كانت الحملات الانتخابية للفوز بمنصب رئيس حزب المحافظين البريطاني في منطقة دارلينغتون [في شمال شرقي إنجلترا]، وعلى مسافة نحو كيلومتر ونصف الكيلو فقط من المنزل، حيث كان قد ترعرع الكاتب الإنجليزي تشارلز دودجسون [صاحب كتاب "أليس في بلاد العجائب"]، في منطقة "كروفت أون تييز". ولذلك عبرنا إلى المنطقة للنظر عبر الزجاج [كما في كتاب كارول أو دودجسون "النظر من خلال الزجاج"]، حيث يتحول مؤيدو البقاء في أوروبا (في إشارة إلى ليز تراس) إلى مؤيدين لـ"بريكست" والخروج من أوروبا، والعكس صحيح. تتصرف مرشحة زعامة حزب المحافظين ليز تراس، التي كانت قد أطلقت حملتها الانتخابية عنوان "مرشحة التغيير"، وكأنها الشخص العازم على المحافظة على إرث بوريس جونسون السياسي.
لقد رفضت تراس تحميل جونسون وحده مسؤولية سقوطه السياسي موافقةً مع الجمهور من أعضاء حزبها الحاضرين الذين أكدوا بالصراخ أن مسؤولية سقوط جونسون تقع على وسائل الإعلام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقامت ليز تراس في الدفاع عن سجل إنجازات بوريس جونسون وعلى رأسها إنجاز عملية الخروج من أوروبا، ونجاحه في توزيع لقاح كورونا على البريطانيين، وتحدّيه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنها قامت أيضاً بالتملق لجونسون عبر تقليده في حرفها للأسئلة الصعبة الموجهة إليها من خلال تبجحها بصخب، واستفزازها الآخرين المتعمد. وبدت متمكنة بشكل يثير الإعجاب من استخدام وسائل كبير مستشاري رئيس الوزراء السابق دومينيك كامينغز في التعبير عن مواقف تغضب المعارضين لحزب المحافظين، ولكن ما تقوله يؤدي إلى إثارة الإعجاب في أوساط شريحة واسعة من أعضاء الحزب.
ومن خلال ذلك أعلنت تراس أنه إذا وصل الأمر للتصويت في مجلس العموم البريطاني، فهي [كرئيسة للوزراء] ستصوت من أجل وقف تحقيق اللجنة الضابطة لامتيازات النواب في ما إذا كان رئيس الوزراء بوريس جونسون قد ضلل البرلمان أم لا، وقد قالت إنه "ليس هناك تصويت على الرغم من أن تحقيقات اللجنة مستمرة". ولقي ذلك ترحيباً في القاعة التي يعتبر جزء كبير من الحاضرين فيها أن جونسون سقط ضحية مؤامرة بين ريشي سوناك "المتهم بالطعن من الخلف"، والإعلام اليساري في بريطانيا.
وكلما زادت الاعتراضات خارج قاعة الاجتماع على أملها بإلغاء التحقيق البرلماني، كلما زاد عدد المؤمنين بخرافة أن جونسون قد تمت خيانته، وانحياز هؤلاء أكثر لدعم مسعاها الوصول إلى رئاسة الحكومة.
وتصرفت تراس بالطريقة نفسها فيما يتعلق بالنقاش حول موضوع أي نوع من المساعدة قد تقدمها الحكومة للمواطنين لإعانتهم على تحمل فواتير الغاز والكهرباء في الشتاء المقبل. وهي تمتنع عن تقديم الإجابات المباشرة، مفضلة الحديث عن أمرين لا علاقة لهما بالموضوع، الأول هو أنها ستقوم بمزيد إذا تطلب الأمر تقديم المساعدات الإضافية، والثاني قولها إنها تفضل خفض الضرائب بدلاً من تقديم "المعونات المادية المباشرة".
وبشكل مشابه للإعلان [الذي كان قد ظهر على باصات حملات الاستفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016 عن توفير بريطانيا] نحو 350 مليون جنيه استرليني (نحو 420 مليون دولار أميركي)، وهو أمر يشتت أنظار الأشخاص العقلاء، ومن ضمنهم ريشي سوناك، فيما يحتجون على أن مسألة خفض الضرائب لا تغير شيئاً بالنسبة لوضيعي الحال مادياً وهم الشريحة التي لا تدفع الضرائب أصلاً، لكن ما يسمعه أنصار الوزيرة تراس من بين أعضاء حزب المحافظين هو أنها تؤيد العمل على خفض الضرائب وأنها ضد تقديم المعونات. وهو تحديداً ما يودّ هؤلاء [أي أنصارها في الحزب] سماعه. وكلما احتج الوزير المستقيل سوناك على ذلك، وكلما طرح الصحافيون الأسئلة حول الموضوع كلما تكرر سماع أنصارها للسردية نفسها.
الوزيرة تراس كررت مناورتها في الحملة الانتخابية في دارلينغتون. أضافت قليلاً من الهجوم على وسائل الإعلام في محاولة منها لتأكيد ما قالته سابقاً. وهي وجهت الاتهام أيضاً إلى المذيع في قناة "توك" التلفزيونية توم نيوتن دون، الذي كان يدير جلسة النقاش، بأنه كان قد "صاغ" سؤاله بشكل "يشبه صياغة تيار اليسار للموضوع" في تسميته المعونات النقدية التي تقدمها الحكومة بأنها "منحة" بدلاً من الإشارة إليها بوصفها "أموال دافعي الضرائب".
وقالت تراس، "إن أول الأمور التي يفترض علينا كأعضاء في حزب المحافظين أن نفعله هو مساعدة الناس على الاحتفاظ بجزء أكبر من أموالهم. وما لا أدعمه هو أن أسحب الأموال من المواطنين على شكل ضرائب، وأن أقوم بإعادتها إليهم على شكل "معونات" حكومية، هذا التصرف بالنسبة إليّ يشبه السياسات الاقتصادية [التي كان اتبعها رئيس الوزراء العمالي السابق] غوردن براون. وهذا يعتبر بمثابة موسيقى لآذان أنصارها ببساطة. فهي لا تنفي هنا أنه لو أصبحت رئيسة للوزراء فإنها لن تفعل الأمر البديهي، وهو أن تعمل على زيادة المساعدات للمحتاجين عبر نظام الضمان الاجتماعي، ومن ضمن ذلك زيادة حجم تسليف المتقاعدين، وتقديم معونات لهم لتحمل نفقات ثمن التدفئة في فصل الشتاء، وهو ما كان سوناك قد التزم بفعله أصلاً.
إن متوسط أسعار فواتير الكهرباء والغاز يتوقع حالياً أن ترتفع بنسبة 550 جنيهاً استرلينياً إضافياً (نحو 660 دولاراً أميركياً) في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إضافة إلى الارتفاع الذي كان قد أعلن عنه [وزير المالية] ريشي سوناك في شهر مايو (أيار) الماضي، وبغض النظر عمّن سيحتل كرسي رئيس الوزراء فمن المتوقع أن يقوم بدفع متوسط الكلفة التي سيتكبدها الأشخاص المحتاجون. سايمون كلارك، أمين عام وزارة الخزانة البريطانية الذي يواصل عمله حالياً في "الحكومة المستقيلة"، وهو أيضاً من أنصار ليز تراس، قام بتأكيد هذا الأمر أخيراً بقوله، "إن الحكومة تعمل على إعداد حزمة مساعدات لمواجهة غلاء المعيشة، والتي يمكن لرئيس الوزراء المقبل دراستها عند توليه منصب رئيس الحكومة".
لكن تراس تحاول الفوز بالأصوات في معركة رئاسة الحزب الانتخابية، بدلاً من إعداد سياسات فعالة لحكومة البلاد المقبلة. وهي تفعل ذلك بكل الوسائل التي كان بوريس جونسون ليعتمدها للوصول، ذلك بموازاة طرح نفسها بأن رئاستها للوزراء ستكون بمثابة بداية جديدة.
إضافة إلى ما سبق، هناك تفصيل صغير، ولكنه يعتبر بمثابة مثال معقول يرشدنا إلى ميولها "الجونسونية". فهي قالت للمذيع نيوتن دون، "لا هذا ليس صحيحاً"، عندما سألها إن كان فريقها قد بدأ مشاورات مع مسؤولي الخدمة العامة تحضيراً لتشكيل الحكومة. فإما أنها كانت تجهل ما يقوم به أعضاء فريقها ــ وأنا أعلم أن تلك المحادثات قد جرت فعلاً، ووجاهيا [مع فريقها السياسي] ــ أم إنها تنفي الأمر لأنها لا تريد أن تظهر بمظهر من بدأ بقياس سواتر النوافذ في مقر عشرة داونينغ ستريت لأنها تعلم مسبقاً أن فوزها برئاسة الحزب والحكومة أصبح أمراً محسوماً.
مهما كان تفسيرها لذلك، فإن ما تقوم به يشبه عادات بوريس جونسون، وهو كان قد قام بنسخ ذلك من كتاب لويس كارول هامبتي دامبتي، حيث يختار عبارات معينة كي تحمل المعاني "التي أختارها أنا ــ لا أكثر ولا أقل".
© The Independent