Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نهاية "الإجازة" من اليمين واليسار: الماكرونية ظاهرة عابرة؟

مقاعد متفرقة ولا غالبية لأحد فالحد الأدنى هو 289 في برلمان 577 نائباً

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحصل على 245 مقعداً في البرلمان (رويترز)

الموجة تبدلت من جديد في فرنسا التي ظهر تعبير اليسار واليمين في برلمانها بعد الثورة في نهايات القرن الثامن عشر. قبل خمس سنوات، اختار الفرنسيون رجل بنك "روتشيلد" إيمانويل ماكرون رئيساً من خارج السياق التاريخي للسياسة، وأعطوا غالبية مطلقة في الانتخابات النيابية لحزبه الوليد الهجين الموصوف بأنه لا يمين ولا يسار. بعد خمسة أعوام، أعادوا انتخابه لولاية ثانية، لا سيما بأصوات اليسار، لقطع الطريق على وصول زعيمة "التجمع الوطني" اليميني المتطرف مارين لوبن إلى الإليزيه، لكنهم سحبوا منه الغالبية بخسارة نحو مليون صوت، ووسعوا مواقع الأحزاب المتشددة في اليسار واليمين. صفعة، صدمة، زلزال سياسي، كما جاء في عناوين الصحف الباريسية، أم عودة إلى الأصول بعد ظاهرة عابرة؟ مجرد ملل وضجر من الرئيس الذي أحبه اللبنانيون، وارتاح إليه العرب والإيرانيون والإسرائيليون، وتخوف الأوروبيون من مشاريعه الطموحة لتجديد شباب القارة العجوز استراتيجياً وعسكرياً، وحافظ على الحوار مع الأميركيين والروس والصينيين، أم تعبير عن أزمة في الديمقراطية إذ امتنع 52 في المئة من الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم؟

مقاعد متفرقة

البروفيسور بيار روزافيون في "كوليج دو فرانس" رأى "ماكرون مختلفاً كلياً: لديه أجندة واضحة في قضايا الاقتصاد لا في القضايا الاجتماعية". والسوسيولوجي في المركز الوطني للأبحاث العلمية أوليفييه غالان يعتقد أن "الفرنسيين لا يمكن أن يكونوا راضين ومكتفين، لأن اللا ثقة هي عنصر بنيوي ثابت ومؤسس جيداً في المجتمع الفرنسي". ولا مفاجآت. فما حدث في الانتخابات هو ما جاء قبلها في استطلاعات الرأي، خصوصاً استطلاع مؤسسة "إبسوس" الذي نشرته "لوموند". خلاصة الاستطلاع أن ثلاث كتل ستحصد القسم الأكبر من الأصوات، وهي: "معاً" الماكرونية، كتلة اليسار المتطرف بزعامة جان لوك ميلانشون الذي جمع فرنسا المتمردة والاشتراكيين والشيوعيين والخضر، وكتلة اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن. والنتائج النهائية هي: 245 مقعداً لفريق ماكرون، 150 مقعداً لليسار، 89 مقعداً لليمين المتطرف، 64 مقعداً لبقايا الديغوليين من اليمينيين المعتدلين واسمهم الآن "الجمهوريون"، مقاعد متفرقة، ولا غالبية لأحد، فالحدّ الأدنى هو 289 في برلمان 577 نائباً.

وهذه هي المشكلة الجديدة التي لا سابق لها. فلو ربح ميلانشون الغالبية كما كان طموحه، لكان على الرئيس ماكرون تعيينه رئيساً للوزراء والعيش مع "التساكن". هكذا فعل الرئيس فرنسوا ميتران حين ربح الديغوليون الغالبية، فصار جاك شيراك رئيس الوزراء. ولا شيء يمر بسلاسة في "التساكن" بين رئيس جمهورية ورئيس حكومة لكل منهما أجندته. ولا شيء سيمر بسهولة في البرلمان مع معارضة قوية وعلى خلاف شديد مع سياسة ماكرون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مساومات صعبة

أولاً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، يواجه "رئيس الأغنياء" مساومات صعبة وصدامات مع معارضة، تتحدث باسم الطبقة الوسطى والطبقة العمالية والفئات المهمشة، ولو أنجده "الجمهوريون" لقاء ثمن سياسي. وثانياً على صعيد تبدل صورة الرجل من رئيس "ليبرالي معتدل" إلى رئيس "سلطوي" متمسك بمظهر "ملكي". وثالثاً في السياسة الخارجية. صحيح أن دستور الجمهورية الخامسة الذي فصّله الجنرال ديغول على قياسه، يجعل السياستين الخارجية والدفاعية من اختصاص الرئيس وحده. لكن الصحيح أيضاً أن من ينفذ السياسة هو حكومة يجب أن تحصل على موافقة البرلمان الذي يستطيع حجب الثقة، فضلاً عن أن لدى النواب خيارات سياسية أخرى. فلا الموقف من بوتين والعقوبات وحرب أوكرانيا واحد بين ماكرون ولوبن وميلانشون. ولا مشروع "الاستقلال الاستراتيجي" لأوروبا الذي يطرحه ماكرون له شعبية في الداخل أو في بلدان الاتحاد الأوروبي، وسط الاعتراض الأميركي وتنامي الحاجة الأوروبية إلى المظلة الأميركية بعد حرب أوكرانيا.

ولا مهرب في النهاية من العودة إلى الأحزاب التقليدية في اليسار واليمين. لا تجربة ماكرون في ما هو لا يسار ولا يمين ولا وسط يمكن أن تصبح السياق الجديد للعمل السياسي في بلد مثل فرنسا. وهو استعار شخصيات من اليمين واليسار. ولا الانتقال من ديغول إلى نيكولا ساركوزي، ومن ميتران إلى فرنسوا هولاند على ما فيه من انحدار، يبرر ظاهرة الرئاسة التي فوق السياسة. فلا شيء فوق السياسة. ولا مجال لتجاهل ما يقود الناخبين إلى الامتناع عن المشاركة في الانتخابات، وهو الشعور بأن السياسة تدور خارجهم وأنهم مهمشون ولا قيمة ولا صدى لأصواتهم. وحين يصبح العمل السياسي والبرلماني في خدمة الأوليغارشية، فإن البديل هو الشارع. ولا أحد يعرف إلى أي حد يمكن أن يتكيّف ماكرون مع نهاية شهر العسل الرئاسي، لكن الواضح أن الفرنسيين الذين أعطوه وأخذوا لأنفسهم "إجازة" من التاريخ والصراع بين اليمين واليسار، قادتهم قوة الحقائق والأشياء إلى إنهاء الإجازة والعودة إلى الشغل السياسي كالمعتاد في العالم، لا سيما في الاتحاد الأوروبي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل