Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصديقان المراهقان يبكيان جمهور "كان" بفراقهما

فيلم "كلوز" يرسخ قدرة البلجيكي لوكاس دونت على الإرتقاء بالميلوداما

المراهقان اللذان أبكيا جمهور "كان" في فيلم "كلوز" (الخدمة الإعلامية)

"كلوز" للوكاس دونت اختتم مسابقة مهرجان "كانّ" السينمائي (17 – 28 مايو -  أيار) بعد عشرة أيام من المشاهدة الماراثونية. الفيلم كان ينتظره جزء غير قليل من أهل النقد والصحافة ليس لسبب سوى أن مخرجه البلجيكي الشاب سبق أن فاز بـ"الكاميرا الذهبية" (جائزة أول فيلم) عن عمله السابق "فتاة" في العام 2018. مذذاك، بدا واعداً، على الرغم من صغر سنه بحيث أنه تجاوز الثلاثين بعام واحد. في دورة لم نعثر فيها على الكثير من الأفلام الميلودرامية والمؤثرة عاطفياً، جاء "كلوز" ليحدث فرقاً، فأبكى الكثير من المشاهدين وكانت عيونهم مصابة بالاحمرار عند خروجهم من الصالة.

الفيلم عن علاقة قوية جداً تنشأ بين صبيين، ليو وريمي (إيدين دامبرين وغوستاف دو ويل)، لا ينفصل أحدهما عن الآخر بتاتاً. في قريتهما الواقعة في الريف البلجيكي، يقومان بكل شيء معاً ويعيشان كل التجارب الحياتية ويخوضان كل التفاصيل يداً بيد، ولا شيء يفرقهما. حتى السرير يتشاركانه. يحلمان بحياة لاحقة سيظلان فيها جنباً إلى جنب إلى الأبد. لكن مع بداية المدرسة بعد العطلة الدراسية، يثير سلوكهما غير التقليدي الشكوك والريبة، لا سيما عند الطلاب. يبدأ بعض رفاقهما في طرح أسئلة محرجة عليهما عن ميولهما الجنسية. ما كان طبيعياً بالنسبة لهما، يصبح فجأةً إذلالاً. العلاقة الجميلة تتلقى صفعة غير مسبوقة. هي أول صفعة يعيشها الولدان في حياتهما. 

فقدان البراءة

لا يمكن النظر إلى هذا التطور الدرامي الا بصفته لحظة فقدان البراءة عند صبيين لم يكونا يوماً سوى نفسيهما، وها هما يقعان ضحية النظرات الغريبة والكلام المهين. وعندما يقرر ليو الابتعاد عن ريمي، ويبدأ في ممارسة الرياضة والتركيز على مظاهر الرجولة، يبث هذا في الأخير شعور الاحباط والخيبة والألم، فيرتكب ما لا يمكن إصلاحه، ليبدأ من  ثم فيلم آخر تحت عنوان الذنب وتأنيب الضمير.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذه هي باختصار الخطوط العريضة لفيلم مغرق في المشاعر يقدّم لوكاس دونت فيه رؤيته للمراهقة، الفئة العمرية التي طالما ألهمت السينمائيين، لكن قلة قدّموها بهذه الطريقة المأسوية. فالمراهقة هي بداية حياة الإنسان وبداية التكوين وظهور الوعي التدريجي، فكيف يمكن الحديث عنها بسوداوية شديدة من دون ترك أي فسحة للأمل. لكن دونت يفعلها، في عمل يسحق القلب ولكن لا تنتهي وظيفته هنا، بل يسعى إلى فتح النقاش حول مسائل عدة: التربية، الأفكار المسبقة، الاختلاف والهوية الجندرية. المراهقة فترة حساسة جداً من حياتنا، فما بالك إذا كان الصبيان اللذان يصوّرهما، مختلفين عن مجمل رفاقهما. لكن المسألة، في المقابل، لا تنحصر في هذه النطقة فحسب. لا يكتفي دونت بهذا القدر من الكلام عن قسوة المجتمع تجاه المختلفين التي تدفع بضحاياها إلى ارتكاب ما لن يرتكبوه في ظروف أخرى. بل يرينا أن رد الفعل يختلف بين شخص وآخر بحسب قدرة كل واحد على التحمّل والمواجهة. فكل من المراهقين سيتفاعلان مع المسألة بطريقة مختلفة عن طريقة الآخر: في حين يسارع ليو إلى التخلي عن صديقه ريمي ليحمي نفسه من العدوان، لن يجد ريمي حلاً لأزمته وملجأ لمشكلته مع محيطه سوى في الإستسلام.  

الفصول الأربعة

تمتد الحكاية على أربعة فصول، يفكك المخرج خلالها مسألة فقدان البراءة التي تلقي بظلالها على الفيلم. لا يبخل السيناريو في العناصر الميلودرامية، من عناقات وبكاء وكل ما يمد الفيلم بدفء يتأتى من عمق العلاقات الإنسانية، قبل أن يحدث الإنسلاخ الكبير الذي يفتح الطريق أمام المرحلة الأخيرة التي تتجسد في الحداد. اللافت أن رغم هذا، لا يقع دونت في فخ شحد التعاطف أو الدموع. فكل شيء يجري بطبيعية جداً وهذا ما يعطي الفيلم بعضاً مما يمكن تسميته الصفاء. يبتعد الفيلم عن الثرثرة والكلام الكثير الذي كان من عيوب هذه الدورة، لمصلحة العواطف التي تتسرب من كل مشهد ومن كل لقطة قريبة على وجوه الممثلين، وذلك من دون أي دروس أخلاقية أو استنتاجات سريعة. الفيلم يعطيك المادة فيتركك تبني علاقتك بالأشياء من تلقاء نفسك. في المقابل، لا يخلو النص من بعض العيوب التي تمنعه من الإرتقاء إلى مصاف الأعمال الكبيرة، كالتطويل والمعالجة البصرية التي تنظر إلى نفسها في المرآة. أما الموضوع نفسه، فرغم أهميته، فثمة دهشة تأتي من علمنا أن هذا كله لا يزال يحصل في أوروبا في أيامنا هذه.  

من أين يأتي دونت بكل هذا النضج لسرد الحكاية التي تجعلنا نوعاً ما شهوداً عليها، وهو في مثل هذا العمر؟ العثور على جواب منطقي لهذا السؤال قد لا يكون سهلاً. ينتمي دونت إلى هذا الصنف من السينمائيين الذين يملكون موهبة بالفطرة في التعامل مع قضايا إجتماعية لا أحد يراها غيرهم. ويشكّل كزافييه دولان، المخرج الكندي الذي شارك في "كانّ" منذ سن مبكرة، أبرز مثال في هذا المجال. ويبدو أن دونت يحذو حذوه مع الفرق في طبيعة التجربة وطولها. يقول دونت إن "كلوز" يحكي عن اكتشاف الإنسان بأن لكل من أفعاله تداعيات يضطر إلى أن يتعايش معها لبقية حياته.  

اقرأ المزيد

المزيد من سينما