Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تخطت الديون المصرية الحدود الآمنة؟

قفزت ديون القاهرة الخارجية إلى 158 مليار دولار حتى نهاية مارس ومحللون يتخوفون من السداد بالاقتراض مجدداً

مخاوف من أثقال الديون على الاقتصاد المصري   (أ ف ب)      

انعطفت الديون المصرية إلى منحنى جديد، بعد أن زادت أثقال الدين الخارجي للقاهرة ليصل إلى حدود 158 مليار دولار أميركي مع نهاية الربع الأول من العام الحالي 2022، وفقاً لبيانات البنك الدولي التي نقلتها وكالة "بلومبيرغ" مطلع الأسبوع الماضي.

وسجل الدين الخارجي لمصر في نهاية العام الماضي 2021 نحو 145 مليار دولار، وهو ما يعني ارتفاع سقف الدين بمقدار 13 مليار دولار في نهاية مارس (آذار) الماضي، وفقاً لبيانات البنك الدولي.

وفي مايو (أيار) الماضي، سجّلت سريلانكا أول حالة تعثر هذا العام عن سداد الديون الخارجية المتمثلة في السندات، وهو ما أنذر بأزمة في سوق الأسواق الناشئة، بحسب محللي بنك "باركليز"، إذ قد يتكرر الأمر في أماكن أخرى.

ويُعتقد أن هناك 237 مليار دولار من السندات الأجنبية في الأسواق الناشئة في دائرة التعثر، مع اعتقاد المستثمرين أن التخلف عن السداد "احتمال حقيقي"، وهو ما حذّرت منه أيضاً وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، من أن الحكومات الأفريقية التي تمتلك كميات منخفضة من الاحتياطات الأجنبية لتغطية السندات المستحقة حتى 2026 "ستواجه مشكلة ما لم تجدد سنداتها المستحقة".

ووفقاً لـتقرير لـ"بلومبيرغ" في 9 يوليو (تموز) الحالي، يحوم الغموض حول السندات المستحقة لدى مصر وغانا مع الديون الهائلة عليهما، وفي ظل استمرار الحرب وأزمات الغذاء قد يكون الضغط لا يُحتمل بالنسبة لتلك الدول، وأكد التقرير أن مصر لديها أكثر من 10 مليارات دولار من الديون المستحقة من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل وحتى فبراير (شباط) 2023، وهو ما يضعها في المركز الخامس على قائمة الدول المعرضة للتخلف عن السداد خلف السلفادور وغانا وتونس وباكستان.

وتعاني دول الأسواق الناشئة منذ تبني البنك الفيدرالي الأميركي سياسة نقدية متشددة مع بداية العام الحالي، مرجعاً ذلك إلى محاولات لكبح معدلات التضخم المرتفعة، وهو ما زاد من الضغوط على دول الاقتصادات الناشئة، ومن بينها مصر، تجسّدت في خروج أكثر من 55 مليار دولار من الأموال الساخنة من القاهرة في 4 سنوات، منها 20 مليار دولار منذ بداية العام الحالي، علاوة على ارتفاع مؤشر الدولار الأميركي أمام الجنيه المصري، مما زاد من فواتير الاستيراد المصرية.

واختلف المحللون والمتخصصون في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" حول الوتيرة المرتفعة للديون المصرية الخارجية أخيراً، ففي الوقت الذي تخوف البعض من أعباء الدين والأقساط السنوية قلل البعض من ذلك، على اعتبار أن الدين العام والخارجي تحديداً ما هو إلا نسبة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، خصوصاً مع قدرة الدولة على السداد.

لكن في النهاية أجمع الفريقان على أن تكرار سيناريو أزمة سيرلانكا على الحالة المصرية "غير وارد على الإطلاق"، نظراً إلى اختلاف قدرات الاقتصاد بين البلدين حتى مع التصنيفات التي تصنفهما ضمن دول الاقتصادات الناشئة، خصوصاً أن القاهرة "لم تتخلف من قبل طوال تاريخ معاملاتها الخارجية عن سداد الديون".

35 مليار دولار ديون واجبة السداد

وقال رئيس لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان المصري فخري الفقي، إن "أعباء وأقساط الديون المطلوب أن تسددها الحكومة المصرية خلال العام المالي الحالي 2022-2023 تصل إلى 15.5 مليار دولار، إضافة إلى ارتفاع عجز الحساب الجاري نتيجة تراجع أكبر موارد مصر من العملات الأجنبية، سواء من الصادرات أو تراجع السياحة، إلى جانب خروج الأموال الساخنة".

وتابع الفقي "تغطية عجز الحساب الجاري الذي يصل إلى 20 مليار دولار، إلى جانب سداد الفوائد وأقساط الديون خلال العام المالي الحالي، ليصبح إجمالي الأعباء المالية المطلوب سدادها خارجياً يصل إلى 35 مليار دولار".

وأضاف "الدين الخارجي يمثل نحو 20 في المئة من إجمالي الدين العام"، مشيراً إلى أن "الدين الداخلي ليس به أزمة، إذ إن أغلبه على الحكومة بالجنيه المصري، علاوة على أنه لصالح القطاع المصرفي المحلي مقابل شراء أذون وسندات الخزانة الحكومية بالعملة المحلية".

الدين الخارجي ثلث الناتج المحلي

وحول الدين الخارجي، أبدى رئيس لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان المصري قلقه نحوه قائلاً إنه "مرتفع بالفعل، ويتسارع في نموه أخيراً، لكنه لا يزال في الحدود الآمنة حتى الآن، إذ إنه لا يزيد على 33 في المئة من إجمالي الناتج المحلي المصري". موضحاً أن "قيمة الناتج المحلي المصري تصل إلى 9 تريليونات جنيه (450 مليار دولار)"، موضحاً أن "إجمالي الدين الخارجي الحالي المقدر بـ158 مليار دولار منسوباً إلى الناتج يمثل ثلث الناتج فحسب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع "الحدود الآمنة للدول وفقاً لتصنيفات صندوق النقد والبنكيين الدوليين تتراوح بين 30 إلى 50 في المئة". مشيراً إلى أن "نسبة الدين الخارجي لا تزيد بمعدلات مرتفعة ملحوظة نتيجة لارتفاع الناتج المحلي، مع زيادة قيمة الأخير تتلاشى نسبة الدين الخارجي".

ولفت الفقي إلى أن "الدين المصري منتج وليس ديناً استهلاكياً". موضحاً "لا نقترض بغرض شراء الغذاء فحسب، لكن هناك نسبة كبيرة من الاقتراض بغرض تدشين المشروعات القومية على غرار محطات الكهرباء المتعددة مع شركة سيمينز الألمانية التي أسهمت في تحقيق وفرة في إنتاج الكهرباء التي تصدرها مصر الآن بدلاً من العجز في الكهرباء وتوقف 50 في المئة من المصانع في مصر بداية من عام 2009 إلى 2015 قبل بناء تلك المحطات".

سيناريو سريلانكا

وحول تكرار سيناريو سريلانكا مع أزمة الديون المصرية رفض رئيس لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان المصري مقارنة مصر بسريلانكا بشكل كامل قائلاً "إن الاقتصاد المصري عريض ومتنوع، ولديه موارد كبيرة تصل إلى 5 منابع قوية، منها السياحة، والصادرات، وقناة السويس، وتحويلات المصريين بالخارج، والنفط والغاز، متسائلاً: كيف نقارنها بسريلانكا؟".

وقفزت ديون مصر الخارجية بنحو 91 في المئة خلال الأعوام الستة الماضية، إذ ارتفعت بنحو 75 مليار دولار أميركي خلال تلك الفترة، بعد أن زادت من نحو 82.88 مليار دولار نهاية 2017 إلى 158 مليار دولار في نهاية مارس 2022، بينما أعلن البنك المركزي المصري سداد نحو 24 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالي 2022.

وفي وقت سابق، قال وزير المالية المصري محمد معيط في تصريحات إعلامية إن "القضية ليست في حجم الدين العام، لكن في القدرة على السداد، والتنمية هي الحل"، وأضاف أن "الضمانة الحقيقية لقوة الاقتصاد المصري تتمثل في زيادة معدل الصادرات وارتفاع عائدات قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين في الخارج وعائدات السياحة وترشيد الواردات"، موضحاً أن "سداد القاهرة للديون المستحقة دليل على قوة الاقتصاد"، ومشيراً إلى أن "التحدي الأكبر تنمية الصادرات وترشيد الواردات مع استمرار العمل في القطاعات الاقتصادية المختلفة".

مصر تسدد 96 مليار دولار في 6 سنوات

وتتبعاً لحركة سداد الديون وفقاً لبيانات البنك المركزي، سددت مصر خلال العام المالي 2016 - 2017 ديوناً إجمالية بقيمة 7.3 مليار دولار، منها 6.1 مليار دولار أقساطاً، و1.2 مليار دولار فوائد، وفي العام المالي 2017 - 2018، سددت البلاد 13.2 مليار دولار، منها 11.08 مليار دولار أقساطاً، و2.1 مليار دولار فوائد.

بينما دفعت خلال العام المالي 2018 - 2019 13.4 مليار دولار، منها 10.2 مليار دولار أقساطاً، و3.2 مليار دولار فوائد، وسددت فوائد ديون وأقساط ديون بلغت 25.2 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2020 وحتى سبتمبر (أيلول) 2021، منها 19.93 مليار دولار أقساطاً، و5.35 مليار دولار فوائد، كما أعلن البنك المركزي المصري في يونيو (حزيران) الماضي أن القاهرة سددت نحو 24 مليار دولار منذ بداية العام الحالي.

الديون طويلة الأجل 90 في المئة

من جانبه، قال عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان المصري ياسر عمر إن ارتفاع قائمة الديون المصرية "أمر صعب للغاية"، مستدركاً "لكن في الوقت نفسه ليست مخيفة، إذ إن نسبة الديون طويلة الأجل تزيد على الـ90 في المئة من إجمالي الديون الخارجية"، موضحاً أن "هذا يعني أن النسبة الأكبر من قيمة المطلوبات من الحكومة المصرية يمكن سدادها على فترات زمنية متباعدة"، مؤكداً أن "محاولة بعض المؤسسات العالمية تشبيه الحالة المصرية بحالة سيرلانكا يرجع فحسب إلى انتمائهما إلى دول الأسواق الناشئة"، معتبراً أن تلك المقارنة "لم تتبع المقاييس والمؤشرات الاقتصادية المعروفة من قيمة وحجم الاقتصاد وحجم قيمة الناتج المحلي بين البلدين"، مشيراً إلى أنه "لا يخشى تكرار السيناريو السريلانكي في مصر".

 

وفي تصريحات سابقة لـ"اندبندنت عربية"، قال الباحث في شؤون الاقتصاد الكلي هاني توفيق، إنه "لا يخشى ارتفاع فاتورة الديون بقدر ما تقلق طريقة سدادها"، وأشار إلى أن "سداد المركزي المصري 24 مليار دولار منذ يناير (كانون الثاني) أمر مطمئن يشوبه القلق"، موضحاً "الاطمئنان هنا لقدرة القاهرة على سداد ديونها الخارجية في الأوقات المحددة على الرغم من الأزمة العالمية الحالية، أما القلق فيتمثل في سداد الديون القائمة بأخرى جديدة".

وعبّر توفيق عن خشيته من أن "نستدين من أجل سداد ما علينا من ديون، وهذا فخ كبير ودوامة اقتصادية إن بدأت لن تنتهي"، مطالباً الدولة بـ"تشغيل المصانع وتشجيع الصادرات وتنمية قدرة المنتج المحلي، لجلب مزيد من العملات الصعبة التي تجعلنا أكثر قدرة على سداد الديون الخارجية من دون استدانة جديدة".

ويبرز مشروع الموازنة العامة للدولة عن العام المقبل 2022 - 2023 أن الموازنة المصرية مثقلة أيضاً بالديون وفوائدها، إذ كشف البيان المالي الخاص بمشروع الموازنة أن "إجمالي الفوائد التي سيجري دفعها للديون المحلية والأجنبية خلال العام المالي الجديد تبلغ 690 مليار جنيه (37.196 مليار دولار)، تمثل نحو 7.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبنسبة زيادة بلغت نحو 19.1 في المئة عن الأرقام الواردة في موازنة 2021 – 2022".

ومن جانبه، رفض المحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة هاني جنينة عقد مقارنة بين مصر وسريلانكا، قائلاً "هناك فرق شاسع في التنوع والقوة والحجم، بل إن هناك فرقاً كبيراً بين الناتج المحلي بينهما علاوة على القوة السكانية الهائلة".

وفي الوقت نفسه، لم يخفِ جنينة قلقه تجاه الصعود المتسارع للديون المصرية في السنوات الثلاث الأخيرة، مرجعاً ذلك إلى الأزمات الاقتصادية الكبرى التي عاناها الاقتصاد المحلي منذ الجائحة العالمية ثم الحرب الأوروبية، معتقداً أن الاقتصاد المصري كان "ينتظره مستقبل واعد لولا الأزمات الجيوسياسية العالمية".

جدول ديون مزدحم

وأشار جنينة إلى "أن سوء الحظ يلازم الحكومة خلال هذا النصف من العام منذ يونيو وحتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل". موضحاً أن الأشهر الستة المقبلة "تمثل تحدياً كبيراً أمام القاهرة نظراً لتلاحم مواعيد سداد الأقساط والديون الخارجية"، ومؤكداً أن "هناك مخاطر عالية في موقف الدين الخارجي المصري ليس لارتفاع قيمته فحسب، بل لأنه لا يزيد على ثلث الناتج المحلي الإجمالي". واستدرك "لكن الأزمة تكمن في عدة أسباب، الأول هو ارتفاع قيمة المطلوب من الحكومة سداده خلال عام 2022، إذ يصل إلى 30 مليار دولار، نجح المركزي المصري في سداد 10 مليارات دولار منها في النصف الأول من العام، لتبقى 20 مليار دولار واجبة السداد قبل نهاية ديسمبر 2022".

وأشار جنينة إلى أن "ثاني الأسباب المقلقة هي ازدحام جدول سداد الأقساط بالفوائد، إذ تتزامن أقساط واجبة السداد لقروض وتمويلات من سنوات سابقة في المقدمة منها قروض النقد الدولي، بعد أن حصلت القاهرة على أكثر من 20 مليار دولار في الفترة من 2016 وحتى 2021". لافتاً إلى أن "تلك الأزمة تتزامن مع تراجع أغلب مصادر الدخل المصري من العملات الأجنبية، خصوصاً من الدولار، تحديداً من الأموال الساخنة"، مضيفاً أن "الحكومة المصرية تواجه أزمة حقيقية في تدبير الأموال اللازمة لسداد ما عليها من ديون فيما عدا قرض من صندوق النقد الدولي أقصى قيمة له لن تزيد على الـ5 مليارات دولار".

تسريع إتمام قرض الصندوق الدولي الحل الوحيد

ولفت جنينة إلى أن "آخر تصنيفات مؤسسات التصنيف الائتمانية في أبريل (نيسان) الماضي أكدت استقرار الاقتصاد المصري في الوقت الحالي وفقاً لمؤسسات التصنيف الائتماني فيما عدا مؤسسة "موديز" التي تتوقع نظرة مستقبلية سلبية".

وأكد أن "الحل الوحيد أمام القاهرة لاستعادة ثقة مؤسسات التمويل والتصنيف الائتماني والمستثمرين في جميع دول العالم العالمية هو إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بأسرع وقت ممكن حتى تقف حكومة القاهرة على أرض صلبة تمكنها الرد على الإشاعات أو حتى المؤشرات السلبية".

وفي نهاية مايو الماضي غيّرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية إلى القاهرة من مستقرة إلى سلبية، في الوقت الذي أبقت فيه تصنيفها لمصر عند B2 مع تزايد مخاطر تراجع قدرة الدولة السيادية على امتصاص الصدمات الخارجية، في ضوء التراجع الملموس لاحتياطي النقد الأجنبي.

وتعني النظرة المستقبلية السلبية أن "موديز" من المرجح أن تخفض تصنيفها لمصر بدلاً من رفعه أو الإبقاء عليه مستقراً في تقييمات مقبلة للمرة الأولى منذ عام 2013.

وتجري القاهرة في الوقت الحالي مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تسهيل ائتماني جديد لم تحدد قيمته وفق برنامج تنفذه الحكومة مع المؤسسة الدولية.

اقرأ المزيد