Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نجوم الظهر" تشرق في "كان" ونابولي تسترجع ماضيها

الفرنسية كلير دوني تنفض الغبار ومارتوني يغرق الجمهور في "نوستالجيا" إيطالية

من الفيلم الفرنسي "نجوم الظهر" (الخدمة الإعلامية)

أضافت المخرجة الفرنسية كلير دوني لمستها المختلفة على مسابقة الدورة الخامسة والسبعين من مهرجان "كان" (17 - 28 مايو - أيار). تدور أحداث "نجوم الظهر" ( فيلمها السادس عشر في فيلموغراغيا غنية ومتنوعة حملتها إلى أماكن مختلفة من العالم )، في أيامنا هذه، ونعلم ذلك من الكمامات التي يرتديها البعض. ومع ذلك فهو ينتمي إلى سينما "جانر" (نوع) كانت سائدة في الثمانينيات، ممّا يعطي الانطباع ان قدمه في الحاضر ورأسه في الماضي. أقصد تحديداً نوعية من الأفلام حيث يكفي لامرأة لعوب أن تمارس سحرها وتوظّف جسدها ليدخل الفيلم في اتجاهات غير متوقعة. ولهذا نسمة خفيفة هبت على الـ"كروازيت" مع فيلمها هذا الذي يغرق حيناً في الجدية وحيناً آخر لا يفعل إلا الإذعان لـ"كودات" النوع الذي ينتمي إليه.

صحافية أميركية

الفيلم مقتبس من كتاب الأميركي دينيس جونسون عن تجربته في نيكاراغوا خلال الثمانينات. بطلتنا هنا صحافية أميركية تاهت في نيكاراغوا، في زمن الانتخابات، بلا مال وبلا جواز سفر، وعليها أن تتدبّر أمرها كيفما اتفق. تتصل بمَن اعتادت أن تراسلهم (مجلة سفر) طمعاً ببعض المال، لكن رئيس تحريرها يرفض التعامل معها، لأسباب سنفهمها شيئاً فشيئاً، ولذلك تجد نفسها منبوذة ومتروكة لمصيرها. ليس من السهل حصر شخصية تريش (هذا اسمها) في طموحات محددة، فهي على ما يبدو تتغير طوال الفيلم مع تغير الحاجة. تريش خفيفة على الروح، تمضي أوقاتها بشرب الروم واستدراج الرجال إلى فراشها، إلى أن تقع على سائح إنجليزي يساعدها في عبور الحدود إلى أميركا.

لا يبقى لدوني إلا أن تحشر كاميراتها بينهما، وتدخل إلى فراشهما، مرات ومرات، في مشاهد حميمة تصوّر فيها الجسدين بالبراعة التي كانت دائماً من اختصاصها. الحكاية جنسية وعاطفية لكنها أيضاً سياسية. ولكن لا شيء غير الاثارة يمكن أخذه على محمل الجد، خصوصاً أن تريش لا تحتاج إلى جهد كبير لأخذ الفيلم في ذلك الاتجاه. تمنح دوني بنزعتها النسوية المعروفة، دور البطولة إلى فتاة، ويا لها من فكرة ممتازة لنفض الغبار عن هذا النوع من الأفلام التي لطالما كانت محصورة في الرجال. الممثّلة مارغريت كوالي (ابنة الممثّلة الشهيرة آندي ماكدويل) التي تضطلع بدور تريش تستحق جائزة أفضل ممثّلة عن دورها هذا، فهي تحمل الفيلم على كتفيها، وترفعه إلى مصاف آخر. وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي بذلته دوني للخروج بعمل يحمل حسيتها السينمائية وعطشها إلى الإنخراط في ثقافات بعيدة، فالفيلم يدين بالكثير إلى مارغريت كوالي ليس فقط على مستوى التمثيل بل لأنها صانعة الإيقاع. 

"نوستالجيا" نابولي

"نوستالجيا" للإيطالي ماريو مارتوني ترك صدى طيباً عند كل من شاهده في "كان" هذا العام. الفيلم المشارك في المسابقة هو اقتباس لرواية لإيرمانو ريا يقتحم أزقة مدينة نابولي التي يتحدر منها المخرج، ليصورها كما لم تصور من قبل. والأهم أنها تحضر على الشاشة بعيداً من الصورة النمطية التي تجسدت في أفلام لسينمائيين لا يحملونها في قلوبهم كما يفعل مارتوني. في دورة تنطوي على الكثير من الأعمال التي وقعت في الإطالة والمطّ والنهايات التي لا تنتهي، شكّل الفيلم حالة مختلفة من فن تقطيع أوصناعة ايقاع والتقاط زبدة الأفكار وخلاصتها، الأمر الذي افضى إلى فيلم جماهيري لا يتسبب بأي ملل، وفي الحين نفسه يقول أفكاراً كبيرة عن الإنسان. وهذا يأتي من الفهم الذي لدى مارتوني عن السينما، إذ يقول في مقابلة أجراها سامي عبدالله معه: "السينما فنّ جماعي يتوجّه إلى طبقات المجتمع كلّها، على اختلاف اهتمامات الناس وأهوائهم. حتى من دون أن يعوا ذلك، فإن الفنّ يُغيرهم. أن تجلس في صالة أمام شاشة، فهذا عملية تغييرية. لعلّه لقاء بينك وبين الآخرين. كذلك عندما نطالع كتاباً، هناك دينامية في الكتاب، وهذا يجعلنا أحياء. جوزف بويز يقول: كلّ إنسان فنانٌ على طريقته".

الحكاية عن رجل خمسيني يُدعى فيليشه (بيارفرنتشيسكو فافينو) يعود إلى نابولي للإهتمام بأمه المحتضرة، بعدما كان غائباً عنها منذ أربعين عاماً. ما السبب الذي جعله يبتعد عن مدينة طفولته الجميلة التي تشبه المدينة التي هرب اليها (القاهرة) وأسس فيها حياة جديدة؟ هذا السبب نكتشفه تباعاً، ويتوضح في مشهد لقائه بأحد الرجال الخطرين الذي يسيطر على المدينة مع أزلامه ولا أحد يستطيع ردعه. هناك فقط قسيس يواجه هيمنة هؤلاء العصابات وتنشأ بينه وبين فيليشه علاقة معينة. يجوب الأخير شوارع مسقطه، ليبحث عمّا تغير فيها مذ غادرها مراهقاً. سيدرك أنها لا زالت كما كانت، أقله في الصورة التي يملكها عنها في ذهنه. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بطلنا العالق في الماضي لا يمكنه التخلص من هذا العبء إلا إذا تصالح معه او واجهه. التجربة التي يعيشها في هذه الأيام القليلة التي نتابعه فيها وهو يعود إلى رحم أمه، هي تجربة صوفية بالنسبة له، ومارتوني ينقلها إلينا من خلال مزج صور الحاضر بصور الماضي في سلسلة استعادات زمنية. الفيلم يحمل هوية إيطالية، تصويراً وتمثيلاً وكتابة سينمائية، وفي كل التفاصيل التي نراها في الشارع النابوليتاني الذي تسيطر عليه الشلل، ورغم ذلك يبقى مكاناً دافئاً وحنوناً. الماضي مصدر ألم عند مارتوني، والأسوأ عندما يعود ليلقي بظلاله القاسية على الحاضر. 

مشاركة الفيلم في مسابقة مهرجان "كان" إعتراف ولو متأخر بموهبة مارتوني في تصوير بلاده طولاً وعرضاً، هو الذي لم يحظَ يوماً باعتراف بموهبته، بالرغم من انه قدّم ما لا يقل عن عشرة أفلام في العقود الثلاثة الأخيرة من حياته. إلا إن أكثر ما لفتني في الفيلم هو أنه يُفتتح بجملة لبيار باولو بازوليني يقول فيها ما معناه أن التائه وحده يعثر على ذاته، ويُختتم بمشهد ليس مختلفاً عن المصير الذي لقيه صاحب "تيوريما". 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما