Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا لو خرجت الحرب في أوكرانيا عن السيطرة؟

طريقة الاستعداد لتصعيد غير مقصود

دورية بالقرب من زابوروجيا، أوكرانيا، يوليو (تموز) 2022 (رويترز)

تدخل الحرب في أوكرانيا قريباً شهرها السادس. على الرغم من كل الحديث عن تجاوز روسيا الخطوط الحمراء الغربية بسلوكها في الحرب، وكذلك تجاوز الغرب للخطوط الحمراء الروسية بمساعدتها العسكرية لأوكرانيا، فإن الخطوط الحمراء الحقيقية لم يجرِ تخطيها بعد. في بداية الحرب، وضع كلا الجانبان مجموعة قواعد خفية، غير معلنة، لكنها حقيقية. وتشمل قبول روسيا بأن تتلقى أوكرانيا الأسلحة الثقيلة والدعم الاستخباراتي من حلفائها، لكن من دون دخول القوات الغربية إلى تلك الحرب. وكذلك تشمل قبول الدول الغربية على مضض بالحرب التقليدية الروسية داخل حدود أوكرانيا (مهما كانت تلك الدول متلهفة على رؤية موسكو مهزومة)، طالما أن الصراع لا يؤدي إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل. حتى الآن، استمرت تلك القواعد غير المرئية في العمل، ما يدل على أن الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين كليهما لا يريدان حرباً أوسع.

وعلى الرغم من ذلك، فمن المؤكد أن حرباً أوسع قد باتت ممكنة. بعد كل شيء، لا توجد آلية دولية تسيطر على الصراع. وفي ذلك السياق، اتخذت الأمم المتحدة موقفاً هامشياً، فيما دعم الاتحاد الأوروبي جانباً واحداً. وبطريقة موازية، ليست الولايات المتحدة في وضع يخولها إنهاء الحرب بشروطها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى روسيا وأوكرانيا. واستطراداً، فشلت المحادثات بين كييف وموسكو. وعلى الرغم من الجهود المستمرة الرامية إلى خفض الصراع، لم تكن هناك جهود دبلوماسية أميركية روسية تذكر منذ 24 فبراير (شباط)، حينما بدأت الحرب. وإذا  أضيف إلى ذلك حجم الصراع وتعقيده، وعدد البلدان المشاركة، والتقنيات الجديدة المستخدمة، فينتج عن ذلك مزيج مسموم.

بالتالي، إن الرغبة المشتركة لبوتين وبايدن في تجنب حرب أوسع لا تضمن بحد ذاتها أن الحرب ستحتوي نفسها بنفسها. ويمكن أن يخرج الصراع عن نطاق السيطرة حتى لو لم يتخذ أي من الطرفين قراراً متعمداً بالتصعيد أو استخدام الأسلحة النووية. وعلى الرغم من أن الهجوم النووي غير مرجح، فإنه لا يزال ممكناً، نظراً إلى لقدرة الروسية وغموض العقيدة النووية الفعلية التي تنتهجها موسكو. في الواقع، قد يكون التصعيد العرضي مخيفاً أكثر من التصعيد المتعمد، إذ إن الأخير يحمل إمكانية التهدئة المتعمدة. في النهاية، يعد تغيير مسار مقصود أسهل من تغيير مسار يتحرك من تلقاء نفسه.

واستكمالاً، قد تكون "الحرب الباردة" [صراع بين أميركا والاتحاد السوفياتي السابق امتد من خمسينيات القرن العشرين إلى تسعينياته. انتهت بتفكك الاتحاد السوفياتي] دليلاً مفيداً لما يلوح في الأفق. وبالنظر إلى طول ذلك الصراع وقابلية القادة السياسيين والعسكريين في الجانبين، لارتكاب أخطاء آنذاك، يبدو لافتاً أن المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي انتهت بسلام، ولكن وراء المعجزة المشرقة لنجاة البشرية في عصر نووي، تكمن الزوايا المظلمة للمواجهة الوشيكة [بين طرفي الحرب الباردة] والتصعيد المتقطع الذي ميز النصف الثاني من القرن العشرين. ومن المرجح أن تتبع الحرب في أوكرانيا هذا النمط، بمعنى أن تشمل مراحل تدار فيها المواجهة الشاملة بشكل جيد، تليها مراحل يشتد فيها الصراع بشكل مفاجئ وفوضوي. ويجب على صانعي السياسة والدبلوماسيين على جانبي المحيط الأطلسي الاستعداد لهذا السيناريو بهمة أكبر من تحضيرهما لاحتمال التصعيد المقصود. واستطراداً، إن ضباب الحرب الذي زادت كثافته بسبب سرعة وسائل التواصل الاجتماعي وعدم موثوقيتها، يشكل أمراً حقيقياً يمكنه أن يحجب حتى أفضل الاستراتيجيات المعتمدة.

الخطوط الحمراء

كان بايدن صريحاً في شأن الأمور التي سيتجنبها في ما يتعلق بأوكرانيا. إنه لن يتدخل بشكل مباشر. ولن يوافق على مشاركة حلف الناتو في الصراع، إضافة إلى ذلك، لن يملي على أوكرانيا أهدافاً حربية أكثر تطرفاً (أو أكثر اعتدالاً) من تلك التي تضعها كييف. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تزود أوكرانيا بكميات هائلة من المعدات، فإن بايدن شدد على التمييز بين دفاعها عن نفسها، الذي تلتزم به واشنطن بشكل قاطع، والضربات الأوكرانية على روسيا. في الواقع، يجري ضبط الدعم العسكري لأوكرانيا من هذا المنطلق. يريد بايدن أن تفوز أوكرانيا بشروطها وعلى أراضيها. ومن الواضح أنه لا يريد أن تصبح هذه حرباً إقليمية، حتى إنه استخدم صفحة الرأي في صحيفة "نيويورك تايمز" من أجل إبلاغ موسكو تلك الأهداف.

يمكن أن يخرج الصراع عن نطاق السيطرة حتى لو لم يتخذ أي من الطرفين قراراً متعمداً بالتصعيد

في مقلب مغاير، ازداد غموض بوتين، ووعد بـ"عواقب" مترتبة على المساعدات العسكرية التي يقدمها الحلفاء. في ذلك الإطار، تدعو البروباغندا الروسية بانتظام إلى الزحف نحو برلين أو شن هجمات نووية على لندن. وبغض النظر عن مدى تضخيم تلك الرسائل، إلا أنها تخلق داخل الكرملين والمجتمع الروسي إجماعاً متهادناً مع تلك البروباغندا. في يونيو (حزيران)، وسط نزاع حول تسليم البضائع إلى "كالينينغراد"، المنطقة الروسية المنفصلة عن البر الرئيس الروسي [تقع على بحر البلطيق، وتفصلها عن روسيا أراض من بيلاروس ولاتفيا وليتوانيا]، هدد بوتين ليتوانيا بإجراءات عقابية غير محددة. تملك ليتوانيا عضوية في "الناتو"، والهجوم الروسي عليها من شأنه أن يؤدي إلى صراع عسكري مباشر. في أماكن أخرى، تمكن بوتين من هندسة الأزمات في البلقان أو استغلالها من أجل تعزيز موقف روسيا، من خلال تنظيم انقلابات أو الانخراط في نشاط شبه عسكري، أو شن غزو مباشر. وبطريقة موازية، تشكل الهجمات السيبرانية الكبرى على البنية التحتية الحيوية في أوروبا والولايات المتحدة خطراً آخر. في حالة حدوثها، من المرجح أن تقوم الولايات المتحدة وغيرها بالرد، ما سيؤدي إلى بداية فصل جديد في الحرب.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض الغموض الذي يعتمده بوتين في خطابه ليس سوى مجرد تبجح، إذ لا يستطيع تحمل حرب أوسع. وعلى الرغم من أن روسيا تملك المال ربما لمواصلة سياستها الهادفة إلى تغيير النظام في أوكرانيا، فإن الجيش الروسي يعاني نقصاً كبيراً في القوة البشرية، نتيجة خطة بوتين الأولية الحربية المزرية. وأي صراع إضافي، خصوصاً ضد قوات الناتو المجهزة تجهيزاً جيداً، قد يؤدي إلى تفاقم تلك المشكلات. إذن، من الناحية النظرية، يمكن أن يجد بوتين وبايدن حلاً وسطاً. ونظراً إلى أنهما يتشاركان الرأي نفسه حول عدم الرغبة في امتداد الحرب أكثر، فإنهما يملكان حوافز للالتزام بقواعد غير المرئية في تلك الحرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إعادة إحياء الحرب الباردة

من خلال التزامهما بالقواعد غير المرئية للحرب، استعاد بوتين وبايدن ديناميكية مهمة من "الحرب الباردة". خلال النصف الأخير من القرن العشرين، لم تتفق الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي رسمياً على طريقة خوض الحروب بالوكالة. ومثلاً، لم يضع أي من الجانبين قواعد أساسية للحرب الكورية التي تعتبر أول صراع ساخن في حقبة "الحرب الباردة". عوضاً عن ذلك، على مدار أربعة عقود تقريباً، ارتجل الجانبان طريقهما إلى نظام مستدام في أداء الأمور. وكان هناك أمور مباحة، على غرار الاتهام المتبادل، والمنافسة الثقافية والأيديولوجية، والتجسس، والإجراءات الفاعلة كحملات البروباغندا والتضليل، والسعي وراء مناطق النفوذ، والتدخل في السياسة الداخلية للدول الأخرى، ودعم خصوم الطرف الآخر في السلام والحرب (عادة ما يتم تلطيف ذلك بدرجات من سياسة الإنكار). وفي المقابل، كان هناك أمور ممنوعة، على غرار الاشتباكات العسكرية المباشرة [بين أميركا والاتحاد السوفياتي] واستخدام الأسلحة النووية.

حاضراً، لا يمكن للمرء سوى التخمين في ما يتعلق بالقواعد غير المرئية للحرب. بالنسبة إلى الدول الغربية، يتمثل الأمرر الأهم في إبقاء جنودها النظاميين خارج الحرب. وفي منحى مقابل، مبتعدةً عن أساليب "الحرب الباردة"، تخلت الولايات المتحدة عن سياسة الإنكار المقبول التي طورتها أثناء دعمها للمجاهدين الأفغان في قتالهم ضد القوات السوفياتية في ثمانينيات القرن العشرين. في أوكرانيا، زودت واشنطن وحلفاؤها الجيش الأوكراني علناً بالأسلحة الثقيلة، والتدريب العسكري خارج أوكرانيا، وكذلك جرى تبادل المعلومات الاستخباراتية من أجل تحديد الأهداف. في المقابل، لم تستهدف روسيا قوافل الأسلحة المتجهة إلى أوكرانيا أثناء وجودها على أراضي حلف الناتو. كذلك لم تعطل التدفق المستمر للقادة السياسيين الأميركيين وحلفائهم إلى كييف، الذين يتعين عليهم جميعاً السفر عبر بلد في حالة حرب. في الحقيقة، لم يكن هذا النوع من ضبط النفس وارد في الحرب العالمية الثانية، لكنه كان معهوداً أثناء "الحرب الباردة".

الحفاظ على التوازن

ما الذي يمكن أن يهدد القواعد غير المرئية التي وضعتها الولايات المتحدة وروسيا؟ يتمثل أحد الاحتمالات في وقوع حادثة محض. ويتمثل الآخر في اندلاع دائرة من الحوادث التي "تتطلب" التصعيد. من المؤكد أن الاحتمالين يمكن أن يجتمعا، وقد يشكل حادثة واحد ذريعة لدوامة تصعيدية، كما حدث أحياناً خلال "الحرب الباردة".

ومثلاً، لنأخذ أزمة الصواريخ الكوبية. في الواقع، إن المواجهة التي جرت عام 1962 بين موسكو وواشنطن حول الصواريخ النووية السوفياتية في كوبا، وهي مواجهة كثيراً ما يحتفى بها باعتبارها مثالاً على روعة الرئيس الأميركي جون ف. كينيدي، كادت تنتهي بكارثة. كان رئيس الوزراء السوفياتي نيكيتا خروتشوف قد تجاوز حدوده [بإرساله صواريخ استراتيجية إلى كوبا التي يحكمها نظام شيوعي حليف لموسكو]، والرئيس الكوبي فيدل كاسترو [رئيس كوبا آنذاك] شديد الحماسة. وقد حالف كينيدي الحظ في إيجاد حل عملي، يتمثل بمقايضة إزالة الصواريخ الأميركية في تركيا بإزالة الصواريخ السوفياتية في كوبا. وكانت الآلية الوحيدة التي خففت من تصعيد الأزمة هي قدرة خروتشوف وكينيدي على التواصل وإيجاد أرضية مشتركة، وهي آلية متواضعة بالفعل. في وقت لاحق، في عام 1983، وفي جو من التوتر الشديد أثناء "الحرب الباردة"، أخطأ الاتحاد السوفياتي في قراءة مناورات "آبل آرتشر" التي أجراها حلف شمال الأطلسي كمحاكاة لحدوث تصعيد في الصراع الدولي، واعتبرها هجوماً نووياً واقعياً، وكان على وشك شن ضربة انتقامية كارثية. مرة أخرى، كادت القواعد غير المرئية لـ"الحرب الباردة" أن تتعطل. وربما يعتبر تجنب وقوع كارثتين من هذا القبيل أمراً لا بأس به بالنسبة إلى صراع استمر 40 عاماً. وفي المقابل، ربما يعتبر هذان الحادثان أكثر من اللازم [في صراع يفترض أنه منضبط].

 

وعلى نحو مماثل، إن الحرب في أوكرانيا عرضة للحوادث. حاضراً، تلقى المخاوف غالباً على الجانب الروسي. في الواقع، قد تكون القواعد غير المرئية للحرب واضحة تماماً بالنسبة إلى بوتين بيد أنها أقل وضوحاً بالنسبة إلى ضباطه القياديين الذين يتعامل عدد منهم مع الإحباط الناجم عن النكسات في ساحة المعركة، ومشكلات المعدات، والقوى العاملة غير الكافية، والجيش الأوكراني الذي قاتل بمهارة وتصميم. وقد تحفزهم روح المغامرة على توجيه ضربة جوية أو صاروخية خارج أوكرانيا مثلاً، من أجل وقف تمرير الأسلحة إلى أوكرانيا. سيعتبر ذلك، بالطبع، هجوماً روسياً على دولة عضو في الناتو، وليس لأن الكرملين اتخذ خياراً محفوفاً بالمخاطر بشكل مباشر. وبالطبع، يكمن الخطر في أن تفسر واشنطن ذلك النوع من الهجوم بوصفه تصعيداً يوجهه الكرملين. وهكذا، بعد أن بنى بوتين حربه بأكملها على المراوغة، قد لا يملك وسائل موثوقة لتغيير هذا التفسير ولا قدرة أو استعداداً للإبلاغ عن الخطأ، بالتالي ستكون الحرب بين روسيا و"الناتو" وشيكة.

يمكن للصبر والهدوء المدروسين منع الصراع في أوكرانيا من الخروج عن نطاق السيطرة

واستطراداً، يمكن اتخاذ حادثة وقعت في عام 2014 كحالة دراسة إرشادية مفيدة، من ناحية التفسير ورد الفعل. في شهر يوليو (تموز) من ذلك العام، أسقط الانفصاليون الذين تسيطر عليهم روسيا في شرق أوكرانيا طائرة مدنية، رحلة الخطوط الجوية الماليزية "أم أتش 17" MH17، بصاروخ أرض - جو من طراز "بوك"، ما أدى إلى مقتل 298 شخصاً، هم مواطنون هولنديون بشكل رئيس. بدلاً من نقل الخطأ عبر وكلائها أو التزام الصمت، انخرطت موسكو في مزاعم سخيفة ومعلومات مضللة، وقدمت عشرات التفسيرات المتناقضة، بيد أن هذا الحادث لم يتفاقم وظل ضمن نطاق الحرب الكلامية، إذ كان الصراع في أوكرانيا لا يزال محلياً ومحدوداً في الحجم. وفي الحقيقة، لم تفكر هولندا الغاضبة قط في اتخاذ إجراء عسكري. وعلى الرغم من ذلك، فإن مجموعة مماثلة من الظروف قد تؤدي إلى نتيجة مختلفة اليوم. خلافاً لما حصل عام 2014، سيكون هناك ضغط هائل على "الناتو" لفعل شيء ما، وسيعمد عدد من الدول المتوترة أصلاً إلى تفسير الهجوم على أنه علامة تشير إلى أن روسيا توسع حربها.

ووفق ما يؤكده ذلك المثل، ستزيد بروباغندا موسكو الارتباك الناجم عن الحرب. في ذلك الإطار، تصف وسائل الإعلام الروسية الخاضعة لتأثير الكرملين، حرب عام 2022 باستمرار بأنها صراع بين روسيا والغرب، يتجه كلامياً نحو حافة حرب أوسع. ومثلاً، حينما وجهت إلى ليتوانيا تهديداً بمنع وصول البضائع إلى "كالينينغراد"، كان الخطاب الرسمي الروسي عدوانياً، فكأن بوتين يصدر إنذاراً نهائياً. وعلى الأرجح، كان ذلك مجرد تباه أمام الجمهور الروسي. على الرغم من أن الجانبين كليها عمل على نزع فتيل الأزمة في نهاية المطاف، فإن محاولة روسيا إبقاء الصراع في حال غليان بطيء من خلال البروباغندا المحلية، تشكل فخاً قد يقع فيه الكرملين في نهاية المطاف.

في المقابل، قد يقع نوع آخر من الحوادث على الجانب الأوكراني. أثناء ضرب أهداف عسكرية في روسيا، يمكن للجيش الأوكراني أن يخطئ في الحسابات ويضرب هدفاً مدنياً مهماً داخل روسيا. من الواضح أن هذا شيء تفعله موسكو من دون أي تردد في أوكرانيا نفسها، حيث تقتل الهجمات الصاروخية الروسية المدنيين، بمن فيهم الأطفال وكبار السن، كل يوم. وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن يستخدم الكرملين هجوماً أوكرانياً، خصوصاً مع الأسلحة الآتية من الخارج، كذريعة للرد على إمدادات الحلفاء العسكرية القريبة جداً من أراضي "الناتو" أو حتى الموجودة على تلك الأراضي. ومن المرجح أن يفترض بوتين أن الدول الغربية دعمت الهجوم الأوكراني، على غرار افتراضه في وقت سابق أن ثورة "ميدان" في 2014 التي أدت إلى إطاحة الرئيس الأوكراني المدعوم من روسيا فيكتور يانوكوفيتش، كانت مؤامرة من "وكالة الاستخبارات المركزية". وربما لن يكون فض الصراع وحده، من دون اتصال رفيع المستوى بين موسكو وواشنطن، كافياً للتخلص من الأزمة.

أخيراً، يمكن لدورة تصعيدية غير مقصودة شبيهة بأزمة الصواريخ الكوبية أن تتوسع إلى حرب إقليمية أو عالمية. على الرغم من حلها سلمياً، فإن أزمة عام 1962 تمثل حكاية تحذيرية. فشل خروتشوف في توقع رد فعل كينيدي القوي، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه لم يتوقع أن تكتشف واشنطن الصواريخ قبل وضعها بالكامل في مكانها. لقد اعتقد خطأً أنه يستطيع التفوق على كينيدي من خلال السرية والحظ والتبجح. قد يكون بوتين أقل تقلباً من خروتشوف، لكنه أظهر بالفعل عدم قدرته على قراءة سياسة أوكرانيا وقدراتها العسكرية وروحها المعنوية. ويمكنه، بدافع الغطرسة أو الغضب، أن يستنتج أن طريقه الوحيد للمضي قدماً يتمثل في زيادة المجازفة وتصعيد الحرب بشكل كبير كوسيلة لدفع الدول الغربية إلى الوراء وإخافتها مرة واحدة وإلى الأبد. وقد يفشل في توقع رد الفعل الذي قد يثيره هذا في الولايات المتحدة وبين حلفائها. إذا كان الأمر كذلك، سيواجه تماماً على غرار خروتشوف، قراراً مؤلماً. إما أن يصعد الأمور أكثر أو يتراجع.

لا إجابات سهلة

على الرغم من تلك المخاطر، يمكن للصبر والهدوء المدروسين منع خروج الصراع في أوكرانيا عن نطاق السيطرة. وفي سياق متصل، يجيز النجاح في الحرب العمل بحسم وسرعة، لكن تعقيد الحرب يمكن أيضاً أن يجيز التقدم ببطء. وفي حالة وقوع حادث، على غرار عمل حربي روسي ضد بلد خارج أوكرانيا، لكن ليس بأمر من بوتين، سيكون ضرورياً لواشنطن وحلفائها مراجعة الوضع بدقة. قد يكون من الصعب الحصول على أدلة، بيد أن رد الولايات المتحدة ينبغي أن يكون مضبوطاً بمنطق متزن، وليس بالضرورة منطق العين بالعين. وبخلاف ذلك، فقد يتبين أنه من المستحيل على أي من الجانبين عكس اتجاه دوامة التصعيد غير الضرورية.

في مقلب مغاير، لا تستطيع الدول الغربية أن تنجي بوتين من رغبته في توسيع الصراع. هو وحده القادر على فعل ذلك. وحتى الآن، تتصرف الولايات المتحدة بحذر. في الواقع، أنشأت واشنطن قنوات من أجل فض الصراع العسكري خدمت الجانبين كليهما بشكل جيد في سوريا. ونأمل أن يستمر ذلك في أوكرانيا. يجب على الولايات المتحدة تذكير نفسها وحلفائها مراراً وتكراراً بمخاطر التصعيد غير المرغوب فيه، وضرورة رؤية الاستفزازات الخطابية الروسية على حقيقتها. ويتمثل أفضل رد على الاستفزاز الذي يحب بوتين ممارسته، في التجاهل. يجب أن ينطبق الأمر أيضاً على تهديدات بوتين النووية، إذ لا داعي للرد دائماً على القبح اللفظي. يمكن أيضاً تجاهله استراتيجياً.

في الحقيقة، ليس هناك حل سحري لتجنب حرب أوسع. ولن تفي المحادثات والمفاوضات والدبلوماسية بالغرض. كذلك، لا يمكن تقييد بوتين إلا من خلال استخدام القوة، وذلك أمر لا يخلو من المخاطر. وتتمثل الخطوة الأولى نحو سياسة جيدة طويلة الأمد في إدراك أهمية هذه اللحظة التي تظهر فيها حرب كبرى من المحتمل أن تستمر لسنوات، وتتفاقم في قلب نظام دولي يقترب من الفوضى. إذاً، يجب على صانعي السياسة والدبلوماسيين المتحالفين الذين تعلموا اتباع قواعد النظام الدولي الليبرالي، أن يتعلموا الآن طريقة تخطي غياب النظام.

وكلما جاءت وجهة نظر واشنطن وحلفائها أقل تشاؤماً وكوارثية، كان ذلك أفضل. ولنتذكر أن الولايات المتحدة وروسيا ليستا على شفا الحرب العالمية الثالثة. ولا يمكن اعتبار كل حركة أمراً وجودياً حاسماً. كذلك يعاني الجيش الروسي قيوداً متزايدة لا تحصى، في حين أن الحرب في أوكرانيا ستؤدي باستمرار إلى ظهور حالات طوارئ جديدة وغير مؤكدة ومقلقة ومخيفة. وسيتعين على العالم أن يتعلم كيفية التعايش معها. لقد استمرت أزمة الصواريخ الكوبية 13 يوماً. وستستمر الأزمة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا لفترة طويلة قادمة.

ليانا فيكس، مديرة البرامج في إدارة الشؤون الدولية في "مؤسسة كوربر" وعملت في السابق زميلة مقيمة في "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة".

مايكل كيماج، بروفيسور في التاريخ في "الجامعة الكاثوليكية" الأميركية وزميل زائر في "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة". خدم بين 2014 و2016 ضمن فريق "موظفي تخطيط السياسات" في وزارة الخارجية الأميركية، حيث تولى ملف روسيا وأوكرانيا.

فورين أفيرز

يوليو (تموز)/ أغسطس (آب) 2022

© The Independent

المزيد من آراء