Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روسيا تصعد حرب الغاز وأوروبا تترقب عاصفة الشتاء

تخفيض موسكو الإمدادات يضيق الخناق على الدول المستهلكة وسط بوادر الركود الاقتصادي

مع تخفيض روسيا إمدادات الغاز لأوروبا يبدو أن الشتاء المقبل سيكون صعبا على دول القارة (أ ف ب)

في خطوة قد تزيد حرب الغاز اشتعالاً، بدأت شركة "غازبروم" عملاق الطاقة الروسية في خفض إمداداتها عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" من روسيا لأوروبا إلى 20 في المئة من طاقته، في خطوة تضيق الخناق على الدول الأوروبية خلال فترة تخزين الغاز صيفاً استعداداً لتلبية الطلب على التدفئة والكهرباء خلال "عاصفة الشتاء" المقبلة.

ومع تلك الخطوة ستتراجع بذلك تدفقات الغاز عبر خط الأنابيب إلى 33 مليون متر مكعب يومياً انخفاضاً من الطاقة الكاملة البالغة أكثر من 160 مليون متر مكعب يومياً.

وأكدت بيانات رسمية على موقع "نورد ستريم" هذا الخفض إلى جانب تصريحات رئيس الشبكة الاتحادية المسؤولة عن تنظيم الغاز والكهرباء في ألمانيا، كلاوس مولر لمحطة "دويتشلاند فونك" الألمانية الإذاعية بأن الغاز أصبح الآن جزءاً من السياسة الخارجية لموسكو وربما استراتيجية حرب روسية.

ويعد ذلك أحدث خفض لمعدلات تدفق الغاز عبر خط الأنابيب المهم الذي عزته روسيا إلى مشكلات فنية، لكن ألمانيا وصفته بأنه خطوة سياسية لنشر حالة عدم اليقين ورفع الأسعار وسط تصاعد الحرب في أوكرانيا.

وقال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، إن الحجة القائلة إن الصيانة هي سبب خفض الإمدادات كانت "مهزلة"، فيما أفاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن هذه الخطوة بمثابة "حرب غاز" مع أوروبا.

كسب نفوذ سياسي

وكانت روسيا قد أعلنت أنها ستخفض تدفقات الغاز لأوروبا بسبب إصلاح المعدات، مبررة تلك الخطوة تحت إطار "اعتبارات الصيانة ووقف تشغيل أحد توربينات الغاز التابعة لشركة (سيمنس) الألمانية"، ما زاد المخاوف من احتمال قطع موسكو الغاز تماماً في محاولة لكسب نفوذ سياسي على أوروبا في الوقت الذي تحاول فيه تعزيز مستويات التخزين لفصل الشتاء.

في الوقت ذاته، كانت موسكو قد خفضت مرتين كميات شحنات الغاز في يونيو (حزيران)، قائلة إن خط أنابيب الغاز لا يمكنه العمل بشكل طبيعي من من دون توربين، كان يتم إصلاحه في كندا ولم يعد إلى روسيا بسبب العقوبات الغربية على موسكو.

واتفقت ألمانيا وكندا على إرجاع التوربين إلى روسيا، لكن لم يرسل إليها بعد، واعتبرت برلين أن ذلك "حجة" وقرار "سياسي" للضغط على الغرب في إطار النزاع في أوكرانيا.

واستأنفت موسكو، الخميس الماضي، ضخ شحنات الغاز إلى أوروبا عبر خط "نورد ستريم 1" عقب توقفه عشرة أيام من الصيانة السنوية في 11 يوليو (تموز) الحالي، ما هدأ المخاوف من تمديد فترة تلك الصيانة.

 

وأكدت الشركة المشغلة للخط، والتي تحمل الاسم نفسه، أن تدفق الغاز الروسي عبر الخط الذي يربط بين روسيا وألمانيا سيكون بنسبة 40 في المئة، وهي السعة ذاتها التي كان يعمل بها الخط قبيل بدء أعمال الصيانة.

مستويات منخفضة

ومن المتوقع أن تبقي روسيا تدفقات الغاز إلى أوروبا عند مستويات منخفضة طالما استمر الصراع الجيوسياسي حول أوكرانيا، بحسب ما ذكرته وكالة "بلومبيرغ" نقلاً عن مصادر مطلعة.

وبحسب ما ورد في وكالات الأنباء، فإن الكرملين يستخدم بالفعل الاضطرابات في خط الأنابيب "نورد ستريم 1" بهدف زيادة الضغط السياسي على القادة الأوروبيين لإعادة النظر في العقوبات المفروضة على موسكو بعد الحرب.

يأتي ذلك بعد أن توصلت دول الاتحاد الأوروبي أمس إلى اتفاق لخفض استهلاك الغاز بشكل طوعي بنسبة 15 في المئة خلال فصل الشتاء المقبل، ضمن خطة طوارئ لتقليل استخدامه تأهباً لاحتمالية قطع روسيا للإمدادات بشكل كامل، لا سيما مع استمرار خشية الأوروبيين من سياسة موسكو الغامضة في شأن إمدادات الغاز.

صعود صاروخي

وعلى وقع خفض إمدادات الغاز الروسي، واصلت الأسعار صعودها الصاروخي في أوروبا بعد أن تخطت أمس مستوى ألفي دولار لكل ألف متر مكعب، وذلك للمرة الأولى منذ مارس (آذار) الماضي.

وقفزت أسعار الغاز في أوروبا، الأربعاء، أكثر من 12 في المئة مقتربة من مستوى 2350 دولاراً لكل ألف متر مكعب من الوقود الأزرق.

ويعد خط أنابيب "نورد ستريم 1" أكبر أنبوب غاز يربط روسيا بأوروبا، وتبلغ طاقته 55 مليار متر مكعب في العام. وكان مورداً موثوقاً للغاز على مدى أكثر من عقد من الزمن، لكن الأمور تغيرت بعد أن بدأت الحرب في أوكرانيا.

و"نورد ستريم 1" خطا أنابيب متوازيان يمتدان لمسافة 1224 كيلومتراً تحت بحر البلطيق، من "فيبورغ" في روسيا إلى "لوبمين" في شمال شرقي ألمانيا، ومن هناك، تتولى شبكات أنابيب أخرى نقل الغاز إلى مختلف أنحاء القارة الأوروبية.

وتعد روسيا أكبر مصدر للغاز في العالم على الإطلاق، وثاني أكبر مصدر عالمي للنفط بعد السعودية. وتستورد أوروبا 40 في المئة من احتياجاتها من الغاز من موسكو و30 في المئة من احتياجاتها من النفط أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انكماش اقتصادي

تعد ألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة ومحركاً تقليدياً للنمو، بالتالي لديها سبب خاص يدعوها للقلق، فهي تعتمد إلى حد كبير على الغاز الروسي وتنزلق نحو الركود، كما أن الحكومة قلقة بشكل خاص في شأن كيفية إبقاء الأضواء مشتعلة خلال فصل الشتاء، حيث قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، مساء الإثنين، خلال مقابلة مع الهيئة العامة للبث الإذاعي في ألمانيا " إيه آر دي"، "لدينا وضع خطير. حان الوقت لكي يفهم الجميع ذلك".

وقال أيضاً إن ألمانيا يجب أن تخفض استهلاكها من الغاز، وفي ذلك السيناريو سيخفض الغاز للصناعات قبل المساكن الخاصة أو البنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات. وأضاف، "بالطبع يعد ذلك مصدر قلق كبيراً، وعلينا تجنب ذلك بكل قوة".

ومع فرض مجموعة من العقوبات الدولية على روسيا رداً على حربها في أوكرانيا، فإن الغاز يعد أحد الأسلحة التي يمكن أن تستخدمها ضد أوروبا، حيث تلقت المنطقة في السابق نحو 45 في المئة من إمداداتها السنوية من روسيا، وبينما تحاول يائسة البحث عن بدائل، مثل الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، فإنها لا تستطيع استبدال الهيدروكربونات الروسية بالسرعة الكافية، بالتالي ما لم يتغير الوضع بشكل كبير، يتوقع المحللون شتاءً مقبلا صعباً على القارة.

وقالت وكالة "ستاندرد أند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس" في تقرير لها حديثاً، "تدفع تكاليف الطاقة المرتفعة أوروبا الغربية نحو الركود".

وأضافت الوكالة، "تتضمن توقعاتنا لشهر يوليو تقلصات معتدلة في الربع الثاني من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في المملكة المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وهولندا. ومع ارتفاع التضخم المفاجئ، تعمل البنوك المركزية على تصعيد وتيرة تشديد السياسة النقدية، في حين أن انتعاش السياحة والخدمات الاستهلاكية قد يعطي المنطقة دفعة طفيفة في ربع الصيف، فمن المحتمل حدوث انتكاسة أخرى في الربع الرابع نظراً إلى إمدادات الطاقة غير الموثوقة".

ركود واضح

في حين ستؤدي أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء المرتفعة بشكل استثنائي إلى الإضرار بالقدرة التنافسية الصناعية في ألمانيا ومراكز التصنيع الأخرى، حيث أشارت وكالة "ستاندرد أند بورز" إلى أنه من المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في منطقة اليورو من 5.4 في المئة في 2021 إلى 2.5 في المئة في 2022 و1.2 في المئة في 2023، قبل أن يتحسن إلى 2.0 في المئة في 2024.

وكانت حكومات الاتحاد الأوروبي قد اتفقت يوم الثلاثاء الماضي على تقنين الغاز الطبيعي في الشتاء المقبل، في محاولة لعزل نفسها عن مزيد من تخفيضات الإمدادات من قبل روسيا، مع موافقة وزراء الطاقة في الكتلة على مشروع قانون أوروبي يهدف إلى خفض الطلب على الغاز بنسبة 15 في المئة خلال الخريف وحتى الربيع المقبل.

وبينما كانت هناك معارضة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي حول تقنين استخدام الغاز، قال سيمون تاكر، الرئيس العالمي للطاقة والمرافق والموارد في إنفوسيس للاستشارات لـشبكة "سي أن بي سي"، "خفض الاستهلاك لا يمكن أن يفعل الكثير. بشكل أساسي، هناك طلب كبير على الغاز الطبيعي وخاصة الغاز الطبيعي المسال (LNG) في أوروبا". وأشار إلى أن التقنين، الذي سيؤثر بشكل خاص على الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل شركات صناعة السيارات والشركات الكيماوية وتعدين العملات المشفرة، لا يمكن استبعاده".

وأضاف، "يتعين على دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بذل كل ما في وسعها لتجديد مخازن الغاز قبل أن تبدأ البرودة، وهذا يعني النظر في كل طريقة ممكنة لتقليل استخدام الطاقة وتحسين الإمداد". وتابع، "نشهد بالفعل زيادة كبيرة في شحنات الغاز الطبيعي المسال من الشرق الأوسط وأميركا الشمالية، لكن البلدان بحاجة إلى تسريع عملية تحديث بنيتها التحتية. إن النشر الجماعي لبدائل الطاقة المحلية منخفضة الكربون مثل المفاعلات النووية الصغيرة ومصادر الطاقة المتجددة المجتمعية ليس مجرد شيء ممتع، إنه أمر حتمي إذا أردنا الخروج من هذه الأزمة بشكل أقوى".

أوروبا والألم الاقتصادي

ومع احتمال أن يستغرق برنامج تحديث البنية التحتية هذا وقتاً، فمن المرجح أن تشعر أوروبا بمزيد من الألم الاقتصادي على المدى القريب.

ويرى اقتصاديون أن احتمالية حدوث ركود في أوروبا تبدو "واضحة". وقال محللو "دويتشه بنك" بقيادة جيم ريد في مذكرة، الثلاثاء، "إنه أمر محير بعض الشيء في شأن ما إذا كان هذا سيكون تقييداً قصيراً للإمداد أثناء عودة التوربينات التي تم إصلاحها أو ما إذا كانت الأعمال الورقية لن يتم حلها مطلقاً، ونحن نعيش مع 20 في المئة فقط من الإمدادات لفترة طويلة". وأضافوا أن "روسيا كانت تبحث على الأرجح عن ضمانات أوضح في شأن الإعفاءات من العقوبات المستقبلية للحفاظ على (نورد ستريم 1) والمسائل ذات الصلة".

المزيد من البترول والغاز