فيما يتواصل ورود التقارير حول مطلق النار في بوفالو [مدينة في ولاية نيويورك الأميركية] واعتناقه خطاب القومية البيضاء الذي عبّر عنه من خلال بيان مفصّل شرح فيه مخططه والتفكير الذي حدا به إلى ارتكاب الاعتداء الرهيب يوم السبت، تتجه أصابع كثيرة إلى شخصيات من اليمين تعتنق الأفكار ذاتها وتتهمها بتسهيل نشر هذا النوع من العنصرية.
وأودت حادثة إطلاق النار يوم السبت بحياة عشرة أشخاص وأصابت آخرين بجروح في حيّ تقطنه غالبية من السود، بعدما أطلق متهم يبلغ من العمر 18 سنة النار بنيّة قتل أكبر عدد ممكن من السود، كما زعمت التقارير. وكانت الحادثة هي الأحدث ضمن سلسلة من الاعتداءات المستوحاة من خطاب اليمين المتطرف حول قضايا العرق والهجرة.
وفي بيان أكدت وسائل إعلامية عدة أنه عائد إلى المتهم بإطلاق النار، يربط الشاب ذو الأعوام الـ18 بكل وضوح أهدافه من وراء تنفيذ العملية برغبته بعكس المسار الذي سمّاه حائكو النظريات والمؤمنون بتفوق العرق الأبيض بـ"نظرية استبدال البيض". وتقوم هذه النظرية باختصار بنشر اعتقاد كاذب بأن الديمقراطيين يسعون إلى استبدال الأميركيين البيض بمهاجرين لاتينيين وبشعوب ملوّنة أخرى في محاولة لتغيير جمهور الناخبين الأميركي كلياً.
ويشير الخبراء منذ فترة بعيدة إلى أن هذه النظرية هي التي ألهمت عدداً من هجمات اليمين المتطرف، ومنها مجزرة المسجد التي وقعت في كرايست تشرتش، نيوزيلندا، عام 2019 - وقُتل خلالها 51 شخصاً - كما حادثة إطلاق النار داخل مركز تجاري في إل باسو، تكساس، في وقت لاحق من تلك السنة، التي أودت بحياة 23 شخصاً.
عادت هذه النظرية لتتصدّر الجدال مرة جديدة، إذ قيل إن مطلق النار المزعوم في بوفالو عزا توجهه نحو التطرف إلى المنتديات الإلكترونية اليمينية المتطرفة مثل 4chan وغيرها من المواقع الإلكترونية التابعة للمؤمنين بتفوّق العرق الأبيض، وإلى البيان المنتشر على الإنترنت لبرنتون هاريسون تارانت، الرجل المُدان بعملية إطلاق النار في نيوزيلندا.
وفيما يبدو بأنّ متهم بوفالو أوضح أنه أصبح متطرفاً من خلال الإنترنت، يجري التدقيق مجدداً في كلام تفوّهت به أهم الشخصيات المحافظة في الحياة الواقعية، على ضوء حادثة إطلاق النار.
ويتصدّر لائحة المروجين للنظريات المشابهة، تاكر كارلسون، مقدّم برامج وقت الذروة على قناة "فوكس نيوز"، الذي تقول صحيفة "نيويورك تايمز" إنه تناول مسألة "الاستبدال" السكاني، بكلماته [على طريقته ومن تلقاء نفسه] في مئات الحلقات بما يفوق 50 ساعة من المحتوى.
وفي مثال واضح وصريح عن هذه النقطة، قال في إحدى حلقات برنامجه في سبتمبر (أيلول) "أعلم بأن اليسار وكل الحراس الصغار على تويتر يفقدون صوابهم حرفياً عندما يستخدم المرء عبارة 'استبدال' أو يلمّح إلى أن الحزب الديمقراطي يحاول استبدال الناخبين الحاليين، الذين يحق لهم الاقتراع الآن، بأشخاص جدد وأكثر إذعاناً له، من العالم الثالث. ولكن سبب فقدانهم صوابهم هو أن هذا هو ما يحدث فعلاً. فلنقلها بصراحة: هذا صحيح".
ودعا معلقون كثر ممن لديهم ميول يسارية، كما صحافيين يغطون شؤون اليمين المتطرف شبكة "فوكس" إلى التحرّك [اتخاذ خطوات] حيال تعليقات كارلسون.
ودافعت المحطة مراراً وتكراراً عن نجم برنامج "وقت الذروة" ولفت متحدث باسمها يوم الأحد إلى إدانة المضيف سابقاً لـ"العنف السياسي" عبر برنامجه.
وقد صرّح في يناير (كانون الثاني) "لا شك في أننا ضد العنف والإرهاب منذ اليوم الأول الذي بدأ فيه عرض البرنامج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن الخبراء المتخصصين في مواضيع الكراهية والتضليل المعلوماتي يوافقون على أن الخطاب الذي اعتمده كارلسون وغيره من الشخصيات المناصرة للجمهوريين يسهم في جعل هذه الأفكار العنصرية سائدة أكثر.
ومن الشخصيات السياسية المحافظة الأخرى التي واجهت انتقادات شبيهة في الآونة الأخيرة إليز ستيفانيك، رئيسة تجمع الجمهوريين في مجلس النواب، وبلايك ماسترز، المرشح لمقعد مجلس الشيوخ في ولاية أريزونا، الذي نشر مقطع فيديو لنفسه يندد فيه بخطط شبيهة وضعها الديمقراطيون لإحضار "عشرات ملايين" المهاجرين غير الشرعيين بغية إعطائهم الحق بالتصويت بعد ساعات قليلة من وقوع حادثة بوفالو.
وتودّد آخرون من اليمين المتطرف إلى شخصيات قومية بيضاء وتقربوا إلى خطابها منذ فترة أبعد حتى. في وقت سابق من العام الحالي، وُجّهت انتقادات قاسية للنائبة مارجوري تايلور غرين على خلفية حضورها مؤتمراً استضافه القومي الأبيض نيك فوينتس، الذي يُعتبر من أكبر المروجين لنظرية الاستبدال وقد حضر أعضاء آخرون من الكونغرس، مثل بول غوسار، هذه الفعالية وفعاليات مشابهة لها في الماضي كذلك.
قال الدكتور ماثيو أواري من جامعة ريتشموند، خبير قضية الهوية داخل مجتمع السود والمتخصص في شؤون مناهضة العنصرية، لـ"اندبندنت" إن الخطاب الذي يروّج له السيد كارلسون وغيره قائم على "بث الرعب" واستغلال الألم في المجتمع لصالحه أو من أجل إيجاد تفسير لمشكلات المجتمع.
ومما قاله الدكتور أواري في المقابلة "إلى أن نجد طرقاً للتعامل مع الألم الذي يشعر به الأفراد في مجتمعنا (ومجتمعات أخرى)، سوف نستمر برؤية حوادث عنف متطرفة، ودينية ومعادية للمثليين وللنساء في كل أرجاء العالم. أعتقد بأنه علينا أن نسأل المتألمين عن سبب معاناتهم، وسبب تحويلهم هذا الغضب الذي يشعرون به نحو فئات معينة من السكان".
وبخصوص مسألة كارلسون، لفت الدكتور أواري إلى أن محطة "فوكس نيوز" تستغل غضباً أقدم بكثير استمر خلال رئاسة أوباما كذلك.
وشرح أن "العنصرية التي يبثّها كانت موجودة قبله وهي حاضرة في المجتمع الأميركي منذ بعض الوقت. أثناء تولّي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة، قام ديلان روف (شاب أبيض آخر) بقتل عدد من الأشخاص السود داخل كنيسة في كارولاينا الجنوبية. إن الغضب العنصري موجود قبل كارلسون. كل ما يفعله تاكر هو الاستفادة منه فقط".
يختلف كثيرون حول طريقة التعامل مع الخطاب الذي ينشره اليمين المتطرف بشكل متزايد. ودعا بعضهم، ومن أبرزهم المجموعة الليبرالية ميديا ماترز Media Matters، إلى طرد كارلسون من التلفزيون أو إلى تكبيد محطة "فوكس" نفسها خسائر مالية من أموال الدعايات التي تدفعها شركات لا ترغب بربط نفسها بهذا النوع من الرسائل.
ولكن الدكتور أواري رد بأن الحلّ لا يكمن في حرمان هذه الجهات من منبر تعبّر من خلاله عن رأيها، "لدي اعتقاد قوي بأنه يجب ألّا يُطرد تاكر كارلسون من برنامجه، ويجب ألّا تُفرض أي رقابة على خطابه بأي طريقة كانت. إنه خطاب عنصري ويروج لكراهية الأجانب وهو مريع بلا أي شك. ولكن يجب تحديه ومعارضته بالطرق الممكنة كافة وليس إسكاته عنوة. يجب التصدي للأفكار التافهة عن طريق دلائل قائمة على الوقائع وليس الاكتفاء بإزاحتها أو إسكاتها بالصراخ".
وتابع "يجب التصدي لأفكار تاكر كلما سنحت الفرصة لذلك، لكي يعلم هو (وغيره) بأن هذا الخطاب سيثبت زيفه كل مرة".
لكن آخرين مثل رابطة معاداة تشويه السمعة Anti-Defamation League، تبنّوا رد الفعل المعاكس تماماً وهم يدعون الديمقراطيين لسنّ تشريع يهدف إلى محاربة المعتقدات القائلة بتفوق العرق الأبيض سواء على التلفزيون أو على الإنترنت.
وقال رئيس الرابطة جوناثان غرينبلات يوم الأحد "هذا هجوم جديد ومتوقع قام به شخص يجاهر بإيمانه بتفوّق العرق الأبيض تشرّب نظريات المؤامرة المليئة بالحقد عن الإنترنت، ثم انتقل لتنفيذ عمل عنيف استهدف هذه المرة ضحايا من السود. لا يمكننا الاستمرار بالتراخي أمام هذا التهديد المستمر والخطير على الأمن القومي. يجب بذل مزيد من الجهد – فوراً - من أجل التصدي للعنف العنصري والمعادي للسامية الذي يطرحه اليمين المتطرف".
وأضاف "نحن نحتاج من قادتنا المنتخبين على كل المستويات أن يتمتعوا بالإرادة السياسية لكي يقرّوا قوانين هادفة، يمكنها تحميل كل المتورطين بنشر نظريات المؤامرة عن تفوّق العرق الأبيض مسؤولية أفعالهم وردع الإرهابيين العنيفين المحتملين قبل أن يرتكبوا جريمة".
لا يزال كارلسون مقدم البرامج التلفزيوني الأكثر متابعة على المحطات التلفزيونية المدفوعة في أميركا، ويشمل جمهوره الفئات العمرية الأصغر. وإجمالاً، تتقدم محطة "فوكس" على الشبكتين المنافستين لها، "سي إن إن" و"إم إس إن بي سي"، في حرب نسب المشاهدة على الرغم من أن منافسيها صاروا يعبّرون صراحة عن النزعة اليمينية لمقدمي برامج الرأي في المحطة.
يوم الأحد، لم يتوجه مراسل شبكة "سي إن إن" براين ستيلتر مباشرة إلى المحطة التي غالباً ما ينتقدها ولكنه أبرز من خلال الأخبار التي أعاد نشرها عبر "تويتر" بأن الشبكة ذات الميول اليمينية لم تذكر بيان مطلق النار على برنامج "ميديا باز" MediaBuzz ولا عبر تغريدة كارلسون على "تويتر" في 1 مايو (أيار) التي سخر فيها من تحقيق صحيفة "تايمز" في استخدامه خطاباً يمكن اعتباره تبنّياً واضحاً لـ"نظرية استبدال البيض".
أوقفت الشبكة في وقت سابق مقدمة برامج أخرى هي جانين بيرو عن العمل مؤقتاً عام 2019 على خلفية تعليقاتها المشككة بوطنية عضو الكونغرس المسلمة السوداء إلهان عمر.
نشرت اندبندنت هذا المقال في 17 مايو 2022
© The Independent