Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تكون الحرب العالمية الثالثة اقتصادية؟

خبراء: منظمات التجارة إلى زوال... والنزاعات عززت المخاطر

كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي مع وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لبلدان مجموعة العشرين في فوكوكا باليابان (رويترز)

طغى القلقُ على ملامح وزراء مالية دول "مجموعة العشرين" خلال لقائهم الأسبوع الماضي في مدينة فوكوكا الساحلية اليابانية، التي تُوصف بأنها بوابة التجارة لقارة آسيا، ويدرك هؤلاء حسب أوساطهم، أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عازمٌ على إعادة كتابة قواعد التجارة الدولية لمصلحة الولايات المتحدة، وأنه لن يتراجع عن عزمه على إحداث هذا التغيير، خصوصاً بعد إعلانه فرض رسوم جمركية على منتجات الصين، وانهيار المحادثات التجارية معها، ولجوئها هي الأخرى إلى فرض تعريفات جمركية على المنتجات الأميركية.

ويُضاف إلى ذلك، تلويح ترمب بتعريفات جمركية على المكسيك والهند وأستراليا. أمَّا "المفوضية الأوروبية" فوضعت قائمة بمنتجات أميركية تعتزم فرض رسوم عليها بنسبة 25%، رداً على رسوم واشنطن على واردات الصلب والألمنيوم الأوروبية والتلويح بتعريفات على صناعة السيارات الأوروبية.

إعادة تشكيل
المتابعون يتخوفون من تحول الحرب التجارية القائمة إلى حرب اقتصادية عالمية. فهل تخوّفهم في محله؟ د. جهاد نادر بروفسور الاقتصاد المالي ونائب رئيس الجامعة الأميركية في دبي، لا يحبّذ وصف "حرب اقتصادية عالمية،" وقال لـ"اندبندنت عربية" إن "جميع الدول يمر بضائقة اقتصادية بدرجات متفاوتة، لكن الاقتصادات الكبرى ستجد نفسها بحاجة إلى تثبيت موقعها بشكل مختلف عمّا كانت عليه في القرن الماضي، أي أن المنظمات والمؤسسات التجارية التي تشكّلت، وطريقة التعامل التجاري بين الدول، لم تعد تخدم أهداف الدول الكبرى بشكل خاص، مثل مجموعتي الدول السبع أو الدول العشر".

وداعاً للعولمة
ويرى د. نادر أن "الرئيس ترمب يعيد كتابة قواعد التجارة الدولية لمصلحة بلاده".

ويقول، "أنا لا أدعم سياسة بعينها، لكن كخبير اقتصادي أرى أن ما قام به الرئيس الأميركي غير مألوف في نقضه وتخليه عن عدد من التحالفات المهمة، التي كانت قائمة في الماضي. وعموماً إن كثيراً من الاتفاقات، التي كانت قائمة خدمت الدول الأخرى أكثر مما خدمت الولايات المتحدة".

ويضيف، "يحاول ترمب فرض أمر واقع يخدم الاقتصاد الأميركي. فمنذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في العامين 2007 و2008 حدثت أمور جذرية هزَّت أسس الاقتصاد العالمي. واليوم، انتهى مفعول العولمة بمفاهيمها السياسية والاجتماعية والثقافية والتجارية والاقتصادية، وشارفت على الانهيار. ومع هذا الانتهاء ستنتهي أيضاً صلاحيات تلك المنظمات والمؤسسات التجارية التي قامت عليها".

المصالح الوطنية
واعتبر نادر أن "العولمة لم تكن حركة طبيعية، فبعد الحرب العالمية الثانية كان هناك اتجاهٌ نحو تحرير الاقتصادات العالمية للتخلص من رواسب الحرب، مثل العداء والمقاطعة بين الدول، وبالتالي، كانت العولمة علاجاً مطلوباً لوضع كان قائماً في ذلك الوقت. ولو استعرضنا التاريخ، سنجد على سبيل المثال أنه كان هناك المجتمع الاقتصادي الأوروبي، وبعد ذلك تحوَّل تدريجياً إلى الاتحاد الأوروبي، وهو تكتل شبه سياسي لم يرقَ إلى الوحدة المطلقة. لكن لديه بنك مركزي وبرلمان ومفوضية، وبالتالي كل المنظمات والمؤسسات، التي تشكَّلت بعد الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى مطلع القرن الماضي وبداية هذا القرن، يتضح المنطق من وراء تأسيسها، وهذه التركيبات انتهت صلاحيتها اليوم، لأن الدول الكبرى عادت تنظر إلى مصالحها الخاصة، إذ نشهد مستويات حمائية غير مسبوقة.

 

وتابع، "ما يقوم به ترمب قد تنتج عنه تركيبة جديدة للاقتصاد العالمي، ستخدم الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، في مقابل اقتصادات منافسة للاقتصاد الأميركي، مثل الصين ومجموعة (بريكس) التي تضم روسيا والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل والهند، وهي اقتصادات قوية، علماً أنني لا أرى مستقبلاً للمجموعة".

أسباب تاريخية
ويرى في المقابل، فيليب عامر شيط الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لـ"إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة لغرب آسيا" التابعة لـ"إسكوا"، أن "الحرب التجارية قائمة، لكن على مستوى بسيط، وهي تعكس رغبة واشنطن في تغيير قواعد التجارة الدولية، التي وضعتها بنفسها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حين خرجت المنتصر الأكبر منها. فمصانعها القوية كانت تنتج طائرات ومدافع ودبابات، في وقت كانت فيه جميع الدول الأوروبية مدمّرة، والاتحاد السوفييتي مصاب بخسائر بشرية، واليابان منهارة بفعل قنبلتين نوويتين والصين تعاني أيضاً".

ويوضح، أن "أميركا وضعت سياسات تخدم انتصارها من خلال اعتماد مبدأ حرية التجارة لتصريف منتجاتها، إذ إن كثيراً من تلك المنتجات أصبح يسمى بأسماء شركاتها. وفي المقابل، سيطرت الولايات المتحدة على الممرات البحرية والمضائق الدولية (جبل طارق، مضيق ملقا، قناة بنما... إلخ) من خلال نشر أساطيلها البحرية لضمان حرية الملاحة، وتضاف إلى ذلك تحالفاتها النفطية واعتماد الدولار عملة مرجعية دولياً".

مراقبٌ ومعاقب
ويقول شيط إن "العالم اليوم يشهد ثورة تكنولوجية غيَّرت المفاهيم التقليدية، لا سيما في مجال الحواسيب والاتصالات، وكانت الولايات المتحدة رائدة في هذه الثورة التكنولوجية، التي برزت معها منتجات جديدة، وأصبحت شرق آسيا بمثابة معمل العالم".

ويشير إلى أن "انحسار دور النفط في الغرب، حيث تمكنت دوله من تخفيف اعتمادها عليه بعد أزمة السبعينيات، من خلال اعتماد سياسات ترشيد الاستهلاك، والبحث عن بدائل جديدة وبروز الطاقة البديلة، دفع بالولايات المتحدة، في إطار سعيها إلى المحافظة على ريادتها التقنية، إلى التحوّل من دولة هندسية إلى دولة محاماة، تقوم بمراقبة وملاحقة من يقوم بتقليد البرامج والأجهزة التي تنتجها، واستنبطت سلاح العقوبات، الذي يمكن مقارنته بأسلحة الدمار الشامل، ناهيك بتدمير العملات الوطنية للدول، التي يُفرض عليها حصار".

انعزال أميركي
لكن تطوّر الصين وبروز اقتصادات جديدة، مثل الهند والبرازيل وعودة روسيا بقوة، في ظل النزعات الأوروبية القائمة على الاستقلال تقنياً عن الولايات المتحدة (صناعة الطيران والتسليح)، قاد ذلك إلى تسريع الحرب التجارية.

ويعتبر أن "الرئيس الأميركي يسعى إلى وقف الصين وغيرها من الدول عن أن تكون المستفيد الأكبر"، وتوقّع أن يؤدي ذلك إلى انعزال أميركا ودخولها في سياسات انطوائية كثيراً ما كانت تقود إلى حروب في الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القضايا الأهم
لكنه اعتبر أن "تطور الأسلحة يجعل الحرب الشاملة غير ممكنة، فقد أضعفت الحرب العالمية الثانية أوروبا. أمَّا احتدام المنافسة فسيرفع من وتيرة عدم الاستقرار وقيام حروب بالوكالة، وسيعمق التوترات الدولية في الوقت الذي ظهرت فيه مشكلات جديدة في العالم كالاحتباس الحراري وتضرر التنوع الحيوي، التي تتطلب معالجة دولية. فالتلوث لا يقف عند حدود، ولا يمكن حرمان الشعوب من عبور الحدود لبناء مستقبلها".

وأشار إلى أن "التواصل في العالم أدّى إلى عولمة الحاجات، وأصبح ضرورة. أمَّا الحروب الاقتصادية فليست سوى ضياع للوقت وانحراف عن المشكلات الحقيقية، التي تعصف بالعالم، وينبغي على الدول المتطورة أن تكون المثل الذي يُحتذى لا العكس".

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد