في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 خرج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب داعياً إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد نتيجة ازدياد حالات إدمان المسكنات الأفيونية التي تدخل في تركيبه مجموعة واسعة من الأدوية المسكنة للآلام مثل الـ"أوكسيكودون" أو "المورفين" أو "الكوديين" التي تستخدم لعلاج الألم المتوسط إلى الشديد كارثة طبية بدأ غبارها ينتشر في الأقطار المختلفة.
فالمسكنات تعد واحدة من أعظم أنواع الأدوية التي اخترعها الإنسان على مر التاريخ، فحياة الإنسان من دونها ستصبح مستودعاً للآلام والمعاناة فما الذي قد يتمناه المريض أكثر من أن يتناول حبة صغيرة تخفف وطأة الألم؟ وعليه باتت ذات جدوى اقتصادية لشركات الأدوية وأصبحت تتنافس في مجال صناعة المسكنات حتى باتت تجارة تجلب المليارات مع تعدد أنواعها وتركيبتها وإتاحتها للبيع بسهوله، مما جعل المستهلك يستسهل استخدامها بطريقة عشوائية جعلت السحر ينقلب على الساحر، فبعد أن صنعت لمقاومة المرض والتخلص منه أصبحت أحد أشكال الأمراض نتيجة الإدمان عليها.
إدمان المسكنات
للإدمان أوجه عديدة معروفة إذ يسهل التعرف على ذاك الذي يصاحب المخدرات، لكن إدمان الأدوية التي صنعت لتسكين الأمراض أمر يغفل عنه كثيرون.
وقسم الطبيب الصيدلي خالد الصاعدي المسكنات إلى أنواع، فهناك جزء يسبب الإدمان وهي "التي تحتوي على المواد الأفيونية التي تعمل على تسكين الآلام الشديدة من خلال التفاعل مع مستقبلات معينة في خلايا الجهاز العصبي، ومن أشهرها الـ"كودايين" و"المورفين" و"وكسي كودون" و"هيدروكودن" و"الترامادول"، وهذه المواد تحفز إفراز الإندروفين في المخ ما يزيد الشعور بالمتعة والسعادة وهذا ما يجعل المريض الذي اعتاد على استخدامها يدمن عليها ليحصل على هذا الشعور".
هذه المسكنات عادة لا تباع إلا بوصفة طبية، إلا أن هناك أنواعاً معينة تباع في الصيدليات العربية دون وصفة، مما أثار استغراب عدد من الأطباء أن تباع هذه المسكنات التي تحتوي على مادة الـ"كودايين" بهذه السهولة.
وقال الصاعدي "يحدث الإدمان عند تناول جرعات فوق التي حددتها وصفة الطبيب، كما لا تضمن الجرعات الأعلى من العقاقير الأفيونية تسكين الألم بل يمكنها أن تزيد الأمور سوءاً، إذ يبدأ المريض في تناول هذه الأدوية ثم مع الاستخدام المفرط يبدأ جسمه في تحملها ومع مرور الوقت يحتاج المريض إلى تناول مزيد من الأدوية الأفيونية لتسكين المستويات نفسها من الألم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشمل تلك العقاقير التي تحتوي على مادة الـ"كوديين" المخدرة أسماء تجارية مثل "نوروفين" و"سولبادين بلاس" وتباع في أغلب الدول دون وصفة طبية كعلاج لتخفيف الصداع ومختلف الآلام.
وتعد المدة الزمنية في استخدام المسكنات الأفيونية عاملاً مؤثراً، فالتعاطي الخاطئ يمكن أن يقود إلى مستنقع الإدمان أو إصابة المتعاطي بأعراض جانبية خطيرة قد تصل إلى الوفاة.
الكبسولة السحرية
إن كانت مسكنات الألم الأفيونية من أقوى أنواع المسكنات التي تسبب الإدمان، فما حال مسكنات الـ"إيبوبروفين" والـ"باراسيتامول" الأكثر شيوعاً وتستخدم لعلاج الآلام الخفيفة والمتوسطة، لكن أخيراً بدأت التحذيرات تصدر وتشكك في مدى أمان هذا النوع، فهذه الكبسولة السحرية التي من الممكن أن تتحول قنبلة موقوتة يظهر ضررها بعد حين.
أشار أحمد العمار وهو متخصص بالصحة العامة، من المهم إدراك أنه "لا يوجد دواء آمن تماماً من دون مخاطر، إلا أن المسكنات لا تسبب الإدمان لكن الإفراط له تأثيرات على الكليتين والكبد إضافة إلى بعض المشكلات في المعدة والأمعاء، ومن المعروف أن الجرعة اليومية تتراوح بين قرصين إلى ثمانية أقراص كحد أقصى".
وأضاف الصيدلي الصاعدي "من المهم أن يعرف المريض ما هي المادة الفعالة في المسكن الذي يستخدمه وذلك من طريق قراءة الغلاف الخارجي للدواء تحت الاسم التجاري أو في قسم المكونات، فبمعرفتك للمادة الفعالة تقي نفسك من مضاعفة الجرعات وتتجنب التسمم بمسكنات الألم".
إدمان المنومات
إذا أردنا استيفاء الحديث عن إدمان المسكنات لابد من طرح التساؤل الأكثر إلحاحاً بين الناس، التفكير المستمر الذي يسرق النوم من عيون كثيرين مما يدفعهم نحو تناول الحبوب المنومة، هل تؤدي هذه الحبوب التي هي غالباً الأمل الوحيد للمصابين بالأرق المزمن إلى الإدمان؟
يذكر الطبيب خالد الصاعدي أن الحبوب المنومة التي تباع في الصيدليات والتي تحتوي في تركيبتها على "باراسيتامول" لا تسبب الإدمان، لكن لها أعراض جانبية أخرى في حال الاستمرار عليها.
وأضاف "تقوم هذه الحبوب بتغيير دورة النوم لدى الإنسان وتلغي المرحلة الثانية للنوم وهي مرحلة مهمة للتوازن النفسي يكون فيها النوم خفيفاً، لكنها تختفي مع استخدام المنومات ويدخل المتعاطي في المرحلة التي تليها مباشرة"، وعن أضرارها "مع تعود الجسم عليها يحتاج الإنسان إلى زيادة الجرعة التي لها آثار كبيرة على الكبد.