Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثورة يوليو... المصريون بين الحنين للملكية ووعود "الجمهورية الجديدة"

مواقع التواصل الاجتماعي تشهد مبارزات فكرية وتاريخية بين محبي مظاهر الحياة قبلها وبعدها

لا تزال ثورة يوليو 1952 محل جدل بين المصريين رغم مضي 7 عقود  (أ ف ب)

تحل الذكرى السبعينية لثورة يوليو (تموز) 1952 في مصر هذا العام والمصريون يتلمسون طريقهم نحو "جمهورية جديدة" بعد مضي 7 عقود من الزمن على تمكن حركة الضباط الأحرار بقيادة اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبد الناصر في منتصف ليلة 23 يوليو من إطاحة الملك فاروق وإنهاء الحقبة الملكية وإعلان الجمهورية للمرة الأولى في البلاد.

غالبا ما تتركز مظاهر الاحتفال بذكرى الثورة في مقالات وندوات المثقفين والمؤرخين وعرض الأفلام والأعمال الفنية المتعددة التي عبرت عن "فن الثورة" وتحولات المجتمع في أعقابها، إضافة إلى الاستماع إلى خطاب رئيس الجمهورية بهذه المناسبة والاستمتاع بيوم إجازة للعاملين في الحكومة والقطاع الخاص، وسط نقاش على مواقع التواصل الاجتماعي حول ما آلت إليه الأمور في شؤون البلاد والعباد بفعل "الثورة".

تاريخياً نظر القوميون العرب إلى ثورة يوليو المصرية على أنها "ثورة كل العرب" فكان لحركة الضباط الأحرار المصريين تأثيرها في المنطقة العربية وأفريقيا لعقود، لكن في مصر ظلت الثورة بطبيعة الحال محل عدم اتفاق الجميع بخاصة من قامت الثورة ضدهم من رجال العهد الملكي والمستفيدين منه وأنصاره، حيث استهدفت (يوليو) القضاء على الاستعمار والإقطاع وسيطرة رأس المال على الحكم، إضافة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية و"إقامة حياة ديمقراطية سليمة"، وهو الهدف الذي ظل كثير من نقاد يوليو يرون أنه لم يتحقق بعد، فيما يتباهى أنصارها بتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال مجانية التعليم وإتاحته للطبقات الفقيرة وتوسيع نطاق ملكية الأراضي الزراعية من خلال قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر بعد شهرين فقط من الثورة، فضلاً عن كثير من مشروعات التنمية القومية التي كان أبرزها بناء السد العالي لتوليد الكهرباء وحماية مياه النيل بتخزينها في "بحيرة ناصر" بدلاً من إهدارها في مياه البحر المتوسط.

ووسط اهتمام الحكومة المصرية حالياً بترميم التراث المعماري للعهد الملكي وإعجاب كثيرين بفخامة بنايات وسط العاصمة "القاهرة الخديوية" وقصورها وصولاً إلى الاحتفاء بالزيارة النادرة التي قام بها ولي عهد الملك فاروق نجله الملك السابق أحمد فؤاد الثاني الذي تولى الحكم صورياً تحت الوصاية لمدة أشهر عقب تنازل والده عن العرش عندما كان الأمير لا يزال رضيعاً، تتجدد بمواقع التواصل الاجتماعي في مصر نقاشات حادة بين مؤيدي جمهورية الثورة من جانب، والمعجبين بإرث العهد الملكي والحالمين بالعيش في ظل سعر صرف جنيه المملكة المصرية خلال النصف الأول من القرن الماضي، ومن ينتصر بالأدلة والبراهين لأفضلية الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية خلال مرحلة ما قبل الثورة، تحديداً خلال ما يسمى "التجربة الليبرالية" بعد ثورة 1919 التي عاشت مصر خلالها لسنوات قليلة في ظل نظام برلماني وملكية دستورية، قبل أن يتم إلغاء دستور 1923 الليبرالي مرتين، الأولى مؤقتاً عام 1930 على يد الملك فؤاد، والثانية نهائياً على يد مجلس قيادة الثورة عام 1952، وأخيراً المتحمسون للجمهورية الجديدة التي أصبحت شعار المرحلة الراهنة سياسياً واقتصادياً.

الجمهورية الجديدة

دخل مصطلح "الجمهورية الجديدة" إلى القاموس السياسي والإعلامي في مصر عندما أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العام الماضي أن خطوات بلاده التنموية خلال السنوات الأخيرة بمثابة "إعلان جمهورية جديدة وميلاد دولة جديدة"، ليؤكد بذلك أن مشروعه التنموي لا يقتصر فقط على إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر والتوسع في إنشاءات البنية التحتية، بل تحولاً جذرياً يعالج أوجه القصور والمشكلات المزمنة التي ظلت تنغص حياة المصريين بالجمهورية القديمة.

ولمدة عام تبارت الأقلام الصحافية والسياسية في مصر لتفسير وتأويل المقصود بهذا المفهوم ومآلات هذه المرحلة الجديدة، وما إذا كانت تمثل قطيعة أم امتداداً لجمهورية يوليو، وأفق العملية الإصلاحية التنموية الشاملة التي تعنيها، وما إذا كانت ستشمل بعداً سياسياً وتوجهاً ديمقراطياً وصولاً إلى إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال الأشهر الماضية عن خطوات لمزيد من الانفتاح السياسي لاقت استحساناً واسعاً كان أبرزها إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ودعوته إلى حوار وطني شامل لا يزال في مراحله التحضيرية ليترسخ مزيد من القناعة بأن مصر تقف على أعتاب جمهورية جديدة.

 

ويتزامن الوقوف على أعتاب الجمهورية الجديدة مع الذكرى السبعين لميلاد الجمهورية القديمة بقيام ثورة يوليو 1952 وإلغاء الملكية بعد مرور أقل من عام على الثورة، ومئوية الاستقلال المصري في 28 فبراير (شباط) 1922، حينما أعلنت لندن إنهاء الحماية البريطانية على مصر، وقد سبق أن أعلن الرئيس المصري أن افتتاح العاصمة الإدارية سيكون موعد ميلاد الجمهورية الجديدة التي تشمل تحولاً "سوف يخلق خريطة جغرافية وديموغرافية جديدة لمصر، لم تعرفها خلال الألفيات السابقة من عمرها"، بحسب مقال بعنوان "الطريق إلى الجمهورية الثانية" نشره مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، موضحاً أن التغيير لا بد أن يشمل إعادة توزيع السكان بعيداً من الوادي الضيق نحو المدن الجديدة وسيناء وسواحل البحرين الأحمر والمتوسط والوادي الجديد، مما يؤدي إلى تغيير الجغرافيا التنموية المصرية التي ظلت مئات السنين متمحورة حول وادي النيل، حيث يعيش أكثر من ثلثي المصريين البالغ عددهم ما يزيد على 100 مليون نسمة في مساحة لا تزيد على 6 في المئة من مساحة مصر التي تصل إلى مليون كيلومتر مربع.

على أكتاف من ستقوم الجمهورية الجديدة؟

قامت الجمهورية القديمة في مصر على أكتاف الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمشة خلال العهد الملكي، الذين سيصبحون لاحقاً عماد الطبقة الوسطى الناشئة التي رسختها جمهورية يوليو لعقود واعتمدت بالأساس على إلحاق أبنائها بالوظيفة الحكومية، والعمل في شركات ومشروعات القطاع العام المملوك للدولة، فصدق المثل الشعبي "إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه"، لتصبح الوظيفة الحكومية "الميري" هي الضامن الأساس لحياة كريمة للموظف وأبنائه، بعد أن سمح العرف السائد وتشريعات العمل بمبدأ "توظيف أبناء العاملين"، لتتوارث بعض الأسر المصرية الوظيفة الحكومية لمدة جيلين على الأقل.

لكن هذه الطبقة الوسطى تعرضت للتآكل خلال التحولات التي شهدها المجتمع المصري مع الانفتاح الاقتصادي خلال عصر الرئيس الراحل أنور السادات، واستمرت في التراجع خلال حكم الرئيس مبارك ليظهر التمايز الطبقي الحاد الذي تحاول الدولة المصرية حالياً معالجته من خلال التوسع في مشروعات الإسكان منخفض التكاليف أو ما يسمى "الإسكان الاجتماعي"، فضلاً عن تطوير الريف المصري من خلال تحسين الظروف المعيشية وتهيئة البنية التحتية الغائبة في مئات القرى البسيطة من خلال مبادرة تحمل شعار "حياة كريمة"، في مسعى إلى أن تكون الجمهورية الجديدة لكل المصريين كما وعد الرئيس خلال خطابه في يناير (كانون الثاني) الماضي من كاتدرائية المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة، وليس فقط للقادرين مادياً على الحياة في "الكومباوندات" المرفهة والأبراج الشاهقة الارتفاع طولاً وسعراً في أحياء العاصمة والمدن الجديدة.

ويعتقد وليد عتلم الباحث في جامعة القاهرة الذي كتب مقالات عدة حول "الجمهورية الجديدة"، إن ما يمكن تسميته "جمهورية يونيو" نسبة إلى ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، "تجسد معظم الأهداف التي رفعتها ثورة يوليو، لكن بصورة أكثر تكاملاً وتصحح الأخطاء التي وقعت فيها الجمهورية القديمة، فمن خلال ما يدور حالياً من حوار وطني هناك أفق لتأسيس عقد اجتماعي جديد يعزز من التعددية الحزبية والسياسية ويتيح مشاركة أكبر في الشأن العام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف عتلم في تصريح خاص، "الجمهورية الجديدة تسعى إلى تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الوطنية وتنويع أشكال ملكية وإدارة رأس المال والموارد من خلال شراكة بين الدولة والقطاع الخاص، على خلاف جمهورية يوليو التي قامت على أسس اشتراكية وملكية القطاع العام والتحول من الزراعة إلى الصناعة، في حين أن شعار المرحلة تحقيق التكامل بين النشاطين الاقتصاديين ومواكبة التطور التكنولوجي والاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار وريادة الأعمال، والأهم أنها تقوم على أكتاف الشباب المؤهل والمدرب، وهو ما يعكس اهتمام الدولة حالياً ببرامج تمكين وتأهيل الشباب لأنهم سيكونون في مواقع القيادة خلال السنوات المقبلة، فالجمهورية الجديدة هي جمهورية الشباب".

وأكد عتلم أن الجمهورية الجديدة فكرة تستوعب الجميع سواء في ما يتعلق بجغرافيا التنمية حالياً من خلال التوازن في توزيع المجهود التنموي في جميع ربوع البلاد، وتحسين البنية التحتية في الريف من خلال مبادرات "حياة كريمة". مؤكداً أن الأمر يتجاوز إنشاء العاصمة الجديدة والمدن الذكية وما شابه، بما في ذلك أيضاً إعادة الاعتبار لفترات تاريخية ظلت مجهولة ومشوهة في تاريخ مصر، مضيفاً "المصريون ظلوا لفترات طويلة يعتبرون ثورة يوليو هي الثورة الوحيدة في تاريخهم التي وضعت نهاية لكل ما قبلها باعتبار أن الملكية كانت فاسدة وكل ما قبل 1952 كان فساداً، لكننا عشنا ثورتين خلال العقد الماضي ورأينا التغيير يحدث أمام أعيننا، مما أسهم في زيادة الوعي الجمعي والفهم بطبيعة تلك التحولات التاريخية والحكم بطريقة موضوعية على الأحداث المفصلية، وإدراك أن مراحل التاريخ لا يمكن أن تكون أحادية الطابع أو مجرد عملية تحول بين فترات ذهبية وأخرى مظلمة".

الحنين إلى الماضي

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لا يزال البعض يعيش في ظلال العهد الملكي، حيث يمكن بسهولة للمتابعين ملاحظة حالة حنين إلى فخامة هذا العهد ليس فقط بسبب البراعة المعمارية لقصور الطبقة الملكية الحاكمة، لكن أيضاً بسبب ما يتصوره المفتونون بالحقبة الخديوية من أفضلية نمط الحياة الاجتماعية والمعيشة الاقتصادية خلال هذه الفترة التي شهدت وضع أسس التحديث على النمط الغربي، بخاصة خلال عهد الخديوي إسماعيل حين كان يطلق على القاهرة لقب "باريس الشرق".

ويتابع ملايين المصريين ويتفاعلون مع صفحات على "فيسبوك" تبرز جمال العهد الملكي، من أبرزها "صفحة الملك فاروق الأول" التي يتابعها نحو 5.5 مليون شخص، ونشرت الصفحة عشية ذكرى قيام ثورة يوليو منشورات عدة تبرز الأجواء السياسية والأمنية والعناوين الصحافية قبيل اندلاع الثورة، وأبرزها مأساة حريق القاهرة في 26 يناير 1952 التي لم يوجه التاريخ أصابع اتهامه للمسؤول عنها بشكل قاطع حتى اليوم، كما نشرت الصفحة آخر قرارات الملك بتشكيل حكومة أحمد نجيب الهلالي باشا يوم 22 يوليو 1952، التي استمرت لمدة 18 ساعة فقط إلى أن أعلن الرئيس الراحل محمد نجيب سقوطها عقب قيام الثورة.

وإضافة إلى الصفحات والمجموعات النقاشية التي تشهد مبارزات فكرية وتاريخية حادة بين محبي مظاهر الحياة قبل يوليو وهؤلاء المعترفين بما يسمونه "فضل الثورة" على أجيالهم، يكتفي بعض جمهور "فيسبوك" في مصر بوضع علم المملكة المصرية الأخضر ذي الهلال الأبيض والثلاث نجوم إلى جوار صورة حسابه "البروفايل" في دلالة على موقفه من دون الحاجة إلى الدخول في جدل تاريخي مع أنصار ثورة يوليو، بينما يقارن بعضهم من خلال الصور المقتبسة من صفحات المجلات والصحف القديمة بين حال المصريين قديماً وحديثاً، لا سيما في فصول الدراسة وحفلات الموسيقى والغناء والمباريات الرياضية، ومشاهد من الأماكن العامة والميادين والشوارع المزينة بالزهور والأشجار النادرة المجلوبة من الخارج والنافورات المبهرة، والطرقات النظيفة التي لا تخلو من أحدث السيارات وقتذاك والمارة المهندمين بأرقى صيحات الموضة.

يقول عمرو أبو سيف مؤسس صفحة الملك فاروق على "فيسبوك" في تصريح خاص، إن "هدف ما تنشره الصفحة في ذكرى يوليو، هو تقديم رواية تاريخية مختلفة، لكنها موثقة ومؤرخة حول أهم حدث مفصلي في التاريخ الملكي وهو قيام هذه الثورة ضد الحكم الملكي، لأن هناك أجيالاً جديدة تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي في ثقافتها ومعرفتها، ونحن حالياً نقدم الأحداث من دون اجتهاد أو تأويل بداية من يوم 22 يوليو وحتى يوم 26 موعد خروج فاروق من مصر باعتبارها فترة تعكس رقي المصريين ملكاً وشعباً في هذا الظرف التاريخي".

ويرى أبو سيف أن الناس في مصر معجبون بما تركته الفترة الملكية من مظاهر تدل على جمال البلد وأخلاق الشعب وليس فقط المباني والآثار المعمارية. مضيفاً "كل عصر له سلبياته وإيجابياته، وفي كل وقت وفي كل مكان هناك أغنياء وفقراء، لكن الفترة الملكية لم تكن كما صورها بعضهم صراعاً بين الإقطاعيين والباشاوات والعاملين المعدمين، بل كانت هناك طبقة وسطى قوية رصدتها بعض الأعمال السينمائية القديمة، حيث كان الموظف والعامل لديه مثلاً عاملة منزلية ويعيش حياة كريمة بمعايير هذا العصر، ونحن نعرض الأحداث التاريخية ومظاهر الحياة لأن هذا جزء مهم من تاريخ مصر واحتراماً لهذا التاريخ ولا ندعي أنه كان العصر الذهبي، لكن كانت الحياة جيدة على جميع المستويات، وليست فترة ظلام كما شوهتها بعض الأعمال الفنية والروايات التاريخية بعد الثورة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير