Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب القوى الناعمة بين أميركا وإيران

تقرير: طهران توسع نفوذها وتنشر معلومات مضللة... وقوة واشنطن تكمن بالأسواق المفتوحة والصحافة الحرة

تصدر إيران أيديولوجيتها عبر وسائل رسمية وغير رسمية من محطات تلفزيونية ومنصات إعلامية دولية بلغات متعددة (موقع إيران بلا أقنعة)

حذَّر تقرير، صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بعنوان "الحرب الناعمة للولايات المتحدة مع إيران"، مما سمّاه الاهتمام الضئيل للغاية، الذي توليه الولايات المتحدة تجاه ما وصفه بقوة إيران الناعمة، التي تنخرط فيها طهران بقوة للتأثير معلوماتياً وأيديولوجياً في عموم الناس، وجمهور المتلقين حول العالم، استنادا إلى ما أعلنه رئيس جهاز الاستخبارات الإيرانية السابق حيدر مصلحي حين قال "لسنا في حرب مباشرة مع العدو، لكننا منخرطون في معارك معلوماتية وفكرية عنيفة مع العدو".

إيران توسع نفوذها
يقول، إن "إيران تعمل على توسيع نفوذها باستمرار عبر حملات دعائية منظمة، وتنشر معلومات مضللة ضد أميركا والسُّنة، محاولة تصدير الثورة الإسلامية وأيديولوجيتها عبر وسائل رسمية وغير رسمية من محطات تلفزيونية ومنصات إعلامية دولية بلغات متعددة، ومراكز ثقافية، وجامعات، وجمعيات خيرية ومنظمات إسلامية، ولا يقتصر تأثيرها في المجتمعات الشيعية بلبنان والعراق، بل يمتد إلى جيوب في غربي أفريقيا وأميركا اللاتينية".

ويشير التقرير، (أعدَّه سيث جونز مدير مشروع التهديدات الانتقالية بالمركز، وهو كبير المستشارين في برنامج الأمن الدولي، ودانيكا نيولي مديرة الباحثين في مشروع التهديدات الانتقالية أيضاً)، إلى أن "هذه الحرب الإيرانية المتواصلة منذ سنوات تعاني نقاط ضعف عديدة، منها مشكلات المصداقية، والفساد وقدرة الحكومات والشركات الغربية على تحديد واستهداف محاولات التأثير الإيرانية، فضلا عن إمكانية تعرضها للهجوم من قبل القوة الناعمة الغربية والأميركية على وجه الخصوص".

ونبه الولايات المتحدة "إلى ضرورة أن يكون المكوّن الرئيس في حربها الناعمة مع إيران فكرياً وأيديولوجياً".

ويعتبر، "أن القوة الكبرى لأميركا تتمثل في الأسواق المفتوحة والصحافة الحرة والديموقراطية، وهي نفس نقاط ضعف إيران، التي تعاني نظاماً سلطوياً، لديه تصوّر ذاتي بأنه يمثل طليعة الإسلام الشيعي، مما يعوق من شرعية رسالته، ويخلق مناخاً من الفساد وعدم الكفاءة".

ويطالب الولايات المتحدة والغرب عموماً بحشد الجهود لمواجهة إيران في حربها الناعمة، وليس التركيز فقط على الجوانب العسكرية والمالية والدبلوماسية.

الحرب الناعمة والقوة الناعمة
يرجع مفهوم "القوة الناعمة"، حسب التقرير، إلى قدرة دولة ما على إقناع آخرين بعمل ما تريد من خلال عامل الجاذبية، وليس عبر الإكراه أو الإغراءات الاقتصادية، التي يمكن وصفها بالقوة الصلبة.

فالقوة هي القدرة على التأثير في قرارات وأفعال الآخرين للحصول على نتيجة، تريدها دولة ما أو مجموعة ما أو شخص ما، والقوة الناعمة هنا تتعلق بتشكيل أولويات الآخرين عبر مشاركتهم في الاختيار، وليس إكراههم على الفعل.

يقول التقرير، "القادة الإيرانيون لم يكونوا ببساطة راغبين في إقناع الآخرين عبر عنصر الجاذبية، لكن كانوا دوماً ساعين إلى التأثير في الشعوب والحكومات عبر التلاعب وتزييف المعلومات، فالقوة الناعمة الإيرانية ترتبط ارتباطاً لا ينفصم بالأيديولوجيا والأفكار الثورية الإيرانية والتراث الإمبراطوري لها كقوة، شكلت هذه الأفكار بقوة ترجمة ورؤية آية الله الخميني للنظام السياسي داخل الشيعة الإثنى عشرية السائدة بإيران، التي اعتقد أنها الطريقة الأكثر فعالية لخلق حكومة إيرانية نموذجية، ذلك أن مفهوم الخميني للثورة الإسلامية لم يكن مقصوراً على إيران، لكن تضمن تصدير الأفكار والأيديولوجيا إلى الخارج وفقاً لشعاره (لا شرقية ولا غربية ولكن جمهورية إسلامية)، ما يوضح رغبته في المنافسة الثقافية لإيران مع كل من الشرق والغرب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشف، أن "القوة الناعمة في إيران من أعلاها إلى أدناها تتركز في يد المرشد الأعلى وعدد من المسؤولين الحكوميين، وقد حاول المسؤولون الإيرانيون، التحكم في نشر الثقافة والقيم السياسية الإيرانية بالشرق الأوسط ومناطق أخرى حول العالم بما في ذلك شعوب دول وسط آسيا الناطقة بالفارسية، والأقليات الشيعية في الشرق الأوسط وجنوبي آسيا، والسكان الشيعة وغير الشيعة في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا وأميركا الشمالية".

ويمكن فهم القوة الناعمة الإيرانية من خلال تحديها ومعارضتها الثقافة والقيم السياسية الغربية والأميركية وسياستهم الخارجية، فالقادة الإيرانيون عبروا عن قلقهم مما وصفوه بطموحات الهيمنة الأميركية على المنطقة، ويشيرون إلى دور واشنطن في الإطاحة بالحكومة العراقية إلى الغرب من إيران، والحكومة الأفغانية إلى الشرق من إيران، حسب زعمهم. كما أن إيران تكرر بين حين وآخر توجهاتها المناهضة السُّنة.

ويتناقض المنهج الإيراني مع الدول الغربية والولايات المتحدة من حيث إن القوة الناعمة في الغرب غير مركزية، وهي في جزء كبير منها بيد وسائل الإعلام وصناعة الترفيه غير الحكومية والمنظمات غير الحكومية والشركات المتعددة الجنسيات، التي غالباً ما تكون في صدام مع الحكومة، وفي حين تتمتع الولايات المتحدة وحلفاؤها بمزايا وقوى صلبة هائلة تجعل من الصعب على إيران إلحاق الهزيمة بالغرب عبر الوسائل العسكرية والاقتصادية، فإن إيران تستخدم قوتها الناعمة اعترافاً بهذه الحقيقة وكجهد استراتيجي للمنافسة بفاعلية عبر وسائل أقل تكلفة وأكثر إمكانية لتحقيق الهدف، وهي البوابة الثقافية الإعلامية.

ويؤكد التقرير، الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أنه "طالما أوضح القادة الإيرانيون بجلاء أنهم منخرطون في حرب ناعمة مع الغرب، خصوصاً مع الولايات المتحدة، إذ تروّج إيران لما تسميه بخطاب المقاومة، استنادا إلى هويتها وتاريخها، فضلاً عما تعلنه من إنجازات في قوتها الصلبة، كما أن هذا الخطاب يتم تفصيله وفقاً للظروف المحلية والجمهور المستهدف لتأسيس انتماءات ونقاط تواصل".

وتتمثل الأدوات والوسائل الإيرانية الرئيسة لشن حرب ناعمة في منظمات رسمية وغير رسمية مثل إذاعة وتلفزيون جمهورية إيران الإسلامية والمراكز الثقافية والجامعات والمؤسسات الخيرية، ومن خلال هذه المنظمات تسعى إيران إلى حفر "خنادق ثقافية" لحمايتها.

إذاعة وتلفزيون جمهورية إيران الإسلامية
تُعرف مؤسسة الإعلام، التي تديرها الدولة في إيران بـ"صدا وسيماي جمهوري إسلامي إيران"، وتعني (صوت وصورة جمهورية إيران)، لكنه يشار إليها عادة بإذاعة وتلفزيون جمهورية إيران الإسلامية، التي تأسست عقب الثورة الإسلامية عام 1979، وشعارها "لا للشرق والغرب"، في إشارة إلى الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك، ويؤكد ميثاقها هدف حكومة الخميني بتحقيق الاكتفاء الذاتي مع مبادئ أخرى، تشير إلى عظمة روح الثورة الإسلامية، وتجسيد سياسة لا للشرق ولا للغرب في جميع مجالات السياسة والثقافة والاقتصاد والشؤون العسكرية، بل والاجتماعية أيضاً.

وتواصل الدولة الإيرانية سياسة احتكار جميع محطات الإذاعة والتلفزيون وفقاً للفقرة 44 من الدستور الإيراني، ونتيجة لذلك أصبحت إذاعة وتلفزيون إيران الإسلامية مسؤولة عن جميع القنوات والمحطات الموجهة للداخل أو الخارج، وقد بدأت البث التلفزيوني الدولي عام 1997 بإطلاق خدمة باللغة الفارسية للمشاهدين المقيمين بالخارج، لكنها كثّفت وجودها الدولي بإطلاق كثير من القنوات والبرامج بلغات مختلفة، ولأن إيران تنظر إلى ساحة الإعلام الدولي، باعتبارها موقعة حاسمة في الحرب الناعمة، وجد التقرير أن "هناك عناصر دفاعية، وأخرى هجومية تتبعها إذاعة وتلفزيون جمهورية إيران الإسلامية، منها الترويج لإيران حول العالم، وتصدير الأفكار الثورية والدفاع عن الجمهورية الإسلامية، مما تعتبرها وسائل إعلام معادية مثل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) و(صوت أميركا)". ومن القنوات الرئيسة لإذاعة وتلفزيون جمهورية إيران الإسلامية:

سحر
قناة دينية لغير الناطقين بالفارسية، بدأت 1997، وتستهدف تصدير الثورة الإيرانية إلى الخارج، وتشجيع ودعم التعليم الديني، وفي 2010 انقسمت إلى قناتين (سحر 1) باللغات الآذرية، والفرنسية، والبوسنية، و(سحر 2) باللغات الإنجليزية والكردية والأردية.

العالم
تأسست في 2003 مع الغزو الأميركي للعراق، وهي باللغة العربية، وتستهدف مواجهة القنوات الفضائية العربية عبر العالم العربي.

الكوثر
تأسست 2006 بعدما خرجت من رحم قناة سحر، وهي قناة دينية باللغة العربية، تستهدف دعم مقاومة "العجرفة الدولية"، لكن تقدم منذ سنوات نشرات إخبارية بعدما تجاوزت أهدافها الدينية الثقافية.

برس تي في
أطلقت 2007 باللغة الإنجليزية، وتستهدف تقديم مفاهيم مختلفة عن وسائل الإعلام الغربية الرئيسية مثل (سي إن إن) الأميركية، و(بي بي سي) البريطانية. والقناة دائمة الانتقاد للولايات المتحدة والدول الغربية، ولديها استوديوهات في بيروت ودمشق وواشنطن ولندن.

هسبان تي في
قناة إخبارية باللغة الإسبانية، أطلقت في 2011.

آي فيلم تي في
قناة منوعة باللغة العربية، أطلقت عام 2010، وتبث أفلاماً إيرانية، وبرامج تلفزيونية مترجمة إلى العربية والإنجليزية.

شبكة كأس جمشيد
هي ثلاث قنوات باللغة الفارسية، موجهة إلى الإيرانيين في الخارج بأوروبا والشرق الأوسط وأميركا الشمالية وآسيا. وتأسست عام 1997، وتديرها شبكة تابعة إلى الإذاعة والتلفزيون الإيراني، وتحمل اسم "كأس جمشيد"، وهي كأس منسوبة إلى شخصية أسطورية فارسية، هي الملك جمشيد، كلما نظر فيها مالكها رأى ما يجري.

وهناك أيضاً قنوات داعمة وشريكة لإيران مثل قناة "المنار"، أسسها حزب الله اللبناني عام 1991 لدعم الصحف والإذاعة التابعة له.

دعم سخي
وعلى اعتبار أن جميع هذه القنوات هي جنود الحرب الناعمة لإيران، فقد كانت الحكومة الإيرانية سخية في تمويلها، إذ تؤكد مصادر عديدة للتقرير "أن إذاعة وتلفزيون جمهورية إيران الإسلامية تلقت ما يتراوح من 900 إلى مليار دولار أميركي سنوياً بين عامي 2009 و2012، لكن التمويل تراجع بسبب العقوبات الأميركية وفقاً للميزانية الرسمية المعلنة إلى نحو 410 ملايين من مارس (آذار) 2017 وإلى مارس (آذار) 2018".

ويشير التقرير إلى أن "حسابات هذه القنوات على وسائل التواصل الاجتماعي تعد إحدى واجهاتها التي تكشف حجم متابعتها، إذ تمكّنت من الحصول على إجمالي 16 مليوناً ونصف المليون (لايك) على (فيسبوك)، توزّعت على جميع هذه القنوات".

ويؤكد القائمون على التقرير، أن "النفوذ والتأثير العالمي لهذه القنوات الإيرانية يعد محدوداً مقارنة بالقنوات الدولية العديدة المنافسة، التي تحصد متابعين بعشرات  الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يتابع (بي بي سي) أكثر من 160 مليوناً، بينهم نحو 100 مليون عبر (فيسبوك) وحده، كما يتابع (سي إن إن) نحو 97 مليوناً، بينهم  نحو 40 مليوناً على (فيسبوك)، ناهيك بأن متابعي قناة (دويتش فيلا) الألمانية الممولة من الحكومة يقترب من 30 مليوناً، منهم أكثر من 20 مليوناً على (فيسبوك)".

التضليل العنيف
الغريب، أنه رغم الانتشار المحدود للقنوات الإيرانية الدولية، فإنها ما زالت منخرطة فيما وصفه التقرير بـ"حملات تضليل عنيفة" على منصات (فيسبوك)، و(تويتر)، و(يوتيوب) تشمل حسابات مزيفة وصفحات دعائية تتحدث عن دعم وتأييد الاتفاق النووي الإيراني ومعارضتها التصنيف الأخير من قبل الولايات المتحدة، التي اعتبرت فيه الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية.

ويضيف التقرير، أن "مثل هذه العمليات الإيرانية شائعة للغاية"، مستشهداً بتقييم شركة أمن سيبراني، وهي "فاير آي" لعمليات التأثير الإيرانية بأنها "ضخمة"، وتدل على أن "إيران تواصل عمليات الانخراط والتجريب لإحداث تأثير سياسي عكسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت".

منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية
أسست الحكومة الإيرانية منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية في محاولة لدعم تيار نفوذها الديني والثقافي، ومثل جميع جوانب القوى الناعمة الإيرانية، فهي أيضاً شديدة المركزية، وتُوجه من وزارة الثقافة والإرشاد الديني، لكنها تُموّل وتخضع لمكتب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.

مُهمة المنظمة هي دعم الروابط مع دول وشعوب العالم عبر تنظيم فاعليات ومعارض تعليمية ودينية وفنية، وتحاول تصدير أفكار الثورة الإسلامية ودعم الوحدة الإسلامية.

وحسب التقرير فإن "وسائل المنظمة تختلف وفقاً للظروف والثقافة المحلية، فعلى سبيل المثال، تؤكد الروابط الثقافية الإيرانية المشتركة في أجزاء من طاجيكستان وأفغانستان، لكنها تخاطب وتستهدف المجتمعات الشيعية في كل من العراق ولبنان وسوريا وباكستان".

ووفقاً للبحث الذي أجراه المركز، "يوجد لهذه المنظمة 72 مكتباً رسمياً حول العالم، وهي نشيطة في الدول المجاورة لإيران، ومع ذلك هناك مراكز ثقافية غير رسمية عديدة ترتبط بإيران وتوسع دائرة نفوذها، خصوصاً في المناطق، التي لا تريد أن تظهر فيها بشكل علني، فعلى سبيل المثال، بينما لا يوجد للمنظمة وجود ظاهر في نصف الكرة الغربي، باستثناء مكتبين في كل من نيويورك وأوتاوا، ومكتب ثالث في كاراكاس عاصمة فنزويلا، فإنها تحتفظ بنفوذ متزايد عبر مراكز ثقافية غير رسمية في المنطقة، وهناك أكثر من مئة مركز في أميركا اللاتينية وحدها".

وتعد المنظمة مسؤولة عن تعيين الملحقين الثقافيين في السفارات الإيرانية بالخارج، وتتفاعل مع النخبة الاجتماعية في الدول المُضيفة، إذ تروّج للقيم السياسية والثقافية الإيرانية، ويمثل عدد من هؤلاء الملحقين الثقافيين غطاءً لعمل الاستخبارات الإيرانية حسب التقرير.

ويضيف، "المنظمة تعتمد على مجموعات عمل تحت مظلتها بهدف تحقيق مهمتها الثقافية الدبلوماسية، مثل تجمع (آل البيت) العالمي، الذي يشرف على العلاقات مع الشيعة حول العالم، والمنتدى العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، الذي يشرف على العلاقات مع المسلمين غير الشيعة، ومركز الحضارة والحوار بين الأديان، الذي ينخرط في حوارات مع رجال دين ومراكز دينية داخل وخارج إيران".

الجامعات الإيرانية الدولية
المعهد التعليمي الرئيسي، الذي يستخدم في تصدير أفكار الثورة الإيرانية دولياً هو "جامعة المصطفى الدولية"، فوفقاً للبند التأسيسي رقم 9 بالجامعة، فإن أهدافها هي تدريب الفقهاء والخبراء ورجال الدين والباحثين والمترجمين ورجال الدعوة والمعلمين والمديرين والترويج للإسلام النقي، لكن التعاليم الدينية التي يتلقاها الدارسون في الجامعة تعكس الأفكار الشيعية المحافظة والأهداف السياسية للزعامة الإيرانية.

يقول التقرير "تخضع الجامعة مباشرة لإشراف مكتب المرشد الأعلى آية الله خامنئي، الذي يعين ويقيل رئيس الجامعة ومجلس أمنائها، ويملك وضعاً استشارياً، كما بوسعه حل إدارة الجامعة في أي وقت شاء".

وللجامعة وجود كبير حول العالم، إذ يوجد لها فروع في 60 بلداً، ومن غير المعروف عدد المنتسبين بشكل مباشر إليها بسبب وجود أربعة أنواع من الوحدات التعليمية، كما توفر دراسات تعليمية ودرجات علمية عن بعد، عبر شبكة الإنترنت (أون لاين) لغير القادرين على السفر إلى فروعها.

ولزيادة نفوذ الجامعة، افتتحت عام 2014 عدد 360 مركزاً قرآنياً خارج فروع جامعاتها، كما أن هناك 58 جامعة فرعية، معظمها خارج إيران، بما فيها لندن ودول غرب أفريقيا.

المؤسسات الخيرية
ظلت الجمعيات والمؤسسات الخيرية الإسلامية أداة مهمة من أدوات القوى الناعمة الإيرانية، بعضها كان في شكل أوقاف دينية قبل 1979.

ويشير التقرير إلى أنها "كانت تقدم المساعدات للفقراء والمحتاجين، لكن بعد الثورة الإسلامية، لوحظت زيادة في حجم وعدد هذه المؤسسات، التي يُعين المرشد مديريها، وعلى الرغم من أن هذه الجمعيات تقدم خدمات عامة واجتماعية ومعفاة من الضرائب، فإن كثيراً منها منخرط في تعاملات وأنشطة مصرفية وتجارية وصناعية".

وفي كل الأحوال تظل هذه الجمعيات والمؤسسات بمثابة حجر الزاوية الداعم السلطة الدينية في إيران، إذ تستحوذ على ما يتراوح بين 10 و20 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي لإيران.

وذكر أن "بعض المؤسسات الخيرية مثل (لجنة إغاثة الإمام الخميني) يجمع تبرعات، ويوزع أموالا لأهداف تعليمية وثقافية واجتماعية في بلدان أخرى، مثل أفغانستان وأذربيجان والعراق ولبنان وسوريا وطاجيكستان، وفي مجال الثقافة والفنون، تشجّع مؤسسة الفارابي للسينما الثقافة السينمائية، وتعد وسيلة مهمة لنشر الأيديولوجيا والأفكار الإسلامية، كما تشرف جمعيات ومؤسسات أخرى على مكتبات ومتاحف وتنشر مواد ثقافية إسلامية بالإنجليزية والعربية والفارسية والأردية والتركية".

مواطن الضعف الإيرانية
يخلُص التقرير إلى استنتاجات مهمة، إذ يقول "رغم أن القنوات والمنافذ الإعلامية الإيرانية لم تحقق وصولاً جيداً لجمهورها المستهدف مقارنة بالقنوات الغربية، فإن القوى الناعمة الإيرانية ما زالت مثيرة للقلق، ذلك أن إيران ما زالت تتوسع في دعاياتها حول العالم، وتدير حملات تضليل معلوماتية بأخبار كاذبة، وتعمل على تصدير الأفكار الثورية عبر شبكة تنمو مع الوقت من شبكات التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي والمراكز الثقافية والمنصات الأخرى الرسمية وغير الرسمية".

وذهب إلى "أن الحرب الناعمة الإيرانية تعاني نقاط ضعف حاسمة، فالنظام السلطوي والمنهج الإداري من أعلى لأسفل يعوق مصداقية وجاذبية الرسائل الإعلامية والثقافية، كما أنها تشجع على الفساد، فالبرامج الإيرانية تطغى عليها تصريحات وبيانات المسؤولين الإيرانيين، مما يُضعف من موضوعيتها وحياديتها".

كما أن "المؤسسات والجمعيات الخيرية كانت متهمة بعدم الكفاءة وإهدار الأموال وسوء الإدارة والفساد، وتنافس القطاع الخاص الإيراني، لكنها تتمتع بميزة فوقية عليه بسبب علاقاتها السياسية، فضلاً عن إعفائها من الضرائب".

ومع نقاط الضعف هذه، تُصبح إيران عُرضة لحملات إعلامية معلوماتية غربية أميركية تسلط الضوء على هذه المشكلات أمام الشعوب داخل إيران وخارجها.

مواجهة الحملات المعلوماتية الإيرانية
المركزية الشديدة في إيران تجعل من السهل استهدافها، حسب التقرير، بإزالة محتوى الإنترنت من قبل شركات التواصل الاجتماعي مثل (فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب) وغيرها من المنصات، التي تمكّنت من إزالة مئات من الحسابات المزيفة والصفحات المرتبطة بالإذاعة والتلفزيون الإيرانية والقنوات التابعة له، ومنها ما يتعلق بمعاداة الولايات المتحدة ضمن حملات التأثير الإيرانية، كما عرقلت "غوغل" في 2018 محاولات قرصنة إيرانية وهجمات سيبرانية مرتبطة بالإذاعة والتلفزيون الإيراني.

آراء سلبية
يقول التقرير "إن استطلاعاً للرأي أظهر أن الآراء السلبية تجاه إيران تزايدت أو ظلت منخفضة في كثير من دول العالم الإسلامي بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

وأشار إلى أن "إيران والولايات المتحدة يتمتعان بأقل شعبية مقارنة بدول إقليمية وقوى دولية أخرى، أمَّا خارج الشرق الأوسط فقد أشارت استطلاعات الرأي أيضاً إلى أن شعبية إيران تراجعت أو ظلت منخفضة في أوروبا وأميركا الشمالية وآسيا وأميركا اللاتينية بما فيها دول ذات أغلبية إسلامية مثل إندونيسيا وماليزيا".

الاستثناء الجدير بالذكر، حسب التقرير، كان في لبنان، إذ "إن قطاعاً مهماً من الناس ظلوا متعاطفين مع إيران، ويشارك حزب الله في الحكومة اللبنانية، أمَّا العراق، حيث توجد أغلبية شيعية به، فإن تأييد إيران تراجع بنسبة 30٪؜ بين 2015 و2018، كما ارتفعت نسبة الشيعة العراقيين، الذين يرون أن إيران تمثل تهديداً للسيادة العراقية من 25 إلى 58٪؜".

نجاح القوى الناعمة الأميركية والغربية
ويعرض التقرير المخاوف، التي تعتري القادة الإيرانيين من أن الشعب الإيراني أصبح منجذباً تجاه القيم السياسية والثقافية الغربية، وهم قلقون مما يسمونه "التغريب"،  كما عبّر خامنئي نفسه عن القلق تجاه توجهات الجيل الجديد من الشباب، الذين يتعرضون بشكل أكبر للفضاء السيبراني والإنترنت والقنوات الفضائية، ولهذا يرى التقرير أن هناك "حركة تتجه من أسفل إلى الأعلى في إيران تسعى لمواجهة رسائل النظام الإيراني من الداخل، بدليل آلاف المتظاهرين الذين احتجوا على السياسات الاقتصادية والسلطة الدينية لخامنئي وقمع المرأة والفساد، لكنها ظلت احتجاجات منفصلة شملت الطلاب تارة، واتحادات العمال تارة أخرى، ولم تتوحد بعد".

وينتهي التقرير إلى أن "المكوّن الرئيسي لمنافسة إيران في حرب القوى الناعمة يجب أن يرتكز إلى الأيديولوجيا، فالحملات الإعلامية الأميركية ضد الاتحاد السوفييتي السابق كانت حاسمة في الفوز بالحرب الباردة، وأن قوة الولايات المتحدة، التي تكمن في القيم الديموقراطية والالتزام بحرية واستقلال الإعلام هي أيضاً موطن ضعف النظام الإيراني".

 وينصح، بأنه "على الولايات المتحدة والشركاء الغربيين ووسائل الإعلام والقطاع الخاص، العمل على زيادة تغطية التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه النظام الإيراني"، مؤكداً أن "برنامج حرية الإنترنت التابع للخارجية الأميركية، الذي يسعى إلى مواجهة جهود النظم السلطوية كالنظام الإيراني في السعي إلى حظر ومراقبة الإنترنت، حقق نجاحات في مساعدة مواطنين إيرانيين في تجاوز القيود الإيرانية باستخدام برامج معينة، كما على الولايات المتحدة زيادة ميزانياتها لدعم حملات الإعلام والمعلومات ضد إيران، ذلك أن أفضل هجوم ضد النظم السلطوية قد لا تكون بالوسائل العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، لكن بالقوى الناعمة".

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة