Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تنظيم المونديال قد لا يكون كافيا لتحقيق أهداف قطر الاقتصادية

تسعى الدوحة لتنويع اقتصادها باستثمار كأس العالم للترويج للفرص الاستثمارية والسياحية في ظل منافسة إقليمية شرسة

أنفقت قطر أكثر من 200 مليار دولار للتحضير لكأس العالم (غيتي)

منذ أن رفع جوزيف بلاتر، الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم، في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 2010 الورقة التي تحمل اسم "قطر" معلناً نيل الدوحة حقوق استضافة مونديال كأس العالم 2022، والدولة الخليجية الصغيرة تبذل أموالاً طائلة في سبيل استثمار مناسبة الـ28 يوماً التي تقام فيها البطولة من أجل تنويع اقتصادها واستغلال المناسبة للترويج للفرص السياحية والاستثمارية في البلاد، رغبة منها في تحقيق التنويع الاقتصادي بعيداً عن الثروة التقليدية.

إلا أن أسئلة حول جدوى تلك الاستضافة وما بعدها تدور بالنظر إلى حجم المنافسة الإقليمية، فضلاً عن الكلفة على صورة البلاد بعد مقتل قرابة الـ6 آلاف عامل مهاجر بسبب إهمال، بحسب ما تقول منظمات دولية، إضافة إلى شبهات الفساد التي لاحقت إعطاء الحقوق من قبل بلاتر المتورط في مثل هذا النوع من الصفقات، الأمر الذي يجعل جدوى هذا الاستثمار والمكاسب المستدامة محط شك.

229 مليار دولار

لكن هذا ليس مهماً اليوم، الدوحة تجاوزت كل تلك الأحاديث بإنفاق ما يفوق الـ229 مليار دولار على مشروعات البنية التحتية، ليس من أجل شهر العسل الكروي وحسب، بل حتى لجعلها مركزاً إقليمياً للأعمال ومهوى لأفئدة كبار اقتصاديي العالم، في سعيها لمنافسة دول مجاورة قطعت مشواراً طويلاً في هذا الطريق، الرياض ودبي اللتان تحثان الخطى بشكل منفرد وأسلوب مختلف لنفس الهدف.

هذا الأمر يطرح سؤالاً جوهرياً، هل تمت مراعاة هذه الرغبة أثناء التخطيط للمونديال؟ أجاب عنه مسؤول حكومي لوكالة "رويترز"، حين قال إن "تخطيط أغلب الأعمال تم بشكل منفصل مع سعي قطر لتنويع أنشطتها الاقتصادية غير المعتمدة على الطاقة، إذ تسير جهود التحول إلى مركز إقليمي للأعمال وزيادة عدد السياح ثلاثة أضعاف، ليبلغ ستة ملايين سائح سنوياً بحلول 2030 بشكل مستقل عن مشاريع كأس العالم".

المنافسة مع جارتيها على تلك الأهداف تبدو صعبة نوعاً ما ظاهرياً، بخاصة أن جارتها الكبرى السعودية التي أعلنت في فبراير (شباط) 2021 بأن "الرياض تعتزم إيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة خارج البلاد، ابتداء من عام 2024"، أي بعد عامين من استضافة المونديال.

ولم يمضِ على القرار الحكومي السعودي 9 أشهر حتى أعلنت السعودية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 عن اتخاذ 44 شركة عالمية الرياض مقراً لأعمالها الإقليمية في خطوة توفر 30 ألف وظيفة تقريباً، وتسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي بمليارات الدولارات.

ليس بعد، فالسعودية التي تشترك مع قطر في أهداف رؤيتيهما (عدم الاعتماد على النفط - وعدم الاعتماد على الغاز) كمصدر ثروة وحيد قبل حلول 2030، تستهدف جذب 480 شركة تكون الرياض عاصمة اقتصادها، وهذا هدف وإن كان صعباً إلا أن الرياض ماضية فيه عبر حرمان الشركات التي لا تقدم على ذلك من كعكة السوق السعودية، وترغيب من تضع حقيبتها في العاصمة بتسهيلات وحوافز كبرى كالإعفاء من ضريبة الدخل لـ50 سنة وفق ضوابط.

الجيران ينافسون على الكعكة نفسها

ففي الوقت الذي تضع فيه أكثر البلدان تصديراً للنفط، السعودية، خططها نحو تنويع مصادر دخلها وعدم الاعتماد على نفطها، تبدو الإمارات عبر دبي منافساً وحيداً بسبب عصريتها التي تجعلها تشبه وافديها من الشركات والكفاءات من كل أنحاء العالم، ذلك لأنها لم تعان من إرث ديني قوض خطواتها كجارتها الكبرى في فترة سابقة.

وإضافة إلى تجربة أبوظبي التي وبحسب الإعلان الرسمي، نجحت في جذب نحو 140 مقراً إقليمياً لشركات عالمية في ثلاثة عقود، وهو الأعلى في منطقة الشرق الأوسط.

لكن ومع اقتراب تنظيم مونديال كأس العالم 2022، تبرز الدوحة كثالث تلك المدن الساعية نحو بلوغ الأعوام المجيدة التي لا تعتمد فيها البلدان باقتصادها على جوف الأرض.

وفي ذروة ازدهار أعمال البناء في عام 2016، أنفقت قطر 18 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على البنية الأساسية، وهو مبلغ ضخم يتضاءل أمامه ما أُنفق على التحضير لبطولات كأس العالم السابقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولأن ضوء الأرقام وصوتها بات جهيراً في مضامير المنافسة، أعادت تقارير صحافية ما أنفقته بلدان سبقت الدوحة في استضافة المحفل العالمي، وهي أرقام تبدو متفاوتة وصادمة مقابلها، فجنوب أفريقيا مثلاً أنفقت 3.3 مليار دولار على البنية الأساسية أثناء التحضير لبطولة عام 2010، والبرازيل انفقت نحو 11.6 مليار دولار على البنية التحتية حين استضافت مونديال 2014، لكن قطر باتفاقها فاقت ما أنفقته الدولتان بأضعاف كثيرة حين أنفقت 229 مليار دولار.

ما هي خطة التشغيل بعد المونديال؟

قطر التي تضم أكبر قاعدة عسكرية أميركية لم تنفق بسخاء على ملاعب كرة القدم وحسب، بل أيضاً على القطارات السريعة وشبكة مترو الأنفاق وعلى ميناء على مياه عميقة ومطار ضخم.

في العقد الماضي وعامان نسير فيهما باتجاه نوفمبر (تشرين الثاني) الذي يقترب، شيدت خلالهما قطر فنادق كبرى ومتاجر تحاكي تلك التي في بلدان دول أوروبية استعداداً لاستضافة أكثر من مليون و200 ألف زائر.

في الشهر الماضي اُفتتح مركز "بلاس فاندوم" للتسوق، الذي يضم 600 متجر. ويحاكي المركز مناطق التسوق في باريس وتصل إليه قناة مائية للمتسوقين الذين يصلون بالمراكب، ويحوي مطعماً في الهواء الطلق يطل على نوافير مياه راقصة، وجناحاً للمتاجر الفاخرة يضم فرعين عملاقين لـ"كريستيان ديور" و"لوي فيتون".

إلا أن هذه المدن والأجنحة الفندقية الفاخرة، قد تغدو خاوية على عروشها بعد انتهاء البطولة ومع رحيل الزوار، مع عدم إفصاح قطر عن أي خطة تشغيلية لها، إذ يقول روبرت موجيلنيكي، الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن "الأمر يتطلب تفكيراً عميقاً وجهداً كبيراً لتشغيل كثير من هذه البنية الأساسية كي تخدم أغراضاً أخرى بعد بطولة كأس العالم".

لكن مسؤولاً حكومياً قال لـ"رويترز"، إن الدوحة ترى أن أول بطولة لكأس العالم تقام في منطقة الشرق الأوسط "قاعدة انطلاق تسويقية" للزوار في المستقبل. وهو بتصريحه يهوّن من تلك التوقعات السوداوية دون أي إفصاح عن خطة ما لما بعد نوفمبر المقبل.

ومما يزيد من حالة التفاؤل القطري، يرى القطريون في تجربة جنوب أفريقيا مثالاً مشرقاً، كما قال المسؤولون، إن بطولة كأس العالم لعام 2010، أطلقت ازدهاراً سياحياً، وإن عدد الزوار زاد باطراد ليبلغ في أعلى مستوياته قبل جائحة فيروس كورونا 10.2 مليون زائر في 2019، عندما أسهمت السياحة بنحو عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

كارثة الإنشاءات 

يقود ازدهار قطاع الإنشاءات الذي تشرف عليه الدولة النشاط الاقتصادي غير المعتمد على الطاقة. ويمثل القطاع 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً للتوقعات الاقتصادية لجهاز التخطيط والإحصاء القطري لعام 2022-2023، ويعمل في قطاع الإنشاءات نحو نصف القوى العاملة في قطر، ما أسهم في زيادة عدد السكان بنسبة 67 في المئة منذ 2011.

لكن مع انتهاء ثورة الإنشاءات بعد المونديال سيتباطأ النشاط الاقتصادي غير المعتمد على الطاقة على الرغم من السعي لتنويع الاقتصاد الذي يهدف إلى تحقيق اكتفاء ذاتي.

وتقول شركات عقارية ومحللون عقاريون، إن الطلب الراهن على الوحدات السكنية قوي ومن المتوقع أن يزداد قوة مع بدء البطولة، لأن عديداً من الشقق والفيلات الجديدة تم تجنيبها لاستضافة المشجعين في 64 ألف غرفة على الأقل على مستوى البلاد، لكن هناك مخاوف من أن تتكدس الوحدات الخالية في السوق لدى طرحها بعد البطولة.

المزيد من رياضة