائية وحجم تثقيلها حوالى 42 في المئة، ويتضمن الباب الثاني السكن وملحقاته (إيجار ووقود وتصليحات) بحدود 23,5 في المئة، ويتكون الباب الثالث من نفقات الملابس والبياضات بحوالى 8,5 في المئة، أما المصاريف الأخرى التي تشتمل على الطبابة والتعليم والنقليات والترفيه والعناية الشخصية وغيرها فكان حجم تثقيلها 20 في المئة، وهي الباب الرابع.

ويطالب قاسم بإعادة النظر في المعايير المعتمدة بناءً على أرقام الأزمة الراهنة، وإعادة النظر في الحد الأدنى الرسمي للأجور انطلاقاً من تصحيح تثقيل سلة الاستهلاك الحالية، لافتاً إلى أن "الدولة رفعت بدل النقل للموظف العمومي إلى 64 ألف ليرة يومياً، أي مليون و920 ألف ليرة (نحو 50 دولاراً) خلال شهر عمل واحد". ويقترح التركيز على 5 أبواب أساسية يجب إعطاؤها الأولوية، ألا وهي "النقال والتعليم والطبابة والاستشفاء والإنارة والكهرباء والغذاء".

ويرى أن دولرة الأجور، أو ما يوازي سعر الصرف اليومي، هو باب لإنصاف الموظف. فالمدرس الذي يتقاضى 3 ملايين ليرة (نحو 160 دولاراً) كان يوازي ألفي دولار أميركي، أما حالياً فانخفضت القدرة الشرائية بمعدل 14 ضعفاً، عند عتبة 18000 ليرة مقابل الدولار الواحد، ليتراوح الأجر بين 150 و160 دولاراً. ويذكر قاسم بزيادة بدلات النقل 7 أضعاف، والمواد الغذائية 12 ضعفاً تقريباً.

ويرفض قاسم تحديد رقم للحد الأدنى للأجور، إلا أنه يقترح سلسلة من الإجراءات لجعله مقبولاً من القطاعات الإنتاجية، من تعزيز النقل العام المشترك، وبناء معامل كهرباء بكلفة مليار دولار لتخفيف كلفة اشتراك المولد التي أصبحت ضعف الحد الأدنى للأجور، استيراد الدولة النفط الذي يدر عليها الأرباح.

معركة تصحيح الأجور

تاريخياً، لعبت الحركة النقابية المستقلة دوراً حاسماً في معارك تصحيح الأجور. أما اليوم، فهذه الحركة معطلة وقليلة الفاعلية بسبب المحاصصة السياسية والطائفية التي تفرض تدجين النقابات بحجة تأمين التوازن. لذلك، فقد ضاق هامش التحرك بسبب تعارض المصالح الذي يسببه التداخل بين العاملين الحزبي والنقابي. ويعتقد قاسم أن مطلب تصحيح الأجور سيوَاجه برفض من صندوق النقد الدولي الذي يشترط الخصخصة وترشيق القطاع العام، إضافة إلى جماعات أرباب العمل. لذلك، يتوقع أن يشهد المستقبل كثيراً من الاضطرابات الاجتماعية، والإضرابات، وتعطل المؤسسات العامة، إلى جانب هجرة الكفاءات المهنية.

ويرفض قاسم تحميل سلسلة الرتب والرواتب مسؤولية الانهيار الاقتصادي، لأن الدين العام تجاوز 100 مليار دولار، وحجم الإنفاق العام 300 مليار دولار. أما كلفة السلسلة فكانت 2800 مليار ليرة لبنانية، أي ما دون ملياري دولار، لافتاً إلى شغور يصل إلى نسبة 70 في المئة في وظائف الإدارة العامة، واستبدال التوظيف بالتعاقد لنسف جوهر دولة الرعاية الاجتماعية.

القطاع الخاص والدرجات الست

على الضفة الأخرى من قرار التوظيف، تظهر معاناة الموظفين في القطاع الخاص وتحديداً في قطاع التعليم حيث تحفظت أكثرية المؤسسات التربوية على منح "زيادة 6 درجات على الرواتب" بموجب قانون السلسلة. ويتحدث نبيل كوستا، الأمين العام للمدارس الإنجيلية، عن مرحلة "الحد من الخسائر"، لافتاً إلى دور سلبي لسلسلة الرتب والرواتب، التي "فضحت رائحة الفساد في البلاد". ويعتبر كوستا أن "زيادة الدرجات الست كانت قراراً شعبوياً من شأنه إفلاس غالبية المدارس الخاصة غير الميسورة". لذلك، رفضت تلك المدارس دفعها بسبب وضعها المادي ووطأتها على الأهل.

ويشير كوستا إلى أن "الانهيار أوصل إلى نتيجة مفادها أن الدرجات الست أصبحت بلا قيمة، فهي توازي 600 ألف ليرة لمدرس يتقاضى 3 ملايين ليرة، وأصبحت بلا طعمة". ويلفت إلى أن "بعض المدارس بدأت، أخيراً، دفعها، إلا أن المدارس تتخوف من المفعول الرجعي". ويتخوف كوستا من هجرة المدرسين أكفاء، إذ يُقدر أن عدد الذين هاجروا هو 5 آلاف مدرس، بسبب انهيار قيمة الرواتب، وللحد من هذه الظاهرة عرضت بعض المدارس زيادة 30 في المئة على رواتب الطواقم التعليمية.

ويرى كوستا أن عملية تصحيح الأجور يجب أن تتم بصورة تدريجية لعدم التأثير على الأقساط التي تزيد الأعباء على الأهل، كاشفاً عن تلقي المدارس الخاصة بعض المساعدات الخارجية التي تؤمن الاستمرارية ومساعدة الأهالي المتعثرين.

آثار اقتصادية عميقة

شهد الاقتصاد اللبناني تدهوراً حاداً في ناتجه المحلي بانخفاض نسبته 20.3 في المئة في عام 2020. فقد ارتفعت نسبة التضخم 281 في المئة، في الفترة بين يونيو (حزيران) 2019 ويونيو 2021. وهو ما يُعرف بالكساد التضخمي (Stagflation) بحسب المتخصص في الشأن الاقتصادي أيمن عمر، الذي يقول "يعاني لبنان من أنواع عدة من التضخم: تضخم الطلب (Demand-pull inflation) بسبب ارتفاع الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية وتخطيها 41 تريليون ليرة لبنانية، مما أسهم في زيادة الطلب الكلي وتالياً ارتفاع المستوى العام للأسعار، تضخم الكلفة (Cost-push inflation) بسبب ارتفاع  أسعار المحروقات، التي تشكل في بعض الصناعات ولبعض السلع أكثر من 70 في المئة من كلفتها، والنوع الثالث هو التضخم الناتج عن احتكار السلع ورفع أسعارها بشكل فاضح". ويؤكد عمر أن السبب الرئيس للتضخم هو تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير عمر إلى أنه مع انخفاض القدرة الشرائية للأجور بأكثر من 90 في المئة، يبقى تصحيح الأجور وزيادة القدرة الشرائية للمواطنين "مطلب حق لا غبار عليه في ظل وصول نسبة الفقر إلى 78 في المئة من الشعب اللبناني"، إلا أنه يرى أن "هذا المطلب دونه مخاطر كثيرة وعقبات كبيرة"، موضحاً أن "زيادة الرواتب والأجور من دون أن تقابلها زيادة في الإنتاجية ستؤدي إلى ارتفاع الطلب الكلي عن العرض الكلي، فيؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار والتضخم المالي. إضافة إلى الإشكالية الكبرى وهي مصادر تمويل هذه العملية وتأثيرها على المالية العامة التي هي في الأصل متهاوية وعاجزة، فإما تُمول عن طريق ضرائب ورسوم إضافية، ومن ثم ما قُبض باليمين سيُدفع باليسار، أو من طريق الاستدانة من الأسواق المالية، وهذا لا يمكن تحقيقه بعد إعلان الدولة اللبنانية توقفها عن سداد سندات اليوروبوندز. ويبقى طبع مزيد من العملة الوطنية الأمر الذي يعني مزيداً من تدهور سعر الصرف والتضخم. فالعقبة الأكبر أمام تصحيح الأجور في تفاوض الحكومة مع صندوق النقد الدولي وشروطه التي من ضمنها هيكلة القطاع العام وهيكلة الأجور فيه".

أمام هذا الوضع المتأزم، يعتقد عمر أنه "حتى يؤتي تصحيح الأجور ثماره، يجب أن يأتي ضمن عملية متكاملة مرتبطة بالإصلاحات وخطط التعافي وبالبُعد الأساسي للأزمة، وهو البُعد النقدي المرتبط بسعر صرف الليرة اللبنانية. ولكن هذه المسائل ستأخذ مداها على المدى المتوسط، لذلك يصبح تصحيح هيكلي وجدي للأجور غير ممكن حالياً".

خطوات رعائية ضرورية

ويجزم عمر أنه "على الرغم مما يعترض عملية تصحيح الأجور من عقبات، فإنه ضرورة قصوى في ظل الكارثة الاجتماعية التي يعاني منها الشعب اللبناني". لذلك، يمكن تجاوز تلك العقبات والمخاطر عن طريق إجراءات عدة مترافقة مع آلية تصحيح الأجور، وخصوصاً أن الهدف من التصحيح ليس الزيادة الكمية للرواتب بل زيادة قدرتها الشرائية. وبما أن قدرة الموظفين والعاملين على التحمل تراجعت، فلا بد من إجراءات على المدى القصير تدعم القدرة الشرائية للمواطنين".

من هنا، يقترح عمر مجموعة من الخطوات التي تساهم في تخفيف حدة الأزمة، بداية لا بد من "رد أموال صغار المودعين بالدولار والتي تشكل حوالى 62 في المئة من الودائع، هذا الأمر لن يُكلف أكثر من مليار دولار يمكن توفيره من الاحتياطي الإلزامي الذي هو في الأساس أموال هؤلاء المودعين. ما سيؤدي إلى تحسن في سعر الصرف وتالياً في القدرة الشرائية". وتأمين بدل غلاء معيشي بالدولار يتناسب مع نسب التضخم وتدهور القدرة الشرائية.

كذلك، تحسين الخدمات العامة من تطوير قطاع النقل العام وتطويره عبر شراء باصات للنقل العام بين مختلف المناطق والقرى بتعرفة زهيدة. إضافة إلى تحسين تغذية التيار الكهربائي عبر تخصيص جزء من أموال صندوق النقد لشراء الفيول، في انتظار استجرار الغاز المصري والفيول العراقي، فتخف فاتورة الكهرباء على المواطنين. وتفعيل المؤسسات الرقابية والأمنية لمكافحة الاحتكار وتهريب البضائع والمحروقات.

ويطالب عمر بالإسراع في تنفيذ البطاقة التمويلية على أن تشمل موظفي القطاع العام، بشرط أن يكون المبلغ المدفوع بالدولار الأميركي. وهذا أمر سهل التحقق، طالما أن التمويل بالدولار من المنظمات المموّلة. وتأمين بطاقات للمحروقات إلى الموظفين بأسعار رمزية.