Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مراكز صيف" للموسيقى في السعودية

أقامت الثقافة في البلاد كيانات في عدة مدن تشهد إقبالاً من الطلاب والأسر لتعلم فنون العزف

يشهد الصيف في السعودية هذا العام زخماً نادراً من نوعه، تمثل في تنافس مراكز الموسيقى في مدن البلاد الرئيسة على استقبال الطلاب والراغبين في تطوير مهاراتهم في العزف أو بناء أنفسهم من الصفر في الهواية المثيرة لشغف كثيرين في البلاد.

يتابع رجل الأعمال السعودي أحمد عبد الله بشغف ابنته ياسمين وهي تلعب السلم الموسيقي ببراعة على الأورغ في مركز لتعليم الموسيقى في الرياض، في فرصة لم تتوفر لمحبي هذا الفن في البلد المحافظ حتى سنوات قليلة خلت.

ولم تتح هذه الفرصة لهذا الأب البالغ 42 سنة مع إحكام المحافظين قبضتهم على المشهد العام وفرض تفسيرات متشددة للإسلام[A1] ، لكنه أكد أنه حقق أمنيته أخيراً في تعلم الموسيقى من خلال ابنته البالغة سبع سنوات.

وقال في مدرسة "ياماها للموسيقى" في وسط الرياض "أرى نفسي فيها... في الأمور التي لم يكن هناك فرصة لتحقيقها في طفولتي".

وأضاف الرجل الذي ارتدى ثوباً تقليدياً أبيض اللون "الفرصة الآن أصبحت أكبر والاهتمام بالموسيقى يزداد. وباتت هناك مؤسسات ومدارس لم تكن موجودة من قبل".

وأضاف فيما تتلقى ابنته توجيهات مدرسها المصري العشريني "الآن نفكر في الجيل المقبل... أستثمر فيها بتعلم الموسيقى"، في غرفة علقت فيها لافتة تقول "الموسيقى للجميع".

إصلاحات جذرية سمحت بالتجربة

وتحضر ياسمين الآن حصة أسبوعياً مدتها نصف ساعة في المركز الذي يضم 140 متدرباً معظمهم من الأطفال، فضلاً عن ممارستها في المدرسة وفي المنزل على أورغ أهداه لها والدها.

وعرفت السعودية لعقود بأنها بلد محافظ يتبنى تفسيراً متشدداً للإسلام السني يعرف بالوهابية ويلحظ قيوداً على تعلم الموسيقى والغناء والنحت، وهي أمور اعتبرت بمثابة "محرمات"، قبل أن تشهد تحولات وإصلاحات جذرية السنوات الماضية.[A2] 

ولم تكن المدارس الحكومية أو الخاصة تضم غرفاً أو حصصاً لتعليم الموسيقى للطلاب، كما لم تكن تنظم حفلات غنائية عامة.

لكن منذ تسلم الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد في 2017 تشهد السعودية انفتاحاً اجتماعياً بعد عقود من الإغلاق والقيود المشددة التي فرضت على مجتمع غالبيته من الجيل الشاب، فسمح للنساء بقيادة السيارات، وباتت الحفلات الغنائية مسموحة، ووضع حد لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء.

وباتت أنغام الموسيقى تصدح في مطاعم السعودية ومقاهيها التي لم تعد مطالبة بالإغلاق في أوقات الصلاة.

على أنقاض الصحوة

وتضم المملكة حالياً أكثر من خمسة مراكز لتعليم الموسيقى في العاصمة الرياض ومدينة جدة على ساحل البحر الأحمر، وسط إقبال كبير من الأسر السعودية المحبة للفنون.

ومن المفارقات أن المراكز الجديدة شهد نشاطها الرواج أكثر، على الطريقة نفسها التي كانت "المراكز الصيفية" التي يسيطر عليها الراديكاليون "الصحويون"، يقيمون فيها فعالياتهم المناهضة لكل الفنون، بتوظيف فصل الصيف في استقطاب المهتمين أكثر من أي وقت آخر.

 

لكن الأكثر اختلافاً في مراكز الصيف الحديثة أنها تقام بإشراف مباشر من الأسر، وتمارس أنشطتها في المدن وليس في الاستراحات والمخيمات خلف الأنظار، حيث اكتشف الآباء في ما بعد أن أبناءهم كانوا يتدربون على الأسلحة ويتلقون تلقيناً أيديولوجياً، ألقى بكثير منهم في دائرة التطرف والإرهاب، قبل أن تتدخل الدولة وتضع حداً لتلك الأنشطة بعد حرب الخليج 1990، ولا سيما بعد 11 سبتمبر (أيلول)، والتفجيرات في الرياض قبل ذلك وبعده، خصوصاً في 2003.

فرص الاحتراف

ولعقود كانت الأسر السعودية الراغبة في تعليم أبنائها الموسيقى تعتمد على مدرسين خصوصيين يأتون إلى منازلها، وهو ما كان يفتقد البعد الأكاديمي في التعلم أو القدرة على الاحتراف.

وبعد أن خاب أملها في التعلم ذاتياً، وجدت الموظفة السعودية وجدان حجي المحبة للموسيقى منذ الصغر ضالتها في هذا المركز للتعلم باحترافية.

وقالت حجي (28 سنة) لوكالة الصحافة الفرنسية بعد أن انتهت من حصة لتعلم الغيتار على يد مدرس أوكراني "حاولت التعلم عبر يوتيوب لكني لم أنجح، إذ ليس هناك من يصحح لي أخطائي".

وهي تدفع 940 ريالاً (250 دولاراً) شهرياً نظير حصة كل سبت، وبعد خمسة أشهر من التعلم، قالت بخجل "لم أكن أعرف أي شيء لكن الآن تعلمت الأساسات".

وأوضحت الموظفة في شركة أجهزة طبية أن الموسيقى تركت أثراً إيجابياً في حياتها كأثر "اليوغا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت الشابة المحجبة التي ارتدت عباءة تقليدية داكنة بحماس "الحصة مدتها ساعة تصفي ذهني... شخصيتي تغيرت (للأفضل). صرت أهدأ".

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حضر أكثر من 732 ألف شخص مهرجان "ميدل بيست" الموسيقي في الرياض، حسب تعداد للسلطات، خلال أربعة أيام شهدت حفلات لفنانين عرب وعالميين بينهم الفرنسي ديفيد غيتا.

واستحدثت السعودية في عام 2020 "هيئة للموسيقى" لتأسيس صناعة احترافية للفنون الموسيقية وتوفير التراخيص للمراكز الموسيقية، وأتاحت في برنامج منفصل دورات للموهوبين الراغبين في "ممارسة الموسيقى كمهنة".

وأدرجت 100 مدرسة أهلية تعليم الموسيقى ضمن برامجها خلال العام الدراسي الحالي.

وفي مايو (أيار)، أطلقت الهيئة "برنامج الثقافة الموسيقية" لتطوير مهارات طلاب المدارس الحكومية.

مدارس موسيقية مختلفة

والمدرسون في مراكز تعليم الموسيقى أجانب ينتمون لمدارس موسيقية متنوعة.

 

وفي مركز "بيت الموسيقى"، في شمال الرياض، يتفاعل خمسة أطفال صغار مع توجيهات مدرستهم لتحريك أجسادهم بشكل يتوافق مع إيقاع الموسيقى، في غرفة زينت جدرانها بنغمات السلم الموسيقي.

وقالت مدرستهم اللبنانية مارلين "في هذه السن المبكرة، نحضر الأطفال للموسيقى عبر إدراجها في أنشطة مثل الرسم والرقص".

وتصدح نغمات الموسيقى الصادرة من الآلات المختلفة في طرقات المركز الذي يضم 16 غرفة لتعليم الصغار والكبار، وعلقت على جدرانه صور لمشاهير الغناء من أمثال بوب مارلي وفيروز.

ويعتزم القائمون على هذا المركز، الذي فتح أبوابه في 2019 ويضم حالياً 300 طالب، افتتاح فرع جديد "مع تزايد الطلب"، بحسب ما أفاد مديره الفنزويلي سيزار مورا.

وقال مورا إن "هناك تقبلاً جيداً للخدمات التي نقدمها حتى الآن... هناك مجتمع وسوق محب للموسيقى ينمو".

وبعد انتظاره مرتين انتهاء ابنتيه من حصتهما، قرر السوداني وليد محمود (37 سنة) المقيم بالرياض هو الآخر الانضمام وتعلم لعب العود.

وقال ضاحكاً بجوار ابنتيه لانا (خمس سنوات) ودالا (ثلاث سنوات) وهو يمسك بعود خشبي "السعودية تغيرت كثيراً... ربما نكون فريقاً يوماً ما. لمَ لا؟".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات