شنّت قيادات في الحزب الجمهوري الأميركي ووسائل الإعلام المقربة من "الحزب الكبير القديم" (GOP)، مثل شبكة "فوكس نيوز"، ورموز تيار اليمين المتطرف الأميركي، حملةً على ما أعلنه البيت الأبيض من تشكيل وزارة الأمن الوطني "هيئة حوكمة التضليل المعلوماتي"، لمواجهة "الدس والتلفيق الضار على وسائل التوصل".
وكانت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، قد ذكرت في الإيجاز الصحافي ليوم الخميس، 28 أبريل (نيسان) الماضي، أن الهيئة ستركز على مكافحة التضليل والمعلومات الكاذبة في قضايا مختلفة. وقال وزير الأمن الوطني الأميركي، أليخاندرو مايوركاس، إن "أحد أهداف تشكيل الهيئة هو مواجهة نشر المعلومات الكاذبة في أوساط الجاليات الإسبانية في الولايات المتحدة". وذكرت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية أن "هيئة التضليل المعلوماتي ستركز عملها على محاولة مكافحة نشر الأخبار الكاذبة، بخاصة تلك القادمة من روسيا والمعلومات المضلِّلة حول القضايا المتعلقة بالحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك".
وسترأس الهيئة خبيرة التضليل المعلوماتي نينا جانكوفيتش، المتخصصة في الشأن المعلوماتي الروسي ومستشارة الحكومة الأوكرانية في مسائل الاتصالات الاستراتيجية.
وعلى الرغم من أن ساكي قالت في مؤتمرها الصحافي، إن "هدف الهيئة هو منع انتشار المعلومات والأخبار الكاذبة بين عدد من الجاليات، ولست أرى مَن يعارض ذلك"، فإن الجمهوريين أبدوا معارضة شديدة. ولم ترد وزارة الأمن الوطني على استفسارات وكالة "أسوشيتد برس"، بشأن الهيئة الجديدة ونطاق عملها.
"ما للآخرين ليس للتطبيق علينا"
وكان مسؤولون في البيت الأبيض، إضافة إلى المتحدثة باسم إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، قد صرحوا بأن الحكومة تسعى إلى إلغاء القانون الذي يعفي شركات التكنولوجيا – بخاصة مواقع التواصل – من المسؤولية القانونية عما يبثه مستخدموها عبرها. وكانت مواقع مثل "فيسبوك" و"تويتر"، وغيرهما، قد تعرضت للضغط بسبب المعلومات المضللة حول فيروس كورونا التي عرقلت الإجراءات الحكومية لمكافحة انتشار الوباء. واستُدعي مؤسس "فيسبوك"، مارك زوكربرغ، للشهادة أمام الكونغرس بشأن ذلك "التضليل المعلوماتي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
طبعاً، كانت حملة الانتقادات التي طاولت الهيئة الجديدة أشد من جانب وسائل الإعلام المحافظة والقريبة من اليمين المتطرف، لكن سياسيين جمهوريين اعترضوا عليها أيضاً. وقال السيناتور الجمهوري روب بورتمان، عضو مجلس الشيوخ عن أوهايو، عضو لجنة الأمن الوطني والشؤون الحكومية، في بيان، "بما أنني مَن وضع القانون الذي أدى إلى تكوين مركز التواصل العالمي لمكافحة تهديدات الدعاية السياسية الأجنبية والتضليل المعلوماتي والأخبار الكاذبة في الخارج، لا أعتقد أن على الحكومة الأميركية أن تستخدم الأدوات نفسها التي استخدمناها لمساعدة حكومات في دول حليفة على مواجهة أعدائها، وتطبقها على الشعب الأميركي".
وعلى موقع مؤسسة التعليم الاقتصادي "في دوت أورغ"، أشار مدير تحريرها جوناثان ميلتيمور، الذي عمل سابقاً ضمن فريق كتابة الخطابات للرئيس الجمهوري جورد دبليو بوش، إلى انتشار مصطلح "وزارة الحقيقة" على موقع تويتر بعد الإعلان عن تشكيل هيئة التضلي المعلوماتي. وربط ميلتيمور بين إعلان وزارة الأمن الوطني، التي تصل ميزانيتها السنوية إلى 52 مليار دولار، تشكيل الهيئة وموافقة مجلس إدارة "تويتر" على عرض الملياردير إيلون ماسك لشرء الشراء الشركة. ولفت إلى أن "منتقدي الصفقة، بخاصة مع نية ماسك في حال إتمامها تحويل "تويتر" إلى شركة خاصة، يرون أن الموقع سيصبح منصةً للتضليل المعلوماتي والأخبار الكاذبة".
ونقل الكاتب تعليقات مغردين يقارنون بين قرار الحكومة الأميركية وما جاء في رواية الكاتب الإنجليزي جورج أورويل "1984" عن حكومة ديكتاتورية تعيد صياغة الخطاب العام وتغيّر اللغة تماماً، بحيث تُستخدَم مصطلحات عكس الحقيقة وعكس ما تفعله الحكومة في الواقع. وتتولى تلك المهام "وزارة الحقيقة" التي تقوم حصرياً بنشر الأخبار والمعلومات التي يريدها الديكتاتور (الأخ الأكبر).
ويخلص ميلتيمور في مقاله إلى الاندهاش من "إفاقة الحكومة الأميركية بعد كل هذه السنين لتحاول القضاء على الدس والتضليل المعلوماتي والأخبار الكاذبة التي تملأ الإنترنت. فجورج أورويل بنى روايته على نموذج النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي. وما زالت روسيا والصين مثلاً تنشران المعلومات المضللة وأنصاف الحقائق حتى يصعب على العلماء والباحثين معرفة ما يجري حقاً في هذين البلدين".
أما السخرية الحقيقية، التي عبّر بها الكاتب عن رأيه، وتتسق مع تعليقات كثيرين من أمثاله من المعلقين، فهي المفارقة بين إنشاء الحكومة هيئة لمكافحة التضليل المعلوماتي "مع أن التاريخ يثبت أن أكثر مَن يصدر المعلومات المضلِّلة والدعاية المغرضة بفاعلية عالية هي الحكومة".