Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من الفول إلى الكابتشينو... رحلة "بطاقة التموين" المصرية خلال 80 عاماً

صدرت في الحرب العالمية الثانية بسبب ارتفاع الأسعار وضمت سلعاً أكثر بعد "النكسة" وارتدت ثوبها الجديد في 2014

تطورت السلع التموينية المدعومة إذ أصبح في إمكان أصحاب البطاقات استبدال بعض السلع بالبسكويت والكابتشينو  (رويترز)

رحلة عمرها أكثر من 80 عاماً، قطعتها بطاقة ورقية يذهب بها المواطن المصري بداية كل شهر إلى البقال التمويني للحصول على السلع الأساسية مقابل أسعار مخفضة قبل أن تتحول إلى بطاقة ذكية مميكنة منذ 8 سنوات، فما هي قصة تلك البطاقة، ومتى ولماذا بدأ العمل بها؟

البداية

على عكس الشائع في أذهان بعضهم بدأت الدولة المصرية أولى خطواتها لدعم السلع الأساسية في أربعينيات القرن الماضي وليس مع اندلاع ثورة يوليو (تموز) 1952.

وظهرت بطاقة التموين المصرية إلى النور للمرة الأولى تحت قذائف المدافع والغارات الجوية إبان الحرب العالمية الثانية قبل 81 عاماً التي اندلعت في سبتمبر (أيلول) 1939، وانتهت في الشهر نفسه من عام 1945، إذ اشتعلت أسعار السلع الأساسية مطلع حقبة الأربعينيات عقب الكساد العظيم الذي ضرب العالم في ثلاثينيات القرن الماضي وزاد من لهيب الأسعار اندلاع الحرب.

ومع نقص السلع في الأسواق المحلية كأحد أبرز تداعيات الحرب، اضطرت الدولة إلى شراء القمح والدقيق والذرة من أستراليا وضخها في الأسواق بأسعار مخفضة لتبدأ مرحلة دعم السلع التموينية، غير أن الدعم في ذلك الوقت شمل كل المواطنين، وانطلقت أولى البطاقات التموينية الورقية وفقاً لقرار الملك فاروق رقم 95 لسنة 1945.

شيئاً فشيئاً زادت سلة السلع المدعومة لتضم إلى جانب القمح والذرة السكر والكيروسين والزيت والشاي، لتصرف شهرياً بقدر محدد للفرد داخل كل أسرة بفضل تلك البطاقة الورقية.

الحرب

 فتحت حرب الخامس من يونيو (حزيران) 1967 التي أطلق عليها المصريون "النكسة" باباً جديداً لزيادة عدد السلع المدعومة عبر البطاقة التموينية تزامناً مع تطبيق قوانين الاشتراكية التي ميزت سنوات ما بعد ثورة يوليو 1952، لتضمن لحاملها آنذاك الحصول على الدقيق والقمح والسكر والزيت والشاي والسمن والأسماك والدواجن واللحوم وبعض الأنواع من المعلبات، حتى تغير النظام الاقتصادي للدولة من الاشتراكية إلى الرأسمالية مع تولي الرئيس السابق السادات مقاليد الحكم في مصر.

ومع تحول البلاد إلى الرأسمالية وبداية تعاون مصر مع صندوق النقد الدولي عام 1976، اشترط الأخير خفض قيمة الدعم الممنوح للسلع الأساسية، وهو ما دفع الحكومة إلى رفع أسعارها قبل أن تتراجع عقب اندلاع أحداث يناير (كانون الثاني) 1977.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشهدت حقبة الثمانينيات مع الضغوط السكانية المتزايدة تضخماً كبيراً في دعم السلع التموينية ليصل إلى 1.6 مليار جنيه (نحو 84 مليون دولار أميركي) للمرة الأولى، وكأنه ناقوس الخطر الذي دفع الدولة إلى إجراء إصلاحات ترشيد الدعم لتقلص عدد السلع المدعومة بالبطاقة التموينية من 20 إلى 4 سلع فحسب مع بداية الألفية الجديدة، كما قلصت عدد المستفيدين من البطاقة من 99 في المئة في السبعينيات إلى 70 في المئة في عام 2000، بعد أن أوقفت تسجيل المواليد الجدد على البطاقات منذ الثمانينيات.

وتضاعف عدد سكان مصر مرتين في غضون 30 عاماً بعد أن ارتفع من 20 مليون نسمة في 1950 إلى 42.5 مليون نسمة في نهاية 1980 وفقاً لبيانات المجلس القومي للسكان.

البطاقات الملونة

ضغط عدد السكان مع قلة الموارد دفع الدولة في يوليو 1987 لإرساء قواعد جديدة لبطاقة التموين، إذ حددت بطاقة حمراء تخول صاحبها للحصول على سلع تموينية بالسعر المدعم جزئياً للفئات ذات الدخل المرتفع أو ممن يملكون محال تجارية أو تحت أيديهم أكثر من 10 أفدنة من الأراضي الزراعية، بينما حددت بطاقة خضراء للفئات الأكثر احتياجاً، تسمح لصاحبها بالحصول على سلع تموينية بالسعر المدعم كلياً واستحدثت في تلك الفترة بطاقة أخرى مميزة بأسعار اقتصادية للسودانيين والفلسطينيين واللاجئين السياسيين، قبل أن يصدر القرار الوزاري رقم 152 لسنة 1996 بتوحيد البطاقات وإلغاء الحمراء والخضراء.

وخاضت البطاقة الورقية أول محاولة لتصبح ذكية في أبريل (نيسان) 2006 عندما أجرت الدولة أولى التجارب في محافظة السويس شرق البلاد في محاولة لركوب قطار التكنولوجيا الذي بدأ يجوب العالم، لكن لم يكتب لها النجاح في المرة الأولى لتعود للظهور في عام 2014، إذ نجحت الدولة في ميكنة البطاقات تزامناً مع تطبيق منظومة الخبز الجديدة.

التحول للبطاقة الذكية

ومنذ 2014 تواصل الدولة المصرية تنقية البطاقات التموينية بشكل مستمر باستبعاد غير المستحقين للدعم وفق ضوابط واشتراطات محددة، فتارة تستبعد المتزوجين حديثاً بعد توجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي على اعتبار أن غير القادر مادياً لا يستطيع الزواج وتحمل أعبائه.

وتارة أخرى تستبعد من يتخطى راتبه حدود الـ9600 جنيه (506 دولار) من الدعم، إذ قال وزير التموين على المصيلحي في بيان رسمي إن "بيان مفردات المرتب يجب تقديمه إلى مكاتب التموين تجنباً لوقف البطاقات التموينية".

ونجحت الحكومة بعد تلك الاشتراطات والضوابط في حذف 10 ملايين بطاقة من قاعدة بيانات منظومة السلع التموينية ليصل إجمالي عدد المستحقين إلى نحو 70 مليوناً، وفقاً لبيانات رسمية، ما وفر على الدولة نحو 5 مليارات جنيه (263.5 مليون دولار) سنوياً.

ويبلغ عدد المستفيدين من البطاقات التموينية 64 مليون مواطن من إجمالي 103 ملايين نسمة، إضافة إلى 73 مليوناً يستفيدون من دعم الخبز، وهناك ما يزيد على ثلثي عدد السكان يحصلون على 30 سلعة مدعمة بمقدار 50 جنيهاً (2.6 دولار) للفرد بكل بطاقة إلى جانب 150 رغيف خبز مدعماً.

وتطورت السلع التموينية المدعومة بداية من العام الحالي، إذ أصبح في إمكان أصحاب البطاقات استبدال بعض السلع بالبسكويت بالفراولة والكابتشينو والحلاوة الطحينية، بجانب الدقيق والسمن والسكر وزيت الطعام والمعكرونة والشاي والعدس والجبن والبن الجاف والأرز والفول وملح الطعام.

ذكريات المصريين مع بطاقة التموين

أمينة أحمد، السيدة التي تخطت العقد السابع من العمر استعادت ذكرياتها مع بطاقة التموين في حديثها مع "اندبندنت عربية" قائلة إن "أهم الأوراق التي كنت أخشى عليها من الضياع وأتأكد من وجودها في حافظة النقود هي بطاقة التموين" وأضافت "في الماضي كنا نحصل على كميات كبيرة لكنها تنحصر في سلع أساسية، لكن في الوقت الحالي أستطيع الحصول على كل ما أحتاجه واستبدال سلع بأخرى لست في حاجة إليها".

وأبرز ما لقي استحسان نعمة الله رمضان، ربة منزل، في البطاقات الجديدة، هو انتهاء زمن طوابير الحصول على الخبز تماماً، إضافة إلى حرية اختيار السلع المخفضة ذات الجودة من المنافذ الاستهلاكية التابعة للدولة أو المنافذ التموينية الأخرى، وقالت "زمان كنا مجبرين على سلع تموينية رديئة ولا تصلح من الأساس وندفع من أجلها أموالاً، أما الآن فهي لا تقل جودة عن السلع الأخرى في الأسواق الحرة".

اقرأ المزيد