Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل على الغرب التوقف عن مساعدة أوكرانيا؟ الجواب هو كلا وإليكم السبب

تأتي فكرة "التوسط للسلام" في أوكرانيا من المفهوم الخيالي المخادع بأن بوتين لا يريد هذه الحرب

إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا سيطيل فترة النزاع ولكنه أيضاً الأمر الصحيح الذي يتوجب فعله من الناحيتين المعنوية والعسكرية (رويترز)

تطل حجة مألوفة برأسها مجدداً، هي حجة سنسمعها بشكل متزايد وستتناهى باستمرار إلى مسامعنا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة مع استمرار الحرب في أوكرانيا وشعور الناس بالتعب والملل من سماع أخبار متعلقة بهذه المسألة. ولكن من وجهة نظري، إنها حجة خطيرة.

في مطلع الأسبوع الحالي، وفي مقابلة على قناة تلفزيونية مقرها في لبنان، أعلن النائب العمالي السابق جيريمي كوربين أنه يتوجب على الغرب وقف تسليح أوكرانيا، وقال كوربين، "تزويد أوكرانيا بالسلاح بكثافة لن يؤدي إلى أي نتيجة بل سيطيل هذه الحرب ويفاقمها... أعتقد بأنه يتوجب على الأمم المتحدة أن تلعب دوراً محورياً في هذا الأمر وفي حال لم يكُن بوسع الأمم المتحدة التفاوض بشأن وقف إطلاق النار، أياً يكن نوعه، تجدر إذاً الاستعانة بطرف آخر قادر على ذلك كالاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية".

وفي هذا السياق، دافع أحد الموظفين السابقين في طاقم عمله مات زارب-كوزين عن ذلك الموقف ذاته عبر إذاعة "إل بي سي" البريطانية، قائلاً، "أعتقد بأنها ليست حرباً بوسع أوكرانيا الخروج منها منتصرة، وفي هذا الإطار، كلما أدخلتم مزيداً من الأسلحة كلما كنتم تسهمون في إطالة أمد الحرب، لا أعتقد أنه تمت مناقشة مسألة إنهاء الحرب بشكل جدي".

وتنطوي هذه الحجة على بساطة مضللة ومخادعة في مضمونها، وهي تعني أنه من خلال تزويد الغرب بالسلاح لأوكرانيا، يسهم في إطالة النزاع ويتوجب عليه عوضاً عن ذلك الدعوة لإحلال السلام.

ولكن دعونا نحاول أن نرسي تشبيهاً، لنعتبر أن طرفاً ما قام باقتحام منزلكم وهدد بقتل شريك حياتكم، فهل تواجهون وتطلبون المساعدة؟ أو تتركونه يفعل ما يشاء طالما أنه لن يقدم على قتل شخص آخر وبهذا ينتهي النزاع على الفور؟

أعتقد أن غالبية الأشخاص سيلجأون إلى الخيار الأول، شخصياً، أعرف بأنني سأفعل ذلك، ولكن دعونا نتخيل أنكم ستختارون الخيار الثاني وتستسلمون على الفور، هل تعتقدون بأن الغازي سيغادر بكل بساطة ويفي بوعده أو هل سيلجأ إلى الاستفادة من سطوته؟ هل ترغبون في أن تقعوا تحت رحمته؟ أطرح هذه الأسئلة لأنه الواقع الذي تواجهه أوكرانيا اليوم.

إن إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا سيطيل فترة النزاع، علينا الإقرار بذلك بكل صراحة، ولكنه أيضاً الأمر الصحيح الذي يتوجب فعله من الناحيتين المعنوية والعسكرية، إسألوا الأوكرانيين إن كانوا يفضلون القتال من أجل حريتهم أو العيش تحت استبداد بوتين؟ أعتقد بأننا نعرف الجواب سلفاً، إن كانوا يريدون العيش في ظل حكم بوتين لكانوا استسلموا طواعية منذ وقت طويل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي رد على مقابلة كوربين، قال أحد الأوكرانيين، "ينكر كثيرون من الأشخاص في الغرب أي نوع من استقلالية القرار لأوكرانيا من خلال الادعاء بأن الناتو يتلاعب بنا باستمرار أو من خلال القول إنها حرب أميركية بالوكالة، وإن الغرب يجبرنا على القتال. لا يبدي أي أحد من هؤلاء الأشخاص اهتماماً بما نقوله فعلاً وهذا أمر محزن ومزعج".

وتأتي فكرة "التوسط للسلام" في أوكرانيا من المفهوم الخيالي المخادع بأن بوتين لا يريد هذه الحرب وبأنها مدفوعة من حلف "الناتو" فحسب، إنها مجرد حجة واهية لأنه سبق لبوتين أن صرح بنفسه في خطاباته ملمحاً إلى أن أوكرانيا انتمت دائماً إلى روسيا وأنه يريد استعادتها.

ولطالما أبدت النخب الروسية رغبة في استعادة الأراضي التي كان يسيطر عليها الاتحاد السوفياتي السابق في أوراسيا وأوروبا الشرقية، وليس هذا التعطش للأرض حديث العهد، فقد قام بوتين بغزو أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم عام 2014، أتذكرون ذلك؟ كما غزت روسيا أو مارست النفوذ العسكري على جورجيا وبيلاروس وكازاخستان والشيشان وعدد من الأراضي الأخرى خلال العقدين الأخيرين.

فضلاً عن ذلك، كانت أوكرانيا تدعو باستمرار لإحلال السلام، حتى أنها ذهبت إلى المفاوضات ولم تتوصل إلى أي نتيجة. لماذا؟ لأن المفاوضات الوحيدة التي سيوافق عليها بوتين هي التي ستمنحه حق السيطرة على أوكرانيا، ومن شأن أي شيء آخر أن يشكل انتكاسة وسيُنظر إليه بشكل كبير على أنه هزيمة محرجة في الداخل الروسي، حتى أن بوسع هذا أن يؤدي إلى إطاحته من قبل أعدائه.

وماذا عن الفكرة القائلة إن إنهاء هذه الحرب، حتى ولو كان يصب في مصلحة بوتين، قد يمكننا من إنقاذ مزيد من الأرواح؟ يتجاهل هذا أيضاً الواقع والواقعية السياسية، وسنكون كمن نعطي تفويضاً مطلقاً لغزاة ديارنا والسماح لهم بفعل ما يريدون.

في ظل هذا السيناريو، ستقدم روسيا أولاً على الانتقام من أوكرانيا وقمع أي معارضة على مدى عقود، ثم سيعمد الرئي سالروسي المتمادي إلى بدء التأمل في الأراضي الأخرى التي سيغزوها تالياً وسيجرّ الغرب نحو الموقف ذاته. ففي النهاية، لن يرى من يغزو منزلاً وينجح بذلك أي سبب للتوقف والتراجع بعد أن حقق الاقتحام الأول.

عام 2014، كتبت أنه يوماً ما سننظر إلى الخلف ونندم على عدم التدخل مبكراً في سوريا. في ذلك الوقت، قُتل عشرات الآلاف على يد بشار الأسد واعتبر كثيرون أن أي تدخل سيزهق مزيداً من الأرواح. منذ ذلك الحين، ارتفع عدد القتلى في سوريا إلى أكثر من 350 ألفاً وأصبحت البلاد مصدراً لأسوأ أزمة نزوح في العالم، ستزداد الأمور سوءاً إذا بقينا مكتوفي الأيدي ونشاهد ما يحصل فحسب.

يجب أن نرغب في وضع حد للنزاع في أوكرانيا، ولكن علينا أيضاً الإصغاء إلى الشعب الأوكراني، فهم يريدون الحرية والديمقراطية وليس العبودية والديكتاتورية، بالتالي، فإن أي فكرة "بالتوسط للسلام" تحكم على الشعب الأوكراني بالخضوع للاستبداد لا تستحق بأن يُكتب عنها مطلقاً.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 4 أغسطس 2022.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء