Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نجاح المسلسلات القصيرة يهدد عرش الدراما الطويلة

يرى نقاد أن المنصات فرضت التغيير والإجادة إجبارية لمواكبة التطور

يرى مراقبون أن انتشار المسلسلات العربية القصيرة من شأنه أن يكون حافزاً مهماً لتحسين نظيرتها الطويلة (مواقع التواصل)

تجاهد الدراما العربية حتى تطور نفسها لتواكب متطلبات العصر ورغبات الجمهور الذي يشكو من الملل، والتطلع للأعمال الأجنبية، بما فيها من حبكة وسرعة إيقاع وبراعة في التمثيل والتنفيذ. ولجأ صناع الدراما إلى حيل كثيرة في المسلسلات الطويلة من حيث تغيير الموضوعات والاستعانة بنجوم السينما، إضافة إلى الحبكة البوليسية في كثير من الأعمال، ولكن مع سرعة التطور لم يعد ذلك كافياً، بخاصة مع وجود منصات إلكترونية ذات احتياجات دائمة من دراما ومحتوى شيق.

اتجاه إجباري

ومع هيمنة المنصات الإلكترونية ولدت ظاهرة المسلسلات القصيرة التي تقل عن 30 حلقة، وتصل في بعض الأحيان إلى 5 أو 7 أو 10 أو 15 أو 18 حلقة حسب طبيعة الموضوع، وتطور الأمر ليكون هذا الشكل الدرامي هو السمة الأساسية في العرض الإلكتروني، وخرج الأمر ليشمل في بعض الأحيان القنوات الفضائية، التي اعتادت تقديم موضة عشر حلقات طوال أشهر السنة بخلاف شهر رمضان.
وكانت هناك تجارب ومحاولات سابقة زمنياً للمنصات عبر الدراما الرمضانية، ففي مسلسل "حكايات وبنعيشها"، الذي عرض على موسمين في 2009 و2010، قدمت الممثلة المصرية الشهيرة ليلى علوي في 4 قصص، كل واحدة منها في 15 حلقة، وهي "هالة والمستخبي" و"كابتن عفت" و"فتاة الليل" و"مجنون ليلى"، واختفت تلك التجربة ولم تتكرر حتى قدم هاني سلامة في عام 2017 مسلسل "نصيبي وقسمتك"، وعرضت كل قصة في 3 حلقات فقط، وتبعته دنيا سمير غانم في مسلسل "بدل الحدوتة 3"، واعتمدت على ثلاث قصص مختلفة ومنفصلة عبر الثلاثين يوماً، وكان لكل قصة 10 حلقات، واستمر الأمر في تجارب متعددة، لكن بـ15 حلقة مثل "أحسن أب" لعلي ربيع، و"بين السما والأرض" لهاني سلامة، و"كوفيد 25" ليوسف الشريف، وغيرها من الأعمال.


متطلبات المنصات

وعلى الرغم من استمرار تكرار الظاهرة في رمضان لم يكن معترف بها بشكل كامل، وكانت مجرد محاولات ذات أسباب مثل التوفير إنتاجياً أو إنشغال النجوم وعدم كفاية وقت التصوير، أو تكدس الأعمال وضرورة ضغطها حتى تأخذ حظها من العرض الرمضاني، وفي أغلب الأحيان لم يكن الأمر مريحاً للنجوم ولصناع الدراما، ولكن المنصات دفعت المنتجين إجبارياً للتوجه نحو الأعمال القصيرة، والتي لا تزيد على 10 حلقات، وبدا الأمر في مستهله مجرد مسلسلات تملأ الفراغ وتعتمد على نجوم الصف الثاني، ويقدمها المنتجون رغبةً بأموال الفضائيات والوجود طوال العام بأعمال تدر دخلاً كبيراً يساندهم في الإنتاج الرمضاني باهظ الكلفة، ومع نجاح تلك الأعمال بشدة وتغير موضوعها وزيادة التهافت عليها بناءً على رغبة الجماهير، لم يعد هناك مفر من إجادتها بشكل لا يقل عن الأعمال الرمضانية، بل تزيد الرغبة في إرضاء الجمهور ومواكبة الأعمال الأجنبية المشوقة التي تذاع عبر المنصات نفسها، حيث يجب، قدر المستطاع، ألا يكون العمل العربي القصير أقل جودة فيظهر الفرق وتتذمر المنصات من تلك التجارب، فظهر نجوم الدراما والسينما المخضرمون مثل منة شلبي ونيللي كريم ومنى زكي وآسر ياسين وعمرو يوسف وغادة عادل ورانيا يوسف وإياد نصار وماجد الكدواني، في أعمال قصيرة حققت نجاحاً كبيراً، وبتوقيع مخرجين كبار مثل يسري نصر الله وتامر محسن وهاني خليفة وأحمد خالد موسى، ومن تلك الأعمال "نمرة اتنين"، و"مملكلة إبليس"، و"منورة بأهلها"، و"كل أسبوع يوم جمعة"، و"المشهد الأخير"، و"موضوع عائلي"، و"الجسر"، و"الزيارة"، و"الحرامي"، و"إلا أنا"، وغيرها من الأعمال.
وقدمت كذلك الدراما العربية نماذج مهمة جداً على رأسها نجوم من أهم صناع الدراما العربية مثل تيم حسن وسيرين عبدالنور ومكسيم خليل وقصي خولي ومعتصم النهار وعادل كرم وفاليري أبو شقرا ونادين نجيم وغيرهم من النجوم، في أعمال مثل "8 أيام"، و"صالون زهرة"، و"من وإلى"، و"دانتيل"، و"أنا"، و"الشك"، و"لا حكم عليه"، و"الديفا"، وغيرها.
وتطور الأمر بقوة لتصل المسلسلات القصيرة إلى ذروة النجاح لدرجة باتت تهدد عرش الدراما الطويلة، فنجحت عبر المنصات مسلسلات مثل "وش وضهر"، و"البيت بيتي"، و"منعطف خطر"، و"الثمانية"، مما فتح باب النقاش لمراجعة حسابات الدراما الطويلة بشكل إجباري نظراً إلى استحسان الجمهور لنوعية الموضوعات المقدمة بالأعمال القصيرة وحبكتها وجودة تنفيذها، إضافة إلى تشبع تلك الأعمال بنجوم الدراما الرمضانية التي لم يعد الجمهور في انتظار إطلالاتهم عبر شهر الصوم في دراما طويلة ثلاثينية الحلقات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


قصص نجيب محفوظ

وكان المخرج والسيناريست تامر محسن بصدد التحضير لمشروع مسلسل حكايات قصيرة منفصلة بعنوان "القاهرة"، وهو عبارة عن مجموعة مختارة من أعمال روائية للكاتب الراحل نجيب محفوظ، والتي أعلن أنه والسيناريست مريم نعوم سيقومان بدمجها لتكون مجموعة حكايات مبتكرة، وفي الوقت نفسه مستوحاة من أعمال محفوظ، وستقدم من خلال مسلسل لكل حكاية فيه عدد مختلف من الحلقات، لكنه يبعد تماماً عن قائمة المسلسلات الطويلة.
ومن بين الأعمال التي وقع الاختيار عليها "الكرنك"، و"اللص والكلاب"، و"الطريق"، و"ثرثرة فوق النيل". وقال المخرج والسيناريست إن "المسلسل سيكون في أكثر من موسم، وكل واحد منها 8 حلقات فقط".
وعلى الرغم من توقف المشروع مؤقتاً حالياً، فإن تامر محسن صاحب تجربة مسلسل "نمرة 2" الذي قدم فيه حلقة واحدة فقط، قال عن هذا النوع من المسلسلات إنه لا يحبذ فكرة فرض عدد طويل من الحلقات وليّ ذراع القصة حتى تكمل 30 حلقة. وأشار إلى أنه يخضع لقاعدة في عمله، وهي أنه يلتزم فقط بما تريد القصة، وكم يلزم المحتوى من وقت وعدد حلقات. ولا تعنيه فكرة القوالب الثابتة المعهودة، بل يحب أن يفعل ما يراه مناسباً وتستحقه الدراما. وأضاف محسن، "للأسف، لدينا قوالب جامدة مرتبطة بأشياء غير واضحة، وأعتقد أننا قد ارتبطنا بشكل لا نرغبه وبقوالب غريبة، ولكن أرى هذا في طريقه إلى الزوال، فالصناعة تتطور، والعصر يفرض روحه وقوانينه، ولا يوجد مكان للجمود، ويجب أن نخضع للتطور، والتغيير لا بد أن يصنعه المغامرون وليس الجمهور، فالأخير ليس لديه مجلس إدارة يقول إنه يريد مسلسلاً من 30 حلقة أو أكثر أو أقل".


بناء ضعيف

من جهته، قال السيناريست ياسر عبدالمجيد، إن "ما تشهده الدراما الآن من تغير جذري في المحتوى وعدد الحلقات يقلب السوق رأساً على عقب، وقد يغير بشكل كبير شكل الدراما الرمضانية، إذا أثبتت التجارب القصيرة أن الجمهور يميل إليها ويتفاعل معها بشدة، ويمنحها ما تستحقه من تركيز ومتابعة، عكس الأعمال الطويلة التي باتت في طريقها إلى الرفض والتمرد الجماهيري بسبب المط والتطويل، وتغير احتياجات المشاهد والأعمال التي يتابعها، بخاصة الأجنبية التي تتسم بالسرعة والإيقاع المشدود ويلعب بطولتها كبار نجوم الفن العالمي. وما يحدث من هزة في ثوابت الدراما الطويلة أمر كان متوقعاً بشدة، وكل يوم يقترب ويهدد، ولا أحد يعرف ما إذا كانت الأعمال الرمضانية ستصمد بهذا الشكل الطويل المعهود، أم ستتغير مع الوقت لتكون عبارة عن مسلسلات متعددة داخل عمل واحد حكاياته منفصلة، وهذا أمر غير مضر بالمرة طالما يحقق المتعة ويعمل على وجود أكبر عدد من الصناع في أعمال كثيرة العدد ومختلفة المحتوى والهدف".
وتابع عبدالمجيد أن "ما يحدث هو وسيلة جيدة لمعالجة المشكلات التي واجهت الدراما في الفترة الأخيرة، ومن أهمها أن هناك قصص أعمال ضخمة يمل منها الجمهور بعد الحلقة العاشرة، بسبب البناء الدرامي الضعيف، بينما المسلسلات القصيرة تعطى مساحة للقائمين على المهنة بالتركيز على البناء الدرامي".
واختتم كلامه بالقول إن "خطر تلك الظاهرة لم يعد منصباً على المنصات فقط، فقد ارتبط جمهور المنازل المتابع للشاشات الفضائية بأعمال تتكون من 8 حلقات أو أكثر قليلاً، وهذا دليل على أن الجميع تغير، وليس الأمر مقصوراً على رغبة جمهور المنصات وذوقه".

حافز للتحسين

واتفق الناقد طارق الشناوي مع الرأي السابق في أن هذا النوع يسمح بوجود مجموعة كبيرة من الأعمال بالموسم، مما يعني زيادة فريق العمل المشارك بالمسلسلات. وأوضح أن "المنصات الإلكترونية لها دور في ما يحدث على الشاشة، لأن التجربة نجحت في الغالب عبرها والجمهور ارتبط بالأعمال القصيرة وتفاعل معها، لذلك كان من الضروري مواكبة التطور بعد أن مل الجمهور من الـ30 حلقة".
وكشف الشناوي عن أن "انتشار المسلسلات العربية القصيرة من شأنه أن يكون حافزاً مهماً لتحسين نظيرتها الطويلة، ودفعها إلى تلافي نقاط الضعف التي يشتكي منها مشاهدو هذه المسلسلات، وتحسين ظروف إنتاجها، وقد بدأنا نلمس تحسناً منذ فترة، حيث تحسن الإيقاع نوعاً ما بالمسلسلات الطويلة، وأصبح الحشو أقل، وارتفع أداء الممثلين".

المزيد من ثقافة